الفكر الإسلامي » روافد الكفر وخطرها على الأمة

من آمن به تحرر من التقيد بالحسيات

-الخليلي: الإيمان بالغيب نقطة الافتراق بين أهل الإيمان وغيرهم

-المحقق سعيد الخليلي يتحدث عن ذرات الكون قبل أكثر من مائة وخمسين عاما من الآن.

 

أكد سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة في محاضرته التي القاها بجامعة السلطان قابوس «روافد الكفر وخطرها على الأمة» ان نقطة الافتراق بين اهل الايمان وغيرهم الايمان بالغيب لان من آمن بالغيب تحرر من التقيد بالحسيات وادرك ان وراء هذه المحسوسات ما هو غير محسوس ولذلك ينطلق في فسيح ملكوت الله يؤمن بالله سبحانه وبملائكته وباليوم الآخر وبمشاهد القيامة وبالجنة وبالنار وبكل ما اخبر الله سبحانه وتعالى به لأنه يؤمن ان وراء المحسوس ما هو غير محسوس ويؤمن بالروح على ان اثر الروح هو ظاهر في الانسان.

 

وبيّن سماحته ان الدعاوي الباطلة التي يدعيها الذين يجحدون وجود الله سبحانه وتعالى هم وما يدعون اقل من ان يلتفت اليهم فهذه الدعاوى تكذبها العلوم ويكذبها الحس ويكذبها العقل فهؤلاء لا يتمتعون بشيء من العقول والا لما كابروا عقولهم وجحدوا وجود الله سبحانه والله سبحانه يتجلى وجوده في كل موجود.. والى الجزء الأخير من المحاضرة.

 

المثال الثالث لو ان صيدلية تشتمل على العديد من الادوية منها المعاجين ومنها الحبوب ومنها السوائل وهي تعالج امراضا مختلفة كل دواء منها خاص بعلة من العلل جاءت زلزلة واسقطت هذه الادوية جميعها من رفوفها واختلطت سوائلها بمعاجينها وحبوبها واختلط كل دواء بآخر حتى اصبح من الصعب ان يميز ما بين هذه الأدوية هل يمكن ان يتولد من هذه الهزة دواء غريب دواء عجيب يشفي مرضا مستعصيا كمرض الجذام او البرص او الصلع او أمثال ذلك، هل يتصور هذا الامر؟ لا، الدواء يجب ان يدرس من كل ناحية وتقدر عناصره تقديرا عجيبا ومما اطلعت عليه قبل سنين ان الولايات المتحدة تجرب في كل عام اربعين الف دواء وقد لا يصلح الا واحد من هذه الأدوية بعد التجربة، فكيف يتصور بالهزة الارضية ان يوجد هذا الدواء؟.

 

المثال الرابع ، كذلك لو وجدت كرات الف كرة بيضاء والف كرة سوداء وكانت في انبوب زجاجي، هذا الانبوب لا يسع جوفه اكثر من كرة وكانت الكرات البيض في جانب والكرات السود في جانب ثم اختلطت هذه الكرات بانصبابها من هذا الانبوب الزجاجي الى كرة كبيرة واختلطت هذه الكرات حتى تولد منها لون آخر وهو لون رمادي هل يمكن ان ترجع وتعود كما كانت أول مرة بطريقة او بأخرى هكذا بين لحظة واخرى تعود بنفسها فتنفصل الكرات البيض عن الكرات السود وتستقل كل كرة بنفسها؟ قالوا بأن احتمال ذلك انما هو يعود رقم واحد مكرر تكررا مضطردا عشريا الى ستمائة مرة أي يكون هذا الرقم على يمينه ستمائة صفر حتى يمكن ان تعود معنى ذلك ان هذه العودة هي ابعد ما تكون.

 

دراسة عجيبة

ومثال آخر هو الذي قاله الفيزياء السويسري تشارز يوجنجايي اتى بدراسة عجيبة عن ذرة بعد تبسيط هذه الذرة وهي من ابسط الذرات واقلها تعقيدا درس هل يمكن لهذه الذرة ان تتركب لا ان تخرج من العدم الى الوجود لان خروجها من العدم الى الوجود بطريق الصدفة مستحيل ولكن ما هي نسبة الاحتمال ان تتركب مركباتها من نيوترونات والكترونات والبروتونات التي فيها حتى يأخذ كل محله بطريق الصدفة قال بأن هذا يتوقف على ثلاثة امور يتوقف اولا على وجود مادة هذه المادة حجمها فوق ما يتصوره كل عقل كرتها التي قطرها لو دار عليها الضوء بسرعته المعهودة في الثانية الواحدة مائة وستة وثمانين الف ميل وثلاثمائة ميل او بالقياس الآخر بثلاثمائة الف كيلو متر في الثانية الواحدة ودار حتى يستطيع ان يقطع ؟ كم يأخذ من الوقت قال بأن هذا يستغرق من الزمن رقم واحد مكرر تكرار عشري مضطرد مائة واربعة وستين مرة أي يكون على يمين هذا الرقم مائة واربعة وستون صفرا من السنين هذا رقم فوق التريليونات فوق ما يمكن ان يتصور ولا يوجد له اسم فوق ما تعارف عليه اصحاب الرياضيات هذا بالنسبة الى المادة.

 

والعامل الثاني الزمن، يحتاج ذلك من الزمن بالأرقام التي تعود الى بلايين السنين كم بليون من السنين رقم واحد على يمينه مئتان وثلاثة واربعون صفرا ويحتاج الى طاقة، ما هذه الطاقة، قال يحتاج الى ضخ حروري في الثانية الواحدة خمسمائة مليون تريليون هزة ومع ذلك ما هي نسبة الاحتمال. قال نسبة الاحتمال نضع رقم اثنين ونضع على يمين هذا الرقم ثلاثمائة وواحد وعشرين صفرا فنسبة الاحتمال واحد من هذا العدد الهائل، هذه حاجة غريبة لا تتصور، هذا يعود الى ان تركيب هذه الذرة نفسها لا يمكن ان تكون صدفة مع كونها مخلوقة ومولودة، وإذا كان هذا في الذرة فما بالنا بهذا الكون الذي وصل الدكتور ماهر احمد الصوفي في كتابه الموسوعة الكونية الكبرى وكون هذا الكتاب بثلاثة عشر مجلدا الى ان يقول بأن الكون حسب الزاوية التي اكتشف منها هذا الكون بسرعة الضوء مقدارها ثلاثة عشر مليارا من السنين بحيث لو انطلق شيء بسرعة الضوء من هذا المكان الذي نحن فيه الى ابعد مجرة اكتشفت الى الآن لما وصل الى هناك الا بعد هذا المقدار من الزمن فكيف هذا الكون وجد هكذا بطريقة الصدفة من غير ان تكون هناك ارادة من حكيم خبير يعلم كل شيء لان ادنى خطأ في أي شيء يحوله تماما هذا دليل على إحاطته بكل شيء علما واحاطته بكل شيء قدرة فمعنى ذلك هؤلاء الذين يكابرون ويدعون هذه الدعاوى الباطلة ليسوا هم من الحقيقة في شيء هم اقل من ان يلتفت اليهم هذه الدعاوى تكذبها العلوم ويكذبها الحس ويكذبها العقل هؤلاء لا يتمتعون بشيء من العقول والا لما كابروا عقولهم وجحدوا وجود الله سبحانه والله سبحانه يتجلى وجوده في كل موجود.

 

على أي حال هذه الدعاية او هذه الدعاوى وجدت من قديم الزمان من قوم اعمى الله تعالى بصائرهم، فلاسفة اليونان كانوا في عهد ديموقريطس يعتقدون هذا المعتقد وديموقريطس كان يعتقد هذا الاعتقاد وحاوره تلميذه سقراط من عدة اشياء من حيث النظر ومن حيث السمع ومن حيث الاضراس الا يدل هذا كله على تصميم عجيب فكيف تجحد هذا الامر.

 

ووجدت هذه الافكار عند فلاسفة اوروبا المتأخرين هومز وهوم كانوا يعتقدون هذا الاعتقاد ايضا واكد هذا الامر انجليز وماركس وغيرهم ممن كانوا هم المنظرين للشيوعية والممهدين لها فكرهم انبنى على الالحاد لكن جاءت الحقائق لتدك هذه الأفكار دكا دكا، وقد وجد في القديم في بلاد السند قوم يقال لهم السنية كانوا يعتقدون هذا الاعتقاد لا يسلمون الا للمحسوس بحيث يكابرون في وجود أي شيء لا يقع تحت الخواص الخمس وقد ناظروا في هذا جهم بن صفوان في بلاد السند قالوا له هل يوجد معلوم خارج عن الحواس الخمس، تعجب جهم في الاجابة قال لا، سألوه هل معبودك الذي تعبده هل هو واقع تحت سلطة الحواس الخمس اذا هو غير معلوم هو مجهول، فكتب جهم بن صفوان بهذا الى واصل بن عطاء بالبصرة فكتب اليه أعد مناظرتهم واسألهم الا يفرقون بين الحي والميت وبين العاقل والمجنون لا بد من ان يسلموا بالتفرقة بين الحي والميت والعاقل والمجنون سلهم بعد ان يسلموا اين الموت هل هو واقع تحت الحواس الخمس هل يبصر نفس الموت واين العقل هل يبصر العقل او يسمع او تناله الايدي او يشم او يمص او يتذوق، لا، واذا كنتم تسلمون لهذا كيف تسلمون، لا بد من الاستدلال بالدليل للنفوذ الى ما وراء الحواس فناظرهم جهم بعد ذلك واعاد المناظرة وافحمهم بهذه الحجة قالوا له ليس هذا منطقك من أين جئت بهذا فقال لهم بأنه جاءه بهذا واصل بن عطاء وهو بالبصرة فركبوا اليه الى البصرة وناظرهم واقنعهم بالاسلام واسلموا فاذا هذا المذهب موجود مذهب الماديين الذين لا يؤمنون بما وراء الحس وهؤلاء انغلقوا على انفسهم ولذلك انحبسوا في مضيق الحس ولم يخرجوا عن هذا المضيق لان عقولهم القاصرة لا تنفذ الى ما وراء المحسوسات فهم ان صدقوا بواقع انما يصدقون بواقع يقع تحت سلطة هذه المحسوسات او تتسلط عليه الآلات التي هي في الحقيقة امتداد للحس المجاهر وغيرها لا يصدقون إلا بهذا اما ما وراء ذلك فهم يكابرون فيه ويجحدون ولذلك كانت نقطة الافتراق بين اهل الايمان وغيرهم الايمان بالغيب لان من آمن بالغيب تحرر من التقيد بالحسيات وادرك ان وراء هذه المحسوسات ما هو غير محسوس ولذلك ينطلق في فسيح ملكوت الله يؤمن بالله سبحانه ويؤمن بملائكته ويؤمن باليوم الآخر ويؤمن بمشاهد القيامة يؤمن بالجنة ويؤمن بالنار يؤمن بكل ما اخبر الله سبحانه وتعالى به لأنه يؤمن ان وراء المحسوس ما هو غير محسوس ويؤمن بالروح على ان اثر الروح هو ظاهر في الانسان وكما جاء في حكمة صوفية ذكر بعض العلماء بأنها مأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن لا توجد في كتب الحديث، قالوا (من عرف نفسه فقد عرف ربه) وقد اختلف الناس في شرح هذه الجملة منهم من قال النفس هنا عبارة عن الروح أي اذا كانت روحك التي هي بين جنبيك وانت لا تراها بعينيك ولا تسمعها بأذنيك ولا تشمها بمنخريك ولا تمسها بيديك ولا تذوقها بشفتيك ولا تعرف كيف اتصالها بجسمك وكيف انفصالها عن جسمك فكيف يمكن ان تعرف الله سبحانه وتعالى الذي احاط بهذا الوجود كله والذي هو على كل شيء قدير وبكل شيء بصير والروح هي سر من اسراره واذا كان هذا السر لا يمكن ان يتوصل اليه فكيف يمكن ان يتوصل الى رب السر نفسه.

 

ومنهم من قال بأن معنى هذه الجملة من عرف نفسه بالصفات الدنية عرف ربه بنقائضها عرف ربه بأضدادها فهو متصف بالجهد وبالموت لأنه كان ميتا وسيعود الى الموت وبالعجز وبالصمم لأنه لا يحيط بجميع الأصوات سمعا انما يسمع ما حوله وبالعمى لأنه لا يبصر كل شيء انما يبصر زاوية محدودة يبصر ما كان امامه في حدود مقدرة فإنه يعرف ربه بعكس هذه الصفات يعرف أن الله سبحانه و تعالى وسع كل شيء قدرة ووسع كل شيء علما انه سبحانه وتعالى لا يخفى عليه شيء في الكون احاط بالأصوات كلها يسمع كل صوت مهما كان خفاؤه ولا تلتبس عليه الاصوات لا يلتبس بعضها ببعض وكذلك احاط بصره بكل المبصرات فلا يخفى عليه شيء في الارض ولا في السماء يرى ما في عمق الجبال وما في اوعارها وما في داخلها من غير ان يخفى عليه شيء من ذلك كما يرى ما في عمق البحار تعالى الله عن مشابهة خلقه.

 

وقيل معنى ذلك من عرف نفسه بالصفات التي حلاه الله تعالى بها من العلم وان كان محدودا والقدرة وان كانت محدودة والبصر وان كان محدودا والى غير ذلك من الصفات الحسنة التي في الانسان والتي خلعها الله تعالى عليه لتكون حجة عليه ودليلا على وجود الله فإنه يعرف ربه بهذه الصفات ان اتصافه بها اتصاف مطلق لا يقف عند حد من الحدود، فإذا الانسان انما يقرأ في نفسه هذه الصحف يقرأ آيات الله التي تتجلى جسم الانسان نفسه مصحف فيه آيات الله العظام، كل خلية من خلاياه فيها أكثر من تريليون آية.

 

وكذلك بالنسبة الى ذرات الكون، أحد العلماء المتقدمين تحدث عن هذا الشيخ العلامة ابن ابي نبهان (إن كل ذرة من ذرات الوجود هي كلمة من كلمات الله ناطقة بوجوده وما عداها كالشرح لتلك الكلمة) هذا مع الاكتشاف الجديد نستطيع ان نقول كل ذرة من ذرات الوجود هي كتاب من عند الله سبحانه وتعالى حافل بآياته العظيمة التي لو حاول العباد ان يحصوها لعجزوا عن ذلك.

وبالنسبة الى ما في نفس الانسان من الآيات العظيمة نجد الامام المحقق العلامة سعيد بن خلفان الخليلي - رحمة الله عليه – يتحدث عن هذا قبل اكثر من مائة وخمسين عاما من الآن يتحدث عن هذه الحقائق التي في الانسان نفسه بلغة فيها كما يقال لغة صفاء ولغة قرب من الله سبحانه وتعالى مع ان هذه الجينات متى اكتشفت؟ اكتشفت بعد هذا الحديث بنحو اكثر من نحو نصف قرن من الزمن بعد حديثه هو، هو مات في عام 1287 للهجرة والجينات تم اكتشافها في عام 1912 للميلاد وذلك يوافق 1333 للهجرة ومع ذلك جاءت كلماته عجيبة حتى قيل لي هذا الكلام قبل الاكتشاف قلنا لهم نعم هذا موجود في ديوانه بخط الشيخ محمد بن أحمد الكندي يعني من بداية القرن الثالث عشر في قصيدة يقول فيها:

أعاين تسبيحي بنور جناني *** فأشهد مني الف الف لسان

وكل لسان اجتلي من لغاته *** اذن الف الف من غريب أغاني

ويهدى الى سمعي بكل بألف لغية *** هدى ألف ألف من شتيت معاني

وفي كل معنى ألف ألف عجيبة *** يقصر عن احصائها الثقلان

ولم أذكر الأعداد الا نموذجا *** كأني في أوصاف ميط طران

وإلا ففوق العد امر منزه *** عن الحد يفنى دونه الملوان

يعني سيفنى الليل والنهار قبل الاحاطة بهذه الاسرار وكشف هذه المخبئات.

ولا تتعجب ان عجبت فإنها *** حقائق صدق ليس بالهذيان

_______________________________________

جريدة عمان: الجمعة 29 جمادى الثانية 1434ه / 10 مايو 2013م

متابعة: سيف بن سالم الفضيلي