مصحف السنْدِيّ

من كنوز «نوادر المخطوطات» بدائرة المخطوطات بوزارة التراث والثقافة عن مخطوطات المصحف الشريف نقدم اليوم للقارئ الكريم عن مُصحَفُ «القراءات السنْدِيّ» الذي حرص كاتبه على تبيان وجوه إعراب بعض المشكل من آي القرآن، وعن «المصحف الملون» الذي تغلب الأشكال الهندسية والمشجّرة على زخارفه.

مصحف «السنْدِيّ» حرص كاتبه على تبيان وجوه إعراب بعض المـــــشكل من آي القرآن:

مصحف القراءات السندي: يتميز المصحف الذي كتبه الخطاط البارع: السيد محمد بن فاضل السندي (برقم2863) بجودة الخط، وهو مصحف سقَطَ قدر كبير منه  للأسف، وأصابت الرطوبة بعض جوانبه، وتبعثرت أوراقُه. ولم يُخْلِ الناسخ مصحفه من ذكر وجوه القراءات على هامشه، مكتفياً بإشارات وجيزة دون تفصيل، كما حرص على تبيان وجوه إعراب بعض المشكل من آي القرآن.

وختم نسخة المصحف بدائرة مزخرفة جميلة، طَرّز فيها لعبارة لتالية: «وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ».

بِقَلَمِ الفقير إلى الله «السيد محمد بن فاضل السندي، غفر ذنوبهما». وكُتِبَ أسفل هذه العبارة بخط مغاير: «نسخ هذا المصحف سنة 1179 هـ في بندر مسقط، وانطمس اسم كاتب هذه العبارة من آخرها.

المصحف الملون: ثمةَ نسخ للمصحف الشريف تغيب عنها حلاوة الخط، أو تتضاءل أمام ما سبق، غير أنها تشد انتباه المطالع بزخارفها وألوانها البديعة، بدرجة قد لا تفي الكلمات وصفها، دون أن تكون الصورة حاضرة لعرض جمالياتِهَا. من أمثلتها: «المصحف المُلَوَّن»: المحفوظ بالدار تحت (رقم132 ) وهذه التسميةُ لَمْ تأتِ من فراغ، فهي أول ما يتبادر إلى الذهن عند الوقوف عليه، إذ تطالعك صفحاته بألوان متعددة، لكل لونٍ منها درجاتٌ متفاوتة بين القاتم والفاتح. وكل هذه الألوان تقابلك في أول صفحتين من المصحف. ومع أن عادة النُّساخِ جَرَتْ على تنَاظُرِهِمَا غَيْرَ أنّ ناسخ «الم صحف الملون» خالَفَ ذلك، فجعل لكل صفحة منهما زخرفة مستقلة، كأنما أراد أن يُرخي لقلمه العنان، فيبدع في التنميق والتلوين.

تَغْلِبُ الأشكال الهندسية والمشجّرة على زخارف هذا المصحف، ففي صفحة سورة الفاتحة نرى آياتِ السورة تتوسط دائرتين في الأعلى والأسفل، مطرزتين بزخارف مشجرة ملتوية، وعلى الجانبين الأيمن والأيسر من السورة صفَّان متناظران من تشكيلات ورقية، كل ورقة بلون مختلف. وجميع هذه الزخارف محاطة بإطار مستطيل تَمْتَدُّ فيه الخطوطُ الحمراء والصفراء والخضراء والسوداء، تارة تكون رفيعة وأخرى ثخينة.

أما صفحة أوائل سورة البقرة فتظهر في أعلاها وأسفلها تشكيلاتٌ ورقيّة مُشابِهَةٌ لتشكيلات سورة الفاتحة، غير أنَّها تَمْتَدُّ على العرض لا على الطول، ونص الآياتِ مُحَاطٌ بأربع دوائر، كلّ واحدة منها مَحْشوَّةٌ بأشكال هندسية رائعة. وكل هذه الزخارف يُحِيطُ بِهَا إطار مستطيل كالذي رأيناه في سورة الفاتحة.

وإذا فرغنا من الصفحتين المتقابلتين نجد الألوانَ حاضرةً في سائر الصفحات، فلكل صفحة إطار مستطيل من خطين أحمر وأسود، يُطَعَّمَان أحيانا بلون الذهب، وحرص الناسخ على كتابة النص القرآني كتابة متقنة واضحة بخط النسخ وبالمداد الأسود، ثم ويضع علامات التجويد والوقف وفواصل الآيات باللون الأحمر.

أما أسماء السور فيضعها في إطار باللونين الأزرق والأحمر، ولا يكتفي بتقييد اسم السورة فحسب، بل يزيد عليه عدد آياتِهَا وهل هي مكية أم مدنية، وترتيب نزولها، ويبادل في كتابة ذلك بين اللونين الأخضر والأحمر. فيقول مثلا:«سورة إبراهيم عليه السلام. اثنتان وخمسون آية. مكية إجماعاً غير آيتين نزلتا بالمدينة في قتلى بدر: «ألم تَرَ إلى الذين بَدَّلُوا نِعْمَةَ الله كُفْرًا» ثم نزلت بعدها سورة الأنبياء ». وقد يزيد معلومات أخرى فيقول مثلاً: « سورة الغاشية. ست وعشرون آية. مكية بالإجماع. وكلماتها اثنتان وسبعون كلمة. وثلاثمائة وواحد وثمانون حرفا. ثم نزلت بعدها سورة الكهف .»

ولم تَخْلُ خاتمة المصحف أيضا من زخارف ملونة بديعة، نَمَّقَهَا الناسخ في هيئة مستطيلين كتب فيهما الآية: «وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ» وهي خاتمة معتادة في كثير من المصاحف العمانية. ويلي المستطيلين مثلث رأسه للأسفل، كتب فيه الناسخ العبارة التالية:«تم معروضاً على حسب الطاقة والإمكان، ولله الحمد والشكر». وللأسف أغْفَلَ الناسخُ ذِكْرَ اسمِهِ، وهو على لأرجح عُماني، كما أغفل بيانات النسخ. وعلى حاشية الصفحة الأخيرة من المصحف تقييد وفاة امرأة عمانية سنة 1160هـ، ما يُفهم منه أن المصحف ينتمي إلى للقرن الثاني عشر الهجري، أو قبله.

——————————-

جريدة عمان ، روضة الصائم ،السبت, 3 رمضان 1436هـ. 20 يونيو 2015م

عرض: سيف بن سالم الفضيلي.