الحوار ج2

عنوان الحلقة” تابع الحوار ج2″

مقدم البرنامج: بسم الله الرحمن الرحيم

كنا قد تحدثنا في الحلقة الماضية عن الحوار، ووعدنا بإكماله اليوم بإذن الله تعالى.

 هذه القيمة أو أستطيع أن أسميه بالمنهج الرباني الذي أراده الله تعالى أن يكون حلقة تواصلٍ بين البشرية، كما يكون تواصلاً بين المختلفين حتى يصلوا إلى نقطة محددة في الموضوع الذي يتناقشون فيه.

وعندما تقرأ القرآن الكريم تجد نماذج كثيرة من الحوار متعددة ومنتشرة في آيات القرآن الكريم.

حوارٌ بين الله تعالى وملائكته، حوارٌ بين الله تعالى وأنبيائه، حوارٌ بين الأنبياء وأقوامهم وهكذا…

الشيخ كهلان: موضوع حلقة اليوم هو امتدادٌ للموضوع الذي ابتدأنا الحديث فيه في الأسبوع الماضي، وهي قيمة الحوار في هذا الدين الحنيف.

 ونحن نتحدث عن الحوار باعتباره قيمةً من القيم الإنسانية الرفيعة التي دعا إليها ديننا القويم.

وفي حلقة الأسبوع الماضي تناولنا جملةً من العناصر منها: المقصود بالحوار – سواءً كان المقصود به في الاستخدام العرفي، أي في عرف الناس، وحسب ما يفهمون، أو في الاستخدام القرآني – ونذكِّر بأن الحوار يقصد به تبادل الحديث حول موضوعٍ ما.

وركزنا على أن القرآن الكريم استعمل كلمة الحوار كما استعمل كلمة الجدال والمجادلة، وكلها بمعنى واحد في حقيقة أصلها، وفي كثيرٍ من دلالاتها ومعانيها.

وبعد ذلك تحدثنا عن القصد من الحوار ، وهي نقطةٌ غايةٌ في الأهمية ، ذلك أن كثيراً من الناس يظن أن القصد من الحوار هو إثبات صحة رأي الفرد ، والتغلب على من يحاوره، في حين أن الأمر ليس كذلك ، قلنا: إن المقصد من الحوار هو التعاون على الوصول إلى الحقيقة .

 فإن الواحد منا يحاور من يحاوره لأجل أن يستعين به في الوصول إلى الحقيقة انطلاقاً من قاعدة ( أن رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأٌ يحتمل الصواب)

 وأنه ما من إنسان كاملٌ في رأيه حاشا أنبياء الله تعالى ورسله الكرام – عليهم الصلاة والسلام – .

وتجلت أهمية الحوار من خلال استعراض كثيرٍ من الآيات القرآنية، ومواقف رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في سيرته القولية ، والفعلية، والتقريرية.

ثم تحدثنا أيضاً عن احتياجنا نحن اليوم في واقعنا الذي نعايشه إلى هذه القيمة، وقلنا: بأننا نحتاج إليه ليس فقط فيما يظنه الناس من المناظرات والمجادلات ، وإنما نحتاج إليه حتى في أبسط علاقاتنا الاجتماعية (بين الأزواج ، بين الأولاد ووالديهم ، بين الأقارب، بين الجيران، مع مختلف الناس بمختلف ثقافاتهم وخلفياتهم الحضارية والفكرية والدينية )

 لأن الحوار قيمةٌ تدل على الثقة، وعلى الاعتزاز بالقيم والمبادئ، وتدل على وضوح الرؤية لدى المحاور.

 وحينما يفلس المرء من الحوار فإنه يلجأ إلى منطق القوة والتغلب بالقهر ، وإلى الجبروت، أما الواثق من نفسه الذي يسير على بينةٍ وهدى فإنه لا يخشى شيئاً من المحاورة بل إنه يسعى إلى الحوار لأجل أن يستجلي مزيداً من وضوح الرؤية ومن الأدلة ومن اجتناء الحقائق فيما يأتيه وما يذره .

وكان الحديث طويلاً أيضاً واستمعنا فيه إلى جملةٍ من المشاركات القَيمة حول آداب الحوار بدءًا من حسن المقصد ومن الإخلاص لله تعالى، مروراً بحسن الاستماع ، والعلم والمعرفة ، واحترام الطرف الآخر المحاوَر، والقول الحسن – أن يكون الجدال أو المحاورة بالحسنى – هذه كانت أهم النقاط التي تعرضنا لها في حلقة الأسبوع الماضي.

سوف نتناول اليوم بمشيئة الله تعالى عناصر أخرى تتعلق بهذا الموضوع ، منها مزيد من الإضاءت حول أدب الحوار من خلال أيضاً إطلالاتٍ على بعض الحوارات الموجودة في كتاب الله عز وجل ، ثم سنخرج منها أيضاً إلى بيان الهدي النبوي ، كيف كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في أدبه الجم الرفيع وهو القدوة الحسنة لنا جميعاً – عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام – كيف كان خلقُه في الحوار.

 ثم سوف ننتقل إلى نقاطٍ عملية، بل إنها قد تكون مغرقةً فعلاً في العملية أو في الجوانب التطبيقية وهي: لماذا تفشل بعض الحوارات؟ – أي كثيرٌ من الناس يمارس الحوار لكنه لا يصل فيه إلى نتيجة لماذا ؟!-

مقدم البرنامج: فضيلة الشيخ أنتم ذكرتم كلمةً مشهورة للإمام الشافعي وهي ( رأيي صواب يحتمل الخطأ ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب) قد يتبادر إلى الذهن عند سماع هذا الكلام أنه يخلو نوعاً ما من التوافق ، بمعنى لماذا لا أقول: رأيي خطأ يحتمل الصواب ، ورأي غيري صواب يحتمل الخطأ عندما أريد أن أناقشه مثلاً ؟

 هذا إذا ما نزلنا إلى الواقع التطبيقي نجد أن كثيراً ممن اغتروا بما عند الآخر من ثروةٍ علمية ، من ثروةٍ في المعلومات وغيرها من هذه الأمور ، دائماً يشك فيما عنده ويقول: إنني المخطئ وغيري عنده صواب ، ويذهب إلى دراسة ما عند غيره من نفائس – كما يسميها – ويضع نفسه دائماً في موضع الخطأ وغيره في موضع الصواب ، كيف نفهم هذه الحكمة في ضوء ما يحدث ؟

الشيخ كهلان:  أولاً حينما يرى الإنسان رأياً ، حينما يتبنى الفرد رأياً فإنه ينبغي له أن يقلب كل جوانب ذلك الرأي ، وأن يمحصه من كل زواياه، وأن يُعمل فيه نظره وفكره حتى يصل إلى ما تطمئن إليه نفسه ، فلذلك لا يمكن له من حيث حقيقة ما يراه لنفسه إلا أن يتبنى ما يرى أنه الأصوب من رأي ، فإذاً هو ينطلق من هذا الأساس .

 هو فيما اجتهد لنفسه من تبني رأيٍ حول موضوعٍ ما ، إنما يتبنى ما يرى أنه الرأي الأصوب، وإلا لو كان يرى أن الصواب في غير ذلك الرأي الذي ارتآه فإنه سوف ينقلب عن هذا الرأي إلى رأيٍ هو الصواب كما يرى .

لكن هذا هو اجتهاده ، وهذا هو ما أدته إليه الملكات التي وهبه إياها الله سبحانه وتعالى ، وهذا هو الذي استخلصه بناءً على عدة عوامل أدت به إلى هذا الرأي .

لكن حينما يحاور غيره فإنه لا يقطع بصحة رأيه ، لأنه لو كان يقطع – أي هو على يقينٍ تامٍ بأن رأيه صواب – فإنه لا حاجة له إلى أن يتحاور مع غيره ، لكن نظراً إلى أن كل الملكات البشرية قاصرة عن الكمال حاشا ما وهبه الله سبحانه وتعالى الأنبياء والرسل ، لكن البشر سواهم كلهم ناقصون ، قاصرو الملكات كان بحاجة إلى أن يتبين ما عند الآخرين ، فهو إما أن يتعزز ثقةً واطمئناناً إلى ما عنده من رأي، وإما أن يصحح ما عنده ، ولذلك فهو حينما يأتي لكي يقبَل بالحوار مع الآخر أو يُقبِل  على الحوار مع الآخر فإنه لا بد أن يضع فسحةً من خطئه هو وصواب غيره.

أما ما تُشير إليه فلعله يكون في المحاورة نفسها، فإن كثيراً من العقلاء والحكماء وأهل الأدب والعلم والرأي كانوا يتهمون أنفسهم، يتهمون رأيهم حينما يحاورون غيرهم سيما إذا كان أغزر منهم عقلاً ، وأرشد رأياً فإنهم يتهمون رأيهم مع تبنيهم له، ويفترضون أن الآخر هو أصوب رأياً لأنهم يسعون فعلاً إلى اكتشاف كل ما يتعلق بالرأي الآخر ، حتى لا يكونوا على خطأٍ يؤدي بهم إلى ما هو أكبر من الخطأ الذي هم فيه ، فلعل ذلك يمكن أن يكون في الحوار نفسه وهذا لا عيب فيه.

لنأخذ مثلاً موضوع النصيحة ، والنصيحة يتجلى فيها الحوار بشكلٍ كبير ، فإذا كان المنصوح يرى أنه على صواب فإنه لن يتقبل من ناصحه الذي يحاوره، أما حينما يكون هو أصلاً لم يقصد فعل ذلك الذي يُنصح لأجله ، أو كان يقصده ولكنه لم يكن متبيناً حقيقة الأمر ولم يستجلِ كل ما يكتنف ذلك الأمر ، ويأتي أخٌ له لينصحه فإنه هنا يحاول قدر المستطاع أن يتهم نفسه بالتقصير.

 هكذا سلوك الصلحاء الذين يبتغون رضوان الله تعالى ثم إنه يفتش بين جوانح نفسه ما يبرر به سبب نصيحة الآخر.

الشيء بالشيء يُذكر يقال: إن ابن عمر كان يطوف بالبيت وكانت شدة زحام ، والناس تتدافع، فإذا برجلٍ من عامة الناس بسبب الزحام تزاحم هو وابن عمر، فقال لابن عمر وهو لا يعرفه: إنك لرجل سوء – وهما في الطواف- فقال ابن عمر : والله ما عرفني إلا أنت.

فهو لم تأخذه العزة بالإثم حاشاه وحاشا صحابة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كان يمكن أن يقول له: أنا فلان ابن فلان ، أو أنت لا تعرفني ولكنه فوراً اتهم نفسه بالتقصير حتى يفتش في حنايا نفسه عن ما أدى إلى أن يؤخذ عنه ذلك الرأي.

مقدم البرنامج: إذاً معنى ذلك عندما يقول الإنسان – هذا في مسألة الحوار طبعاً- إن رأيي خطأ معنى ذلك أنه مسح شخصيته، ولم يجعل لها أي قيمة؟

الشيخ كهلان:  أنا لا أقول مسح شخصيته، نحن لا نقول انتصار لشخصيات ، لا نريد هذا للناس ، لا نريده لأنفسنا، وإنما نقول أصلاً هي طبيعة البشر إن كان يرى الصواب في غير الرأي الذي يراه فما الذي دعاه إلى أن يتبنى رأياً يرى الصواب في غيره؟!

لكن في الحوار نفسه – بعض فنون الحوار- أن يلجأ متبني الرأي إلى تبني رأي معاكس حتى يستجلي كل ما عند الآخر .

 بعض الناس –خاصة بين مدرس وطلابه – فكثيراً ما يتوقع المدرس أن الطلاب يتابعونه دونما رويةٍ وإعمال عميق فكر فلذلك يتبنى رأياً آخر في الحوار فقط حتى يستجلي كل ما يكتنف نقد ذلك الرأي علهم يخلصون بنتيجةٍ أفضل.

*******************************

قال تعالى: ” وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30) وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَا آَدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ” (البقرة:33)

مقدم البرنامج: فضيلة الشيخ بعد أن استمعنا إلى هذه الآية القرآنية الكريمة نريد أن نقف على بعض ما يستفاد منها في موضوع الحوار.

الشيخ كهلان:  هذه الآية الكريمة هي من الخُلق الذي يعلمنا إياه ربنا تبارك وتعالى، وقد أشرتُ في أكثر من مناسبة في هذا البرنامج إلى أن ما يتصف به الله سبحانه من صفات هي لا شك صفات كمالٍ وجلال، ولكن على الخلق أن يتعلموا من هذه الصفات ، وأن يأخذوا منها ما يستطيعون حتى يبلغوا الدرجات الرفيعة من الكمال الإنساني ، ومن السمو النفسي، ومن الأخلاق القويمة التي تبلغهم المنازل الشريفة الرفيعة في الدنيا والآخرة.

في هذه الآيات الكريمة من سورة البقرة، هذا الحوار الذي يعلمنا إياه ربنا تبارك وتعالى مما هو حوارٌ مع ملائكته سبحانه، فإنه لما أراد خلق آدم وجعْله خليفة في هذه الأرض آذن ملائكته وهو سبحانه قادرٌ على أن يقول للشيء كن فيكون، ولا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون ، ولكنه مع ذلك يُعلِّم خلقه هذا المبدأ – مبدأ الحوار – فيُطلع ملائكته ابتداءً ” وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً..” ويبدأ هذا الحوار بين الملائكة وربهم تبارك وتعالى، هذا الحوار الذي – كما قلت – هو حوارٌ بين الخالق المتصرف في هذا الكون الذي يفعل ما يريد، والذي بيده القدرة المطلقة والإرادة الكاملة التامة مع من اصطفاهم الله عز وجل وخلقهم لعبادته – أي لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون – ولكن المقصد هو أن نتعلم نحن البشر أن الحوار من القيم الرفيعة التي ينبغي لنا أن نحافظ عليها .

وهذه المحاورة التي دارت بين الله سبحانه وبين ملائكته حول خلق آدم وتكريمه بأمر الملائكة بالسجود له واستغراب الملائكة من هذا الأمر الذي يأمرهم به الله سبحانه وتعالى من حيث دلالاتها هي ليست موضوعنا هنا ، وإنما الموضوع هنا هذا المقدار من الحوار الذي يعلمنا إياه الله سبحانه وتعالى.

وهذا الإذن منه جل وعلا لملائكته بأن يسألوا، وأن يستفهموا ثم أن يتعلموا منه، وهذا الأدب الرفيع أيضا من الملائكة ” قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ” (البقرة:32) فيه أيضاً إشارةٌ إلى ما ينبغي أن يتحلى به المحاور من خُلق.

فإنه لا بد – كما قلنا – أن يتحلى بالأخلاق الرفيعة، وبالقيم الحسنة حينما يحاور أياً كان.

وهذا المقدار الذي قصه لنا الله سبحانه وتعالى من هذه المحاورة في سورة البقرة طبعاً له متممات في كتاب الله عز وجل ، ومبينات في ثنايا كتاب الله عز وجل كما أن له نظائر أي الحوار الذي كلف الله عز وجل فيه موسى – عليه السلام – بالرسالة – أن يذهب إلى فرعون وأن يبلغه دعوة الحق – وذلك الجواب من موسى عليه السلام – حينما طلب منه أن يكون له وزيراً ومشيراً أخاه هارون، لأنه أفصح منه لساناً.

 هذا الحوار بين الله سبحانه وتعالى وبين موسى – عليه السلام – ثم تكليف موسى بعد ذلك، والحوار الذي أمره به الله تعالى ليحاور به فرعون، ثم حوار موسى – عليه السلام – لبني إسرائيل قبل إسلامهم، ثم الحوار بينه وبينهم بعد إسلامهم، ثم الحوار بينهم، هذه الحوارات التي نجدها في كتاب الله عز وجل تؤكد أولاً على أهمية الحوار كقيمةٍ ومبدإٍ في هذا الدين الحنيف.

تؤكد ثانياً على أن الحوار لا ينبغي لأحدٍ أن يترفع عنه – إذا كان الله عز وجل أذن لخلقه من الملائكة ومن الأنبياء والمرسلين أن يحاوروه فلا يترفع عن ذلك أحدٌ من البشر.

ليس أحدٌ من الناس أعلى منزلةً من الحوار – وكما قلت – هذا المقدار هو الذي نأخذه من هذه الآيات الكريمة في موضوع الحوار حول الحوار وأدبه.

ثم أيضاً ثالثاً هذا الحوار الذي نقرأه في كتاب الله عز وجل يؤكد لنا أنه ينبغي للمتحاورين أن يقيما حوارهما على صدقٍ وشفافية .

فهؤلاء الملائكة في هذه الآيات التي أنصتنا إليها أبدوا ما في أنفسهم ، والله عز وجل عليمٌ بما أبدوا وعليمٌ بما كانوا يكتمون ، و”ما كانوا يكتمون” هي للتعميم ، ما كانوا يكتمون شيئاً على رأي حذاق المفسرين.

لكن في هذا السياق أبدوا ما لديهم وهكذا ينبغي أن يكون شأن المتحاورَين، أو المتحاورِين إن كانوا جماعة أن يُبنى الحوار على الصدق وعلى الشفافية.

ثم أيضاً أن يبنى على الأدب الحسن في القول – أي هذا التنبيه المطلق الذي كان الملائكة يقدمون به كل جملةٍ من الجمل التي يخاطبون بها الله سبحانه وتعالى في الحوار الذي قصه لنا القرآن الكريم عندما يقول:”…وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ..”

 ثم عندما قالوا:” قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ”

 ثم الختام “… أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ” كل هذه وغيرها من الدلالات والمضامين نقرأها من هذه الآيات الكريمة في موضوع الحوار.

مقدم البرنامج: نعم ، وكان يكفي في حق الملائكة أن يقول الله لهم : إني أعلم غيب السماوات والأرض، لكن قدم لهم برهاناً على أن الأمور في نهاية المطاف تكون بالإقناع، والأدلة الواضحة.

أيضاً ذكرتم -الشيخ كهلان- أن الله سبحانه وتعالى اختار هنا صفوة خلقه ليحاورهم ، وهناك نماذج أخرى أن الله تعالى تحاور حتى مع الشر المطلق – مع إبليس اللعين – فتح معه باب الحوار في أمر رفض السجود وغيره.

*******************************

 مقدم البرنامج: فضيلة الشيخ أنتم تحدثتم في بداية الحلقة الأولى واليوم أن الحوار له آثارٌ إيجابية كثيرة جداً تترتب عليه نتائج حسنة.

هناك فضيلة الشيخ من يعتمد الحوار مع زوجته ومع أولاده ومع أقاربه لكن يقول لا يتحقق له شيء من تلك المنافع التي ذكرتموها والتي تكون حصيلة الحوار، لماذا يحدث هذا؟؟!

لماذا لا تنتهي هذه الحوارات إلى نتيجة إيجابية؟ ولماذا لا يجدي الحوار نفعاً في بعض الأحيان؟

الشيخ كهلان:  للإجابة على هذا السؤال أنا أولاً أريد أن أوضح نقطةً هامة وهي أننا لا نحصر الحوار هنا في المناظرات – أي ليكن معلوما– ولذلك نحن نحتاج الحوار في واقع حياتنا، يحتاجه الواحد منا مع زوجه، مع ولده، مع إخوته، مع والديه، مع جيرانه وأقاربه ، مع من يعرف ومن لا يعرف في مختلف جوانب الحياة الاجتماعية منها والاقتصادية المالية ، الفكرية …الخ.

فإذاً الحوار مبدأ وقيمة وليس هو ردة فعل، وليس هو أيضاً مناظرة بمعنى محاولة التغلب على خصمٍ آخر في قضيةٍ ما، وإنما هو تعاونٌ على الوصول إلى الحقيقة.

هذه المبادئ مهمة فعلاً لتقرير أننا بحاجة إلى الحوار، لكن – مثل ما تفضلتْ –  بعض الناس يلجأ إلى الحوار لكن لا تتحقق له نتائج الحوار ، هنا أحد أمرين:

 الأمر الأول أن يكون الإخفاق في تحقيق نتائج الحوار راجع ٌ إلى عدم إتباع آداب الحوار – هو يظن أنه يحاور لكن في الحقيقة هو لا يحاور ، هو يفرض رأيه، هو يريد أن يسمعه الآخرون ولا يريد أن يسمع الآخرين – علامات ذلك لندخل في شيء من التفاصيل ( رفع الصوت ) إذا رأيت المحاور يرفع صوته فاعلم أنه يريد أن يغطي خللاً في الحجة والدليل الذي لديه، طالما يملك حجةً ودليلاً فإنه غير مضطرٍ إلى رفع صوته.

 رفع الصوت منهيٌ عنه في كتاب الله عز وجل في حوار لقمان لابنه ، الحوار الذي قصه لنا الله تعالى لقمان يحاور ابنه وقد علمه في هذا الحوار آداب الحوار فيقول له: “… وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ” (لقمان: 19) فإذاً من ضمن ما علمه إياه وما يعلمنا إياه ربنا تبارك وتعالى بقصه لنا هذه القصة هذا الحوار هو أن لا نلجأ إلى رفع الصوت ، هذه علامة.

العلامة الأخرى وهي من الآفات التي لا تساعد على تحقيق نتائج إيجابية من الحوار – وأركز أنني لا أتناول هذا الموضوع كمتخصص في فن الحوار أو فن العلاقات الاجتماعية وإنما أتناوله من جوانبه الشرعية – بعض الناس يريد أن يأخذ زمام الحديث بالقوة، فلا يعطي فرصة لمن يحاوره أن يتحدث ويبدي رأيه، وإن أعطاه فرصةً فإنه سرعان ما يتناول منه زمام الحديث، وهذا يتنافى مع ما ذكرناه عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حينما قال له: أفرغت يا أبا الوليد؟ حتى إنه يسأله إن كان قد فرغ أو لا – أي ما كان يقاطعه وإنما كان يسأله – لذلك كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كان من أدبه الجم أنه ما كان يقاطع محدثا.

أيضاً بعض الناس – للأسف الشديد – يظن أنه يحاور ولكنه في الحقيقة لا يحاور، وإنما يريد أن يضطر الطرف الآخر إلى أن يقع في الخطأ، وليس هذا من شيم المسلم.

هو يريد – كما يُقال – أن يجرجر محاوره إلى أن يقع في الخطأ ، بل عليه أن يتعاون معه في الوصول إلى الحقيقة فلذلك هو يفتح له ،  أي يمكن أن يفتح له ، يمكن أن يبين له بعض السبل التي تمكنه من الوصول إلى الرأي الأفضل والأصوب .

أيضاً في كثيرٍ من الأحيان يخفق الناس في تحقيق نتائج الحوار لأنهم يعظمون مقالة من يحاورون – أي يقول ذلك الذي يحاوره رأياً ، فإذا بهذا الطرف يضفي شبهات على ذلك الرأي – أي يهوله فورا- يسمه بالفسوق مثلاً أو بالكفر أو بالضلال أو بغير ذلك في حين أنه لم يتمحص رأيه ، لم يمحص له الدليل، وفي ذلك طبعاً من المخالفات الشرعية ما فيها.

 أي المؤمن ليس فحاشاً ولا لعاناً كما قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – المؤمن ليس بذيء اللسان ، والمؤمن لا يلجأ إلى السباب واتهام الآخرين لأن في ذلك مخالفةً للكثير من الأوامر القرآنية فيما يتعلق بهذا الشأن.

مقدم البرنامج: هناك أيضاً من يُغضب الآخر-فضيلة الشيخ – بمعنى أنه عندما يحاور شخصاً آخر يُغضبه – والحوار إذا كان فيه غضب – كما قيل – إذا ما أغضبت أحداً قلَّ أن يأخذ عنك.

الشيخ كهلان:  نعم وهذا تعرضنا له في موضوع الإغضاب – إغضاب الطرف الآخر – في وصية الرجل الحكيم لآخر حينما سأله هل لك في المناظرة ؟ فقال من ضمن الشروط التي ذكرها: وأن لا تغضب.

فإذاً الغضب يؤدي إلى نتائج لا تتناسب مع النتائج الايجابية المرجوة من الحوار.

هذه الآفات التي يبتلى بها الناس مما هو حاصلٌ في الحوار هي التي لا تحقق لهم نتائج ذلك الحوار ، لنأخذ مثال الزوجين : الرجل يحاور زوجته لأنه يريد أن يثبت أنها مخطئة فقط ، قصده ابتداءً هكذا لذلك يرفع صوته عليها، لا يعطيها فرصة في أن تتحدث.

قد يعطيها لجملتين لا تتمهما ثم يقاطعها، إذا به بعد ذلك يلجأ إلى ما قلنا من الاتهام بأوصافٍ فيقول: أنت ناشز، أنت غير مطيعة لزوجك… إلى آخر الأوصاف، إذاً هذا الحوار ليس بحوارٍ في حقيقة الأمر.

ثم أيضاً من طرف نحن نتكلم على المحاور ، الطرف الآخر لا بد له أن يحث من يحاوره على أن يخرج ما عنده – أي يبين له أنه مستمعٌ له، أنه منصتٌ إليه ، أنه يريد أن يسمع منه – حتى وإن كان يرى أنه مخطئ ، وأن هناك أشياء يجهلها عليه أن يحثه على أن يبدي ما عنده لأن في ذلك خيراً له.

نحن الآن نتحدث عن قضية لماذا لا يحقق الحوار نتائجه؟

ذكرنا أن هذا يرجع إلى جملة من الأمور:

الأمر الأول: يرجع إلى كل ما ذكرناه سابقاً من كون الحوار لم تتبع فيه القواعد الصحيحة للحوار مما يجعله ليس بحوارٍ حقيقةً.

الأمر الثاني: أنه ليس المقصود من الحوار أن تصل إلى إقناع الشخص الآخر – هذه لا شك نتيجة يتوخاها كل محاور – لكن هي ليست نتيجة حتمية ، وإنما أنت تريد لنفسك أن تصحح الرأي الذي عندك بمحاورة الآخر ، تريد أن تتبين عذر الطرف الآخر فيما يتبناه من رأي – أي كثير من الأمور تحتمل جملةً من الآراء – وهذه – كما قلنا – سنة الله في خلقه ، هو الذي خلق الناس مختلفين متفاوتين في كل شيء ، ولذلك فكثيرٌ من الأمور تحتمل جملة من الآراء ، وهو ما يعرف بالتعددية، وهو أمرٌ أقرته الشريعة في سائر مناحي الحياة.

فإذاً ليس بالضرورة أن تكون نتيجة الحوار هي أن يقتنع الطرف الآخر، وإنما على من كان في حوار أن يؤدي رسالته، وأن يجتهد في ذلك ، وأن يخلص لله تعالى قصده ساعتها يتكفل المولى الكريم بالنتائج.

قد تظهر صورته مثلاً في مناظرات، أو في حوار الثقافات حينما يكون الحوار حواراً بين أصحاب ثقافات مختلفة ، فلا تنتظر أنت من الطرف الآخر أن يتنازل عن ثقافته ومبادئه وقيمه في حوارٍ واحد، بل قد لا يفعل ذلك ولكن أنت أولاً تصحح ما لديه من أخطاء بحوارك له، تعطيه الصورة الصحيحة حتى وإن كنت قد اجتهدت قدر استطاعتك، وتحسب أنك في ذلك الحوار لم تصل معه إلى نتيجةٍ سريعة لكن كن على ثقة أن ما تقوله سوف يفكر فيه، سوف يتأمل فيه هو أو غيره ممن حضر ذلك الحوار.

فإذاً هناك الكثير من النتائج الايجابية.

أيضاً لنأخذ مثال الوالدين مع أولادهم حينما يفسح الوالدان لأولادهم مجالاً للتعبير عن آرائهم لمحاورتهم فإن هذه تنشئة على هذه القيمة حتى لا يُلجأ إلى الحوار في ردود الأفعال فقط، وكثيراً ما نبهنا إلى التصرفات التي يكون منشؤها رد الفعل.

نحن نقرر هنا أن الحوار قيمة ومبدأ ينبغي أن يكون معمولاً به في سائر مناحي الحياة، وفي مختلف المجالات، وأن يكون مبدأ نلجأ إليه بحسب هذه الشروط والمقاصد التي ذكرناها.

فإذاً ما يظنه الناس أنه لم يحقق النتيجة المرجوة هو ليس بالضرورة كما يحسبون ، فإما أن يكون الخطأ في الحوار نفسه وإما أن يكون في ظنهم ، وليس هناك ضمانات في أن الحوار سيؤدي إلى حل إشكالٍ معين، لكن هو وسيلةٌ ناجحةٌ في أغلب الأحيان إلى حل المشكلات وتجاوز الخلافات.

*******************************

 مقدم البرنامج: نستمع الآن إلى هذا الحديث النبوي الشريف الذي ظهر فيه الهدي النبوي العظيم في محاورة الآخرين.

عن عائشة – رضي الله عنها – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان يحدث حديثاً لو عده العادُّ لأحصاه، إن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لم يكن يسرد الحديث كسردكم.

مقدم البرنامج: الآن فضيلة الشيخ هذا الهدي النبوي الشريف ظهر فيه أدبٌ جم في موضوع الحديث والتحاور مع الآخر لو أوقفتمونا عليه في إيجاز.

الشيخ كهلان:  هذه الخصال التي عددتها السيدة عائشة – رضوان الله عليها – عما كان عليه حديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – هذا الحديث الذي كان يخاطب به عليه الصلاة والسلام الصغير والكبير، الرجل والمرأة تصفه بأنه كان يتأنى في حديثه.

ما كان يهذر الكلام هذراً ويتعجل فيه بحيث لا يفهم السامع المقصود من الكلام، وإنما كان يتأنى صلى الله عليه وسلم بحيث يُفهم سامعيه، وكأنما كانوا يعدون كلماته عليه الصلاة والسلام .

كانت موجزة، كانت غاية في الإيجاز، أيضاً لم يكن صلى الله عليه وسلم يسرد سرداً كما وصفته السيدة عائشة ، وكان يتأنى في كلماته بحيث إن سامعه يكاد يعد له كلماته، ولذلك حفظوا عنه عليه الصلاة والسلام أحاديثه حفظاً عن ظهر قلب ونقلت إلينا ، صحيح أنهم كانوا يمتازون والعرب عموماً يمتازون بقوة الحافظة إلا أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بأسلوبه في الحديث ساعد على ذلك أيضا، أكد هذا قولها: لم يكن يسرد الحديث كسردكم – أي حتى بعد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كان الناس يسردون الحديث – أي يتعجلون فيه ويأكلون الحروف ، ولا يكاد يتبين السامع المراد من الحديث-.

وهدي المسلم ينبغي أن يتأسى فيه برسول الله – صلى الله عليه وسلم – فليست العبرة بطول الكلام، وليست العبرة بأن يسرد المرء قوله وألفاظه سرداً، وإنما العبرة بالمعاني، وبكيفية إفهامها للسامع.

 ولذلك قال علي بن أبي طالب: خاطبوا الناس بما يفهمون، أتريدون أن يُّكذب الله ورسوله؟ حينما استمع إلى من يحدث الناس بما لا يفهمون، فلم يعد ذلك من الحكمة، ولا من البلاغة وإنما عُدَّ ذلك عيباً وخطأً.

مقدم البرنامج: لأنه في بعض الأحيان تكون كلمات الشخص الذي يحاورك سريعةً كتساقط المطر لا تدري أيها تمسك.

*******************************

 مداخلة متصلة: بالنسبة لموضوع الحوار أردت أن أبين أن ما حدث الآن في العراق السبب الرئيس لحدوثه هو عدم وجود حوار صحيح بين الطوائف الموجودة، فلو كان هناك حوار منتظم مسموع من قبل الطرفين لم يحدث ما حدث الآن في العراق، فالحوار يفك الكثير من الأزمات التي تحصل في بعض الدول العربية.

فواجبٌ علينا جميعاً أن نلتزم بالحوار الصحيح لنصل للحل الصحيح.

مقدم البرنامج: هذه الأخت المتصلة من بغداد، ويبدو أنها تشعر بأهمية الحوار خاصةً بين المختلفين في أي منطقة من العالم.

الشيخ كهلان:  نعم هذا كلامٌ صحيح وفي محله، وأشرنا إلى ذلك وكررناه أن ترك الحوار يؤدي إلى نتائج سلبية وخيمة لا تُتصور تؤدي إلى نزاعات، نزاعات تؤدي إلى حروب وفتن لا أمد لها، وكان يمكن أن تتلافى بالحوار.

متصل آخر: نحن نرى أن كثيراً من الطلبة الذين يذهبون إلى الخارج يتعرضون للحوار في تلك الجامعات أو تلك الدول سواء كان هذا الحوار دينياً – إذا كان المحاور على ديانة أخرى – أو لأشياء من الثقافة، أو أشياء وطنية أو أشياء عقائدية، أو أشياء مذهبية فعندما ينهزم هو أو ينهزم الطرف الآخر ، يقوم الطرف الآخر بالسب والشتم فما هي الطرق المثلى للحفاظ على ماء الوجه، سواء من قبل هذا الطرف أو من قبل الطرف الآخر؟

وبما أننا نتمتع بالإسلام ولله الحمد فلا ينبغي من طلبة العلم أن يتسابوا سواء كان في الشبكات العنكبوتية أو في الجامعات، فما هي نصيحة الشيخ لأولئك الناس عندما يتأثرون في مواقف الحوار؟ وما هي الطريقة المثلى للانسحاب من مثل هذه الحوارات؟

متصل آخر: عندما يسافر بعض طلاب المسلمين للدراسة في الجامعات بالخارج تجدهم لا يطبقون الدين على حقيقته، وعندما يحاورهم الآخر تجده لا يجيب بما يتناسب مع الدين الإسلامي وذلك لقلة معلوماته عن الإسلام.

كذلك نجد بعضهم يتأثرون بالثقافات الغربية فيعودون من تلك البلدان بسلوكيات أخرى تتنافى مع الدين الإسلامي.

متصل آخر: مسألة الحوار ومسألة الجدال التي تطرق إليها الشيخ كهلان قبل قليل، في مسألة الحوار حتى مع غير المسلمين الله تعالى يقول: ” ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ” (فصلت:34)

 والرسول – صلى الله عليه وسلم – يقول في حديث طويل من ضمنه يقول: ” أنا زعيم ببيت بربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا” لأن الحوار المقصود به – كما تفضل الشيخ كهلان – أن نصل إلى شيء طيب وإيجابي، لكن نتحاور من أجل لا شيء ، أو من أجل – كما تفضل – من أجل أننا نجادل حتى يرتكب الآخر أخطاء فهذا ليس في شيء من الإسلام .

 فلهذا الرسول – صلى الله عليه وسلم – يقول: ” أنا زعيم ببيت بربض الجنة لمن ترك المراء – أي الجدال – وإن كان محقا” أو كما قال رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم –.

الشيخ كهلان: ما ذكره المتصل الأخير نحن تعرضنا له في الحلقة السابقة أن التنبيه على أن ليس المقصود من الحوار هو المراءاة.

المراء يضاد تماماً الحوار، والرغبة في الشهرة والانتصار للنفس وغير ذلك من الحظوظ النفسية الدنيوية لا تتناسب مع قيم الإسلام وآدابه في الحوار، فضلاً عن الآداب التي تكتنف الحوار، وذكرنا حتى مجادلة الآخر المختلف عنا والله سبحانه وتعالى يقول: وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ…” (العنكبوت:46)

 و”.. إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ…” هذا استثناء من الأسلوب في الحوار – أي ليس هو استثناء من المجادلة أي الدخول في حوار – حتى حينما يظلمون لا مانع من الدخول في حوار معهم ، لكن تختلف التقنيات فلا تكون بالتي هي أحسن وإنما تكون كما يقول الله سبحانه وتعالى: ” وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ…” (التوبة:73) لكن هذا لا يعني الفحش والبذاءة، المسلم بعيد في كل الأحوال عن ذلك تماما.

مقدم البرنامج: بعض المكالمات جاءت كإضافة ومؤكدة لما ذهبتم إليه من نتيجةٍ مهمة يأتي بها الحوار كمكالمة المتصلة الأولى في موضوعها.

 الآن المتصل الثاني سؤاله الذي يريد منكم تعليقًا عليه ( في بعض الأحيان يحدث حوارٌ في المواقع الالكترونية بين المسلمين، وبين المسلمين وغيرهم وذلك الحوار قد تكون بدايته حواراً لكن يتحول بعد ذلك إلى السب والشتم ، فما هي آداب الحوار في هذه المواقع؟)

الشيخ كهلان:  هذه النقطة مهمة ونشكر الأخ المتصل على تذكيره بهذه النقطة.

ما ذكرناه من آداب الحوار وأخلاق الحوار لا يسري فقط على الحوار الشفهي، بل يمتد ليشمل أيضاً الحوار المكتوب.

وأبرز ما تتجلى فيه الحوارات المكتوبة هو الحوارات الموجودة على الشبكة العالمية للمعلومات – الإنترنت – وما أكثر مواقع الحوارات التي خصصت للحوار فقط ، لكن الإنسان يأسف عندما يرى أن هذه الحوارات تبتعد كثيراً عن أخلاق المسلم ، ليس فقط عن آداب الحوار وإنما عن أخلاق المسلم .

 نحن لا نريد أن ندخل في تفاصيل لكن إجمالاً تجد فيها سباباً ، تجد فيها شتائم ، تجد فيها قذفاً، تجد فيها نقلاً لسماع على غير بينة لنبأٍ يأتي به فاسقٌ ويُنقل دونما بينة، يُتعرض فيه لأعراض أناس وهذا لا يتناسب أبداً مع أخلاق المسلمين لا في أقوالهم، ولا فيما يكتبون.

القلم أحد اللسانين والمرء مسئولٌ عنها أمام الله سبحانه وتعالى يوم القيامة، مسئولٌ عن ما تخطه يمينه، فلذلك ينبغي لكل من يدخل في هذه الحوارات أو يقوم عليها في هذه المواقع أن يستخدم هذه الوسيلة ، هذه النعمة التي أنعمها الله سبحانه وتعالى بها علينا يستخدمها في الخير، وأن يلتزم فيها بأخلاق الإسلام فيستغلها في إظهار الصورة الصحيحة لجوهر الإسلام، هذا الدين الحنيف الذي يُعنى بهذا الإنسان ويخرجه من الظلمات إلى النور، ويحيي فيه الروح والضمير، ويحرر له عقله ووجدانه.

 نريد أن نُري الناس هذا الدين بالتزامنا نحن أولاً ، ثم بإظهار ما في هذا الدين من محاسن من خلال هذه النعمة – كما قلت – ينبغي أن تُستغل في الخير، وبالخير أيضا.

نعم لا مانع من محاورة من كانت لهم أفكار غير صحيحة عن الإسلام، لا مانع من محاورة أيضاً من كان من أبناء المسلمين ولكن لديه تصور غير صحيح عن أخلاق الإسلام ومبادئه وأحكامه إما إفراطاً أو تفريطاً.

هذا كله ينبغي أن يكون لكن في إطارٍ من آداب الحوار وأخلاق الإسلام.

مقدم البرنامج: وكلامكم أيضاً يشمل مداخلة المتصل الثالث عندما ذكر عن بعض الإخوة الذين يتأثرون بغيرهم.

 *******************************

خاتمة الحلقة

ورد في كتاب ” روضة العقلاء ” أن الخطاب بن المعلى المخزومي القرشي وعظ ابنه فقال: ” وليكن مجلسك هادياً، وحديثك مقسوماً، واصغِ إلى الكلام الحسن ممن حدثك بغير إظهار عُجْبٍ منك ، ولا مسألة إعادة، وغض عن الفكاهات من المضاحك والحكايات، ولا تُحدث عن إعجابك بولدك ولا جاريتك، ولا عن فرسك ولا عن سيفك، وإياك وأحاديث الرؤيا فإنك إن أظهرت عجبا بشيءٍ منها طمع فيها السفهاء فولدوا لك الأحلام، واغتمزوا في عقلك ، وإذا حدثت فاصدق، ولا تجهر بمنطقك كمنازع الأصم، ولا تُخافت به كتخافت الأخرس”

انتهت الحلقة