البيان الثاني: الآية الثانية (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ):
الحكم السابع: دلت على وجوب الشكر، ودلت بدلالتها على ذلك وجوب أداء كل واجب على المكلف بكماله من صلاة وغيرها، فدلت بذلك في الصلاة على أن من ترك منها واجباً فلم يؤده لزمه إعادتها.
الحكم الثامن: دلت بدلالتها على الندب بأداء المندوب على ما أمكن، وعلى ترك المكروه وترك المحرمات؛ لأنه كذلك حقيقة الشاكر، إذا صدق شكره وصحت مروَّته.
البيان الثالث والبيان الرابع: الآية الثالثة والرابعة (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ):
الحكم التاسع: دلتا على وجوب الرجاء لرضاء الله تعالى، والخوف من سخطه، وأن يكون العبد متوسطاً بين ذلك.
الحكم العاشر: دلت الآية الثالثة بإقرانها ذكر يوم الدين وخاتمة ذكر العالمين والخلائق على أنه مما ينبغي إذا أحس العبد بنفسه الفراق للدنيا، وإقباله إلى يوم الدين أن يميل إلى الرجاء غير متجرد من الخوف، كذلك ذكر الغزالي، وذكر لي والدي رحمه الله ذلك في ميله إلى الرجاء حذراً من الشيطان أن يوسوس له بشدة الخوف، حتى يقول له: ولو خفت فإذا كنت سابقاً في علم الله أنك من أهل (النار)[1] فلا ينفعك هذا، فيسخط على الله في ذلك بجهله وبوسوسة الشيطان، فيضيف ذلك أنه من الله تعالى، ويوسوس عليه بما يهلكه به، وقد جرى على أحد قبل أن يخبر بمثل ما أخبرنا به عنهما، وذلك بدليل ذكر أسمائه تعالى (الرحمن الرحيم) كما ذكرنا.
البيان الخامس: الآية الخامسة (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ):
الحكم الحادي عشر: دلت على أن العبادة من صلاة وغيرها لا تصح إلا بعد الإيمان، وأنه مأمور بها كل أحد من مشرك ومسلم، ولكن المشرك بعد إيمانه بما تقدم من الإقرار بمعرفته تعالى، وبالإقرار برسوله الذي تعبد الإقرار به واتباعه، والإيمان بجميع الرسل والأنبياء والكتب والملائكة واليوم الآخر؛ بدليل ما تقدم، وبدليل كون السورة على مثل ولي يخاطب الله تعالى، وهي التي جُعل قراءتها فرضاً في الصلاة، فهو يشاهد هل المخاطب بغفلة في كل قراءة قرأها، أي الفاتحة من فهم المعنى.
الحكم الثاني عشر: دلت على الأمر بالتعاون على البر والتقوى إيجاباً في موضع وجوبه، وندباً في موضع ندبه، ونفلاً في موضع نفله، ومباحاً في موضع مباحه، وحلالاً في موضع حله، ولا يكون الأمر بالتعاون على مكروه ولا على حرام، ولكن يكون دينونة في موضع وجوبه، ورأياً في محل الرأي، وهذا باب واسع، وذلك مثل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا أمكن التعاون ولزم، ومثل الجهاد على من لزمه، ومثل قتال الدفاع عن حُرَم البلد على من لزمه، ومثل أداء الشهادة على من لزمه، وقيل: كذلك إذا دُعِيَ للإشهاد إذ لم يوجد غيرهما، وفتوى العالم المستفتي فيما لزمه أداؤه، إلى غير ذلك مما هو واجب، ووراءه ما هو غير واجب، وذكر استقصاء ذلك يأتي على أبواب كثيرة من أحكام الشريعة، مما يحتاج إلى مجلدات كثيرة مطولات واسعة؛ لأن كل ذلك من العبادة لله تعالى.
الحكم الثالث عشر: دلالتها على صلاة الجماعة والحث إليها، وفي دلالة ذلك بيان فضلها على صلاة المنفرد، وأنها تكاد أن تكون فرضاً على غير الكفاية، وقيل: على الكفاية، وقيل أخف من هذا، وفي نوني نستعين بيان أيضاً على صلاة الجماعة وفضلها.
الحكم الرابع عشر: في الاستعانة دلالة على التبري من الحول والقوة إلا بالله تعالى.
الحكم الخامس عشر: دلت على الندب في الاجتهاد بالدعاء بعد الصلاة، والرغبة إلى الله به.
الحكم السادس عشر: دلت على استحباب الدعاء والسؤال إلى الله تعالى، ويدعوه بأسمائه بعد الصلاة، وعلى الابتداء في الدعاء بالتحميد والتسبيح والتهليل والتكبير والاستغفار، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وآله وأصحابه وجميع أوليائه، والتبري من الحول والقوة إلا بالله على ما تقدم من معاني الفاتحة، ثم السؤال لما يريده المرء، والأحسن أن يبتدئ في سؤاله أن يطلب من الله تعالى ما هو طالبه منه نحو: التوفيق في الطاعة، والعصمة من المعصية، وغفران ذنوبه، إلى غير ذلك، ثم ما يريده لنفسه، ثم الصلعمة وهي الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم الحوقلة وهي التبري من الحول والقوة إلا بالله.
—————————
[1] – هذه الكلمة زيادة ليست في الأصل ليتم المعنى.