قوله (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) (الفاتحة: الآية3) كررها وذلك أنه لما شاهد المخلوقات بمعرفته بالله، وشاهد الله بصفاته لا ذاته في كل شيء من مخلوقاته، وأن الله قد تجلى بالصفات في كل ذرة من ذرات الوجود تجلياً يندهش به، ويندكُّ به جسم كل شيء لولا رأفته ورحمته، كرر اسم الرحمن الرحيم.
وأيضاً فإنه لما انصرفت مشاهدة العقل من مشاهدة الدنيا، وانكشفت له مشاهدة الآخرة وعظيم أمورها قال مع ذلك: الرحمن الرحيم، كالذي يقول مع الشيء الذي يستعظمه: الله أكبر الله أكبر، فذكر هنا ما يوافق المطلوب اسم الله تعالى الرحمن الرحيم فقال:
( مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ ) (الفاتحة:4) ولم يقل: ملك الدنيا ويوم الدين لمعانٍ:
أحدها: إنه قد ذكر الله تعالى أنه ملك الدنيا ويوم الدين بقوله (رب العالمين).
والثاني: أنه أراد هنا التعظيم ليوم الدين، كأنه لما شاهدها نسي الأولى أصلاً.
والثالث: تحقير للأولى وتصريف أهلها مع النظر إلى يوم الدين.
بيــان:
وإلى هذا الموضع هو خطاب وصف كأنه لغير حاضر، ومن بعد هذا انتقل إلى صفة خطاب الحاضر، ويسمون أهل البديع من أهل الفصاحة والبلاغة هذا الوجه بالالتفات، كما قال تعالى: (حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ )(يونس: 22) ولم يقل: وجرت بكم، وفي مواضع أخرى قال على معنى ذلك أيضاً.
قوله تعالى حاكياً عن قول وليه جل وعلا: