أهل عمان نأوا بأنفسهم عن الفتن ولم ينفصلوا عن العالم الإسلامي

أهل عمان نأوا بأنفسهم عن الفتن ولم ينفصلوا عن العالم الإسلامي

الإسلام يدعو للألفة والاجتماع.. ولا يُدان بتصرفات أهله

متابعة: سالم بن حمدان الحسيني –

أكد سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة أن مسؤولية الوحدة بين الشعب وبين أبناء الوطن الواحد هي مسؤولية إنسانية واجتماعية يفرضها واقع الحياة البشرية.. وشدد سماحته النكير على دعاة الفرقة الذين يسعون إلى تشكيك الأمة وتمزيق جمعها وفل حدها وإضعاف قوتها.. مشيرا إلى أن القرآن الكريم دعا إلى الاجتماع والألفة والمودة والحنان وحذر من التفرق والاختلاف والتشرذم والتنابز بالألقاب.

وأوضح سماحته أن الصحابة الكرام عندما حافظوا على تعاليم الاسلام ولم يفرطوا فيها مكّن الله لهم في الأرض واستطاعوا أن يحملوا رسالة الإسلام الداعية إلى الود والتفاهم والانصاف.

وأكد سماحة المفتي أن أهل عمان لم يفصلوا أنفسهم عن العالم الاسلامي وإنما رغبوا أن يكونوا في منأى عن الفتن وتسلط الجبارين الذين يحكمون في الأرض بغير شرع الله ويؤثرون هوى أنفسهم عن طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم.

وقال سماحته: إنني لا أحمل همّ الوطن وحده وانما أحمل همّ الأمة جميعا وسوف اوجّه رسالة أيضا إلى الأمة الإسلامية أدعوها إلى الاستعلاء على هذه الفتنة التي تضطرب تحت أقدامها وتسري في اوصالها.

ودعا سماحته كتاب الشبكات أن يتقوا الله فيما يكتبون وأن يكتبوا بروية وعلم وتبيّن حتى لا تكون كتاباتهم مثار فتنة بين الناس.. مؤكدا على ضرورة أن نوصد باب الفتنة أمام من دعا إليها.

كما دعا الشباب إلى أن يدرسوا الدين من الكتاب العزيز لا من مخلّفات القرون ومن السنة الصحيحة الثابتة لا من التي يروّج لها المروجون وهي غير ثابتة عنه صلوات الله وسلامه عليه، مؤكدا أنه عندما يعتصم الشباب بهذه الاصول الثابتة سيصلون إلى فهم الدين الصحيح وسيستعلون على هذه المفاهيم الخاطئة البعيدة عن الاسلام.

وأضاف: إن الإسلام لا يدان بتصرفات أهله وهو ليس أداة عذاب وفرقة وشقاق وتنافر وإنما هو سبب للألفة ولاجتماع الكلمة وتآلف القلوب ومحبة الناس بعضهم لبعض.. جاء ذلك في ثنايا حديث سماحته عند استضافته في برنامج سؤال أهل الذكر بتلفزيون سلطنة عمان.. فإلى نص اللقاء:

الرسالة التي وجّهها سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة إلى الشعب العماني والتي حملت عنوان: «مسؤولية الشعب العماني في الحفاظ على وحدته».. دعاهم فيها إلى الاستمساك بما توارثه هذا الشعب أبا عن جد من التسامح والتآخي والترابط والتعاون على الخير.. مشيرا إلى أن تلك هي صبغته الحضارية التي تميز بها فاغتبطته الشعوب وتطلع إلى خصائصه العقلاء وأكبره الحكماء.

 

لا للتفرق والنزاع

 

وأضاف قائلا: كم من عالم مفكر وسياسي حكيم سجّل لهذا الشعب شهادة تعد وساما على صدره وتاجا فوق هامته، فان كل من درس تاريخ هذا الوطن وشعبه الكريم لا يجد فيما بين أبنائه في أدوار تاريخه أي شقاق أو نزاع يعود إلى عصبية مذهبية أو نزعة عرقية.. وفي هذا اللقاء وقفة مع الشيخ مع هذه الرسالة وما فيها من توجيهات وارشادات ودعوة إلى الوحدة والاتحاد.

يقول الشيخ في بعض هذه الرسالة: ان ما نحمد الله تعالى عليه هو أن نرى وطننا العزيز عمان في منأى عن مياه زوابع تلك الفتن ومأمن من لهيب سعيرها المحرق فقد توارث هذا الشعب الأبي التسامح والتآخي والترابط والتعاون على الخير أبا عن جد.. وهذه هي صبغته الحضارية التي تميز بها فاغتبطته الشعوب وتطلع إلى خصائصه العقلاء وأكبره الحكماء..

 

مسؤولية إنسانية

 

سماحة الشيخ.. ماذا يعني للناس أن يحافظوا على وحدتهم وتماسك أوطانهم؟

 

إن الانسان مهما أوتي في هذه الحياة من طاقات وامكانات وتبوأ فيها بين الناس مكانا عليا هو بحاجة الى الآخرين، فلذلك لابد من التعارف، ولابد من التآلف، ولابد من التفاهم والوئام، فمسؤولية الانسان انما هي مسؤولية مدنية لأن الانسان مدني بطبعه مجتمعي بفطرته فلا يمكن أن يستغني عن الآخرين.

وأضاف قائلا: اذا كانت هذه الظاهرة هي ظاهرة الجنس البشري بأسره فان أصحاب الوطن الواحد هم أولى بأن يكونوا مترابطين متفاهمين متعاونين على كل ما ينفعهم وهذا ما بدأ به الاسلام عندما نشأت دولتهم الاولى في المدينة المنورة.. عندما كتبت تلك الوثيقة التي جمعت المسلمين وجمعت من في المدينة من اليهود وغيرهم فكانوا جميعا مترابطين بحسب تلك الوثيقة وان خاس من خاس فقد خاس اليهود عن ذلك العهد فخرجوا عنه ونبذوه وإلا فالأصل ان الاسلام دعاهم للانضمام بعضهم الى بعض فإذن هذه رسالة الاسلام.. رسالة تدعو الى الترابط والتعاون والتآزر.

واشار الى أن أبناء المسلمين هم احرى بأن يحملوا هذا الشعار فيما بين الناس جميعا وان يشقوا هذا الطريق وأن يكونوا رادة وفاق ما بين الجنس البشري.. هذه مسؤوليتهم لأن هذا الدين دين رحمة.

مشيرا الى ان مسؤولية الوحدة بين الشعب وبين ابناء الوطن الواحد انما هي مسؤولية انسانية ومسؤولية اجتماعية يفرضها واقع الحياة البشرية الذي يتطلب هذا التفاهم وهذا الوئام فيما بين هذه الشعوب البشرية.

 

الدين النصيحة

 

سماحة الشيخ الشعب العماني الآن وكما ذكرتم يعيش حالة من التماسك والتآزر والتعاون وهو مستمر على ذلك بحول الله.. في أي سياق تأتي رسالتكم إليه؟

 

بطبيعة الحال هي دعوة الى الاستمرار على هذا التماسك، فمن المعلوم اننا نحس بألم كبير عندما نرى أن أمة الاسلام بينهم التناحر والخلاف والشقاق.. يوقد بعضهم نار الفتنة فيما بينهم واذا بهذه النار تلتهم الجميع، تلتهم الموقد والموقد له، لا تبقي ولا تذر، تأتي على الاخضر واليابس، وتذهب الحرث والنسل وتقضي على الطارف والتليد، لا يبقى للأمة من خلال هذه الفتن ما تعتز به وتتمسك به، فلذلك علينا ان نكون يقظين وعلينا ان نكون مثالا ما بين هذه الشعوب جميعا في التماسك وفي الوحدة، وفي الوقت نفسه نقدم النصيحة اليهم، لأن الدين النصيحة.

وأضاف سماحته: نحن نريد الخير للجميع فمن شأن المؤمن ان يريد الخير لا لنفسه فحسب بل لنفسه ولغيره (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه).. فنحن نحب الخير لجميع امة الاسلام بل نحب الخير للانسانية بأسرها ولذلك نسعى الى ان تترابط هذه الامة بهذا الرباط.. رباط الايمان.. رباط الوحدة.. رباط الاخوة (المسلم للمسلم كالبنيان يشد بعضه بعضا).. (المسلم اخو المسلم لا يقتله ولا يخذله ولا يحقره ولا يسلمه، حسب امرئ من الشر ان يحقر أخاه المسلم.. كل المسلم على المسلم حرام.. دمه وماله وعرضه) وبالتالي بهذا ايضا الدماء البشرية بأسرها لها حرمات.. الله سبحانه وتعالى يقول: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا) فإذن علينا ان ندرك هذه المثل التي جاء بها ديننا الحنيف.

وأوضح اننا نحن كشعب ورث هذه الخصائص الحضارية علينا ان نحافظ هذه الخصائص الحضارية وان نفعّلها في حياتنا ومع ذلك ايضا علينا بقدر المستطاع ان ندعو الى هذا الفكر وان ندعو الى هذا التسامح رجاء ان يستجيب من يستجب وان تطفأ نار الفتنة وأن ينزع فتيلها وهذا ما نرجوه.

 

المطالبة بالحقوق

 

سماحة الشيخ في موضوع مطالبة الانسان بحقه.. هذه جدلية اثارت زوبعة في العالم الاسلامي مؤخرا عندما بدأت الثورات وانتهت بالكثير من الآلام.. كيف يوفق الانسان بين مطالبته بحقه وبين المحافظة على وحدته واستقراره؟

 

المطالبة بالحق يجب ان تلقى أذنا صاغية وأن تلقى استجابة فلابد للإنسان أن يطالب بحقه.. والمطالبة بالحق ليس عليها اي غبار وليس فيها اي حرج بخلاف محاولة التسلط ومحاولة بث الفرقة ومحاولة الافساد ومحاولة السعي إلى تشتيت شمل الامة وتمزيق جمعها.. هذا هو الذي لا يمكن ان يتقبل في الاسلام، اما المطالبة بحق فلكل احد ان يطالب بحقه وانما مع ذلك على الكل ان يرعى الحرمات.. فالحرمات هي خط أحمر لا يمكن لأي أحد أن يتجاوز حرمات الدين وحرمات الانسانية وحرمات الاعراض وحرمات الحرية البشرية.. هذه الحرمات يجب أن تراعى ولكن مع ذلك الانسان يطالب بحقه.

 

لماذا انفرط العقد؟

 

سماحة الشيخ قدمتم في الرسالة ذكرا للصحابة رضي الله عنهم وما تحقق لهم في ظل الاسلام من وحدة وحضارة.. كيف نفهم بأنها لم تكن وحدة روحية وايمانية تساقطت معها اطماع الدنيا وزهّدت الناس في الانصبة السياسية في ظل ما لحق بصفوفهم بعد ذلك من انقسام؟

 

هذه الوحدة على اي حال كانت عندما كان العهد جديدا بين الامة في ذلك الرعيل الاول وذلك الجيل الذي تربى على يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وامتزج القرآن الكريم بكيانه.. امتزج بعقله وروحه وقلبه وجسمه وامتزج بلحمه ودمه وعظمه وبكل شيء منه.. ذلك الجيل حافظ على تعاليم الاسلام ولم يفرط في هذه التعاليم ولذلك مكّن الله سبحانه وتعالى له في الارض وآتاه ما آتاه من التمكين واستطاع ان يحمل هذه الرسالة الى العالمين رسالة الود والتفاهم ورسالة الانصاف للجميع وتبوأت الانسانية من خلال هذه المجموعة التي رباها النبي صلى الله عليه وسلم مكانا عليا في هذه الحياة لأنها اكتشفت قيمتها وعرفت هويتها وأدركت ان الانسان له حرمات وله دين لا تداس كرامة الانسان كما كان ذلك في عهود الجبابرة المتسلطين في الارض وانما تراعى كرامة الانسان فأولئك عندما كانوا محافظين هذه المحافظة ولكن من جاء من بعدهم فرّط في هذا الامر وبقدر ما كان من تفريط انفرط العقد وتشتت الناس وتمزقوا ايدي سبأ وطارت هيبتهم في الفضاء ولم يبق لهم ما يتمسكون به ولذلك خسرت هذه الامة ايما خسارة بسبب هذا التمزق وساد بينها الخلاف مع ان الله سبحانه تعالى بصّرها بما يجمع شملها ويوحّد صفها ويؤلف بين قلوبها وينتظم كلمتها فقد بيّن الله تعالى ذلك حيث قال: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا).

وأوضح ان الرد الى الله يكون بالرد الى كتابه المحكم والرد الى الرسول صلى الله عليه وسلم بالرد الى السنة الثابتة الصحيحة، فلابد من الرد الى هذين الأصلين لتأتلف هذه القلوب. اما عندما تدخل الاهواء ويؤثر الهوى على طاعة الله وعلى طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم تنقلب الامور كلها رأسا على عقب وتخسر الامة ايما خسارة.

 

نأوا عن الفتنة

 

سماحة الشيخ عندما بدأت الامة الاسلامية تصطرع فيما بينها وبدأت الامور تتجه بعيدا عن تلك الروح التي كان عليها الصحابة رضي الله عنهم قرر أهل عمان أن ينأوا بأنفسهم عن تلك الاحداث.. لما فعلوا ذلك وقد كانوا جزءا من العالم الاسلامي؟

 

قال سماحته: هم ما فصلوا أنفسهم عن العالم الإسلامي وانما فصلوا أنفسهم عن الفتن ورغبوا ان يكونوا في منأى عن الفتن ورغبوا في أن يكونوا في منأى من تسلط الجبارين الذين يحكمون في الارض بغير شرع الله ويؤثرون هوى أنفسهم عن طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم.

 

نصيحة

 

سماحة الشيخ ذكرتم أن الشعب العماني مطالب أن ينقل صورته للعالم الاسلامي وهي صورة الوحدة والتعايش.. ما الوسيلة التي تنصحون بها الشعب العماني كي يظهر هذا الأمر وينصح به الآخرين؟

 

خير ما يدعو إلى المبادئ التطبيق والعمل.. فنحن على اي حال من خلال ترسخينا لهذه المبادئ في انفسنا ندعو الآخرين الى الاستفادة منها.. وأنا بنفسي أحمل همّ الأمة لا أحمل همّ الوطن وان كان الوطن غاليا عزيزا عليّ ولكن لا أحمل هم الوطن وحده وانما أحمل هم الأمة لأنني جزء من الأمة ووطني جزء من أمة الاسلام فأحمل همّ الأمة جميعا ولذلك انا ان شاء الله احاول ان اوجّه ايضا رسالة الى الأمة الاسلامية ادعوها فيها الى الاستعلاء على هذه الفتنة التي تضطرب تحت أقدامها وتسري في اوصالها وفي جسمها ارجو ان تستعلي الأمة على ذلك وأن تنأى بنفسها عن هذه الفتنة وأن تعود إلى اصالتها وأن تفيق من هذه السكرة نرجو ان تكون هناك صحوة.. وهذا ما اتطلع اليه.

واضاف سماحته قائلا: على أي حال نحن خير ما نقدمه للأمة من خلال تجربتنا ومن خلال مبادئنا هذا التطبيق وهذه الصورة وهذا التلاحم بين فئات الشعب حتى يكوّن كله مجموعة واحدة كالجسم الواجد الذي اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر.

 

فريضة دينية وضرورة حياتية

 

ركزتم سماحة الشيخ على فريضة الاعتصام.. وانه منهج لابد للمسلمين ان يلتفوا حوله.. منهج الاعتصام بالله سبحانه وتعالى وبدينه.. فالذي يتبع سياسة الاقصاء ولا يترك مساحة من الحوار مع الآخر مع اخيه المسلم بدعوى انه يختلف عنه مذهبيا او طائفيا.. هل يعد مفرطا في هذه الفريضة أو مرتكبا لشيء من المحرمات؟

 

الله سبحانه وتعالى يقول: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ، يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ).. هذا وعيد من الله تعالى لدعاة الفرقة الذين يسعون الى تشكيك الامة وتمزيق جمعها وفل حدها وإضعاف قوتها.. هذا هو وعيدهم في القرآن الكريم.. فنحن جاءنا من الله ما جاءنا مما يدعونا الى الاجتماع والألفة والمودة والحنان ما جاءنا ما يدعونا الى التفرق والاختلاف والتشرذم والتنابز بالألقاب وكيل التهم من بعضنا لبعض انما جاءنا ما يدعونا الى الوحدة والتآلف، فلذلك علينا أن نمشي على ما جاءنا من البينات من الله تعالى.. فعلينا ان نمشي وفق هذا النور الوضّاء من هذه البينات.

 

علماء الأمة

 

السؤال عن دور علماء الأمة.. كيف تقيّمونه في سبيل دفع الأمة الى وحدتها؟

 

الأمة بكل أطيافها كما قلت أنا في الرسالة: بأن كل مجتمع او كل شريحة من الناس هناك فيها الزبدة والزبد.. فيها الخلاصة الطيبة وفيها من هم غثاء.. حتى العلماء نحن لا نبرئهم من هذا الامر.. يعني منهم من هم مخلصون يسعون الى وحدة الصف ورأب الصدع وجمع الكلمة ويحملون همّ هذه الأمة وتأليف قلوبها وجمع شتاتها والتوحيد بين صفوفها، ومنهم من لا يعنيه من ذلك شيء انما تعنيه نفسه وأطماعها.

 

أهل عمان كانت لديهم دعوة قديمة.. وقدموا في ذلك ايضا مجموعة من القواعد الى ضرورة ان يكون هناك حوار بين المذاهب نظرا لأن الامة الاسلامية تعاني ما تعانيه بسبب تفرق المسلمين مذهبيا.. ما أهمية أن يكون هناك حوار وأن يكون أهل عمان في مقدمة من ينظّر لهذا ويدعو إليه؟

 

نحن منذ اسلافنا السابقين كانت كلمتهم واضحة في هذا الامر يعني كلمات ابي حمزة الشاري – رحمه الله – على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الناس منا ونحن منهم الا ثلاثة: مشركا بالله عابد وثن وكافرا من اهل الكتاب او اماما جائرا).. والامام السالمي – رحمه الله – وهو من العلماء المتأخرين ايضا قال:

ونحن لا نطالب العبادا

فوق شهادتيهم اعتقادا

فمن أتى بالجملتين قلنا

إخواننا وبالحقوق قمنا

 

موضحا: ان هذا هو الانصاف وأي انصاف.. مشيرا الى ان ما بين العَلم الذي كان في اوائل القرن الثاني الهجري وهذا العَلم الذي كان في اوائل القرن الثالث عشر هناك أعلام وأعلام كلهم كانوا دعاة الى هذا النهج والسير عليه والاستمساك به فإذن نحن نسير على هذه الخطى ان شاء الله ندعو الى الحوار الهادئ الهادف.. لا الحوار الذي يزيد الجراح اثخانا والذي يزيد القلوب تنافرا وانما ندعو الى حوار يأسو الجراح ويقرب ما بين الفئات ويؤلف ما بين القلوب.. هذا الحوار الذي ندعو إليه.

 

وأد الفتنة

 

الشعب العماني شعب متحد كما ذكرتم وهو يعيش لدينه ويعيش لوطنه وينقل ذلك الى الامة الاسلامية ولكن ربما بين الحين والاخر قد تمتد اطماع خارجية الى هذا الوطن العزيز فتحاول ان تفرق بين اتباعه.. ما واجب الشعب العماني في اغلاق تلك الاصوات وعدم الاستماع اليها؟

 

كل من دعا الى فتنة يجب ان نوصد باب الفتنة أمامه.. وبالعكس نقدم له دعوة عكسية.. دعوة الى الوفاق.. دعوة الى الألفة، دعوة الى المودة، دعوة الى الحنان، دعوة الى ترك هذه المنفرات التي تنفر الامة بعضها من بعض، دعوة الى الالفة.. (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) حتى من اولئك الذين يدعون بهذه الدعوات اذا قابلنا الاساءة بالإحسان ان نجعلهم في يوم من الايام اخوانا لنا يأتلفون معنا ويحملون همومنا.

 

كُتاب الشبكات

 

في هذا الزمن مكّن لكل شاب ولكل انسان ان يكتب في شبكة التواصل الاجتماعي ما توصل اليه فكره، ولربما يطرح بعضهم قضية ويناقش فيها بسخونة وهو لم يقرأ فيها كتابا.. عندما تأتي المسألة الى الوحدة وإلى تماسك الاوطان.. ما الذي تنصحون به الشباب وهم يتعاطون مع هذه الشبكات؟

 

أنا ارجو من كل كاتب ان يتقي الله تعالى فيما يكتب، كما ارجو من كل قائل ان يتقي الله تعالى فيما يقول واذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (وهل يكب الناس على وجوههم في النار- أو قال على مناخرهم- الا حصائد ألسنتهم) فكيف بالكتابة التي تبقى فالكلمة تتلاشى ولكن الكتابة تبقى فهؤلاء الذين يكتبون عليهم ان يتقوا الله تعالى فيما يكتبون وعليهم ألا يكتبوا الا بروية وعلم وتبيّن ما هي عاقبة هذه الكتابة حتى تكون الكتابة مثار فتنة بين الناس بينما يجب ان تكون الكتابة مقيمة للحجة بعد معرفة الحجة ودراسة القضية من مختلف جهاتها.. لا يقول الانسان ما لا يعلم فإن القول على الله تعالى بما لا يعلم الانسان مما يدخل في دعوة الشيطان: (إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) وقد حذر الله تعالى من ذلك وقرنه بالاشراك به عندما قال: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ).

 

دعوة للشباب

 

شاب الأمة يتابع هذه الاحداث التي تجري وبدأت تخرج منهم كتابات تتهم الاسلام بانه وراء هذا التشرذم والشقاق تماما كما كان شباب الامة قبيل الصحوة التي عمت العالم الاسلامي.. اليوم الشباب محتاجون الى ان يفهموا الدين والى ان يصدّروا الدين وإلى ان يدعوا إلى التآلف حول الدين.. ما الذي تنصحونه بهم والوسائل التي تأمرونهم بها ليتبعوها حتى يصلوا الى حقيقة الدين، وان الذي يحدث ليس من الدين؟

 

أدعو الشباب إلى أن يدرسوا الدين من أصوله ومراجعه.. ان يدرسوا الدين من الكتاب العزيز لا من مخلّفات القرون ومن سنة النبي صلى الله عليه وسلم الثابتة عنه لا التي يروّج لها المروجون وهي غير ثابتة عنه صلوات الله وسلامه عليه، ومن النهج الصحيح الذي سار عليه السلف الصالح اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعون لهم بإحسان.. هذا هو الذي ادعو اليه الشباب.

وأضاف قائلا: عندما يعتصم الشباب بهذه الاصول الثابتة لا ريب انهم سيصلون إلى فهم الدين الصحيح وسيستعلون على هذه المفاهيم التي تخلد بهم إلى الحضيض.. هذه المفاهيم الخاطئة البعيدة عن الاسلام.

وأضاف: ان الاسلام لا يدان بتصرفات أهله عندما يشذون عنه ويخرجون عن نهجه. انما الاسلام هو بريء كل البراءة.. الاسلام دين رحمة فالله سبحانه وتعالى يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) فإذن لا يمكن ان يتحول الاسلام الى أداة عذاب بين الناس.. أداة فرقة وشقاق وتنافر وتحزّب انما الاسلام سبب للألفة ولاجتماع الكلمة وتآلف القلوب ومحبة الناس بعضهم لبعض.

 

هذه الرسالة المخلصة النابضة بالحب والايمان قرأها الكثير من أبناء هذا الشعب الأبي.. ما الطرائق التي تقترحونها حتى تكون الوسائل التي ذكرتموها- وسائل الوحدة في الرسالة- اكثر فاعلية في المجتمع؟ هل هناك طرائق معينة الآن تنصحون بها؟

 

الآن هيأ الله تعالى من الاسباب ما لم يهيئه لمن تقدمنا ولكن نحن قعدت بنا عزائمنا بينما نهضت بهم عزائمهم.. نحن عندنا وسائل كثيرة.. وسائل التواصل ووسائل الاعلام ووسائل البث ووسائل التقارب الناس بعضهم ببعض ووسائل الاتصال المعلومة فان كان الاقناع بشتى هذه الوسائل فنحن نرجو ان يتجرد اناس مخلصون لبث هذه الافكار لا في هذا المجتمع وحده ولكن على مستوى العالم الاسلامي.

--------------------------

 

جريدة عمان: الجمعة, 30 ذو الحجة 1435هـ. 24 اكتوبر 2014م