صيانة المجتمع من آفة الإدمان والمخدرات ج2

صيانة المجتمع من آفة الإدمان والمخدرات ج2

بثت في:

5/رمضان/1431هـ

16/أغسطس/2010م

————————–

مقدم البرنامج: بسم الله الرحمن الرحيم.

أيها الأخوة المستمعون السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم في حلقة جديدة من برنامجكم دين الرحمة.

لا للإدمان هو الإعلان المقابل لإعلان المدمن اختفاءه من المجتمع، وهبوطه التدريجي نحو الغفول السحيق، ليس للإدمان صاحبٌ سوى الموت، وقد يلهو قبله في ألمٍ مع المشكلات الصحية والاجتماعية حتى تنسدل الأجفان عن العيون ويبدأ الدخول في عالم الظلام؛ لكن صيحةً لا تزال تُنبِّه المدمن إلى خطر ما يصنع، وتُذكِّره من بعيدٍ أو قريب أن الله تعالى توابٌ رحيم، وأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، وأنه متى ما قرر العودة إلى الصواب تجمهرت حوله جماهير الناس مهنئين ومباركين الخروج إلى النور.

كنا أيها الإخوة الكرام في حلقةٍ ماضية قد تحدثنا عن خطر الإدمان، وأعلنا في مضامين الحلقة الشعار الذي ترفعه المؤسسات الاجتماعية والأمنية (لا للإدمان) وها نحن في هذه الحلقة نواصل مناقشة الموضوع، وتقديم المزيد من سبل العلاج لظاهرة الإدمان، وطرائق احتواء المدمن ودمجه في المجتمع بعد عُزلة الخطيئة، نناقش كل هذا كعادتنا مع المُعدّ والمقدم لهذا البرنامج فضيلة الشيخ الدكتور كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام للسلطنة.

*******************************

أهلاً ومرحباً بكم فضيلة الشيخ..

الشيخ كهلان: حياكم الله، وأنا أرحب أيضا بالإخوة والأخوات الذين يتابعون هذا البرنامج، وأسأل الله عز وجل في مستهله أن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، إنه تعالى سميعٌ مجيبٌ.

مقدم البرنامج: آمين..

فضيلة الشيخ تعرضنا لهذا الموضوع في حلقةٍ سابقةٍ، فهل يمكنكم أن تلخصوا لنا ما دار فيها؟ ولماذا نحن نخصص حلقةً أخرى لهذا الموضوع؟

الشيخ كهلان: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فإن موضوع لا للإدمان في حلقته الثانية إنما هو امتدادٌ لجهدٍ مبارك تتشارك فيه جملة من المؤسسات لمحاولة علاج ظاهرة انتشار المخدرات والمفتِّرات، ومكافحة آثارها، والقضاء-بإذن الله عز وجل-على شرورها وآثامها التي تصيب شبابنا وأفراد المجتمع عامة، والموضوع في حد ذاته يحتاج إلى جملةٍ من الوقفات؛ وذلك لأهميته، وللآثار الكثيرة والجوانب العديدة المتصلة به، فنحن حينما نتحدث تحت هذا الشعار-شعار لا للإدمان-فإننا نتحدث عن جوانب اجتماعية خُلقيةٍ وقيميةٍ ومبادئ تتجاوب تبعاً لمدى انتشار المخدرات في المجتمعات.. نتحدث عن صحةٍ نفسيةٍ تتعلق بالأفراد والمجتمع عموماً.. نتحدث عن صحةٍ عقليةٍ تُحدد للمجتمع مساره؛ لأنها تتعلق باختيارات الأفراد، وبوجهاتهم في هذه الحياة، وبسلوكهم الذي يكون أثراً من آثار استقرارهم العقلي وسكونهم النفسي ومدى تمثلهم لحقيقة إيمانهم الذي يُفترَض أن يَصوغَ لهم مناهج حياتهم.

ولذلك كانت الحلقة الأولى تدور حول المداخل التي تُعرِّف الناس في مجتمعاتنا عموماً بحجم هذه المشكلة؛ ذلك أن بعض الأولياء لا يزالون إلى الآن يظنون أن هذه المشكلة بعيدةٌ عن مجتمعات المسلمين وعن مجتمعاتنا مع أن الأمر ليس كذلك على من يطالع الحقائق التي أصبحت معلومةً لدى الجميع؛ ولذلك فإن هذا الظن ينبغي أن يُصحَّحَ حتى نتمكن من التعاون على الحدِّ من هذه الظاهرة المذمومة شرعاً وطبعاً وخُلُقَاً، وكانت أيضا الحلقة الأولى من هذا الموضوع متزامنةً مع بدايات الحملة الوطنية لمكافحة المخدرات التي كانت ولازالت تحت شعار (وطن بلا مخدرات).

ونحن نريد أن نُثبِتَ أن هذه الشعارات التي نرفعها هي ليست مجرد شعاراتٍ خاوية بحيث أنها تتزامن مع تاريخ حدثٍ معين ثم ننسى الموضوع ومضامينه وأهدافه بمضي ذلكم التاريخ، بل هي قضايا نناقشها لأن مجتمعاتنا صارت بحاجةٍ ماسةٍ إليها، ولأنها في ذاتها-كما قلتُ-تستحق منا الدراسة والوقفات، ولأننا لابد لنا أن نتعاون بعد أن نطَّلع على الحقائق، وأن نعرف ما يكتنف هذا الموضوع من جوانب-كما قلتُ-شرعيةٍ دينيةٍ ونفسيةٍ وعقليةٍ، وما يمكن أن تصل إليه آثاره إن لم تُتَدارك بالعلاج من قضاءٍ على الأنفس، وعلى الأموال الخاصة والعامة، ومن آثارٍ خطيرةٍ في المجتمعات، ومن انتشار الجرائم، وانحسار الأخلاق وفُشوِّ الجرائم لدى ناشئتنا ولدى شبابنا ذكوراً ونساءً كان لابد من تخصيص حلقةٍ أخرى، وقد نُخَصِّصُ في مستقبل الأيام حلقات أيضا أخرى تتناول الموضوع من زوايا وجوانب أخرى، لكننا اليوم بإذن الله عز وجل نريد أيضا أن نغتنم هذا الموسم الإيماني.. نريد أن نغتنم نفحات رمضان المبارك، لنؤكد أن لرمضان آثاراً يمكن أن تعين من حيث المبدأ ومن حيث التطبيق تعين على القضاء -أي- على تحقيق هذا الشعار الذي دَعَوْنَا إليه وهو (لا للإدمان).

ولذلك سوف نتعرض بإذن الله عز وجل إلى هذه الآثار التي سوف تكون-كما قلتُ-ناشئةً أو تكون مبنيةً على موسم الطاعات كرمضان.. وموسم الصيام في رمضان، والقيام فيه لتصحيح العادات الذميمة لدى الناس، وللانتفاع من واعز الإيمان في قلوبهم، ولتحقيق ما يمكن أن يعين كل من وَقَعَ ضحيةً أو اختار أن يكون أسيراً لهذه المخدرات والمفتِّرات بسائر أنواعها أن يتمكن كما تفضلتم في المقدمة من طرق أبواب التوبة والغفران، وأن يتمكن بحول الله عز وجل من التخلص من هذه الآفات، وفتح أبوابٍ من الأمل والرجاء واسعة بإذن الله عز وجل، ومن الانتفاع من الشحنة الإيمانية التي تصاحب مثل هذه المواسم الربانية؛ ولذلك سوف يدور حديثنا اليوم عن هذه الجوانب، إضافةً إلى ما يتصل بالربط بين الشعارات والتطبيق والمسؤوليات المجتمعية التي لابد أن يعيها الناس حتى يتمكنوا من التصدي لمثل هذه الظواهر الخطيرة بإذن الله عز وجل.

مقدم البرنامج: بإذن الله..

نريد مشاركة في هذا الموضوع، وخاصةً من أولئك الذين كانت لهم تجربة مع المدمن، وكيف استطاعوا بفضل الله تعالى أولاً ثم ما سلكوه من طرائق إقناعه بالإقلاع عن هذه المصيبة الخطيرة.

نبقى الآن مع هذه الآية القرآنية، ثم نعود لمناقشة الموضوع من وحيها بإذن الله تعالى.

*******************************

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ{90} إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ{91} وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَاحْذَرُواْ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ} (المائدة: 90-92).

مقدم البرنامج: صدق الله العظيم.

فضيلة الشيخ بعد أن استمعنا إلى هذه الآية القرآنية ما هي المعاني الجديدة المتعلقة بموضوع لا للإدمان التي تكتنزها هذه الآية؟ وإلى أي حدٍّ أيضا نجد دلالات هذه الآية في واقع أولئك الذين وقعوا أسارى للمخدرات؟

الشيخ كهلان: ليس شيءٌ أضر على هذا الإنسان ضرراً عاجلاً من المعاصي التي حرمها الله عز وجل بعد فاحشة الزنا-والعياذ بالله-من تناول المسكرات من خمورٍ ومخدراتٍ ومفتِّراتٍ؛ ذلك أن هذه المسكرات والمخدرات التي يَظُنُّ متعاطيها أنه يَبلُغُ حداً من النشوة ومن اللذة والمتعة، وقد يتصور نفسه أشجع الشجعان وأبسل الرجال وأكرم الكرماء، كل ذلك خيالاتٌ وأوهام، فهو أضعف من كل ضعيف، وهو في حالةٍ من الذلة والهوان بحيث إنه انحط عن مرتبة الإنسانية التي كرَّمه الله عز وجل ورفعه إليها إلى أدنى من مرتبة البهائم العجماوات، فتجد أنه في حالته تلك التي يَظُنُّ أنها حالةً-كما قلتُ-من الاسترخاء واللذة والنشوة تجد أنه لا يبالي أن يقول كفراً-والعياذ بالله-أو أن يأتي هُجْراً أو أن يَسُبَّ ربه تبارك وتعالى أو أن يَسُبَّ أمه أو أباه أو أن يرتكب الفواحش، ويأتي المحرمات الكبائر منها والصغائر، وأن يُطَلِّقَ ويزني ويرتكب الفواحش.. لا يبالي بالأعراض، بل حتى إنه لا يستطيع أن يبالي حتى بعِرْضِهِ هو، وكم من مآسي حدثت جراء تعاطي هذه المخدرات والمسكرات!

ولذلك نجد مثل هذه التحذيرات في هذه الآية الكريمة، ونجد هذا الاقتران بين الخمر وما كان في حُكمِهِ من المسكِرات والمفتِّرات وبين أعمال أهل الشرك من مثل المَيْسِرِ والاستقسام بالأزلام والأنصاب، وربط ذلك بكونه رجساً من عمل الشيطان، والأمر باجتنابه أمراً واضحاً جازماً، وتعليق الفلاح على ذلك {… رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ …}، وبيان ما يَدفَعُ المؤمن إلى أن يربأ بنفسه أن يكون من أمثال هؤلاء الذين يتبعون الشيطان ويوقعهم الشيطان في حبائله التي تؤدي إلى الوقيعة في ما بينهم، وإلى إضرام نار العداوة والبغضاء بسبب هذه المسكرات والمخدرات، وإلى الإِعراض عن ذكر الله عز وجل، وإلى الحياة الضنك البعيدة عن الصلاح أي البعيدة عن الطاعات كلها ليأتي مرةً أخرى الأمر أو النهي عن إتيانها في قوله: {… فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ}، ثم الأمر بعد ذلك بقوله: {وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَاحْذَرُواْ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ}.

هذه المعاني تؤكد لنا جملةً من الحقائق بالإضافة إلى ما تقدم، وهو أن الإقلاع بل الابتعاد وتجنب هذه الآثام وهذه الخبائث لا يكون إلا لذوي الإيمان الصادق، ولذلك فإن كل من أراد أن يتخلص إن كان قد وَقَعَ في شيءٍ منها فإنه لابد له من أن يستحضر الإيمان الذي يوجه له حركاته في هذه الحياة.. لابد له من أن يستشعر عظيم مراقبة الله عز وجل له، وأن يستتبع ذلك تصديق ما وَقَرَ في قلبه بالعمل الصالح، ومن العمل الصالح الإقلاع عن الذنوب والمعاصي والمبادرة بالتوبة والاستغفار إلى الله عز وجل، ومن المعاني التي ندركها أيضا في هذا السياق الذي نتحدث عنه أن أحكام هذا الدين مرتبطٌ بعضها ببعض، فلا يمكن أن يقال بأن مقدمات المعاصي والذنوب يمكن أن يُتَسَاهَل فيها ما لم يصل المرء إلى ارتكاب المحظورات ذاتها، بل إن الله عز وجل لما حرم هذه المحرمات.. هذه الخبائث التي نتحدث عنها في هذا السياق فإنه قد حرم كل مقدماتها؛ حرم ذلك لأن النتائج لا تنفك عن مقدماتها، ولأن هذه المقدمات في حقيقتها هي أيضا أنواعٌ من الخبائث وإن بدت للناس بأنها أقل ضرراً وأخف أثراً من المسكرات والمخدرات ذاتها، كالدخان، فالتدخين هو وسيلةٌ تؤدي أيضا إلى التساهل في أمر ما هو أعظم من التدخين كشرب الشيشة على سبيل المثال، ثم يَتَساهَلُ بعد ذلك في أنواعٍ من المضغات المسكرة المفترة، ثم ما يلبث أن يصل الأمر إلى حدِّ المخدرات التي هي معلومة، من ما يجد بعد ذلك المرء نفسه أسيراً لا يستطيع الفكاك عنها فيبذُل في سبيلها الأموال الطائلة.

وهنا نرى أنه كان يمكن لهؤلاء أن يتجنبوا الوقوع في هذه الخبائث التي تأتي على أبدانهم وعلى عقولهم ونفوسهم وعلى أموالهم.. كان يمكن لهم أن يتجنبوا ذلك إن استحضروا واعز الإيمان في قلوبهم، وإن صَدُّوا وامتنعوا أو منعوا أنفسهم من التساهل في مقدمات ما يُوصِل إلى هذه المخدرات الفتاكة.. وإن تَنبَّه الأولياء من الآباء والأمهات، ولم يتساهلوا مع أولادهم حينما يكتشفون أنهم يتناولون شيئاً من الدخان أو من المضغات المفتِّرة أو المسكرة بأي صورةٍ من الصور كانت، أيضا من ما نفهمه من هذه الآية الكريمة أنه لا سبيل إلى التخلص من هذه العادات إلا بالتعلق بالله سبحانه وتعالى، التعلق الذي يؤدي إلى طاعته عز وجل، وطاعة رسوله محمد-صلى الله عليه وسلم-في ما جاء به من ما يؤدي بعد ذلك إلى أن يعي المسلم حقيقة ما يمكن أن يؤول إليه أمره حينما يسير في هذا الطريق المظلم، فيُبدِّد ذلك كله بالأمل والرجاء، وبحسن المتاب، وبالإقبال على الله سبحانه وتعالى، وبالعودة إلى رياض الإيمان الرحبة الواسعة الظليلة الأرجاء.

مقدم البرنامج: طيب فضيلة الشيخ أنتم ذكرتم الآن أن مجموعةً من المقدمات هي التي مهدت وجود مثل هذه الصور أو الحالات من الإدمان، إذا كنا نحن نتحدث عن هذا الموضوع الآن ونحن في شهر رمضان المبارك هناك فئة من الناس ترى أن هذه المقدمات جزءٌ من شخصيتها ولكنها في نفس الوقت أيضا تجعل في قرارة نفسها أنها تريد الإقلاع فيمتنع الواحد منهم في رمضان طوال النهار حتى إذا ما جاء الإفطار أسرع إلى تناول هذه الأمور أو هذه المقدمات، ويقول حسب كلامه أنه لا يجد صبراً عنها، رغم أنه قد استطاع الصبر ساعات طويلة، كيف يهيئ الإنسان نفسه ويرتب وقته استغلالاً لهذا الشهر الكريم بحيث يُقلِعُ عن مثل هذه العادات السيئة؟

الشيخ كهلان: نعم، وهذا هو مدخلنا لحلقتنا ولموضوعنا اليوم بإذن الله عز وجل، فلئن كنا قد قدَّمنا فَهْمَاً للآيات التي أنصتنا إليها من كتاب الله عز وجل وأن مردَّ ذلك إنما يكون أولاً إلى الإيمان فإن الصيام إنما يكون ترجمةً لذلك الإيمان، فإن رسول الله-صلى الله عليه وسلم-يقول: “من صام رمضان إيماناً واحتساباً غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه”، وهذا يعني أن الذي يتحصل على نتائج الصيام وآثاره إنما هو ذلك الذي يصوم إيماناً واحتساباً، فيكون صومه بعد ذلك موافقاً بإذن الله عز وجل للصوم الشرعي الصحيح الذي يُبلِّغه التقوى ويُنيله ثواب الله عز وجل ومرضاته، ولذلك فإنه من حيث امتثاله لأمر الله عز وجل بالصيام بإذن الله عز وجل سوف يتمكن أيضا من أن يمتثل فيتقي هذه الخبائث المحرمة، إذاً نحن نتحدث عن جانب المعتقد.. عن جانب الإيمان بالله عز وجل ومقتضيات هذا الإيمان أولاً، ثم من حيث التطبيق هو ما أشرتم إليه فهو يمسك عن سائر المباحات من طعامٍ وشرابٍ وجماعٍ من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس من ما يعني أنه بإذن الله عز وجل مع وجود تلك العقيدة في نفسه ومراقبة الله عز وجل والحرص على نيل ثوابه سوف يتمكن من أن يمنع نفسه من هذه الخبائث، فلئن كان قادراً على أن يُلزِم نفسه الامتناع عن ما هو في الأصل طيبٌ مباح فمن باب أولى أن يكون قادراً على أن يمتنع عن ما هو خبيثٌ مُحرَّم؛ ولذلك فإن رمضان يكون بمثابة الدربة له على أن يُعوِّد نفسه على الامتناع عن هذه المحرمات، وإذا كان يصوم ساعات النهار ويستطيع أن يمتنع عن هذه الخبائث وعن هذه المحرمات فليوقن أن باستطاعته بإذن الله عز وجل أن يتخلص منها في ساعات الإفطار أي في ساعات الليل.

ونحن كنا قد قلنا في الحلقة السابقة أنه ينبغي للمدمن أن يستعين أيضا بالمختصين من الأطباء والمختصين بالصحة العامة أيضا وفي الإقلاع عن هذه المخدرات أن يستعين بهم لأجل التخلص من هذه العادة الذميمة؛ لأن بعض هذه المخدرات لا يمكن التوقف عنها فجأة، وقد استغرَب بعض المستمعين من هذا الكلام وقال: هل يعني هذا أن يُباح لهم أن يستمروا في تناول المخدرات؟! والجواب: نعم؛ فإن هذا ساعتئذٍ لا يكون من باب تناول المخدرات، وإنما يكون من باب التداوي، والتداوي في حالة.. أي يباح ضرورةً أن يَتناول ما يقيه الهلكة، وأن تُخَفَّفَ الجرعات تباعاً وبالتدريج حتى يتمكن من التوقف النهائي، فهو في حالةٍ من التداوي والاستشفاء وطلب العلاج فيباح له ذلك على أن يكون لاشك-كما قلتُ-بإشرافٍ من المختصين من الأطباء المتخصصين في هذه الجوانب.

نعود إلى موضوع رمضان، قلنا أنه في جانب العقيدة.. في جانب الإيمان ثم في جانب الدربة على الامتناع والكف إلا أن نفحات رمضان لا تقف عند ذلك الحدّ؛ لأن رمضان يهذب السلوك، ويرتقي بطباع هذه الإنسان؛ ولذلك فالصائم مطلوب منه أيضا أن يُعوِّد نفسه على الأخلاق الفاضلة المستقيمة وذلك لا يكون إلا أيضا بأن يُلزِم نفسه هذه الأخلاق، فيصبر على الأذى، ويصبر على أداء هذه  الطاعة، ويصبر على آلام الجوع والعطش، وعلى النصب والتعب، من ما يعني أنه أيضا سوف يجد فرصةً أخرى سانحةً له تعينه على أن يُعوِّد نفسه على أن يتخلص من هذه الآفات، ثم إن رمضان شهر التوبة والغفران، ولذلك فإن أبواب الغفران مشرعةٌ مفتوحةٌ لكل من قصدها، فما أحرى المسلم الذي وَقَعَ أو الذي أتى شيئاً من هذه المخدرات أو صار مدمناً لهذه المخدرات أن يسكب العبرات في هذا الشهر الفضيل، وأن يُقبِل على ربه تائباً نادماً، وأن يجدد الأمل في نفسه؛ لأن بعض المدمنين قد وصل أو شارف حدَّ الإياس والقنوط الذي يمكن أن يؤدي به-كما قلنا في الحلقة السابقة-إلى اتباع وساوس الشيطان في التخلص من هذه الحياة كما يُصوِّر له، فيقتل نفسه فيزداد والعياذ بالله بعداً عن الله عز وجل، بينما رمضان فرصةٌ سانحةٌ للتوبة ولطلب المغفرة من الله سبحانه وتعالى، وما على المسلم إلا أن يبادر ويغتنم هذه السانحة، والله عز وجل قد وعد من قصده تائباً بالمغفرة، ووعده بالقبول وإقالته من عثرته.

مقدم البرنامج: والحقيقة أيضا فضيلة الشيخ لو قُدِّر للإنسان أن يصوم يوماً كاملاً أي النهار والليل لامتنع عن التدخين.. لكان قادراً على الامتناع؛ ولكن الإنسان تُسوِّل له نفسه فيجعل فقط مجموعة ساعات هي الفاصل بينه وبين التدخين بعد ذلك يأتيه، ثم يتعلل ويقول: أن جسمي لا يحتمل أكثر من هذه الساعات فمباشرةً أبدأ به.

الشيخ كهلان: نعم، وكما تفضلتم بأنه إن كان جسمه قد احتمل أغلب اليوم-خاصة نحن الآن في الصيف فنهارنا أي صيامنا أطول من الليل-فلئن كان تمكن من طلوع الفجر إلى غروب الشمس من الامتناع والكف عن ما كان قد اعتاد عليه فإن ذلك يدل على أنه قادرٌ على أن يمتنع سائر اليوم، على أن هناك باباً آخر أيضا نريد أن ننبه عليه من ما يتصل برمضان، وهو أن رمضان شهر الذكر، والذكر يَصرِف الإنسان عن وساوس الشيطان، فسواءً كان هذا الذكر تلاوةً لكتاب الله عز وجل أو دعاءً وابتهالاً لهُ جل وعلا أو أنواع الذكر الأخرى المختلفة فإن هذا سوف يملأ قلبه انشراحاً، وسوف يجد في صدره لذة هذا الذكر، وسوف يعينه على أن يكون يقظ الضمير حي القلب، وأن يستشعر لذة هذه الأذكار والمناجاة والتبتل إلى الله سبحانه وتعالى، وأن أيضا يستفيد من ما يَذْكُرُ به ربه تبارك وتعالى، وأن ينتفع من مواعظ القرآن وزواجره وأحكامه وآدابه وأخلاقه وسِيَرِهِ وقصصه وأمثاله، كل هذه الأبواب إنما تُحَقِّقُ للمدمن ولمتعاطي المخدرات بشتى أنواعها من دخانٍ وخمورٍ ومخدراتٍ ومضغاتٍ إلى آخره تعينه بإذن الله عز وجل على الوصول إلى هذه الغاية التي تُنجِّيه بإذن الله عز وجل من عذاب الله في الآخرة، وتُنجِّيه أيضا من الأمراض والأسقام والخبائث في هذه الحياة الدنيا.

مقدم البرنامج: جزاكم الله خيراً فضيلة الشيخ.

قد ذَكَرَ أيضا بعض الناصحين أن الإنسان عندما تَحِنُّ نفسه إلى مثل هذه العادة السيئة خاصةً مثلاً بعد الإفطار عليه أن يقوم بتمرين رياضي أو يقوم بعملٍ آخر أو يقوم بزيارةِ شخصيةٍ يخجل أمامها وهلم جر إلى أن يتمكن من الإقلاع عن هذه العادة.

الشيخ كهلان: هناك سؤال ليشاركنا به الجمهور، ولا حرج أيضا في تقديمه ريثما نستكمل نحن نقاطاً أخرى لعل بعض المشاركين يريد أن يُحَضِّر أو يُجهِّز نفسه للمشاركة في موضوع سؤال الحلقة الذي نريد أن نستمع فيه إلى آراء الإخوة والأخوات الذين يتابعون هذا البرنامج.

مقدم البرنامج: نعم، وهذا السؤال هو: ما الذي يمكن أن تقترحوه لمكافحة المخدرات وحفظ أفراد المجتمع من شرها؟ ماذا تقولون للمتعاطي للمخدرات أو للمدمن أو للأسرة أو للمؤسسات المعنية؟ إذاً هذا السؤال نكرره على مستمعينا الأكارم أيضا حتى نتعرف على أجوبتهم.. حتى نتعرف على تجاربهم.. حتى نتعرف على وجهات نظرهم.

مداخلة متصل: الموضوع شيق، ومهم جداً للغاية، وأنا عندي تجربة شخصية أحببت أن أشارك بها:

أنا قبل ما يقارب العشرين سنة كانت لي محاولات للإقلاع عن التدخين، وكانت نيتي بتركه قوية، فحاولت مرةً وفشلت، ثم حاولت مرةً أخرى وبسبب أصدقاء السوء فشلتُ أيضا، ومرةً من المرات عزمتُ عزيمة قوية وقلتُ لابد أن أجد حلاً لهذه المسألة لأني فعلاً أنا كاره لكن كان شياطين الإنس والجن بالمرصاد، وفي أحد الأيام عزمتُ الذهاب لأداء العمرة ونويتُ أني مباشرة بعد أن أخرج من عمان إن شاء الله أُقلِع عن التدخين؛ وسبحان الله في منتصف الطريق أحد الركاب جرها لي-أي السيجارة-مرة أخرى! وذهبنا إلى مكة ثم في مكة أيضا سبحان الله بعد أداء المناسك مرة أخرى عدتُ إلى التدخين! وأنا تضايقتُ من هذا الأمر، فسبحان الله في مرةٍ من المرات الله هداني وأنا أمام الكعبة بعد الطواف أن نويتُ بأني إذا عدتُ إلى التدخين أن أصوم شهرين متتالين كنوع من الإلزام، وسبحان الله كان هذا هو المخرج من هذه الآفة، والتي نسميها آفة فعلاً في الجسم، والصحة، وفي المجتمع، فهذه القصة حاولتُ أن أشارككم بها، وعسى الإخوة يستغلوا هذه الفرص بحيث يُلزم الواحد منهم نفسه شيئاً من هذه النُّذر التي قد تساعده على الإقلاع.

مقدم البرنامج: فقط عندنا سؤالان مهمان في هذه القضية؛ بغية الاستفادة منها:

عندما كنتَ نويتَ الإقلاع ثم عدتَ إليه تُرى ما الذي كان يَجُرَّكَ إليه، هل هناك شيءٌ تشعر به في جسمك أو أن المسألة تعود إلى عادةٍ غير قادر على التغلب عليها؟ هذا السؤال الأول.

السؤال الثاني: بعد أن عزمتَ على صيام شهرين متتابعين هل راودتكَ الفكرة مرةً أخرى أم أنها اختفت تماماً؟

المتصل: جزاك الله خيراً، أنا أبدأ من السؤال الثاني:

والله راودتني الفكرة أكثر من مرة، وحتى أني كنتُ أرى في المنام في بعض الأحلام أني قد نقضتُ نذري وأنه الآن يمكنني التدخين، سبحان الله كانت تراودني بأساليب رهيبة لا تتصورها، وحتى وصل بي الحال أن أسأل أهل الفتوى أنه هل فعلاً يلزمني الشهرين المتتابعين، فكان الجواب (نعم؛ لأنك أنتَ ألزمتَ نفسكَ..) ففعلاً راودتني الفكرة، وهذا يجرني إلى السؤال الأول أن أكثر شيءٍ دعاني إلى التراجع عن الإقلاع هو الجلساء والصحبة الذين تعودتُ إذا جلسنا مع بعضنا على التدخين، بالرغم أني لم أكن من المدخنين الذين يدخنون صندوقاً كاملاً من السجائر في اليوم وإنما مثلاً بعد الأكل.. أثناء شرب الشاي.. أثناء جلسة مع الأصحاب؛ لكن رغم ذلك كنتُ متضايقاً من الأمر، فأكثر شي يساعدك على التخلص من هذه المشكلة هو أنه يجب تغيير البيئة التي كانت مصاحبة لك في هذه العادة.. يجب أن تُغيِّر هذه البيئة، مثلما تفضلتَ أيضا أنتَ في بداية الحلقة أنه يجب عليك أن تعزم، وأيضا تستشعر مخافة الله سبحانه وتعالى، وأن أيضا هذا يجرح بعض إيمانك.. يجرح بعض عبادتك.. يجرح بعض سلوكك، فهذا يجب استشعاره، والتيقن منه، والتصديق عليه يقيناً أن هذا شيء ضار في دينك، وفي صحتك، وفي مجتمعك، وتؤذي أهلك.. تؤذي زوجتك.. تؤذي أولادك، ربما جاملك الناس لكنك في النهاية أنت رجل مؤذٍ، وخاصة صراحة الآن-الحمد لله-نرى أن الأغلبية تُقلع عن هذه الآفة، فلذلك أنتَ مؤذٍ، وإذا جاملك الناس فليس معنى ذلك أن هذه رخصة لك بأن تؤذي خلق الله والمجتمع.

مداخلة متصل آخر: بالنسبة للمؤسسات عليها أن تَمنَع تصدير هذه الأشياء وإنتاجها؛ لأنها تتسبب في تعاطي الكثير من متعاطي المخدرات هذه المادة، لكن عندما تكون هذه المادة أساساً ممنوعة فلن يتعاطاها أحد.

مقدم البرنامج: هي ممنوعة.. المخدرات لا شك أنها ممنوعة..

المتصل: ممنوعة، لكن كيف تُصدَّر؟ المؤسسات تصدرها سواء كانت من الخارج أو من الداخل، بالنسبة للأسر عليهم أن يعظوا ويحذروا أبناءهم بأن لا يتعاطوا مثل هذه المخدرات؛ لأن نتيجتها ستكون حتمية فالنهاية إلى الموت والعياذ بالله.

مقدم البرنامج: هي الحقيقة ليست مؤسسات هذه التي تُهرِّب المخدرات، إنما هي أفعال أفراد وعصابات تُدَارُ ربما من مكانٍ بعيد.

مداخلة متصل ثالث: بالنسبة لسؤال الاقتراح في ما يخص التدخين والأشياء التي يستخدمونها كالمضغات لاحظتُ أن العادة هذه تأتي أكثر شيء من المدارس، أنا كنتُ أَدْرُسُ في ثانوية كانت العادة منتشرة فيها وخاصةً المضغات، فأحد الوسائل هو التركيز على المدارس..

الشيخ كهلان: أخي لا شك أن المدارس لا توفرها.. ليست هي المدارس.. فالمدارس تكافحها؛ لكن من أين أتت؟ الطلاب بأنفسهم يشترونها من الأسواق؟ الطلاب يتبادلونها في ما بينهم؟ وهل يعتبرون ذلك من مظاهر الرجولة مثلاً حتى يتعاطوا مثل هذه المضغات؟ أو تقليد فقط مجرد تقليد أو عبث؟

المتصل: الحقيقة مثلما تفضلتَ أن الذي يستخدم هذه الأشياء يعتبر ذلك كنوع من الرجولة أو كمال رجولة، والمدرسة طبعا ليست هي التي توفرها، ولكن يمكن أن تُوجِد أنظمة أو قوانين صارمة؛ لأننا نلاحظ أن العادات هذه منتشرة كثيراً بين الطلبة، وقد يكون سبب انتشارها لسهولة الحصول عليها حيث توجد أماكن ومحلات معروفة توفر هذه المضغات وغيره.

مقدم البرنامج: أي نستطيع أن نسميها السوق السوداء في أوساط الطلاب أي يهربها بعضهم لبعض.

المتصل: نعم.

وإذا كان في المدرسة قوانين صارمة فإنه بسهولة يمكن معرفة الطلاب الذين يستعملون هذه المواد أي يمكن بطريقة معينة أن يتوصلوا لهؤلاء الطلاب.. فمن هذا الباب.

مقدم البرنامج: إذاً أنت ترى أن موضوع المدرسة موضوعٌ مهم لابد أن يُلاحَظ فيه الطالب ملاحظةً جيدة حتى يتمكنوا من إصلاحه قبل خروجه إلى المجتمع؟

المتصل: نعم.

مقدم البرنامج: فضيلة الشيخ تعليقٌ بسيط على مكالمة المتصل الأول..

الشيخ كهلان: لا.. على المكالمات..

الآن الظن بأن الأمر يحتاج إلى قوانين وأن هذه القوانين سوف تكون كفيلة بمكافحة هذه العادات.. بمكافحة الإدمان وتعاطي المخدرات والإتجار في المخدرات ليس بدقيق هذا الظن، وإلا لكان اختفت هذه المخدرات؛ لأن القوانين موجودة، وأيضا الجهود تُبذَل لأجل التصدي لمن يروج المخدرات ويتاجر فيها، لكن ما ينبغي أن نفهمه جميعاً هو أن الذي نحتاج إليه هو حقيقة غرس الإيمان والخوف من الله سبحانه وتعالى، الخوف من عقابه بارتكاب هذه المحرمات، الضمانة الوحيدة التي يمكن أن تُحصِّنَ شبابنا وفتياتنا هي الاستقامة، وحسن التدين، ووثيق الصلة بالله سبحانه وتعالى، أما إذا اختفى الإيمان من النفوس، واختل سلوك الفرد فكان مخالفاً لهدي هذا الدين ومراشده فلن تُعجِز هذا الإنسان اليوم السبل للحصول على هذه المواد التي يطلبها، سوف يجدها كما أشرتم من السوق السوداء، وهذا هو الحاصل، لكن متى ما تمكنا من غرس واعز الإيمان سواءً كان قَبْلاً للتحصين من خطورتها، وحشدنا لذلك أيضا كل الجهود لبيان كل الأضرار المتعلقة بها وبيان طبعا لا شك أولاً الأحكام الشرعية، كما قلتُ نحن أيضا لا يمكن الالجتزاء ونقول نتحدث عن المخدرات كالحشيش والكوكايين وغيرها وننسى الدخان والخمور لا.. لا يمكن، هذه المعالجة تحتاج إلى معالجةٍ تامةٍ جذريةٍ، لا يمكن أيضا أن نتحدث عن التدخين ولا نتحدث عن الشيشة، هذه كلها تعاطيها لا يجوز، وبالتالي الإدمان عليها هو من باب أولى محرم، وهنا لابد أن تكون برامج لتوعية الناس، سواءً كانت من حيث الجوانب الصحية أو العقلية والنفسية والشرعية-لا شك-وغيرها من الجوانب، كل هذه الجهود تتظافر لأجل غرس الوقاية بدايةً.

أما بالنسبة لمن وقع ويريد أن يتخلص فهنا أيضا لا ينبغي أن يَنظُر المجتمع إلى هذا الذي لعله لا يزال في نفسه بقية لا يُنظَر إليه على أنه مجرمٌ لا سبيل له إلى طريق الخلاص لا، لابد أن يَتَعامَل المجتمع بأسره تعاملاً واعياً راشداً بحيث يعان هذا على التوبة، وعلى الإقلاع، وعلى ترك الإدمان، والعودة إلى طريق الهدى والرشاد.

مقدم البرنامج: هو الحقيقة هذا الموضوع يحتاج إلى المزيد من التوسعة، ويحتاج أيضا إلى مزيدٍ من الطرح، نقف نحن الآن مع هذا الفاصل ثم نعود لمواصلة هذا الموضوع.

*******************************

عن أبي هريرة عن رسول الله-صلى الله عليه وسلم-أنه قال: “قال الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حيث يذكرني، والله لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم يجد ضالته بالفلاة، ومن تقرب إليَّ شبراً تقربتُ إليه ذراعاً، ومن تقرب إليَّ ذراعاً تقربتُ إليه باعاً، وإذا أقبل إليَّ يمشي أقبلت إليه أهرول”.

مقدم البرنامج: فضيلة الشيخ ورد في مكالمة الأخ المتصل الأول أن السبب الذي كان يدفعه إلى العودة إلى العادة السيئة بعد أن عزم على الإقلاع عنها هم رفقاء السوء، هل لكم تعليقٌ في هذا؟

الشيخ كهلان: نعم، وهو أيضا ما أشار إليه المتصل الثالث أيضا لما قال طلاب آخرون يقومون بالترويج والتقليد، والحقيقة أن مسألة القرناء هي مسألة غاية في الأهمية لمن أراد أن يتجنب.. أن يتقي بدايةً أو أن يُجنِّب أولاده أو لمن أراد أن يُقلِع إن كان قد وقع، لابد من اختيار الرفقة الصالحة التي تعينه على تجنب هذه الخبائث، وعلى ترك هذه الخبائث، إذ تبدأ المسألة هكذا بمجاملاتٍ فيدعونه إلى شرب سيجارة-إلى تدخين سيجارة-أو يدعونه إلى مضغةٍ أو يدعونه إلى شمَّةٍ أو إلى أي شيءٍ من وسائل تعاطي المخدرات فحتى لا يقال بأنه مختلف عنهم ويجامِل.. لا، هذه القضايا لا تحتمل المجاملة، وهذه القضايا إن وَجَدَ مثل هذه المبادرات من قِبَلِ رفقائه وقرنائه فليَعلم أنها رفقة سوء، وأنهم قرناء الشيطان-والعياذ بالله-، وأن عليه أن ينصحهم فإن لم ينتصحوا تركهم واختار غيرهم من الرفقاء الصالحين الذين يدعونه إلى الخير وإلى الصلاح وإلى الاستقامة، لابد من ذلك كما قلتُ سواء كان للحصانة والوقاية أو كان للتجنب والترك والإقلاع لابد من ذلك.

ونحن الآن أيضا من خلال التجربة الشخصية لأخينا المتصل الأول فَهِمنَا أيضا أن المسألة ليست كما يظن البعض أن الإقلاع هذا أمرٌ يسير ونحن نعلم أنه ليس بالأمر اليسير، وإنما تجد إذا كان بلغ الأمر أنه تراوده حتى في أحلامه.. يصل الأمر إلى هذا الحد! فنحن نشد على يد هذا الذي يرغب في الإقلاع في أن يكون ذا حزمٍ، وأن يكون ذا عزيمةٍ، وأن يتمسك بحبال التوبة الصادقة النصوح، وأن يستعين بذكر الله عز وجل، وأن يلجأ إلى الصالحين الذين يعينونه على ترك هذه الأمور، وأن يُجهِد أيضا نفسه بالأعمال الدنيوية التي تَصرِفُ نفسه عن مثل هذه الوساوس.

مقدم البرنامج: سؤال أخير حول هذا الموضوع: قد يلجأ بعض الرفقاء وخاصةً ذلك الكبير الذي استطاع أن يؤثر في الآخرين من خلال جاذبيته.. من خلال ممارسته لمجموعةٍ من الطرق خاصةً أنه يأتي في بعض الأحيان إلى الذي يفكر في الإقلاع فيجعله في وسط أصدقائه ثم يسكب عليه من العبارات حتى يجعله حقيراً في نفسه وليس له سبيل سوى أن يعود إلى ما كانوا عليه، كيف يُلبِس الإنسان نفسه لباس العزة، ويُكسِب نفسه شخصيةً تستطيع أن تقاوم مثل هذا التيار من الإغراء؟

الشيخ كهلان: نعم.. لابد أن يَلبَس ثوب العز إنما يكون بالتمسك بتعاليم هذا الدين، وتمثل حقيقة الإيمان الذي يدين به هذا الإنسان، ومعرفة أن ريب المنون يمكن أن يفجؤه في أي لحظة، وبالتالي لا يتمنى عاقلٌ أن يهجم عليه هادم اللذات وهو في لحظةٍ كما يُقال بين قوسين في لحظة نشوةٍ من مخدراتٍ أو من مسكرٍ أو من دخانٍ تناوله أو شيشةٍ رشفها، بل يتمنى الإنسان العاقل أن ينقلب إلى الله عز وجل وهو في حالة خيرٍ وصلاحٍ حتى يجد النعيم المقيم بإذن الله عز وجل؛ ولذلك فلا يمكن له أن يحقق العزة والشخصية التي يمكن أن يُقتَدى بها لا يمكن له أن يحقق ذلك بتناول هذه الخبائث والتمرغ في أوحال هذه الدنايا، ولئن كان في وقتٍ من الأوقات السابقة كان يُصَوَّر المفكرون والأدباء والرواد الذين يُبهَر بهم الناس يُصَوَّرون وهم يرتشفون السجائر أو أنهم يتناولون كؤوس الخمر فما عادت الصورة أيضا كذلك، حتى لو تحدثنا بالمعايير الدنيوية التي تستهوي الشباب اليوم ما عادت كذلك، بل عاد الآن المثقفون والأدباء والطليعة من أهل الفكر يترفعون عن هذه الخبائث، ويَعلَمون أضرارها وشرورها، وصارت النسبة في تزايدٍ في المجتمعات الأكثر أمية، وهذا ما ينبغي أن نتنبه له أيضا أن الأمية تجلب معها مثل هذه، مع أن الأمية تجلب الفقر إلا أنها أيضا تجلب هذه الخبائث؛ ولذلك فالعلاج من قِبَلِ الجميع من مؤسساتٍ ومن أسرةٍ ومن أفرادٍ لابد أن يتجه صوب كل هذه الجوانب والزوايا.

مقدم البرنامج: جزاكم الله خيراً فضيلة الشيخ، نصل الآن إلى نهاية هذه الحلقة لأن الوقت قد انتهى، شكراً لكم فضيلة الشيخ..

الشيخ كهلان: جزاكم الله خيراً.

مقدم البرنامج: شكراً لكم أعزاءنا الكرام على المتابعة وعلى المشاركة أيضا، ونلقاكم كما قلنا بإذن الله تعالى في الحلقة القادمة، إلى ذلك الحين نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

انتهت الحلقة