آداب تلاوة القرآن الكريم سلسلة مقالات(2):
عناية الإباضية بحفظ القرآن وتلاوته
بقــلم
فهد بن علي بن هاشل بن علي السعــدي
كتب بتأريخ: 24 محرم 1423هـ / 7 من إبريل 2002م
———————————
1- شغفهم بتلاوة القرآن الكريم :
تراهمُ في ضمير الليل صيَّرهم** مثل الخيالات تسبيح وقرآنُ
لقد حرص الأصحاب ـ رضوان الله عليهم ـ على تلاوة القرآن آناء الليل والنهار ، حتى صار الواحد منهم نورا يسير على الأرض :
يشعشع بالقرآن أنوار قلبه ** فعنهن شقت للعيون المدارعُ
فالقرآن حبيب قلوبهم ، وأنيس وحشتهم ، ومذهب همومهم ، كل ما عن لهم حادث وجدوا فيه الجواب ، وكل ما صادمهم كرب وجدوا فيه المخرج والخلاص ، فهو عدتهم في القراع ، وملاذهم في الدفاع ، يحملونه في الأسفار ، ويتلونه بالتكرار .
هذه هي مكانة القرآن في نفوسهم ، فبماذا عاملوه ؟! وكيف ناجوه ؟!
هذا سؤال تجد جوابه في هذه الدراسة ، فللأصحاب آداب مع كتاب الله ـ جل جلاله ـ تنبؤك بالعجب العجاب ، الذي يأخذ بألباب أولي الألباب .
2- حال القارئ: {الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم }
وهاك ـ فيما يلي ـ بعض تلك الآداب ، التي استخلصتها من سيرهم وأخبارهم ، وكتبهم وآثارهم :-
حال القارئ
فالأصحاب يرون أن قارئ القرآن ينبغي أن يكون على وضوء ، لازما هيئة الأدب من قيام أو جلوس ، مستقبلا للكعبة المشرفة . ( 1 )
فمن كان على غير وضوء ، إما أن يكون جنبا أو حائضا ، فتحرم عليه قراءة القرآن ؛ إظهارا لعظمته ، وفرزا بينه وبين غيره من سائر الكلام ، وإما أن يكون من أهل الأحداث الخفيفة ، فيكره له قراءة القرآن كراهة تنزيه ؛ بيانا لعظمة القرآن . ( 2 )
قال الإمام السالمي :
واقرأه في طهارة تعظيما ** وليس نهي غيره تحريما
وإنما يحرم أن يقرأ الجنب ** أو حائض أو نفساء فاجتنب
وغيرهم من باقي المحدثينا ** لأجل تعظيم له ينهونا ( 3 )
وهل يجوز قراءة القرآن على غير القيام والقعود ؟
يرى الأصحاب جواز ذلك من غير كراهة لعذر أو بدون عذر ، لقوله تعالى : {الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم } . ( 4 )
ولكن الاضطجاع دون القيام والقعود ، والأفضل من الهيئات قراءة القرآن قائما في حال الصلاة ؛ لاجتماع أجر قراءة القرآن وأجر الصلاة معا . ( 5 )
وهذه سيرة الأصحاب عطرة بذلك ، ( فليلهم التسبيح والذكر والبكا ، وترتيل قرآن ـ أخي ـ وتنحب )
فهذا الشيخ محمد بن يانس ( ق3هـ) ، الذي أحيى ليله كله بقراءة القرآن جميعه في ركعتين ، فلله هؤلاء !! ( 6 )
( تراهم في ضمير الليل صيرهم ** مثل الخيالات تسبيح وقرآن ) ( 7 )
3- مقدار القراءة ، تقسيم الختمة ، كتابة القرآن ، الترتيل والبكاء من خشية الله ، ومراعاة حق الآية:
مقدار القراءة
يستحب ختم القرآن في سبعة أيام ، وجائز في عشرة ، وفي شهر ، وللناس عادات مختلفة غير ما ذكرنا . ( 8 )
والحاصل أن ذلك يعود إلى فهم وعمل القارئ ، فمن كان قاصر الفهم ، أو مشغولا بنشر علم أو فصل حكومة ، فليقتصر على ما قدر ، ومن لم يكن من هؤلاء فليكثر من دون الخروج إلى حد الملل أو الهذرمة . ( 9 )
وجه القسمة
فخاتم القرآن في أسبوع يقسمه على سبعة ، وهذه السبعة يختلف ترتيبها وتحديدها عندهم . ( 10 )
فهذا أحد أصحابنا كان يفتتح قراءة القرآن في الصباح عند ذهابه لعمله ، ويختمه وهو راجع مساء إلى بيته . ( 11 )
وآخر ( 12 ) قد قسم الطريق ـ الذي يذهب من خلاله إلى مزرعته في القرية المجاورة ـ إلى أقسام متعددة ، حسب ما كان يقرؤه في طريقه من الأحزاب والأجزاء . ( 13 )
فأين نحن من هؤلاء ؟!
الكتابة
وفيه مسائل :
ـ كتابة النقط والعلامات بالحمرة وغيرها :
لا بأس به إذا لم يؤد ذلك إلى محذور ، فإنها تزيين وتبيين وضبط عن اللحن . ( 14 )
ـ كتابة القرآن بغير القلم العربي ( 15 ) :
قال ابن عبيدان ( ت 1104هـ ) : لم أعلم حجر ذلك .
وقال الشيخ ناصر بن خميس بن علي ( ت1127هـ ) : لا أعلم حجر ذلك لمن عرف عدل ذلك وعمل بالعدل فيه .
وقال ابن أبي نبهان (ت1263هـ) : لا أرى علة تمنع ذلك ، لأن صورة الحرف ليس هي الحرف ، وإنما هي صورة توصل إلى معرفة النطق ، وكل صورة توصل إلى معرفة النطق به جاز ، ولا فرق بين عربي في ذلك وغيره من الأقلام ، فالحرف ليس له صورة في الخط ، فاعرف ذلك .
وقال الشيخ الصبحي ( ت1150هـ) : فأحسب أنه كذلك ـ أي الجواز ـ ، وذلك أن بعض الناس لهم أقلام قد عرفوها ، وسمعت أنها ستة وثلاثون قلما ، ولم نعلم من أهل القبلة تغييرا ولا إنكارا على من كتبه بقلمه ، ولعله أكثر علم الحروف وما شاء الله . ( 16 )
الترتيل
قال تعالى : {ورتل القرآن ترتيلا } ، نعلم من ذلك أن الترتيل هو أفضل مراتب القراءة ، فهي داعية إلى الخشوع والتدبر ، وتعظيم القرآن واحترامه .( 17 )
قال الشيخ أبو مسلم (ت1339هـ) : “… وكل هذه المقامات الشريفة ـ أي استشعار الخوف والرجاء ـ لا يتمكن منه القارئ والسامع إذا قرأ ، وهو يهذرمه كسقط الكلام ، ويصبه صبا لا يبالي بسقوط حرف ، ولا بإخراجه من غير مخرجه وبغير صفته ، ولا يكترث بعزوب فهمه للمعاني وعدم تدبره فيها ، وأين حصول الهيبة والخشية وبشاشة الإيمان والخشوع من قراءة كهذه ؟! ” ( 18 )اهـ
البكاء
فعلى القارئ أن يبكي عند قراءة القرآن ، فإن لم يبك يتباكى ، ويظهر الحزن عند قراءته .
قال الإمام الجيطالي : ” ووجه إحضار الحزن أن يتأمل ما فيه من التهديد والوعيد والوثائق والعهود ، ثم يتأمل تقصيره في الأوامر وارتكاب الزواجر ، فيحزن لا محالة و يبكي ، فإن لم يحضره البكاء كما يحضر أرباب القلوب الصافية ، فليبك على فقد الحزن ، فذلك أعظم المصائب ” ( 19 ) اهـ
مراعاة حق الآية
فإذا مر بآية سجدة سجد ، سواء قرأها أم سمعها من غيره ، بشرط أن يكون طاهرا ، ثم يدعوا الله بعد سجوده ( 20 ) ، وهل يشترط لسجود التلاوة شروط الصلاة من ستر العورة والطهارة واستقبال القبلة أو لا ؟ ( قولان ) ( 21 )
4- أحكام الاستعاذة ، قراءة الألحان ، الإخلاص وتعظيم المتكلم
الاستعاذة
1ـ ومن أراد قراءة القرآن فإنه يستعيذ من غير لزوم في غير الصلاة .
قال الشيخ سعيد بن بشير الصبحي : الاستعاذة لقارئ القرآن يؤمر بها على غير لزوم .
وقال الشيخ ناصر بن خميس : إن ذلك ـ أي الاستعاذة ـ يكون استحبابا لا إيجابا ، فيما عندنا . ( 22 )
2ـ ومن قرأ القرآن وتكلم بكلام الآدميين ، ثم رجع إلى التلاوة فعليه أن يستعيذ . ( 23 )
3ـ حكم الاستعاذة في حلقة القرآن :
قال الشيخ ناصر بن أبي نبهان : والإعادة في أول الابتداء ، وإذا قرأ هذا وهذا سورة ، وابتدأ الأول بالإعاذة فلا يبتدئ الثاني بها أيضا عند ختم تلك الآية ، وأخذ الآخر الآية التي تليها ؛ لئلا يكون بينهما زيادة فاصلة ، وذلك تغير عن تأليفه الحقيقي ، وإن ذلك مما لا يمنع جوازه ؛ لأنه أن ينزع آيات من القرآن ويقرؤها كذلك ، ولكن الأحسن لمن أراد أن يتلو القرآن معتمدا على ترتيبه أن يقرأه كذلك من غير زيادة بين الآيات بآية ليس هنالك موضعها .
وإن كان ولابد من الاستعاذة ، فليستعذ للقراءة سرا قبل ختم صاحبه الآية التي هذا من بعدها . ( 24 )
4ـ لفظ الاستعاذة
هنالك خلاف في لفظ الاستعاذة ، والمختار عند أصحابنا : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم .( 25 )
القراءة من غير تمديد مفرط يغير النظم
فلا يرخم صوته وقراءته ، ولا يغرد به ولا يسجع ، بل برزانة وثقل .( 26 )
قال الإمام الشيخ أبو مسلم البهلاني : ” وقد وردت أحاديث بتحسين الصوت بالقراءة ما لم يخرج عن حد القراءة بالتمطيط ، فإن أفرط فزاد حرفا أو أخفاه فهو حرام ، كذلك القراءة بالألحان ، فإن قصد بها تحسين القراءة وتزيينه ، ولم تخرج مخرج التلذذ بمجرد التغني فهو مأمور به ، وحيث أفرط التلحين إلى صفة الغناء ، أو زاد حرفا أو أشبع حركة حتى تولد منها حرف فهو حرام ” ( 27 ) اهـ
قال الإمام السالمي :
وحرموا تلاوة الألحانِ ** إذ لم تكن من صفة القرآنِ
إن أبا أيوب لما سمعا ** ذاك ثيابه عليه جمـــعا
وقال: لم أسمعهم يتلونا** كذاك أي أصحابنا ينفونا( 28 ) .
علق الشيخ إبراهيم بن سعيد العبري (ت1395هـ) عليها قائلا : ” قوله : أن أبا أيوب ، هو وائل بن أيوب من تلاميذ الربيع ، وهو من علماء المذهب المشهورين قديما وحديثا ، ومعنى جمعه لثيابه ؛ وضعها على أذنيه لئلا يسمع تلك القراءة المحدثة , وعندي أن قراءة الألحان على وجهين : فما كان منها على وجه المد والتطويل والتطريب كالأغاني فهي حرام ، وما كان منها على وجه الترتيل وإعطاء الحروف حقها ، من مد وإشباع وتفخيم وترقيق ، وحسن ترتيل وتناسب في الوقف والوصل مع الخشوع والتعظيم ، فهي مباحة بل مستحبة وإليها يصرف ما ورد في الأحاديث من التغني بالقرآن ، والإذن فيه لمن كان حسن الصوت ، والله أعلم ” ( 29 ) اهـ .
ـ ما جاء في حديث : ” من لم يتغن بالقرآن فليس منا “
للأصحاب جواب طويل حول هذا الحديث ، مجمله ما قاله الإمام السالمي ، يقول : ” … وأما قوله ( من لم يتغن بالقرآن فليس منا ) فمعناه أن من لم يستغن به عن غيره من كتب اليهود والنصارى وأضرابهم ، يقال : تغنيت وتغانيت واستغنيت ، وقيل : أراد من لم يجهر بالقراءة فليس منا … الخ ” ( 30 ) اهـ
الإخلاص لله عزوجل
فهو أساس العمل الصالح ، يشترط لصحة كل عمل من الأعمال .
جاء في قاموس الشريعة : ” … وينبغي له ـ أي حامل القرآن ـ ألا يطلب بالقرآن شرف المنزلة عند أبناء الدنيا مثل الملوك وغيرهم ، وأن يخلص جميع أفعاله لله عز وجل ، فإن كان داخله شيء من ذلك فليتب إلى الله تعالى منه ، ليعتقد الإخلاص لله ” ( 31 ) اهـ
الابتداء من أول الكلام المرتبط بعضه ببعض ، والوقوف عند انتهاء الكلام ، إذ لا يجمل بالقارئ أن يبتدئ من كلام مبتور معناه ، يتعلق بما قبله تماما ، بل قد يبدأ بما يؤدي إلى الكفر ؛ كأن يبدأ بقول أهل الشرك والكفر .
قال الشيخ أبو مسلم البهلاني : ” ومما ينبغي للقارئ ـ وخصوصا في الصلاة ـ إذا ابتدأ من أثناء سورة أن يبتدئ من أول الكلام المرتبط بعضه ببعض ، وإن وقف وقف على المرتبط وعند انتهاء الكلام ، ولا يتقيد في الابتداء و لا في الوقف بالأجزاء والأحزاب والأعشار ، فإن أغلبها وسط الكلام المرتبط بالكلام ، فإن مراعاة هذه الآداب مما ينبغي التفطن له ، والتحرز عن مجاوزته ، فلا تغترر بكثرة المتهالكين في ترك هذه الآداب ” ( 32 ) اهـ .
فهم عظمة الكلام وعلوه ، ولطف الله سبحانه في إيصاله إلى أفهام خلقه مع عظمته وعلو درجته . ( 33 )
تعظيم المتكلم
وذاك بالتدبر في خلقه ، من سماوات وأراضين ، وعرش ونحوها ، فكل هذا يؤدي بالمرء إلى تعظيم خالقه . (34 )
قال الشيخ أبو مسلم البهلاني : ” … مع أن السامع مفروض عليه الإنصات لكلام الله ـ وكذلك حال القارئ ـ ؛ لأخذ معانيه والحصول على فهمـــه ، مع التزام استشعار الرجاء لرحمة الله عند آيات الرحمة ممزوجا بالخوف منه ، واستشعار الخوف من الله عن آيات الغضب ممزوجا بالرجاء منه …” ( 35 ) اهـ .
حضور القلب وترك حديث النفس
قال الشيخ أبو مسلم البهلاني : ” … ثم إن الترتيل لذاته قشر لبابه الحضور ، وإنما شرع لتكمل به حقيقة الحضور ، غذ الحضور مع المعاني مع هذرمة الألفاظ وتهريمها لا يتصور ، فضلا عن أن يكون كاملا ، فتأمل هذا المقام فإنه عظيم ” ( 36 ) اهـ
5- التدبر ، فهم ما يتلو ، التأثر ، تكرار الآيات للاعتبار ، الترقي والتبري
التدبر وهو من وراء حضور القلب
فقد يحضر القلب ولا يتدبر ( 37 ) ، والتدبر رأس الفضل والأجر ، وطريق الخير .
قال أبو مسلم البهلاني : ” … فالتدبر دليل تلك الخزائن ، ومفتاح تلك الكنوز ، لا جرم شرع في القراءة في الحقيقة ليست مقصودة بالذات ، لكن المقصود التدبر في معاني المقروء ، والتلذذ بها ؛ لتستكمل الصلاة أكمل أنواع العبادة ، وأحب ضروب التزلف إلى من لم يرض منا بالقشور حتى ننصرف إلى وجهه الكريم بلباب الإخلاص ، وهو الغني المطلق عن كل شيء ، ولكنها آداب سنية أدبنا بها لنصلح للحضرة ، فمن انسلخ من آداب الله ، التي اختارها لعباده كان خسيسا رديئا ، لا يصلح لمقابلة أبناء جنسه ، فما ظنك بمقابلة ملك الملوك ، ومدبر الموجودات ، وهذا الأدب الصالح لمقابلته مصدره الأول القرآن العزيز ، وهو غير متناول منه إلا بفهمه ، والترتيل لا شك أكبر وسيلة للفهم ” ( 38 ) اهـ.
التفهم ، وهو أن يستوضح من كل آية ما يليق بها
فإذا مر بآية فيها تنزيه الله نزهه عن كل نقص ، وإذا مر بقصص الغابرين أخذ العظة والعبرة . ( 39 )
قال الإمام السالمي : ” وإذا فهم المعاني استعشر العظمة عند ذكر الله ، وحصول الرجاء والخوف عند الوعد والوعيد ، والاعتبار عند القصص والأمثال ، فيستنير القلب عند ذلك بنور المعرفة ” ( 40 ) اهـ .
وقال الإمام الكدمي : ” فالاعتبار والتدبر والتفكر والفكرة لازمة لكل متعبد في كتاب الله ـ تبارك وتعالى ـ ، كل منهم بما بلغ إليه طوله وقدرته ” ( 41 ) اهـ .
التخلي عن موانع الفهم
وهي كثيرة ، منها الانصراف إلى تحقيق الحروف ، وغض النظر عن معاني الآيات ، ومنها الانتصار لمذهبه ، فيعميه هذا التعصب المقيت عن فهم الآيات فهما سليما ، إلى غير ذلك من الموانع . ( 42 )
التخصيص
أي أن يجعل نفسه المقصود بكل خطاب في القرآن الكريم ، فإن سمع وعيدا أو وعدا ، قدر أنه هو الموعود وعدا أو وعيدا ، وهكذا في كل خطاب فليفعل .( 43 )
التأثر
وهو أن يتأثر قلبه بحسب اختلاف الآيات ، فمن خيفة عند الوعيد ، إلى استبشار عند المغفرة ، ومن خضوع عند تعظيم الله ، إلى الارتعاد عند ذكر النار . ( 44 )
قال الشيخ أبو مسلم البهلاني : ” … ثم إن الهموم الدنيوية تأثيرها في القلوب والأجسام أمر ظاهر ، وربما قتلت ، فما بالك بالهموم الأخروية ، وهي هي … ولا كهموم الآخرة وأنت ترقب عضة الموت وفراق الأهل والولد والعشير والمال ، وترقب غربة القبر وكربته وضيقه وفتنته وعذابه وسؤال منكر ونكير … وترقب نفخة الصور والمساق إلى أرض المحشر ، وترقب وقفة الحساب بين يدي ملك يوم الدين ، وترقب وترقب … فأين هذه الهموم الهائلة من همومك بالأعراض الحائلة في هذه الحياة الزائلة ؟!
فغير بدع إن شيبت هود وأخواتها رسول الله صلى الله عليه وسلم … ” ( 45 ) اهـ .
تكرار آيات الوعد والوعيد
إذ التكرار يؤثر في القلب ، ويؤدي إلى قوة الفكر في مثل هذه الأهوال الشديدة .
قال الشيخ أبو مسلم البهلاني : ” … فترديد آية أو سورة أو كلمة من كلام الله بعامل الإخلاص أو الأنس أو الرغبة أو الرهبة أو التلذذ بمعاني ما يردده غير مستنكر من أرباب القلوب ، وأصحاب الأحوال ، فإن لحب الله في السرائر آثارا وقهرا وسلبا وإيجابا ، وله في القلوب تصرف كامل ، فإذا ألجأ القلب إلى العكوف على مقام لم يجد عنه مخرجا ولا محيصا ، إلا إذا أقامته العناية الربانية في مقام آخر ، ولا شك أن تكرار الآية أو الأكثر منها بهذا العامل مقام يقتضيه مقام الخوف أو مقام الرجاء أو كلاهما ، وبالجملة : يقتضيه مقام المحبة ، فلا تتردد في شرف هذا المقام ، وهو الذي شيب المصطفى ـ صلوات الله عليه وسلامه ـ ، فقال عليه السلام : ( شيبتني هود وأخواتها … ) …” ( 46 ) اهـ .
الترقي
أي أن يترقى العبد حتى كأنه يسمع الكلام من الله تعالى لا من نفسه . ( 47 )
التبري
أي أن يتبرأ من حوله وقوته ، والالتفات إلى نفسه بعين الرضا والتزكية . ( 48 )
———————————-
6- هوامش الدراسة
( 1 ) الجيطالي ، قناطر الخيرات ، ج3 ، ص 379 .
( 2 ) انظر : البوسعيدي ، لباب الآثار ، ج1، 168، السعدي ، قاموس الشريعة ، ج3، ص302، السالمي ، جوهر النظام ، ج4، ص 334 ، …..، شرح الجامع الصحيح ، ج1، ص28ـ29 .
( 3 ) السالمي ، جوهر النظام ، ج4، ص334.
( 4 ) سورة آل عمران ، آية
( 5 ) البوسعيدي ، لباب الآثار ، ج1، ص168 ، الجيطالي ، قناطر الخيرات ، ج3، ص379 .
( 6 ) الجيطالي ، طبقات المشايخ ، ج1، ص58ـ59 .
( 7 ) أبو مسلم ، ديوان أبي مسلم ( مخطوط ) ، ص 56
( 8 ) الجيطالي ، قناطر الخيرات ، ج3 ، ص379 .
( 9 ) أبو مسلم ، نثار الجوهر ، ج2 ، ص311، الجيطالي ، قناطر الخيرات ، ج3، 380 .
( 10 ) الجيطالي ، قناطر الخيرات ، ج3 ، 380 .
( 11 ) مجموعة مؤلفين ، معجم أعلام الإباضية (المغرب) ، ج4، ص990.
( 12 ) هو الشيخ خميس بن سليمان بن سعيد الحارثي .
( 13 ) مجموعة مؤلفين ، جوهرة الزمان ، ص44ـ45.
( 14 ) الجيطالي ، قناطر الخيرات ، ج3، 380 .
( 15 ) هكذا يذكر الأصحاب ، وما سبب تناولهم لهذه المسألة ؟ هل لنجاسة من صنعها من المشركين ؟ ) تأمل ) .
( 16 ) البوسعيدي ، لباب الآثار ، ج1، ص135، السعدي ، قاموس الشريعة ، ج3، ص 324ـ326.
( 17 ) الجيطالي ، قناطر الخيرات ، ج3، ص380، السعدي ، قاموس الشريعة ، ج3، ص280 .
( 18 ) أبو مسلم ، نثار الجوهر ، ج2، ص 3ـ3 .
( 19 ) الجيطالي ، قناطر الخيرات ، ج3 ، ص381.
( 20 ) المرجع السابق ، ج3 ، ص381 .
( 21 ) انظر : القطب ، شرح النيل ، ج2، ص510ـ511.
( 22 ) السعدي ، قاموس الشريعة ، ج3 ، ص322ـ323.
( 23 ) البوسعيدي ، لباب الآثار ، ج1، 174.
( 24 ) السعدي ، قاموس الشريعة ، ج3، 323 .
وهنا لا بأس أن نذكر موقف الشيخ أبي نبهان من ذلك ، يقول الشيخ ناصر بن أبي نبهان : ” كان والدي ـ رحمه الله ـ يكره كثيرا أن يفصل أحد بين الآيات بالاستعاذة أو بالبسملة ، وكنا نتعلم معه القرآن ، فإذا غلطنا واستعذنا أو بسملنا عند ابتداء قراءتنا لجزء من السورة المقطعة للقراءة ، يقول : ائتني بالمصحف ، فإذا نظره ، قال : أين كتابة الإعاذة في هذا الموضع ؟ أو أين البسملة ؟ فإذا قلنا له : لا شيء ، غضب علينا ، وربما ألحقنا عن ذلك ضرب الأدب …
وإن كان ولابد من الاستعاذة ، فليستعذ للقراءة سرا قبل ختم صاحبه الآية التي يقرأ هذا من بعدها ، هكذا كان استحباب والدنا رحمه الله تعالى …” اهـ قاموس الشريعة ج3، ص322ـ323
( 25 ) انظر : القطب ، شرح النيل ، ج2، ص120، السالمي ، معارج الآمال ، ج8، ص74ـ76 .
( 26 ) الجيطالي ، قناطر الخيرات ، ج3، ص383.
( 27 ) أبو مسلم ، نثار الجوهر ، ج2، ص312.
( 28 ) السالمي ، جوهر النظام ، ج4، ص335ـ336 .
( 29 ) انظر : تعليق العبري على الأبيات السابقة من الكتاب ، ج4 ، ص336 .
( 30 ) السالمي ، شرح المسند ، ج3 ، ص625، وانظر : القطب ، كشف الكرب ، ج1، ص259، السالمي ، جوهر النظام ، ج4 ، ص335 ، السعدي ، قاموس الشريعة ، ج3، 280 .
( 31 ) السعدي ، قاموس الشريعة ، ج3،ص290 .
( 32 ) أبو مسلم ، نثار الجوهر ، ج2، ص313 .
( 33 ) الجيطالي ، قناطر الخيرات ، ج3، ص385.
(34 ) المرجع السابق ، ج3، ص385ـ386 .
( 35 ) أبو مسلم ، نثار الجوهر ، ج2، ص308 .
( 36 ) المرجع السابق ، ج2، ص309.
( 37 ) الجيطالي ، قناطر الخيرات ، ج3، ص386.
( 38 ) أبو مسلم ، نثار الجوهر ، ج2، ص309
وانظر : السالمي ، معارج الآمال ، ج8 ، ص120 .
( 39 ) الجيطالي ، قناطر الخيرات ، ج3، ص387.
( 40 ) السالمي ، معارج الآمال ، ج8، ص120.
( 41 ) الكدمي ، المعتبر ، ج1، ص16 .
( 42 ) الجيطالي ، المرجع السابق ، ج3، ص388ـ389.
( 43 ) المرجع السابق ، ج3، 389ـ390 .
( 44 ) المرجع السابق ، ج3 ، 390ـ 392.
( 45 ) أبو مسلم ، نثار الجوهر ، ج2، ص374ـ375.
( 46 ) المرجع السابق ، ج2، ص373.
( 47 ) الجيطالي ، قناطر الخيرات ، ج3، 392ـ393.
( 48 ) المرجع السابق ، ج3، 393ـ394 .