( مجموعة محاضرات لسماحة الشيخ الخليلي في تفسير سورة العصر، مرتبة ومحققة، جمع وتحقيق: الباحث المحقق/ فهد بن علي السعدي)
————————–
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدّمة:
الحمد لله الذي خلق فسوّى، وقدّر فهدى، وله الآخرة والأولى، أحمده تعالى بما هو له أهل من الحمد وأثني عليه، وأستغفره من جميع الذنوب وأتوب إليه، وأؤمن به وأتوكّل عليه، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضللْ فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، من يُطِعِ الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصِ الله ورسوله فقد ضلّ ضلالاً مبيناً، وأشهد أنّ سيّدنا ونبيّنا محمداً عبده ورسوله، أرسله الله بالطريقة السواء، والشريعة السمحاء، والحقيقة الناصعة البيضاء، والملة الحنيفية السمحاء، فبلّغ الرسالة، وأدّى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الغمّة، فصلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى تابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فقد جاء في الحديث عن النبي – صلى الله عليه و سلم – أنه قال: «لَا تَزُولُ قَدَمُ ابْنِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ: عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ وَمَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ»1.
فإذا كان العمر كله يُسأل عنه العبد يوم القيامة، لأنه هبة الله الكبرى له التي تترتب عليها بقية هِباته، والشباب يُسأل عنه سؤالاً خاصّاً، وكلّ لحظة من العمر تمرُّ بالإنسان لن تعود إليه أبداً، وإنما هي خطوة من خطواته التي تقرّبه إلى لقاء الله عزّ وجلّ وإلى لقاء جزاءِ ما قدّم في هذه الدنيا، فإنّ على الإنسان أن يستبصِر ويبحث عن أسباب النجاة التي تخلّصه من مشكلات الحياة الدنيا، وتخلّصه من الشقاء في الدار الآخرة، و هذا كله جاء به الكتاب العزيز الذي لم يغادر شيئاً مما تحتاج إليه الحياة البشرية إلا أحصاه و بوّأه في مكانه الرتيب، وأظهر ما فيه مصلحة الإنسان من ذلك الأمر، وكيف يمكن للإنسان أن يتفاعل معه تفاعلاً سليما حتى يخلُص من مشكلات هذه الحياة، و يخلُص بالتالي من الشقاء في الدار الآخرة.
وهنالك سورة من قصار سور القرآن الكريم جاءت بالخلاص كلِّه، جاءت بما يبصّر الإنسان بأسباب السلامة من مشكلات الحياة الدنيا، ومن متاعب الحياة الآخرة، وهذه السورة وإن كانت من قِصار سُوَر القرآن الكريم إلا أنّ معانيَها جمّة وفوائدَها عظيمة وبركاتِها واسعة.
هذه السورة كان السلف الصالح من الصحابة – رضوان الله عليهم – والتابعون لهم بإحسان عندما يلتقون لا يغادر أحدهم أخاه حتى يتلوها عليه ليذكِّره بما فيها من توجيهات الله – عز و جل -، تلكم السورة هي سورة العصر التي يقول الله سبحانه و تعالى فيها: ﴿ بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾.
هذه السورة فيها بيان لحال الإنسان في الدنيا والآخرة، حيث إنّ الله تعالى كتب فيها الخسران على الجنس البشري ما عدا أولئك الذين جمعوا بين الخصال الأربع التي هي سبب السلامة من هذا الخسران، وهذا الخسران ليس خسراناً أخروياً فحسب، بل هو خسرانٌ دنيويٌّ وأخرويٌّ، فالإنسان إن لم يتعلّق بهذه الأسباب كان خاسراً أيضاً في هذه الدنيا.
———————–
1- رواه الترمذي (2340).