كتابة حروف الآيات لتحصيل المطالب والقضاء على الخصوم

بعض أكابر مجرمي قرية تملكوا البلاد وقهروا من فيها من العباد، بالجور والظلم والفساد، عدواً وظلما واستكبارا وعتوا ونفورا، فما أغنت عنهم الإنذار ولا التذكرة بأيام الله في الأخرة فتعمموا طغيا وبغيا فشرحوا بالجور صدرا وكما ترى فليس للأمر قائم ذو قدرة يكبت أهل الضلال، ألا وقد مس الضعفاء جور أولئك المفسدين، فعلى هذا ان أحدا من أنصار الله في حق الإسلام تفرع لمجاهدة الله الذين ذكرتهم فعمل لهم عملاً بكتابة الآيات القرآنية وليس من الآيات التى فيها أسماء الله إلا ضمير المعنى ضمير مستتر بل هي من آيات الوعيد، أترى فرقا في حرمة أي القرآن أم كله حرمة واحدة ؟

 وإذا وضعت حروفاً مقطعة لا كلمات شكلية فهل يجوز دقها دقا أو سحقها أو حرقها بغير الجمر والشرر واللهب من النار ؟ بل إذا وضعت في الأسر فيذاب وهى فيه أو ماذا ترى في ذلك، فإن أحداً من العلماء قال ببعض وجه الجواز في ذلك إذ ذلك العمل عمله لله وفي الله وإلى الله وبالحق وفي الحق أعنى نية عامل هذا، لكن ماذا ترى إذا حضر مع السؤال وقامت عليه الحجة من قبل الله فقيل له ماذا فعلت بكتابى وآياتى أم كذبت بحسابى أم آمنت عقابي فهتكت حرمتى لأعراض دنياك الفانية ونسيت أخراك الباقية فماذا يكون جوابه عند المليك المقتدر .

 قال: وإن كان قد أتى مثل هذا فيما مضى زمانه فأصاب بذلك من أباح له فيه الشرع في مجتمع عليه من جواز أهلاكه ففعل ذلك بما وصفت لك لظنه يجواز ذلك وغفل السؤال قبل الدخول لما فعل ذلك . ثم انتبه للسؤال فإن صح أن ذلك محجور بذلك وأراد التوبة فماذا عليه في أحكام شروط توبته من ذلك هل يكون تغليظا أم ندما واستغفارا أم إذا ترى في جميع هذا تفصل بإفادة الضعيف وانقاذه من هلكة العمى والجهل لعله يستضيء بنور ما أوتيته من نور الحكمة والعلم ولك الأجر إن شاء الله .

الجواب:

حرمة القرآن جميعه واحدة، ولأسماء الله بنفسها حرمة أخرى بل للجميع حرمة واحترام فلا يصح حرق شيء من كلام الله تعالى ولا من أسمائه، وإن فكك الحروف بعضها من بعض ورسم حروفاً مقطعة مخالفة لرسم المصحف وقاعدة الكتابة فلا يبعد أن يقال في مثله يجوز استعماله فيما وصفت لأنها صارت حروفا منتثرة لا آية مجتمعة، وفاعل ما يمنع من ذلك تجزئه التوبة، وإن كان قد قتل به من يجوز قتله.

وقد فرض الله الجهاد على عباده بالأنفس والأموال وهي التجارة الرابحة المنجية من عذاب الآخرة وعلى إقامة سوقها مضى عصر النبوة وزمان الخلفاء ثم خلف من بعدهم خلف يقرؤون القرآن كما يقرؤون تواريخ الأمم، يسمعون أوامره وزواجره ويحملونها على من مضى كأنهم لم يدخلوا في خطابه، وكأنهم لم يعنوا بعتابه، فارتاحوا إلى الخمول واستروحوا بالقعود مع الخوالف وتوسعوا في المباحات وأذهبوا طيباتهم في حياتهم الدنيا وجنحوا إلى الإتراف فلا نجد خصلة نعاها القرآن على أهل النفاق في عصر النبوة إلا وهى موجودة في غالب أهل زمانك.

 ثم إن المتنبه منا بعد ما أعيته الحيلة قام إلى آيات القرآن وأسماء الرحمن فكك بناءها وأحرق حروفها الله المستعان! ما كان هذا الحال على عهد محمد صلى الله عليه وسلم ولا عهد الخلفاء الراشدين بل هو أمر محدث سعادة فاعله السلامة من حرجه { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً } (النور:55) فلو كنا من أهل هذه الصفة حقا – ونعوذ بالله من ضدها – لوفى الله لنا بما وعد ، وقال تعالى : { إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ }(محمد:7) فلو نصرنا الله حقا لنصرنا الله غير أن قد اتصفنا بالفشل والتنازع وقد نهانا الله عن ذلك وركب غالبنا المناهى وعملوا بالمساخط وذلك موجب للغضب إن لم يعف الله . اللهم ارحم دينك وانصر المسلمين وأظهر الدين وألف بين القلوب وأجمع الشمل يا رب العالمين، والله أعلم .