الحكمة من وراء نزول القرآن الكريم بعدة قراءات
السؤال:
ما الحكمة من نزول القرآن الكريم بعدة قراءات؟؟
الجواب:
اختلاف القراءات وتنوعها وراءه فوائد عدة منها:
1- التسهيل والتخفيف على الأمة، فلهجات العرب متعددة، ولو ألزموا وجها واحدا لعسر عليهم، لذلك ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يستزيد جبريل عليه السلام في القراءة حتى زاده إلى سبعة أحرف.
قال رسول صلى الله عليه وسلم: ( إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه ) متفق عليه، وهذا لفظ البخاري عن عمر .
وفي لفظ مسلم عن أبي أن النبي صلى الله عليه وسلم ( كان عند أضاة بني غفار فأتاه جبريل فقال : إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرف فقال: أسأل الله معافاته ومعونته وإن أمتي لا تطيق ذلك ثم أتاه الثانية على حرفين فقال له مثل ذلك ثم أتاه الثالثة بثلاثة فقال له مثل ذلك ثم أتاه الرابعة فقال إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على سبعة أحرف فأيما حرف قرءوا عليه فقد أصابوا ) ورواه أبو داود والترمذي وأحمد .
وفي لفظ للترمذي أيضاً عن أبي قال لقي رسول صلى الله عليه وسلم جبريل قال : فقال رسول صلى الله عليه وآله وسلم لجبريل ( إني بعثت إلى أمة أميين فيهم الشيخ الفاني والعجوز الكبيرة والغلام ، قال فمرهم فليقرءوا القرآن على سبعة أحرف ) قال الترمذي حسن صحيح .
وفي لفظ ( فمن قرأ بحرف منها فهو كما قرأ ) ، وفي لفظ حذيفة ( فقلت ياجبريل إني أرسلت إلى أمة أمية الرجل والمرأة والغلام والجارية والشيخ الفاني الذي لم يقرأ كتابا قط قال إن القرآن أنزل على سبعة أحرف ) .
2- ومنها ما في ذلك من نهاية البلاغة، وكمال الإعجاز وغاية الاختصار، وجمال الإيجاز، إذ كل قراءة بمنزلة الآية، إذ كان تنوع اللفظ بكلمة تقوم مقام آيات ولو جعلت دلالة كل لفظ آية على حدتها لم يخف ما كان في ذلك من التطويل.
3- ومنها ما في ذلك من عظيم البرهان وواضح الدلالة إذ هو مع كثرة هذا الاختلاف وتنوعه لم يتطرق إليه تضاد ولا تناقض ولا تخالف بل كله يصدق بعضه بعضا، ويبين بعضه بعضاً، ويشهد بعضه لبعض على نمط واحد وأسلوب واحد، وما ذلك إلا آية بالغة، وبرهان قاطع على صدق من جاء به صلى الله عليه وسلم.
4- ومنها سهولة حفظه وتيسير نقله على هذه الأمة إذ هو على هذه الصفة من البلاغة والوجازة، فإنه من يحفظ كلمة ذات أوجه أسهل عليه وأقرب إلى فهمه وأدعى لقبوله من حفظه جملاً من الكلام تؤدي معاني تلك القراءات المختلفات لا سيما فيما كان خطه واحداً فإن ذلك أسهل حفظاً وأيسر لفظاً.
5- ومنها إعظام أجور هذه الأمة من حيث إنهم يفرغون جهدهم ليبلغوا قصدهم في تتبع معاني ذلك واستنباط الحكم والأحكام من دلالة كل لفظ، واستخراج كمين أسراره وخفي إشاراته، وإنعامهم النظر وإمعانهم الكشف عن التوجه والتعليل والترجيح، والتفصيل بقدر ما يبلغ غاية علمهم، ويصل إليه نهاية فهمهم (فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أوأنثى) والأجر على قدر المشقة.
6- ومنها بيان فضل هذه الأمة وشرفها على سائر الأمم، من حيث تلقيهم كتاب ربهم هذا التلقي، وإقبالهم عليه هذا الإقبال، والبحث عن لفظة لفظة، والكشف عن صيغة صيغة، وبيان صوابه، وبيان تصحيحه، وإتقان تجويده، حتى حموه من خلل التحريف، وحفظوه من الطغيان والتطفيف، فلم يهملوا تحريكاً ولا تسكيناً، ولا تفخيماً ولا ترقيقاً، حتى ضبطوا مقادير المدات وتفاوت الإمالات وميزوا بين الحروف بالصفات، مما لم يهتد إليه فكر أمة من الأمم، ولا يوصل إليه إلا بإلهام بارئ النسم.
7- ومنها ما ادخره الله من المنقبة العظيمة، والنعمة الجليلة الجسيمة لهذه الأمة الشريفة، من إسنادها كتاب ربها، واتصال هذا السبب الإلهي بسببها خصيصة الله تعالى هذه الأمة المحمدية، وإعظاماً لقدر أهل هذه الملة الحنيفية وكل قارئ يوصل حروفه بالنقل إلى أصله، ويرفع ارتياب الملحد قطعاً بوصله، فلو لم يكن من الفوائد إلا هذه الفائدة الجليلة لكفت، ولو لم يكن من الخصائص إلا هذه الخصيصة النبيلة لوفت.
8- ومنها ظهور سر الله في توليه حفظ كتابه العزيز وصيانة كلامه المنزل بأوفى البيان والتمييز، فإن الله تعالى لم يخل عصراً من الأعصار، ولو في قطر من الأقطار، من إمام حجة قائم بنقل كتاب الله تعالى وإتقان حروفه ورواياته، وتصحيح وجوهه وقراآته، يكون وجوده سبباً لوجود هذا السبب القويم على ممر الدهور، وبقاؤه دليلاً على بقاء القرآن العظيم في المصاحف والصدور.
يراجع :
– النشر في القراءات العشر للعلامة ابن الجزري.
– وشرح مسند الإمام الربيع للعلامة نور الدين السالمي.