معنى قوله تعالى ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَٰنُ وُدًّا ) [سورة مريم: 96]

وسئل : عن قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا) [سورة مريم: 96]، هل هذا الود في الدنيا أو في الأخرى؟ وإن كان في الدنيا ما الجمع بينهما وبين قوله تعالى (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ) الفرقان / 31 ؟

الجواب : لا إشكال في الآيتين سواءً قلنا ذلك الود في الدنيا أو في الأخرى ، وذلك إن قلنا به في الدنيا فالرَّبُّ تعالى وعد عباده المؤمنين بأن يجعل لهم وداً بعدما كانوا ممقوتين بين الكفرة فوعدهم الله ذلك إذا دحا الإسلام-أي انتشر وصار قوياً-، ويؤيده كون السورة مكية ، ومن الممقوتين بين الكفرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أشدهم فلذلك سلاه ربه بقوله: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ ) الآية (الأنعام: 112) ، أي : وكذلك كان كل نبي قبلك مثلك بعداوة قومه فلما أن دحا الإسلام صار يوده كل من رآه أو سمع به .

وإن قلنا به في الأخرى فالرب تعالى يحبب عباده المؤمنين إلى خلقه بما يعرض من حسناتهم، وينشر من ديوان أعمالهم، وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي : (يا علي قل اللهم اجعل لي عندك عهداً، واجعل لي في صدور المؤمنين مودة )[1] فأنزل الله تلك الآية ، وعن ابن عباس في تفسيرها يعني: يحبهم الله ويحببهم إلى خلقه ، وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم : (يقول الله عزوجل : ياجبريل قد أحببت فلانا فأحبه، فيحبه جبريل ثم ينادي في أهل السماء أن الله قد أحب فلاناً فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يضع له المحبة في أهل الأرض)[2]. وعن قتادة: “ما أقبل العبد إلى الله إلا أقبل الله بقلوب العباد إليه”، والله أعلم.


[1] ـ رواه الثعلبي في تفسيره الكشف والبيان عند تفسير قوله تعالى: (إنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا).

[2] – رواه الإمام الربيع / باب في الحب (11) / رقم 67 ، والرواية عنده ( إذا أحب الله عبداً قال : يا جبريل إني أحببت عبدي فلاناً فأحببه ، فيحبه جبريل عليه السلام ثم ينادي في أهل السماء ألا إن الله قد أحب فلاناً فأحبوه ، فيحبه أهل السماء ، ثم يوضع له القبول في أهل الأرض ، وإذا أبغض الله عبداً فمثل ذلك ) .