مسؤولية التربية ج1
بثت في:
10/ جمادى الثانية/1431هـ
24/ مايو/2010م
—————————–
مقدم البرنامج: بسم الله الرحمن الرحيم.
أيها الإخوة والأخوات السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم في برنامج دين الرحمة، والذي أكمل بهذه الحلقات ولله الحمد سنته الثالثة، وها نحن الآن ندخل في السنة الرابعة، سائلين الله تعالى التوفيق في كل ما قدَّمنا وما سنقدِّم بحول الله سبحانه وتعالى..
الأبناء أيها الإخوة الكرام هم فَلَذَةُ الأكباد، هكذا تعارف الناس، وبهذا انطلقت الحكمة؛ لكن الواقع التربوي يشهد بمخالفاتٍ تجعل من هذه الحكمة لا قيمة لها، فهل كان ذلك تعبيراً عن حبٍّ من نوعٍ آخر على حدِّ قول الشاعر:
فقسا ليزدجروا ومن يكُ حازماً … فليقسُ أحياناً على من يرحمُ
أم هو مسلكٌ تربويٌّ خاطئ، تُرى هل زاد الناس في الحُبِّ إلى حدِّ التدليل، وزادوا في التأديب إلى حدِّ الانتقام والإيذاء؟ أم أن الوضع لا يزال خاضعاً للمقادير التي يراها الوالدان ضروريةً لأبنائهم؟ أظن أننا بحاجةٍ أولاً أن نفهم رسائل ضرورية لاستيعاب قضية التربية، ومعرفة معالمها الأساسية قبل البدء في ممارستها؛ لأن الانحراف في كل شيء قد يبدأ ضئيلاً عند انطلاقه؛ لكنه مع طول المسافة سيبعد كثيراً عن الهدف من سنتيمترٍ واحدٍ إلى مائة متر؛ ولكن أكثر الناس لا يعلمون، فما هي المسؤولية التربوية؟ وما هي هذه الرسائل؟ هذا ما نطمع في مناقشته اليوم بإذن الله تعالى مع فضيلة الشيخ الدكتور كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام للسلطنة..
ونرجو منكم أن تشاركوا في هذه الحلقة؛ نظراً لأنها تتناول موضوعاً حساساً وقضيةً مهمة، وأيضا لتشاركونا احتفالنا اليوم بإكمالنا السنة الثالثة ونحن نُقَدِّمُ في هذا البرنامج الكثير من القضايا المهمة والقيم الرفيعة التي تساهم في تنمية الأخلاق ودفع المجتمع إلى المزيد من العطاء والتنمية من منظورٍ شرعي..
*******************************
أهلاً ومرحباً بكم فضيلة الشيخ..
الشيخ كهلان: حياكم الله، وأهلاً وسهلاً بالإخوة والأخوات الذين يتابعون هذا البرنامج، ونحمد الله عز وجل أن وفقنا فأكملنا هذه المسيرة بفضل الله تعالى وحده ثم بمشاركة الإخوة والأخوات الذين يتابعون هذا البرنامج، والذين ما فتئوا يشجعون ويقترحون ويتحفون هذا البرنامج بكل قيمٍ مفيد، ونسأل الله عز وجل أن ييسر لنا هذه المسيرة، وأن ينفعنا بما سوف نطرحه في حلقات هذا البرنامج بإذن الله عز وجل، وينفع المجتمع والإنسان، إنه تعالى على كل شيءٍ قدير.
مقدم البرنامج: آمين..
فضيلة الشيخ لنبدأ الآن بالسؤال عن سبب اختيار هذا الموضوع، وعن العناصر كذلك التي نتحدث فيها، كما أيضا نُذكِّر كعادتنا الإخوة الكرام بما يمكن أن يشاركوا فيه في حلقة اليوم.
الشيخ كهلان: بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإن موضوع اليوم يأتي امتداداً لموضوعاتٍ تم طرحها في دين الرحمة؛ ذلك أنه سَبَقَ لنا أن تناولنا موضوع الرحمة بالصغير، وتناولنا حقوق الأولاد في حلقاتٍ منفصلة، إلا أننا نتناول هذا الموضوع اليوم باعتباره مسؤوليةً مشتركةً من قطاعاتٍ مختلفةٍ، وَجِهاتٍ متعددةٍ في المجتمع؛ ولذلك كان اختيارنا لعنوان موضوعنا في هذا الطرح الذي سوف نطرحه اليوم-بمشيئة الله تعالى-لعنوان مسؤولية التربية، ونقصد من ذلك توجيه رسائل مباشرة وصريحة، تستند إلى أدلةٍ شرعيةٍ، وتتوافق مع مقاصد الشريعة في تنشئة الأجيال تنشئةً صالحةً لكي تكون هذه الأجيال رجالاً ونساءً لكي تكون نافعةً لمجتمعاتها.. صالحةً في نفسها.. مُصلحةً في هذه الأرض.. قادرةً على تحمل الأعباء والمسؤوليات الملقاة على عاتقها من أداء واجب العبودية لله عز وجل، وعمارة هذه الأرض بما يرضي الله سبحانه وتعالى، وتحقيق الآمال النافعة لهذه الأمة؛ ولذلك فإننا سوف نتناول الموضوع باعتبار ظهور عناصر جديدة فيه، فلئن كنَّا قد تساءلنا في حلقاتٍ سابقة من هذا الموضوع حول بعض الظواهر التي نريد أن نتعاون جميعاً على اختفائها كسؤالنا هل آن للأولياء أن يُعَلِّمُوا أولادهم أن يقولوا: لا للغرباء، فإنني أحسب أنه بما أفرزته المدنية المعاصرة اليوم تبدو الإجابة بالإيجاب مُلِحَّةً، ولذلك فنحن نريد مشاركاتٍ في هذا الباب.
كذلك كثر الحديث حول البر بالوالدين، وحول حقوق الآباء والأمهات، وحول واجبات الأولاد نحو آبائهم وأمهاتهم ونحو مجتمعاتهم، وقَلَّ الحديث-للأسف الشديد-عن حقوق الأولاد هؤلاء، وكيف يمكن أن يصاغ منهم من يستطيع أن يقوم بتلك الأعباء ويتحمل تلك المسؤوليات، فإنهم حتى يتمكنوا-أي الأولاد-من بلوغ تلك المرحلة هناك حقوقٌ لهم، وهناك مسؤوليات من قِبَلِ الآخرين نحوهم يجب أن تؤدى، وأداؤها لابد أن يكون بأمانةٍ، وبإخلاصٍ، وبتكامل جهودٍ، وتعاونٍ من قِبَلِ الجميع؛ ولذلك سوف نتعرض لهذه القضايا وهذه النقاط أيضا.
ثم إننا أيضا-بين ما أشرتُم إليه من موضوع التأديب-نريد أن نبين: ما هو هذا التأديب؟ وكيف يكون تأديباً صحيحاً؟ وفي المقابل هناك ظواهر أيضا بدأت تظهر في المجتمع منشؤها المبالغة في التدليل، وأدى ذلك إلى ظهور أجيالٍ غير قادرةٍ على تحمُّل شيءٍ من المسؤوليات، ولا على المشاركة في بناء المجتمعات.. أجيال كل همها اللهو، والترف، وتَعْمَدُ لقضاء حوائجها إلى الاعتماد على الآخرين، لأنهم نُشِّئوا على ذلك بفضل ما مَنَّ الله عز وجل به على العباد من سعةٍ في الرزق فكانت النتائج على خلاف ما يتوخى الصالحون والمربون والغيورون على مصالح المجتمعات وعلى منافع الأمة.
كذلك نريد أن نتناول بالأدلة الشرعية ما يمكن أن يُحَقِّقَ لمختلف القطاعات والجهات المعنية بالتربية ما يمكن أن يُحَقِّقَ لها التكامل في الجهود، ويؤدي إلى أداء هذه الأمانة بكل صدقٍ وإخلاص، إذاً هذه العناصر كلها سوف تكون-بمشيئة الله تعالى-موضوع حديثنا اليوم، ولعلنا ونحن في السنة الرابعة من هذا البرنامج غيَّرنا قليلاً بحيث إنه سوف تشتمل حلقاتنا من الآن فصاعداً على بعض الأسئلة الموجهة إلى الجمهور كما سوف يتبين اليوم-بمشيئة الله تعالى-؛ لأننا نقصد أيضا أن يكونوا مشاركين لنا فيما نطرح، ويهمنا كثيراً أن نتعرف على أرائهم سواءً كانوا مؤيدين أو كانوا متحفظين على شيءٍ من ما نذكُره في هذه الحلقة؛ حتى نَخرُج-بمشيئة الله تعالى-من حوارنا بنتائج إيجابية.
مقدم البرنامج: نبقى الآن مع هذه الآية القرآنية، ثم نعود للحوار بإذن الله تعالى.
*******************************
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (التحريم:6).
مقدم البرنامج: صدق الله العظيم.
مداخلة متصل: أردت أن أطرح نقطة متعلقة بالمقدمة-جزاك الله خيراً-التي ذكرتَها وما ذكره فضيلة الشيخ أيضا: أن بعض الآباء يُبالغ في التدليل فينشأ طفل أو ابن لا يبالي بل ولا يهتم بشؤون نفسه أي يتعود على الاتكالية، في الجانب الآخر الذين يَشدُّون على أبنائهم الحقيقة من واقع الخبرة ومن واقع التجربة وجدتُ أن بعض الأبناء ربما يكون-مثل ما ذكرتم-سبب انحرافهم هو من البيت، بسبب تشديد الأب أو الأسرة عليهم.. معاملتهم معاملة قاسية، يقول الأب بنية إصلاح هذا الابن وحتى يحس وما شابه؛ لكن ربما الابن يفقد قيمته من البيت فيخرج إلى المجتمع وهو لا يعتبر لنفسه قيمة.. ينقصه الحنان، ثم بمجرد أن بعض ذئاب البشر وخاصة هؤلاء الذين قصدهم الإفساد ربما يقع ضحية لهم، والسبب كان في البداية من الأسرة، فما استطاعت الأسرة أن تحتويه.. ما استطاعت الأسرة أن تقدم له الحنان والحاجات النفسية، فربما يكون صيد سهل للآخرين، كذلك عندما بعض الآباء يبالغ في تحقير ابنه، وفي كذلك إهانته خاصةً أمام الآخرين ربما يؤدي إلى أن الابن يحاول الانتقام من الأب نتيجة لهذا، وأيضا مثلما ذكرتُ في البداية لا يشعر بقيمته، فيكون ذو شخصية ضعيفة، فسرعان ما يؤثر عليه الآخرون، فقط هذه النقطة التي أحببت أن أشارك بها.
مداخلة متصل آخر: استرسالاً على كلام الشيخ كهلان ذَكَرَ نقطة أعجبتني كثيراً (قضية تدليل الطفل)، أنا في رأي أن المجتمع العماني نوعاً ما انتقل أو عموم المجتمعات العربية انتقلتْ إلى نوع من ازدواجية التعامل، كان كثير من الآباء في مرحلةٍ ما يعانون من مضايقة في مرحلة الطفولة من آبائهم أي كان هناك تشديد.. كان الطفل غير مسموح له-نوعاً ما-بالكلام في المجالس.. في الاسترسال في الرأي.. في إظهار شخصيته بالطريقة المناسبة؛ لكن انتقل نوعاً ما المجتمع إلى مرحلةٍ سلبيةٍ من ناحيةٍ أخرى، فصار كثير من الآباء خصوصاً في المجتمعات التي أصابها نوع من المدنية المفرطة-نوعاً ما-صار الأب يرى أن من مظاهر هذه المدنية أن يتاح للطفل كل شيء، فأنا أرى أنه ربما في المرحلة الحالية الخطر أكثر في قضية التدليع، وبالفعل نحن نرى الآن بوادر جيل ينشأ في مراحله الأولى في نوعٍ من عدم المسؤولية بالفعل.. في نوعٍ من عدم الاكتراث، ربما الإنسان يريد أن يضع ويرسخ بعض المبادئ.. يريد أن يفهمهم بعض التجارب في الحياة؛ لكن تُحس بنوعٍ من اللامبالاة القاتلة..
مقدم البرنامج: من قِبَلِ المربين..
المتصل: فأنا أخشى أن فهم حقوق الطفل فيها نوع من الأخطاء، هناك الكثير من الآباء فهموا قضية حقوق الطفل بصورةٍ خاطئةٍ، أنا أرى-حقيقةً-أن الطفل من أكبر حقوقه هو تعليمه التحدي، لابد أن تُزرَعَ في الطفل بذرة توجه في الحياة.. أن يكون متوجهاً في حياته.. أن يكون مستعداً لمواجهة الصعوبات والتحديات التي ستمر عليه، هذا أهم شيء ينبغي أن يُعلَّم عليه الطفل.
وحقيقةً ربما المجتمعات الغربية طبعاً فيها سلبيات وإيجابيات من ناحية التربية؛ لكن من ضمن الإيجابيات التي لاحظتها في فترة وجودي في المجتمعات الغربية أن الطفل يُعلَّم التحدي أي يصل مرحلة يُعلَّم فيها الاعتماد على نفسه.. الأبوين يبدأن الانفصال عن الولد شيئاً فشيئاً تدريجياً.. يتعلم السفر.. يتعلم اختيار أشيائه بنفسه.. وهكذا، عموماً لا أطيل الحديث؛ لكن هذه النقطة التي ذكرها الشيخ كهلان بالفعل أثارت نوع من الوجدان؛ لأنه شيء ملاحظ حقيقةً، أنا أخشى أن كثيراً من الآباء يفهم حقيقة تربيته بطريقة خاطئة.
مقدم البرنامج: جميل أخي..
والحقيقة الهدف من هذا البرنامج كما قال فضيلة الشيخ أن تكون هناك مساهمة أيضا من المتصلين في حلِّ هذه القضية.. في مناقشتها، وتبقى أن مسألة أن يتعلم الطفل التحدي هذه لابد أن تُناقَش فيها الوسائل والسبل والطرائق، وهذا ما سنناقشه إن شاء الله تعالى.
مداخلة متصل ثالث: إذا سمحتم لي: أردت أن أؤكد على نقطة أن الأب أو الأم لو أدركوا معنى أن الأيام دول، وأن معاملتك لأولادك سوف تتكرر بمعاملة أولادك لك، وأيقنوا هذه النقطة، وتوصيات الرسول-صلى الله عليه وسلم-والمواقف والقصص الكثيرة التي سمعناها عنه يركز فيها أو يُشِيد فيها على معاملة بعض الصحابة لأهلهم لكنَّا تجنبنا الكثير من الأشياء الحاصلة حاليا.
مقدم البرنامج: فضيلة الشيخ نعود إلى الآية القرآنية، يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ …}، ما الذي نستفيده من هذه الآية خاصةً وأنها كثيراً ما تُذكَر في قضية التربية وحثِّ الآباء والأمهات على تربية أبنائهم تَضَعُنَا على.. هي كلها طبعا فيها إفادة؛ ولكن الناس يحتاجون بالفعل إلى أن يُبْصِرُوا حقائق في ما يتعلق بالتربية.
الشيخ كهلان: هذه الآية الكريمة من سورة التحريم هي آيةٌ واضحة الدلالة في عِظَمِ الأمانة التي حُمِّلَ إياها المخاطَبون، والخطاب هنا يتناسب مع موضوع الحلقة؛ فإن الخطاب غير مقصورٍ على الآباء والأمهات، ولا على الأقارب، بل هو خطابٌ للمؤمنين جميعاً أي أنه خطابٌ للمجموع؛ للدلالة على أن هذا المخاطَبَ به.. هذه الأمانة التي سوف يُحَمَّلُ إياها هؤلاء.. وهذا الأمر أو النهي الذي سوف يلي هذا الخطاب بـ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا …} سوف يكون أمراً ذا شأن.. سوف يكون أمراً ذا بال، وهو كذلك؛ فإن الله عز وجل بعد الخطاب للمجموع يقول:
{… قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}، فوقاية المخاطَبين لأنفسهم ولأهليهم دليلٌ على أنهم لحُمَةٌ واحدة، وأن سعي الواحد منهم لكي يقي نفسه الهلكة يعني أنه بذلك أيضا يقي الآخرين؛ لأنه حينما يسعى لتحصين نفسه، ولإنقاذ نفسه من عذاب الله عز وجل، ومن نارٍ وقودها الناس والحجارة-والعياذ بالله-فإن هذا يعني أن يكفَّ شره عن الآخرين، وأن يكون ساعياً إلى كل ما فيه الخير لأهله ولمجتمعه، وأن يكون مُحققاً للصلاح في هذه الأرض.. مراقباً لكل أعماله وأقواله وأفعاله، فلا يصيب أحداً بسوءٍ، بل لا يصيب شيئاً في هذا الكون بسوءٍ أو بضرٍ أو بأذى، ولذلك في ظلال هذا المعنى سوف نفهم أن سعي الأفراد يحقق سعادة المجموع؛ ولذلك كان الخطاب للجميع، وكانت الوقاية المنشودة المأمور بها في هذه الآية الكريمة هي وقايةٌ للأنفس وللأهلين.
وتخصيص ذِكْرِ الأهلين أيضا فيه من الدلالة ما فيه، بحيث أن كل واحدٍ يعي المسؤولية والأمانة التي حُمِّلَ إياها، وهذا امتدادٌ لما كنا قد ذكرناه في الحلقة الماضية من مسألة رعاية المسؤولية التي يؤكد عليها حديث رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: “ألا كلكم راعٍ، وكلكم مسؤولٌ عن رعيته”، ونحن لا شك نَعلَم أن الأولاد نعمةٌ من النعم التي امتن الله عز وجل بها على عباده، يقول جل وعلا: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا …} (الكهف:46)، ثم يقول بعدها مباشرة: {… وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً} (الكهف:46)، ويمتن على عباده أيضا في موضعٍ آخر بأن وهبهم نعمة الولد فقال: {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ{49} أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} (الشورى:49-50)، فإذا كان الولد أو هِبَةُ الأولاد نعمةً من نِعَمِ الله عز وجل فإن شكر هذه النعمة واجب، وإذا كان الله عز وجل قد امتنَّ على عباده بأنه هو الذي رزقهم الولد ولحكمةٍ منه هو الذي جعل بعض الناس عقيماً فإن هذا يجب أن يُقابَل أيضا بمعرفة أن هذا الرزق من الله سبحانه وتعالى إنما يشتمل على ما يشتمل عليه من الابتلاء والامتحان، فلئن شكر العبد وسعى إلى ما فيه الخير لنفسه ولولده فكان كما أمره ربه تبارك وتعالى في أدائه لحق هذه النعمة وفي شكره ربه تبارك وتعالى على ما أولاه وأكرمه به فإنه ساعتئذٍ سوف يتمكن من أن يقي نفسه ويقي أهله ما حذَّر الله تعالى منه في سورة التحريم من العذاب الأليم.
ومجموع هذه الآيات مع طائفةٍ من أحاديث رسول الله-صلى الله عليه وسلم-كحديث “ألا كلكم راعٍ، وكلكم مسؤولٌ عن رعيته”، وأحاديث أخرى سوف نتعرض-لها بمشيئة الله تعالى-يُحتِّم علينا أن ننتبه إلى أن المسؤولية مسؤوليةٌ مشتركة، وإلى أن المسألة ليست بالمسألة السهلة الهينة، وإنما هي أمانةٌ عظيمةٌ يجب أن تؤدى بكل إخلاص، والإخلاص في أدائها يعني موافقة أمر الشرع في أداء هذه الأمانة، فالتربية بناءً على ذلك مسؤوليةٌ مشتركة يجب أن تؤدى بكل إخلاصٍ وتفانٍ، وتحتاج إلى علمٍ، كما أنها تحتاج إلى قيمٍ وأخلاقٍ تنطلق منها، والغاية رضا الله سبحانه وتعالى، ومن رضا الله عز وجل أن يُنقِذَ الإنسان نفسه من الهلكة، وأن يُنقِذَ من يلزمه تربيته من النار بحسن التربية، وبأداء الحقوق إليه، سواءً كان ذلك في ما يتصل بالتعليم أو ما يتصل بالجوانب العاطفية أو النفسية والروحية كما في ما يتصل بالمطالب المادية؛ إذ من الأخطاء التي يقع فيها الناس أن يُولُوا جُلَّ عنايتهم لجانبٍ واحدٍ فقط من احتياجات الطفولة واحتياجات التربية ألا وهو الجانب المادي، فيُغْرِقُونَ في تلبيته وإشباعه، فيكون ذلك على حساب مطالب هذا الإنسان الطفل المكرم من قِبَلِ الله عز وجل.. المهيأ لخطاب التكليف حينما يصل سن الرشد الذي يُنْتَظَرُ أن يقوم بواجبه في هذه الحياة، وأن يؤدي دوره ورسالته فيها، فيحتاج إلى أن يُلتَفَتَ إلى كل جوانبه، وليس بأقل من مسألة ما يحتاجه من مطالب مادية كل ما يحتاج إليه من مطالب الفكر.. العلم والتعلم، ومن مطالب العاطفة والروح، ومن مطالب الوجدان، ومن مطالب النفس.
مقدم البرنامج: طيب فضيلة الشيخ هي قضية التربية كبيرة، وتناولها الكتَّاب من زوايا مختلفة ولكننا وعدنا المستمعين الكرام بمجموعةٍ من الرسائل لابد أن نَدْخل الآن في هذا السؤال مباشرةً حول هذا الموضوع، فما هي هذه الرسائل التي تُوجَّه إلى الجمهور؟
لأن هذه الرسائل كما قلنا في شكل تساؤلات ومشاركات بيننا وبين الجمهور في قضية معالجة ما تحمله من مضامين.
الشيخ كهلان: أنا أولاً أعبر عن سروري بالمشاركات التي تلقيناها اليوم، فهي تدل عن وعي، وعن غيرةٍ صادقةٍ، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يعيننا جميعاً على بلوغ ما نصبو إليه من أمر أداء هذه المسؤوليات، وبشكلٍ مباشرٍ وبكل صراحةٍ فإن لدينا فعلاً جملةً من الرسائل التي نبثها للناس، وهي تُلخِّص ما كان بعض الإخوة يتحدثون عنه، أول هذه الرسائل تنطلق من العنوان، فلما نقول مسؤولية التربية فهذا يعني أنني أنا وأنتِ وأنتَ مسؤولون عن التربية، ولا يَسُوغُ لأي أحدٍ منا أن يتخلى عن مسؤولية تربية الأجيال، كلٌّ بحسب ما أتاح الله عز وجل له من صلاحياتٍ ومن مُكنةٍ، لكن لا عذر لأحدٍ، فالأب لا شك مسؤوليته واضحة، والأم كذلك، والمجتمع من الجيران، والأقارب، والواعظ في المسجد، والإمام، والخطيب، والقدوات في المجتمع، ورجال الإعلام من صحافةٍ ومن تلفزيون وإذاعة ومن شخصياتٍ معروفةٍ في المجتمع، ثم تتسع الدائرة لكي تشمل الجهات المسؤولة عن التربية، وعن تنشئة الأولاد، وعن تمكينهم من الانتفاع من أوقاتهم، والجهات المعنية أيضا عن تنمية مهاراتهم واستغلال طاقاتهم، كل القطاعات أيضا المعنية بصقل مواهبهم وبتزكية أخلاقهم ونفوسهم لا عذر لأحدٍ في ذلك، هذه رسالة.
مقدم البرنامج: نكررها فضيلة الشيخ (أنا وأنتِ وأنتَ مسؤولون عن التربية).
الشيخ كهلان: نعم، هذه خلاصتها، وهذا عنوانها أو شعارها لنقل؛ حتى تكون واضحة سهلة.
مقدم البرنامج: الضمير المخاطَب به هنا ليس بالضرورة أن يعود إلى الأب والأم.. لكل من يستمع.
الشيخ كهلان: نعم.. نعم..
ثم إذا كنا نقول بأن كل هؤلاء مسؤولون فإن هذا لا يعني سلطةً مطلقة لكل هؤلاء، فيُفرِطُونَ أو يُفرِّطون في أدائهم لهذه الأمانة التي قررنا أنها من واجباتهم، إنما نتحدث عن أدبٍ بلا عنفٍ، أدبٍ بلا قسوةٍ مبالغٍ فيها، وللأسف الشديد فإن كثيراً من الآباء والأمهات يلجأون إلى شدة القسوة، وإلى العنف في تربيتهم لأولادهم، وكم أدى ذلك إلى انحراف هؤلاء الأولاد، وإلى مشكلاتٍ وأزماتٍ نفسيةٍ وصحيةٍ وعقليةٍ لدى هؤلاء الأطفال، فما تمكنوا من أداء دورهم ولا رسالتهم في المجتمعات، والسبب في ذلك أن الوالدين قبل غيرهم من الناس أساؤوا من حيث ظنوا أنهم يحسنون، فظنوا أن لهم على أولادهم واجب الطاعة فتصرفوا بسُلطَةٍ أدت إلى ما أدت إليه من القسوة والغلظة والعنف على هؤلاء الأطفال فكانت العواقب وخيمة، فما تمكن هؤلاء الأولاد بعد ذلك من القيام بحقوق آبائهم وأمهاتهم؛ لأنهم لم يُنَشَّأوا على ذلك وإنما نُشِّئوا على الضرب بغير سبب، وعلى سماع الشتائم والسباب، وعلى الإهانات التي تتوالى، فلا حنان، ولا محبة، ولا حنو من قبل المحضن الأول الذي ينشأ فيه الطفل؛ فلذلك خلاصة رسالتنا هنا نريد أدباً وتربيةً؛ لكن لا نريد عنفاً وقسوةً.
مقدم البرنامج: نعم.. (أدبٌ بلا عنف).
الشيخ كهلان: نعم..
كما أننا-وهذا يتصل بما شارك به على وجه الخصوص الأخ المتصل الثاني-نقول بأن واقع كثيرٍ من الأسَر-وللأسف الشديد-لنقل الأسر الخليجية ومنها مجتمعاتنا أنه لما فتح الله تعالى عليهم في الرزق أرادوا أن يعوضوا ما كانوا عليه في سابق أيامهم من الفقر والعوز، فظنوا أن تعويض ذلك إنما يكون بإغراقهم في كل المطالب المادية والاحتياجات المادية لأولادهم، فلا يكاد تجد أنهم يُنَشِّئون طفلهم على أن يرفع متاعاً له بل حتى أن يلبس قميصه أو أن يخلع سرواله أو أن يهتم بتنظيف نفسه حينما يدخل دورة المياه، وإنما يتَّكلون في ذلك على غيرهم من العمال ومن الخدم فينشأ أطفالنا دون أن يكونوا قادرين على تلبية حاجات أنفسهم، فكيف لنا أن نتصور أنهم يمكن لهم بعد ذلك أن يقوموا بدورٍ في المجتمع أو أن يعتمدوا على أنفسهم أو أن يبنوا المجتمعات، وأن يعمروا الأوطان، وأن تُلقى عليهم مسؤوليات متعددة إن كانوا في أبسط الأعمال.. فلا الولد يستطيع كما قلتُ لا يقوم بشيءٍ.. لا يعين أباه.. لا يقوم بشيءٍ في المنزل.. لا يشاركه حينما يأتيه ضيوف.. لا يُقرِّب لهم شيئاً، ولا يرفع عنهم شيئاً، ولا البنت أيضا تعين أمها في مسؤولياتها واهتماماتها وأعمالها، ويكون ذلك بأوامر ونواهٍ من الأولياء أنفسهم، فيطلبون من غيرهم أن يقوموا لهم بشؤونهم،
وفي مقابل كل ذلك تجد العتب واللوم من قِبَلِ الآباء والأمهات، ثم تجد بعد ذلك السباب والشتائم والصريخ على هؤلاء الأولاد وعلى بعضهم البعض، فينشأ الطفل في مثل هذا المحضن فتكون بعد ذلك العواقب وخيمة، وينعكس ذلك على سلوك الطفل، فتجد أنه هو نفسه يريد أن يأمر وينهى.. لا يريد أن يُشارِك حتى ولو لم يكن محتاجاً فإنه ينادي على العامل في المنزل أو العاملة في المنزل بأن يحضر له كذا ولو لم يكن محتاجاً.. وأن يُنظِّف له كذا ولو لم يكن متسخاً.. وأن يفعل له كذا..، غايةٌ في الترف؛ والترف يؤدي إلى التلف، ويهلك المجتمعات، ويدمر الطاقات والقدرات..
مقدم البرنامج: يُفَرِّخ العاجزين فقط.
الشيخ كهلان: أحسنتم..
ولذلك فالرسالة الواضحة التي نريد أن نتشارك لأجل بلوغها للناس هي ما يروى عن عمر بن الخطاب-رضي الله تعالى عنه-: (اخشوشنوا فإن النعم لا تدوم).
مقدم البرنامج: نعم..، هذه إذاً الرسالة الثالثة.
الشيخ كهلان: نعم..
وكذلك نحن كثيراً ما نناقش هذا الموضوع، ونتحدث عن ضياع الأجيال، وعن كون شبابنا على غير المسالك التي كان عليها الجيل المتقدم، وأنهم غير قادرين على تحمل الأعباء، هم خُلِقوا لغير عصر آبائهم وأمهاتهم، وسَيَنُوءُونَ بمسؤولياتٍ مختلفة في طبيعتها وفي كيفية أدائها ينبغي أن يُهَيَّأوا لذلك؛ لكن إن حصل تقصير وإن لم تكن النتائج كما نتوقع فإنه ينبغي لنا أن نبدأ بلوم أنفسنا وأن التقصير إنما كان من أنفسنا نحن، أما أن تجد أن البيت يلوم المدرسة والمدرسة تلوم البيت والمسجد يلوم الأب والأم لأنهم لم يُعوِّدوا أولادهم على حضور الصلوات ولم يُنشِّئوهم على قول رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: “علموا أولادكم القرآن، فإنه أول ما ينبغي أن يُتَعَلَّمَ من علم الله هو”، وتجد بعد ذلك أن الكلية تلوم كل هؤلاء حينما ينتقل الأطفال إلى سن الدراسة الجامعية، كذلك أيضا الأدباء والكُتَّاب وأهل الصحافة والإعلام أيضا يلومون هذه المؤسسات ويُبَرِّؤونَ أنفسهم، فهذا غير مقبول؛ لذلك قلنا إنها مسؤوليةٌ مشتركةٌ وهي مسؤولية التربية، وأصَّلنا لهذا الموضوع حينما تحدثنا عن فروض الكفاية وعن رعاية المسؤولية وذكرنا الأسبوع الماضي مثالاً لها وهي مسؤولية السلامة المرورية، واليوم نَذكُر تطبيقاً آخر وهو مسؤولية التربية، فخلاصة هذه الرسالة إذاً: (لُمْ نفسك قبل لوم الآخرين).
مداخلة متصل رابع: كلنا راعٍ، وكلنا مسؤولٌ عن رعيته، بالنسبة لرعاية الأطفال أنا أظن أن التدليل هو الذي طاغٍ على كل شيء، مثال على ذلك: أن أُدَلِّل ولدي وأعطيه كل حاجة.. يخرج إلى الشارع.. يخرج إلى أي مكان أنا ما مسؤول.. مسؤولين الآخرين عنه.. خلاص يتعلم من أقرانه.
ثانيا: الجيل هذا يختلف عن الجيل السابق، نحن كنا في السابق نتزوج ونكون في بيت آبائنا، الآن نحن نتزوج في سن العشرين ونخرج من بيت آبائنا ويكون مع الابن العاملة.. العاملة هي التي ترعاه، كنا في السابق-طبعا نحن من جيل واحد.. من الستينات والسبعينات-كان عندما يخرج الأب يكون عند الأطفال الجد والجدة هم الذين يربون هؤلاء الأطفال، الآن هذا لا يوجد.
مقدم البرنامج: أنتِ وأنتَ مسؤولٌ عن التربية، أدبٌ بلا عنفٍ، اخشوشنوا فإن النعم لا تدوم، لُمْ نفسك قبل لوم الآخرين، ما هي الرسالة الخامسة؟
الشيخ كهلان: الرسالة الخامسة: تتعلق بمعرفتنا بأوضاع مجتمعاتنا، وأننا بحمد الله تعالى بكل ما منَّ الله عز وجل به علينا من نِعَمٍ ومن أرزاقٍ ومن سهولة معيشة وهي كلها نِعَمٌ تستوجب الشكر فإن هذه المدنية أيضا جلبتْ معها كما جلبتْ هذا الخير جلبتْ معها بعض الشر؛ ولذلك يجب أن نُعَوِّدَ أطفالنا على تجنب الشر، ومن الشرور التي تحصل من جراء هذه المدنيات المعاصرة أن هناك جرائم يساق إليها الأطفال، ويجب أن يتعاون الجميع لأجل تجنيب الأطفال على وجه الخصوص أن يكونوا ضحايا جرائم، وهم يكونون كذلك أحياناً داخل الأسر كما قلنا في مسألة المبالغة في التربية أو الظن بأن التأديب إنما هو بالضرب، وبإيلام هذا الطفل، وبالاستجابة لشهوة الغضب من جراء تصرفات الأطفال، فيؤدي ذلك إلى أن يكون الطفل ضحية، وقد ضربتُ أمثلةً من ما يحزن لها القلب في حلقاتٍ سابقةٍ، وقد يكون الطفل ضحيةً لاعتداءٍ من خارج الأسرة، وهنا لابد من وجود وسائل وقاية وتحصينٍ لهؤلاء الأطفال، وليكن ذلك ولو بغرس مبدأ أن يقول هذا الطفل: لا للغرباء؛ لأن الأوضاع قد تغيرت، وطباع الناس وتصرفاتهم قد تغيرت.
نحن في مرحلةٍ سابقةٍ كنا نَذكُر: إن جاء غريب يسأل عن منزل جار فإن الطفل يمكن أن يركب معه في سيارته ويوصله إلى دار جاره الذي يعرفه ثم يعود الطفل مشياً أو يعود الطفل على دراجته أو أن يقوم ذلك الغريب برجع الطفل إلى أهله، مثل هذه التصرفات ما عادت تناسب أوضاع عصرنا وأوضاع مجتمعاتنا اليوم، فيجب الحزم الآن، ولابد من الحذر، وكم تطالعنا الصحف المحلية بطائفةٍ من الجرائم التي يكون سببها التفريط والإهمال وعدم الحزم من قِبَلِ الأولياء، فاتجاه في تربيتهم لأولادهم لا يُعَوِّدُهُم الحزم، ولا ينبهوهم إلى مخاطر الواقع الذي يعيشون فيه وكيفية تجنب تلك المخاطر، وكذا الحال بالنسبة.. نحن حينما نقول أنه ينبغي أن يُعَوَّدَ الطفل الآن أن يقول: (لا للغرباء) هذا ينسحب أيضا على طائفةٍ من التطبيقات العملية من نحو كيف يتعامل مع الحالات الطارئة.. كيف يمكن له أن يتعامل بمسؤوليةٍ في الاتصال بأرقام الطوارئ في حالة حدوث شيءٍ طارئ، ما هو نوع الطارئ الذي يمكن للطفل أن يتعامل معه، وكيف يمكن له أن يتصرف في حالة حدوث شيءٍ من الحوادث أو الطوارئ أو أن يقع عليه شيء، كل هذه مما ينبغي أن يُتنبَّه لها؛ ولذلك ضربتُ لها مثالاً فقط بأن يُعَوَّدَ الطفل أن يقول: لا للغرباء.
مقدم البرنامج: ومن الحزم سوء الظن..
إذاً أمامنا الآن خمس رسائل نحتاج فيها إلى سؤالٍ مهمٍ، وكما قلنا هذه الرسائل إنما نريد من خلالها أيضا أن يشارك الجمهور بأسئلتهم حول مناقشة مضامينها، ولم نستمع إلى الآن إلى صوت أم وهي أيضا تبدي رأيها في الموضوع؛ ولذلك نرغب في الاتصال، ونستمع الآن إلى هذا الفاصل، ثم نعود لمناقشتها بإذن الله.
*******************************
روى ابن ماجه في سننه أن الحارث بن النعمان قال: سمعتُ أنس بن مالك يُحَدِّثُ عن رسول الله-صلى الله عليه وسلم-قال: “أكرموا أولادكم، وأحسنوا أدبهم”، وورد في المستدرك على الصحيحين وعند الترمذي والبيهقي عن أيوب بن موسى بن عمرو بن سعيد بن العاص عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: “ما نَحَلَ والدٌ ولده أفضل من أدبٍ حسن”.
مقدم البرنامج: مرحباً بكم أعزاءنا الكرام في برنامج دين الرحمة، وموضوعنا اليوم عن المسؤوليات التربوية، وقد أطلق فضيلة الشيخ خمس رسائل الهدف منها أن تشاركوا معنا في مناقشة مضامينها، وكيفية حلولها، وهي كالتالي: أنتِ وأنتَ مسؤولٌ عن التربية، أدبٌ بلا عنف، أيها الطفل قل لا للغرباء، اخشوشنوا فإن النعم لا تدوم، لُمْ نفسك قبل لوم الآخرين.
حقيقة كل رسالة من هذه الرسائل-فضيلة الشيخ-تحتاج إلى حلقةٍ، وقد قَدَّمَ مجموعة من الإخوة ببعض التساؤلات قبل أن يستمعوا طبعا إلى هذه الرسائل؛ ولكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن ألا تظن أن هذه الرسائل فيها شيءٌ من المبالغة؟ وأن مجتمعنا-ولله الحمد-بعيدٌ عن كثيرٍ من ما يدعو إلى طرح الموضوع بهذه الصورة؟
الشيخ كهلان: الحقيقة أننا لا شك أننا نحمد الله تعالى على ما نحن فيه من خيرٍ ومن نعمٍ ومن أمنٍ واستقرارٍ؛ ولكن المؤمن فطنٌ كيِّس، والحذر واجب، وكما قلتُ نحن نعيش الآن في مجتمعاتٍ مفتوحةٍ، ويتلقى أطفالنا من مصادر وموارد متعددة؛ ولذلك فإن تغييراتٍ حصلت في المجتمعات وفي طريقة عيشنا اليوم تستدعي منا الحذر، وتستدعي منا الحزم في جملةٍ من أساليب معيشتنا، وأنا لما ذَكَرتُ هذه القضايا وأنها من ما يلزم أن نتنبه له في واقع حياتنا اليوم إنما أنقل ذلك من خلال ما صرنا نسمع عنه ونراه في مجتمعاتنا، وأضرب لك مثالاً:
أن أطفالاً ممن أعرف معرفةً قريبة أخبروني بأنفسهم أنهم خرجوا من المسجد وأن صاحب سيارةٍ كبيرةٍ دعاهم إلى الركوب معه في سيارته، وأغراهم بأموالٍ طائلةٍ، وبأن يشتري لهم ما لذَّ وطاب، لولا أنهم كانوا ممن نُبِّهوا قَبْلاً لانساقوا؛ لأنه تبدو عليه سيما الصدق، ولأنه من بني جلدتنا في لبسه ولسانه؛ لكنهم امتنعوا ثم بادروا إلى إخبار أوليائهم فاتَّخَذَ ما يَلْزَم من إجراءات، هذه القصة لم تحصل في مجتمعاتٍ بعيدة.. هذه في مجتمعنا، وقد تكررت، الآن تطالعنا الصحف بأن هناك حوادث اختطاف للأطفال، حتى أن في خبرٍ من الأخبار أن عملية الاختطاف كانت بطريقةٍ سينمائيةٍ-هكذا عبرت عنها الصحيفة المحلية-، وحَكَت كيف كان ذلك ولولا تدخُّل الجهات المعنية-بحمد الله تعالى-مشكورةً لكانت العواقب وخيمة، إذاً الحذر واجب، ومهما يكن الإنسان فيه من خيرٍ ونعمةٍ فإن هذا لا يتنافى مع الحزم، ومع الأخذ بالاحتياط، ومع الأهبة للتعامل مع مختلف المواقف الطارئة التي قد لا يتوقعها الناس.
مقدم البرنامج: طيب فضيلة الشيخ هنا سؤالٌ مهم، نحن نريد أن يستقر لنا فهمٌ في قضية التوفيق بين هذه الرسالة (أيها الطفل قل: لا للغرباء) وبين دعوتكم إلى أن يخشوشن الطفل وأن يعتمد على نفسه وأن يكون قادراً على إدارة مسؤولياته، خاصةً الأخ المتصل الثاني تحدث عن قدرته على أن يتسوق بنفسه.. قدرته على أن يتجول بنفسه فيما يشبه قضية الانفصال عن الأسرة في قضاء الحاجات الضرورية.
الشيخ كهلان: الاعتماد على النفس نعم..
هذا بحسب الأعمار بمعنى كل واحدٍ منا يستطيع أن يدرك متى مثلاً يمكن لولده أن يُؤذَن له بأن يعبر الشارع منفرداً، فالأطفال لا شك يتفاوتون لكن لا يمكن لك أن تأذن لطفلٍ لا يزال في الثالثة أو حتى في الرابعة وتقل له يمكن لكَ أن تعبر الشارع منفرداً، لابد أن يكون برفقة من هو أكبر منه، هذا على سبيل المثال؛ لكننا مثلاً قد نتوخى في الطفل الذي هو في الصف الأول أو بلغ الخامسة-مثلاً-من العمر في الشارع الذي بينه وبين بيت جيرانه أنه قادرٌ على أن يأخذ الاحتياطات اللازمة لكي يَعبُرَ الشارع، فيعبُر من المكان الصحيح ويلتفتُ يمنةً ويسرةً ثم بعد ذلك يَعبُر، هذا من ما يستطيعه طفل الخامسة، إذاً نحن نتحدث عن مسؤولياتٍ أيضا وأعمالٍ تليق بأعمار هؤلاء الأطفال، وهذه من ما يستطيع الأولياء أن يدركوها من أطفالهم.
أما ما يتصل بالتعامل مع الغرباء فإن مسألة أن يقول لا للغرباء إنما هي في ما يمكن أن يكون مظنةً لإصابته بِضُرٍّ، كأن يُطلَبَ منه أن يركب معهم أو أن يُطلَبَ منه أن يخرج، هناك الآن على سبيل المثال بعض من يطرقون الأبواب متسولين، فعلمتُ أن بعض الأسر تدفع بأصغر أطفالها لكي يخرج إليهم ويعطيهم شيئاً دون أن يَخرُجُوا هم، والمنزل من دورين وثلاثة ومحاطٌ بسورٍ، فيخرج الطفل في أوقاتٍ غير مألوفة إما أن تكون أوقات اعتاد الناس في مجتمعاتنا على أن يرتاحوا فيها أو أن تكون أوقات متأخرة فيبعثوا بالطفل وهم لا يعرفون من الطارق ولا يعرفون صدقه من كذبه، وكان ذلك سبباً لبعض المشكلات العويصة في حقيقة الأمر، إذاً هذه أمثلة ونماذج من ما يحصل في المجتمعات من ما تستدعي أن يكون هناك حزمٌ وحذر؛ لكن بحسب ما تستوعب أذهان الأطفال، وبحسب مداركهم وطاقاتهم، هذا لا يتعارض أبداً مع تعويد الأطفال بحسب أعمارهم أيضا على القيام بشؤون أنفسهم، أي طفل الثالثة والرابعة وحتى من كان دون الثالثة يمكن له أن يُناط به أن يقوم ببعض الأعمال الخفيفة، أنا لا أزعم أنني متخصصٌ في التربية؛ لكن أنا أتحدث عن التأصيل الشرعي الآن وعن الأدلة الشرعية والاعتبارات الشرعية، وفي هذا السياق أيضا أنصح بالرجوع إلى ما كتبه المختصون من علماء التربية، وعلماء النفس، وقد-بحمد الله تعالى-أتاح لنا هذا العصر من مؤلفاتهم القيمة الشيء الكثير.
مقدم البرنامج: مجموعة من الرسائل تحتاج إلى مناقشةٍ.. تحتاج إلى مشاركةٍ، وخاصةً فيما يتعلق بالمربي والمربية، طبعاً الرسالة الأولى أنتِ وأنتَ مسؤولٌ عن التربية، وهذه تَلُفُّ على كل مؤسسات المجتمع من البيت، والمدرسة، والمجتمع، والمسجد، وأدبٌ بلا عنفٍ، أيها الطفل قل: لا للغرباء، اخشوشنوا فإن النعم لا تدوم، لُمْ نفسك قبل لوم الآخرين.
مداخلة متصل خامس: أنا عندي سؤال بخصوص الأطفال: بعض الأوقات قد يقومون بسلوكياتٍ غير طبيعية، فمثلاً في المسجد أثناء الصلاة نُبِّهوا على أن لا يصدروا أصوات أو حركات تنافي الخشوع في الصلاة، لكن يتكرر ذلك منهم أكثر من مرة، وبَلَّغْنَا أولياء أمورهم، وحدث معهم حديث واجتماعات؛ لكن للأسف يتكرر، فأنا أحببت أن أسأل فضيلة الشيخ عن كيف نتصرف معهم؟ أو ما هو الدافع لهذا السبب؟ هذا سؤالي.
مقدم البرنامج: هي سلوكيات طبيعية من حيث التوصيف؛ ولكنها غير منضبطة على اعتبار أنها فيها مخالفة، ومجافاة للآداب أظن..
الشيخ كهلان: هذا ما نتحدث عنه أن يُظَنّ أن التربية هي التلقين فقط وتوجيه النصائح المباشرة، وليست هي كذلك، من ما ينبغي أن يُلاحَظ أن الرسول-صلى الله عليه وسلم-قال-فيما يخص بالصلاة-: “علموا أولادكم الصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر”، للأسف الشديد كثيرٌ من الآباء.. وهذه ظاهرة جيدة؛ لكن ينبغي الانتباه إليها، يكون الطفل في سن الرابعة ويأتي به إلى المسجد، هذا لا يمكن له أن يعرف آداب المسجد، بل سوف يَقلَقُ على ابتعاد والده عنه.. سوف يفزعه صوت مكبر الصوت حينما تقام الصلاة ويكبر الإمام، ويؤدي ذلك إلى تشويش المصلين، لماذا؟! لأنه لا يزال غضاً طرياً، ينبغي أن نعي أن سِنَّ الأخذ إلى المسجد هي سِنّ معتبرة شرعاً لمقاصد، ويجب أن يراعى ذلك، فإن كانوا في هذه السن.. إذا كان سؤال الأخ المتصل الخامس حول مثل هذه الفئة فإنهم قد لا يحتاجون إلى التلقين المباشر.. الأوامر المباشرة: لا تفعلوا.. أو افعلوا كذا.. أو اصمتوا..، يمكن لنا أن نجري مسابقةً بينهم على سبيل المثال، يُقَسَّمونَ على-إن كانوا مجموعة من الأطفال-يُقَسَّمونَ إلى مجموعات فتجرى بينهم مسابقة أَيُّ مجموعة هي الأكثر هدوءً-مثلاً-، فيتسابقون فيما بينهم ليكونوا أكثر هدوءً في المسجد؛ لأن الأطفال تستهويهم المسابقة، مجموعة منهم أيضا يمكن أن يُناط بها.. وتدور هذه المسؤوليات مسؤولية العناية بالمسجد فيشعر بأنهم يقومون بمسؤوليةٍ في المسجد، ممكن أن يكون أيضا على سبيل المثال أن هؤلاء الصبية أو هؤلاء الأطفال داخل المسجد يمكن أن يُعطَوا الإشراف على الآخرين حتى على الكبار كعرِّيف الصف.. وهكذا، هناك طرق عديدة يمكن أن يُشغَل من خلالها الأطفال، وأن يُعَوَّدوا على أن يكونوا هم السبب في حفظ النظام والتعامل في بيوت الله تعالى بما يتناسب وقدسية المساجد.
مداخلة متصل سادس: أخي العزيز عندي سؤال في موضوع لأحد الإخوة، يَذكُر أن عنده ابن، الابن هذا عنده سلوك خاطئ بحيث أنه ربما يختلس مبالغ من البيت أو ربما تجرأ من دكان أحد أو غيره، فحاول معه بكل الطرق بين ترغيب وترهيب، وجلس معه، وربما أيضا أجلس أحداً من معارفه وأقاربه في هذا الأمر، ولكن أحيانا نقدر نقول أنه استنفذ كل المحاولات..
مقدم البرنامج: والطفل لا يزال؟
المتصل: والطفل لا يزال على أمره، فحاول بالعلاجات مثل ما أخبرتك بالترغيب والترهيب، ولكن طبعا لم يتعرض للعنف بالضرب، فهل من نصيحة من الدكتور حول هذا الأمر؟
مقدم البرنامج: كم عمر الولد؟
المتصل: عمر الولد حسب رواية ولي الأمر تقريباً أربع عشرة سنة.
الأمر الثاني: وقفتُ على مسألة حسب ما أتذكر مقولة لسيدنا عمر بن الخطاب-رضي الله عنه من أن (لكل زمانٍ صرف، فلا تربوا أبناءكم على صرفكم)، فقط أردت توضيح من الدكتور لهذه المسألة.
مقدم البرنامج: الحقيقة هذه المواضيع دسمة للحلقة القادمة أظن فضيلة الشيخ؛ لأننا وصلنا إلى نهاية الحلقة ولدينا مجموعة كبيرة جداً من التساؤلات، خاصةً من الإخوة الذين ناقشوا القضية قبل طرحها موضوع التدليل.. موضوع التحدي.. موضوع ردة الفعل التي تكون من الأبناء على والديهم..، نحتاج أيضا أن نتحدث عن رحمة النبي-صلى الله عليه وسلم-بالصغار وهذا ربما سنُصَدِّر به الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى، إذاً هذه الرسائل وما يتعلق بها واتصال الأخ المتصل الأخير نناقشه في الحلقة القادمة.
الشيخ كهلان: وما يتصل أيضا بـ.. لأننا لا نتناول موضوع مسؤولية التربية ونقصد بها الأطفال الصغار فقط، بل أيضا نريد أن يمتد الحديث للمراهقين.
مقدم البرنامج: جميل.. هذا إذاً وعدٌ بمزيدٍ من الحلقات حول الموضوع، شكراً لكم فضيلة الشيخ..
الشيخ كهلان: بارك الله فيكم.
مقدم البرنامج: شكراً لكم أعزاءنا الكرام على المتابعة والإنصات، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. انتهت الحلقة