السابعي: القيم والأخلاق .. رعاها الإسلام في كل شيء

ول الأنبياء نماذج رائعة للعقول الكاملة لا تخطئ لأنها راقية لم تتأثر بالبيئة

عناصر في منظومة الكيان البشري متحدة بين سائر الأديان والشعوب والرسالات

قال فضيلة الشيخ الدكتور ناصر بن سليمان السابعي: إن القيم والأخلاق عناصر في منظومة الكيان البشري متحدة بين سائر الأديان والشعوب والرسالات، إلا أنه ليس هناك تشريع ولا نظام كنظام الاسلام في رعايته لها.وأوضح فضيلة الشيخ أن صراع القيمتين «الخير الشر» منذ ابليس وآدم عليه السلام، ودعا الى ضرورة تربية الانسان على المثل والقيم من زوجة وولد وطالب وغير ذلك.

وأكد السابعي أن عقول الأنبياء نماذج رائعة للعقول الكاملة لا تخطئ لأنها راقية لم تتأثر بالبيئة.

وبيّن أنه ليكون حكم العقول حكما صحيحا لا بد من تحريرها من جميع المؤثرات وعند اختلافها يحتكم إلى «الوحي»، وأن المعاني المجردة التي تتفق عليها كل العقول وحمتها جميع الشرائع وقدستها الشرائع السماوية لا تتحول.. وإلى ما جاء في المحاضرة.

بدأ السابعي محاضرته بقوله: إن ديننا الإسلامي العظيم يتفرد دون سائر الملل والشرائع والأديان بأنه دين القيم والأخلاق ومهما وجدت من منظمات أو مؤسسات أو قوانين أو شرائع تتجه نحو غرس القيم الانسانية الرفيعة والمبادئ الأخلاقية السامية فلن يكون هناك تشريع ولا نظام كنظام الإسلام في رعايته للقيم والأخلاق.فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» وفي بعض الألفاظ «إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق» وهذا الحديث روي من طريق أبي هريرة رضي الله عنه عند الامام أحمد في المسند وعند البخاري في الأدب المفرد وليس في الصحيح وعند الطبراني من طريق جابر بن عبدالله وفي بعض أسانيده ضعف ولكن ترتقي تلك الأسانيد ليكون هذا الحديث حديثا حسنا أو صحيحا «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» ومن هذا الحديث ننطلق لصياغة مفهوم شامل وواضح حول القيم والأخلاق مما يعني أن القيم والأخلاق عناصر في منظومة الكيان البشري متحدة بين سائر الأديان بين سائر الأقوام وسائر الشعوب وجميع الرسالة التي بعث بها الله تعالى أنبياءه عليهم الصلاة والسلام.

ويضيف، جاء النبي ليتمم معنى ذلك أن الأخلاق والقيم سلسلة من المعاني متتالية مترابطة بين الحين والآخر فمنذ بدء الخليقة وجدت القيم والأخلاق والمبادئ والمنحرف عنها منحرف عن سواء السبيل منذ أن خلق الله تعالى آدم والقيم لم تتبدل ولم تتحول، لن تجد عند قوم الرحمة شيئا جميلا وعند آخرين تكون الرحمة شيئا سيئا، لن تجد الكرامة والشجاعة والمثل العليا والعدل والحرية لن تجدها عند أقوام يفرحون بها وعند أقوام يحزنون بسببها كلها معانٍ ثابتة، فالنبي عليه الصلاة والسلام رسالته جاءت مكملة متممة سواء جاءت هذه المعاني من خلال رسالات سماوية وكتب إلهية او اتفقت عليها العقول.

قدر مشترك

ويبيّن السابعي أنه قد يقول انسان إن بعض القيم عند قوم يأباها أقوام آخرون، الشيء الذي ينبغي التركيز عليه أن العقول وان كانت تتفاوت في تصوراتها ومرئياتها وأحكامها لكن هناك قدرا مشتركا بين جميع العقول تتفق عليه ستختلف العقول في الحكم على الشيء بأنه حسن والحكم على الشيء الآخر بأنه قبيح ولكن ستتفق على شيء ما أنه حسن، ولكن هذا ليس في اطار القيم والمبادئ وانما في الآراء في العادات في التصورات الناشئة من جراء تأثيرات البيئة والمحيط بالانسان تختلف نظرة العقول إلى المعاني والحقائق، أما المعاني والحقائق المجردة فتتفق العقول عليها بالحسن او القبح لذلك يقول علماء الكلام والفلاسفة «إن العقل المجرد لا يخطئ في الأحكام» العقل المجرد، وهو الذي يسميه بعض علماؤنا وهو الشيخ بشير بن محمد بن محبوب يسميه «العقل الكامل» فالعقل الكامل لا يخطئ فلذلك عقول الأنبياء نماذج رائعة للعقول الكاملة لا تخطئ لأنها راقية لم تتأثر بالبيئة.أما نحن عندما ننتقل من بيئة الى بيئة فإن تصوراتنا تتغير وتختلف وتتبدل نحو الأشياء والمعاني وحتى نحو الحقائق أحيانا وربما تتفاوت الأمور من عمر الى عمر آخر تتفاوت من بيئة الى بيئة أما عقول الأنبياء فكاملة، أحكامها في الصغر هي أحكامها في الكبر وأحكامها في مكان هي أحكامها في مكان آخر، حكم النبي عليه الصلاة والسلام على الشيء وهو في بيئة مكة المكرمة كحكمه على الشيء نفسه في بيئة المدينة المنورة، أما من دون الأنبياء الذين يتأثرون بمؤثرات البيئة والعوامل الزمانية والمكانية فتختلف أحكامهم تجاه الأشياء، ولهذا يجب أن نحرر العقول لكي يكون حكمها حكما صحيحا يجب أن نحررها من جميع المؤثرات.

 

أمثلة..

ويوضح الشيخ السابعي، إذا أردت أن أضرب مثالا واضحا على ذلك وسألت هل هناك عقل يستسيغ العقل؟، لا أظن، أن العقل المجرد غير المشوب بالعواطف والمؤثرات يرى أن القتل شيء حسن جميل، لا يوجد عقل يقول بذلك، ولكن عقل ولي المقتول يرى أن قتل القاتل شيء حسن بينما يرى أولياء القاتل أن قتل هذا الانسان ربما يرونه شيئا قبيحا تتفاوت التصورات هناك عواطف مؤثرات، أولياء المقتول عواطفهم مشحونة بالهم والحزن والغضب والرغبة في الانتقام ولذلك يرون أن قتل القاتل شيء جميل أما هذا القاتل نفسه قد لا يرى اقامة الحد عليه شيئا حسنا وكذلك أصحابه وأولياؤه قد لا يرون قتل القاتل شيئا حسنا اذن هنا لا نستطيع أن نلجأ الى العقل في الحكم ولهذا نلجأ الى ما أعلى وأرفع من العقل ألا وهو «الوحي» نحتكم اليه حين تختلف العقول.مثال آخر ما حكم زواج الانسان من اخته؟ هل تتخيل أن زواج المرء من أخته شيء تستحسنه النفس لا أظن، لكن هذا الحكم انما نتج من شريعتنا اما في شريعة آدم عليه السلام كيف تزاوج أبناء آدم وبناته، يتزوج الواحد منهم أخته، ليست هناك صورة لتوالد الناس من ابناء آدم عليه السلام الا بزواج الأخ من اخته لأن المسلمين اتفقوا على أنه لم يكن هناك خلق غير آدم وخلقت له حواء ثم من نسل آدم وحواء توالد الناس، اذن كان الأخ يتزوج أخته لكي يتناسلوا، في شريعتنا زواج الأخ من أخته حرام وقبيح اذن لا تستطيع العقول أحيانا أن تحكم الا باللجوء الى الوحي كل هذا معناه أن القيم والمبادئ في الأصل ثوابت في حياة الناس فإذا تصارعت عليها واختلفت فيها فإنما يكون لوجود مؤثرات وحينئذ نلجأ الى الوحي في اقرار المعاني واثبات القيم والمبادئ والاخلاق والحقائق.

النبي عليه الصلاة والسلام جاء متمما لهذه المعاني، كل المعاني التي سبقت النبي عليه الصلاة والسلام واتفقت عليها الفطر السليمة والرسالات السماوية وشرائع الانبياء لم يأت ديننا ليلغيها.

 

الشريعة اتفقت على ثلاثة أشياء

ثم تطرق السابعي الى أن شريعة الإسلام اتفقت على ثلاثة اشياء، الشيء الأول القضايا الايمانية، قضايا التوحيد الايمان بالغيب الايمان بالرسل الايمان بالأنبياء الايمان بالملائكة الايمان باليوم الآخر بالجنة بالنار، جميع الأنبياء والرسل جاؤوا بالتوحيد وتنزيه الله تعالى، والايمان بمفردات الايمان.

الشيء الثاني، أركان الإسلام، الصلاة وهي موجودة من زمان ابراهيم عليه السلام «رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ» وفي وصف اسماعيل عليه السلام «وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا ، وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا» اذن الصلاة والزكاة والصوم «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ» والحج «وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ» هذه أركان، اذن قضايا الايمان وأركان الإسلام حقائق ثابتة في جميع الرسالات.

الشيء الثالث، القيم والأخلاق، لا تكون الرحمة في دين أو في شريعة سماوية شيئا حسنا وتكون الرحمة في شريعة أخرى شيئا قبيحا إلا إذا اختلفنا في مفهوم الرحمة، مثلا يأتي شخص ويقول عقاب فلان تأباه النفس ينكره العقل اذن هذا لا يفهم الرحمة، أحيانا ايضا تأديب الولد هل هو قسوة عليه أم رحمة به؟ وإقامة العقوبات هل هي قسوة على الفاعل أم رحمة به؟ تختلف التصورات، بعض العقول ضعيفة تنظر الى ظواهر الأشياء وتغيب عنها حقائقها تغيب عنها البواطن، شريعتنا راعت جوانب القيم والأخلاق في كل شيء.

وقال: جزئيات الدين الإسلامي ثلاثة، قضايا الايمان: التي يسميها العلماء بالعقيدة أنا أفضل تسميتها بالإيمان، الايمان هو المصطلح الايمان «آمَنوا»، «آمِنو»، «إلا الذين آمَنوا».

ثانيا الشريعة: تتعلق بها جميع الشريعة بمجموع العبادات والمعاملات وفقه الجنايات وفقه الأسرة.

والشيء الثالث: المبادئ والمعاني، هذه جزئيات الدين هل في العقيدة مراعاة لجوانب القيم؟ نعم، حينما ترتبط مفاهيم العقيدة بقضايا فيها وعد ووعيد فيها جنة ونار، اذن القيم والمعاني بارزة بشكل قوي، الايمان بالله سبحانه وتعالى، ما القيمة التي تكسبها من ايمانك بالله عز وجل؟، التجرد من جميع الأغراض من جميع الشوائب من الرياء من حب المظاهر من حب المناصب من حب الظهور من حب الثناء، الاخلاص عنصر فاعل في حياة الانسان المؤمن هذه قيمة عالية ولذلك أكد القرآن الكريم على قضية الاخلاص مثلا بشكل عجيب جدا باللفظ الصريح «مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ» وبمعنى آخر أشد قوة «تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ» قيمة رفيعة يكسبها الانسان من ايمانه بالله تريد العلو قيمة نازلة سافلة تريد الفساد قيمة نازلة.

يجب أن تكون القيمة اعلى وارفع ما تكون «تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ» هل تستطيع ربط حياتك العملية بهذه القيمة الايمانية، يوسف عليه السلام حينما يقول للملك «اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ» من هذا الذي يطلب المنصب فقط لله سبحانه وتعالى، يحتاج الى تجرد تام، لأن المسألة فيها محاسبة ليست هنا ، تكون في يوم آخر، حتى الآن أصبح الناس يحاسبون الانسان على النمير والقطمير «تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ» من هذا الذي يريد جاها وهو لا يقصد إلا الله والدار الآخرة، هذه قيمة واحدة من الايمان بالله سبحانه وتعالى، وعدد جوانب الايمان بالله كلها، الايمان بالله فيه الاخلاص واليقين والثقة بالله والصبر على البلاء وفيه الرضا بالله وفيه استشعار معنى الاحسان حينما تكون في العمل وتعلم ان الله يراقبك «التدريس أو امامة المساجد أو الوعظ أو ادارة المدرسة أو إدارة المنزل أن تكون وزيرا أو أن تكون حاكما أو أن تكون أيا ما شئت.. كل ذلك عمل» تستشعر معنى الاحسان أن تعمل له كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك، ما القيم المتولدة عن معنى الاحسان؟ استشعار مراقبة الله تعالى، هذا فقط في جانب واحد في الايمان بالله، دعوا الايمان وباليوم الآخر وما فيه، والايمان بالملائكة والرضا بالقضاء هذه في جوانب الايمان، اذن هناك قيم مثلى متولدة من جميع جزئيات الايمان وقضاياه.

 

الأمانة..

أما في أمور الشريعة، حينما يأتينا أبو علاء المعري وينتقد عقوبة السارق وهو قطع اليد ويقول:

يد بخمس مئين عسجد ودية

ما بالها قطعت في ربع دينار

تعلمون ان الانسان اذا اعتدى على شخص وأتلف عضوا مكررا فقيمة العضو هذا نصف الدية، فيقول ابو العلاء:

«يد بخمس مئين عسجد ودية»، تدفع لها الدية خمسمائة دينار ذهب حسب التقدير في زمانه، «ما بالها قطعت في ربع دينار» تقطع اليد اذا سرقت قيمة ربع دينار فصاعدا كما ورد في الحديث النبي صلى الله عليه وسلم من طريق عائشة رضي الله عنها «القطع في ربع دينار فصاعدا» وفي رواية «لا تقطع اليد الا في ربع دينار فصاعدا»، يقول أبو العلاء المعري لماذا تقطع اليد في ربع دينار ولكن اليد اذا كسرها شخص يدفع لها نصف الدية»

يد بخمس مئين عسجد ودية

ما بالها قطعت في ربع دينار

تناقض ما لنا إلا السكوت به

ونستجير بمولانا من العار

هو يستهزئ بالشريعة فأجابه أحد العلماء قائلا:

قل للمعري عار أيما عري

جهل الفتى وهو عن ثوب التقى عار

لا تقدحن زناد الشعر في حكم

شعائر الشرع لم تقدح بأشعار

فقيمة اليد نصف الألف من ذهب

وان تعدت فلا تسوى بدينار

عز الأمانة أغلاها وأرخصها

ذل الخيانة فافهم حكمة الباري

أكبر العار أن يجتمع في الانسان جهله وفسقه.

ما الذي جعل اليد غالية؟ قيمة الأمانة. « إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ» وحفيظ معناه أمين، ولهذا لا تولّي المسؤولية إلا الأمين عليها العليم بها أي الذي يحسن التدبير، يحسن شيئين «الإدارة» بالتعبير المعاصر والأمانة بمعنى اتقان العمل ويحفظ أسراره ويحافظ وينضبط.

كل جزئية من الشرائع كالصلاة فيها قيم كثيرة «الاخلاص طهارة النفس خلو النفس من الرياء والحقد والظن..» وكذلك الصوم والحج ومع الأسرة «الاحترام بين الزوجين وتربية الاولاد على الاخلاق والقيم».

برنامج ..

شاهدت مرة برنامجا عن السجون الجرائم التي يديرها بعض المجرمين من خلال السجن، كبار المجرمين يدبرون الجرائم من السجن، اذن ليست كل العقوبات لأنها ليست عقوبة الهية اسلامية.وميزة العقوبات الإسلامية انها ليست أقل من الجرم ولا أكثر منه، أحيانا قد تكون بعض العقوبات أكثر من الجريمة وقد تكون أقل، اذا كانت أقل من الجريمة انت لم تعاقبه عقوبة سليمة فقد يعود، واذا كانت أكبر فيه ظلم ، حتى في تطبيق العقوبة يجب ان يكون الانسان عادلا.

وفي قصة الصحابي عندما أراد أن يقتل المشرك في الحرب رفع السيف ليقتله فبصق المشرك في وجه الصحابي فتركه لم يقتله خشية من أن يكون في نفسه شيء من الانتقام او الانتصار للنفس حتى في مثل هذه الموضع الصعب «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ».

منذ ابليس وصراعه مع آدم عليه السلام صراع القيمتين «الخير الشر» ، يا إبليس ما منعك …«طين» هكذا حكم الشيطان بأنه خير منه اذن هذا الصراع بين الحق والباطل، المشكلة ليست في مجرد الصراع بين الحق والباطل، المشكلة الحقيقية والكبرى ان الحق يجعله بعض الناس باطلا ويجعلون الباطل حقا، هنا الصراع الحقيقي والمشكلة العظمى.

قابيل وهابيل حدث بينهما صراع في ماذا في قيمة ولكن انظروا الى مشهد الصراع «لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ» قرأت لأحد علمائنا أنه في زمن في حياته بعض الناس ينتهكون بعض حرم الدين هذا العالم في فترة من الفترات جهل فقتل انسانا وبعد أن أكرمه الله تعالى بالهداية والتوبة وعاد الى الله ندم وأراد أن يتخلص من التبعة وذهب وبحث عن أولياء القتيل ووجد امرأة عجوزة فأخبرها أنه نادم وتائب ويريد أن يتخلص وجاءها ومعه الدية قال إن شئت أن تقتصي أو الدية، فقالت أريد القصاص، فنفسه للقتل لها واتفق معها على أن ينام وتلقي صخرة من مكان عال على رأسه، فنام وفعلا ألقت الصخرة على رأسه ولكنها تعمدت أن تقع الصخرة بعيدا عن رأسه لترى صدقه فبعد أن رأت صدقه قالت له لا أريد القصاص ولا أريد الدية. فمن الذي يستطيع عرض نفسه لمثل ذلك؟ ومن هذا الذي يستطيع أن يدعي أنه خير من فلان؟ هذه قيم ومعاني.

في حياة الأنبياء وفي حياة الشعوب كثير من القيم والمعاني تصارع الناس حولها، كل قوم او شعب او أمة لهم قيمهم وأخلاقهم ومبادئهم حتى ان كل واحد منا له قيمه الخاصة، أحيانا تكون هذه القيم الخاصة متسقة مع القيم العامة وأحيانا تكون له قيم خاصة تختلف مع قيم الناس ومع القيم التي يتفق عليها الآخرون.

 

زمان الأفكار

ويشير السابعي إلى أننا نعيش في زمان الأفكار زمان أصبحت المبادئ هي المحرك أصبحت القيم هي العامل والدافع الرئيسي للإنسان كل انسان له قيمه بعض الناس مادي في قيمه وبعضهم المثل والجوانب الاخلاقية لديهم أحسن شيء، وهذا من زمان عنترة:

وأغض طرفي إن بدت لي جارتي

حتى يواري جارتي مأواها

عنده قيمه:

سيذكرني قومي إذا الخيل أقبلت

وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر

يعيبون لوني بالسواد جهالة

ولولا سواد الليل ما طلع الفجر

له قيمه الخاصة مهما كان الانسان ولو كان عبدا رقيقا القيم هي التي ترفع الانسان لذلك هو شجاع وكريم وبطل من الأبطال، ورجل شريف يغض الطرف عندما تمر جارته احتراما لنفسه ولها، بينما العكس هناك أناس قيمهم مادية قيمهم أحيانا «حسية لذة ومتعة».

إن تربية الانسان على المثل والقيم من زوجة وولد وطالب وغير ذلك شيء ضروري.

كل القيم غير المجردة تتغير وتتحول، الماديات والمحسوسات. أما المعاني المجردة التي تتفق عليها كل العقول وحمتها جميع الشرائع وقدستها الشرائع السماوية لا تتحول «ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا» ربي ولدك على هذه القيم لا تغرس فيه الانانية والغرور والنزق والطمع والغش والكذب والخيانات هذه تنشأ مع الانسان، هذا على مستوى الأفراد.

على مستوى الشعوب هناك عادات وتقاليد ليست هنالك عادة أفضل من عادة عند شعب آخر إلا بمقدار قرب هذه العادة او بعدها عن الحق والباطل.

-------------

جريدة عمان: الجمعة 21 محرم 14365 هـ - 14 نوفمبر 2014م

متابعة: سيف بن سالم الفضيلي