العناية بالصحة

عنوان الحلقة “العناية بالصحة”

بثت في:

17 / ذو الحجة / 1429هـ

15 / ديسمبر / 2008 م

مقدم البرنامج: بسم الله الرحمن الرحيم.

أيها الإخوة والأخوات السلام عليكم جميعا ورحمة الله وبركاته، وأهلا ومرحبا بكم في هذا اللقاء الجديد الذي نتحدث فيه اليوم بإذن الله تعالى عن “العناية بالصحة”، وهو عنوان مهم كما تلاحظون، ونرغب مع هذه الأهمية أن تكون هناك مشاركات مهمة أيضا.

 يتفق العقلاء في العالم كله على ضرورة الصحة وأنها من الضرورات الخمس في هذه الحياة، لكن حظوظهم في العناية بها تتفاوت، فمنهم من يُغَلِّبُ عليها الرغبات والشهوات والأهواء فيأكل ويشرب ما يضر بصحته ويتلف عقله، وهناك من يبالغ في المحافظة عليها إلى الحد الذي يحرم فيه نفسه من بعض المأكولات الطيبة، أما الإسلام فقد وضع ميزانا عدلا في هذا الموضوع، وأمر الناس أن لا يسرفوا في الأكل والشرب، وجاء بنظام عجيب في المحافظة على الصحة.

هذا النظام نتعرف عليه بإذن الله تعالى من خلال حوارنا مع الشيخ الدكتور “كهلان بن نبهان الخروصي” الذي يحدثنا عن جوانب مهمة في الإسلام عندما يتحدث عن الصحة وعن العناية بها، حتى يكون هذا الحوار ثريا بإذن الله تعالى ، فضيلة الشيخ الدكتور إننا لمسرورون اليوم معك في هذا اللقاء ومسرورون أيضا بهذا العنوان الجميل الذي نتحدث فيه بإذن الله تعالى عن الصحة، فأهلا ومرحبا بك.

الشيخ كهلان: وأهلا وسهلا بك وبالإخوة والأخوات الذين يحرصون على متابعة هذا البرنامج الذي هو في حقيقته منهم وإليهم، وأنا باسمهم جميعا أيضا أخي نرحب بعودتك، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا جميعا إلى أن نستفيد من هذه الدقائق التي نقضيها سويا، وأن تغمرنا النفحات التي يتعرض لها من يتفيأ ظلال كتاب الله عز وجل ومدارسة العلم النافع، إنه تعالى على كل شيء قدير.

مقدم البرنامج: آمين.

 إذاً أيها الإخوة الكرام نبدأ بإذن الله تعالى حوارنا حول هذا الموضوع، وكالعادة نبدأ نتوجه بهذا السؤال لفضيلة الشيخ عن تعريف هذا الموضوع؛ لأنه كما يبدو غريبا للوهلة الأولى.

ما الذي يشتمل عليه من عناصر؟

وما الذي سنتحدث عنه؟

كذلك ما هي أنواع المشاركات التي ننتظرها من الإخوة الكرام؟

الشيخ كهلان: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد النعمة المهداة والرحمة المسداة وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:

فموضوع الصحة والعناية بالصحة من الموضوعات التي اهتم بها التشريع الإسلامي تأطيرا وضبطا وتنظيما لأجل تحقيق كل ما يؤدي بهذا الإنسان إلى صلاحه في الدنيا ذلكم الصلاح الذي يمكنه من عبادة الله عز وجل وعمارة هذه الأرض بحسب ما يرضي الله سبحانه وتعالى، والعيش فيها بأمان واستقرار وطمأنينة، فكان من الأولويات التي وجه إليها التشريع الرباني أحكامه وتعاليمه ما يتعلق بالصحة، وقد لا ينتبه – فعلا- كثير من الناس إلى أن هناك منزلة أعطيت للصحة في التشريع الإسلامي في الآيات القرآنية أو في أحاديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم- ويحسبون أن موضوع الصحة والاهتمام بالصحة إنما هو أمر فطري يعود إلى عادات الناس أكثر من أن يكون عبادة ومن أن يكون هناك تأصيل شرعي لهذا الموضوع، ونحن هنا اليوم نحاول أن نبين لهم بعض أو أن نلفت انتباههم إلى ما يعرفون في الحقيقة، ولكن نريد أن نركز على هذا الذي يتميز به التشريع الإسلامي ونحن نتحدث عن دين وسطي يُعنى بكل جوانب هذا الإنسان العقلية والمادية والروحية والعاطفية وغيرها، ويوجهها توجيها؛ لكي تكون على صلاح واستقامة؛ فلذلك نريد أن نتعرف على هذه الجوانب مما يتعلق بالصحة.

 وهنا سوف -حتى نقرب أيضا الموضوع للإخوة والأخوات الذين يرغبون في المشاركة- سوف نتعرض للصحة البدنية بمفهومها الذي يعرفه الناس، كما أننا سوف نتعرض أيضا للجانب المعنوي من الصحة أو للصحة النفسية – إن جاز التعبير- مع مرور سريع للجانب العقلي (للصحة العقلية) أيضا وما ورد من تشريعات في كتاب الله عز وجل وفي سنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – القولية والفعلية والتقريرية مما يتصل بهذه الجوانب كلها؛ وبالتالي يتبين أيضا الصلة بين هذا الموضوع وبين الإطار العام للبرنامج الذي هو “دين الرحمة”.

 فمن رحمة الله عز وجل بعباده أن ترفق بهم في هذا التشريع ودعاهم إلى ما فيه صلاح أحوالهم، ولو قورن وضع البشرية بشكل عام بعد بعثة رسولنا محمد – صلى الله عليه وسلم – بما كان عليه الوضع قبل البعثة (كل البشرية بمختلف المعتقدات والأديان التي ينتسبون إليها والثقافات) لوجدنا أن هناك تأثيرا لهذا الدين الحنيف على مستوى معتنقي سائر المعتقدات والأديان فيما يتعلق بجانب العناية بالصحة.

مقدم البرنامج: نعم، وهذا بإذن الله تعالى سنتعرف عليه أيضا تفصيلا من خلال الأسئلة التي نتوجه بها إليكم عن هذا الموضوع.

 الآن شيخ كهلان بشكل ربما أكثر تركيزا نريد أن نتعرف على منزلة الصحة في الإسلام وأهمية العناية بها (أين نجد هذا الأمر، وبأي صورة؟)

الشيخ كهلان: نجد ما يتعلق بالعناية بالصحة في كتاب الله عز وجل من خلال ألفاظ قد لا ينتبه الناس إلى أنها تدل على الصحة، بينما هي في حقيقتها تدل على القوة البدنية.. تدل على الصحة البدنية التي هي في ذاتها – لا ريب – نعمة من نعم الله عز وجل، فإذاً هذا هو المدخل الأول؛ ولذلك امتن أو ذَكَّر بعض الأنبياء أقوامهم بهذه المنة عليهم، كما في سورة هود عندما خاطب نوح – عليه السلام – قومه وقال: {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ} (هود:52)، فهو يذكرهم بنعمة الله عز وجل عليهم أن جعلهم أقوياء، أي – أصحاء في أبدانهم -، وثم بعد ذلك مع تذكيرهم بهذه النعمة يبين لهم بما سوف يؤول إليه أمرهم حينما يستقيمون على منهج الله عز وجل ويستغفرونه ويتوبون ويؤمنون بالرسل فلذلك يقول: {…وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ…}، فكلمة “قوة” نقرأها نحن في كتاب الله عز وجل ولا ننتبه في كثير من الأحيان إلى دلالاتها ومضامينها، فهي دلالة صريحة يكاد تكون أصرح من موضوع الصحة؛ لأن غاية أو أعلى سلم الصحة إنما يكون في القوة.. حينما يكون المرء قوي ذكرا كان أو أنثى فهذا يعني أنه صحيح في بدنه، وهذا المعنى أيضا استخدم في القرآن الكريم في سورة الأنفال حينما خاطب الله عز وجل هذه الأمة بقوله: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ…} (الأنفال:60).

 هذا الإعداد أو هذا الاستعداد الذي أمر الله سبحانه وتعالى به في هذه الآية الكريمة عُبِّرَ عنه بهذا المصطلح {…مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ…}، ولا يمكن أن تتأتى القوة دونما قوة لدى الأفراد وصحة في أبدانهم؛ ولذلك استخدمت هذه الكلمة في سياق التنكير للدلالة على عمومها كل أنواع القوة.

مقدم البرنامج: تشمل كل قوة.

الشيخ كهلان: كل أنواع القوة نعم (منها الصحة البدنية التي هي – كما قلت – ملاك ما يمكن أن يتحصل عليه الفرد والمجتمع من قوة )، ثم حينما نقرأ أيضا قول الله سبحانه وتعالى في قصة موسى – عليه السلام -: { قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ } (القصص: 2)، فلفت انتباهها قوة سيدنا موسى – عليه السلام – وكانت من ضمن الخصال التي نصت على ذكرها حينما خاطبت شعيب – عليه السلام – أو حينما خاطبت أباها – عليه السلام – فبينت أن في كونه قويا سببا لأجل استئجاره مع كونه أمينا مما يعني أن الإنسان يُقَدِّرُ هذه الخصلة في الناس، والقوة لا تتأتى إلا – مرة أخرى كما قررنا – إلا لمن كان صحيح البدن، فإذاً حيثما نجد كلمة القوة فإنها لا شك تدل في مضمونها على موضوع الصحة ناهيك بعد ذلك للتوجيهات المباشرة التي جاءت في كتاب الله عز وجل مما يتعلق بما فيه تحقيق أو بما فيه ما يحقق لهذا الإنسان أن تتأتى.. تتحصل له القوة التي يحتاج إليها.. الصحة التي يحتاج إليها.

 خذ على سبيل المثال ما يتعلق بأحكام الطهارات الواردة في كتاب الله عز وجل، أي – هذا التنزه من الخبائث ومن النجاسات الذي جاءت به شريعتنا الحنيفية السمحاء إنما هو سبب رئيس في أن تتحصل للناس الصحة والقوة؛ لأن أغلب أسباب الأمراض إنما تكون بسبب إهمال الصحة كما يقرر العلماء ليس في هذا العصر فقط وإنما منذ عصور-.

 خذ على سبيل المثال ما أشرت إليه أيضا – بارك الله فيكم – في المقدمة من موضوع الطيبات التي أباحها الله سبحانه وتعالى لعباده مع أمره بأن يتوسطوا فلا إسراف ولا تقتير، بل إن الله عز وجل نعى على أولئك الذين يحرمون طيبات ما أحل الله تعالى لهم، وأيضا التشريعات النبوية التي جاءت في هذا السياق فيما يتعلق بالمأكل والمشرب.. فيما يتعلق بالبعد عن الإسراف في كل شيء حتى في النوم ، نحن نتذكر حديث النفر الذي قال منهم من قال: “أما أنا فأقوم الليل ولا أرقد، وقال الثاني: أما أنا فلا أتزوج النساء أبدا، والثالث قال: أصوم الدهر ولا أفطر”، فالنبي – صلى الله عليه وسلم – اشتد غضبه على هؤلاء إلى حد أنه قال: “فمن رغب عن سنتي فليس مني” إلى هذا الحد!!

مقدم البرنامج: ووجود السنن التي تحدثتم عنها في تنظيم المأكل والمشرب إنما هي غايتهم هي المحافظة على الصحة – كما تفضلت -.

 يذكرني كلامكم في موضوع موسى – عليه السلام – أيضا فيما يتداوله الناس في الأمثال الشعبية أو في الكلام الدارج على كل حال إذا رأوا إنسانا يقوم بحمل شيء ثقيل يقولوا: ما شاء الله صحيح!!

الشيخ كهلان: نعم صحيح.

مقدم البرنامج: أي – يشيرون إلى صحته أكثر من إشارتهم إلى قوته على اعتبار التلازم -.

***********************************

 { وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ } (هود:52).  

مقدم البرنامج: الآن شيخ كهلان هذه الآية التي استمعنا إليها قبل قليل نريد أن تكشف لنا فيها عن بعض الجوانب المتعلقة بالصحة، وهل نجد هذا المعنى أيضا في مواضع أخرى من القرآن الكريم؟

الشيخ كهلان: قد سبق أنا ذكرت بعض الآيات القرآنية التي وردت فيها كلمة القوة للدلالة على الصحة البدنية، وهي أيضا توجد آيات أخرى غير هذه الآية التي أنصتنا إليها من سورة هود {…وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ}، على أن اللافت الذي أريد أن أضيفه في هذا السياق مع ما تقدم من بيان بعض الآيات القرآنية أيضا التي وردت فيها كلمة القوة للدلالة على الصحة أو للإشارة إليها على أن مما يحقق هذه القوة للناس جملة من الأسباب، وهي ليست كلها أسبابا مادية كما يظن كثير من الناس.

لننظر في السبب والنتيجة: { وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ…} فإذاً السبب هنا أو المطلوب منه هو الاستغفار والتوبة إلى الله سبحانه وتعالى، فماذا تكون النتيجة بعد ذلك؟

{…يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ…}

فإذاً ليس كل سبب القوة ماديا، بل إن من أسباب القوة…، أي – إن أردنا أن تكون (الصحة) هو تلك الأسباب المعنوية -، وسوف نتعرض أيضا لمزيد بسط حول الجانب المعنوي لكن لازلنا حول جوانب الصحة المعنوية أو النفسية،

 لكن لازلنا في هذه النقطة أن الاطمئنان.. طمأنينة القلب بذكر الله عز وجل وبالتزام أوامره سبحانه وتعالى والكف عن نواهيه هو من ضمن الأسباب التي تضمن للناس سلامتهم في أبدانهم.

التزام الواجبات والكف عن المحرمات – وهنا يستحضر الناس المحرمات منها المأكول أو المشروب أو كل ما حرم الله سبحانه وتعالى .

 حتى الأقوال والأفعال وسوف نأتي إلى أن حتى الأدواء النفسية الحسد والحقد والغل هذه أدواء أمراض تؤثر على قلب هذا الإنسان وبالتالي فهي تنهك له صحته، فالنار كما يقول الشاعر: فالنار يأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله.

حينما شبه الحسد بالنار فأثرها إنما يكون على صحة هذا الإنسان وسلامته، فإذاً هذه المعنويات أيضا هي مما يرجع خيرها ونفعها على الصحة البدنية للناس – كما تشير هذه الآية الكريمة -، وهذا المعنى أيضا حينما نتذكر أيضا وصية عمر ابن الخطاب – رضي الله تعالى عنه –  لسعد ابن أبي وقاص – قائد جنده – حينما حذره وجنده من اقتراف المعاصي لما تحدثه المعاصي من خلخلة (قد تكون هذه الخلخلة في بدايتها معنوية نفسية لكنها بعد ذلك تؤثر حتى ماديا)؛ فلذلك ينبغي للناس أن يدركوا أن في تعاليم الإسلام رحمة بهم، وأنها تحقق لهم صحة في أبدانهم، وسلامة لهم في عقولهم، وطمأنينة لهم في نفوسهم، هذا فضلا عن الأوامر والتوجيهات التي جاءت مباشرة في توجيه الناس نحو وسائل تتعلق بالصحة – كما أشرت إليها سابقا –  وسوف نذكرها باستطراد بمشيئة الله تعالى.

مقدم البرنامج: بمشيئة الله، وفي قوله تعالى: {…وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ…} هنا زيادة قوة على قوة، هل في ذلك ما يشير إلى أن القوة البدنية بحاجة إلى قوة (مثلا قوة الصحة) حتى تكون قوة بالفعل فاعلة في الحياة.. أن يكون لديهم قوة بدنية ولياقة كما هو معلوم؟

الشيخ كهلان: نعم، ولكنها تستعمل في غير الخير؛ ولذلك يأتي أيضا هذا التوجيه لأن هذه القوة حينما توجد فهي نعمة من الله عز وجل والنعمة تزاد بالشكر، والنعمة ينبغي أن يكون شكرها باستخدامها فيما وهب الإنسان لها من أجر، وهي – كما تقدم و كما يعرف الناس – هي عبادة الله سبحانه وتعالى، وعمارة هذه الأرض والصلاح والإصلاح فيها.

مقدم البرنامج: نعم، والآن ونحن نتحدث شيخ كهلان عن العناية بالصحة لعل المستمع الكريم والمستمعة يريدون منا أن نركز قليلا على جانب الصحة البدنية لأنها كما يبدو مهمة عند الجميع، والناس يحرصون على أن تكون أبدانهم سليمة وصحيحة كي يمارسوا أدوارهم في الحياة، إلى أي حد اعتنى الإسلام بها؟

 وهل من أمثلة تطبيقية تفصيلية فيما تجلت فيه تعاليم الإسلام؟

الشيخ كهلان: لنبدأ مباشرة في بعض الأمثلة التفصيلية.

 سوف أعمد هنا إلى أن أذكر النص الشرعي.. الدليل الشرعي أولا: حديث ” إن لجسدك – أو في رواية لبدنك – عليك حقا ” هذا صريح يضاف إلى ما تقدم من موضوع النفر الثلاثة الذين ذكرنا شأنهم وذكرنا ما قاله رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من هديه وسنته، فقوله: ” إن لجسدك عليك حقا ” هذه قاعدة قررها نبي مرسل من عند الله سبحانه وتعالى، فهي حديث نبوي،أي – صدرت هذه القاعدة في جو ديني إيماني وليست هي قاعدة لمن يريد أن يعتني فقط بجوانب مادية وبصحة وبعالم الأمراض والطب، لا-ز

 هي من نبي مرسل، فهي تشريع موافق لفطرة هذا الناس، أو هو هذا التشريع رد للناس إلى فطرهم التي خلقهم الله سبحانه وتعالى عليها  “إن لجسدك عليك حقا”، وهذا يعني أن يتداوى المريض، وأن يستريح المتعب، وأن يتنظف المتسخ، وأن يأكل الجوعان، وأن يشرب العطشان، وأن يحافظ على صحته.. على جسده بكل ما أباحه الله سبحانه وتعالى من وسائل، مع ذلك نجد أن – كما قلت – هناك ما يتعلق بتشريعات خاصة كما هو الشأن في موضوع النظافة فقول الله سبحانه وتعالى: {…إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} (البقرة: 222).

 هذه المنزلة التي رُفع إليها المتطهرين – الطهارة البدنية والطهارة المعنوية أيضا – هي منزلة رفيعة أن ينالوا شرف محبة الله سبحانه وتعالى لهم، وأن يقترنوا بالتوابين، وسبحان الله هذا الاقتران مرة أخرى كما رأيناه في سورة هود – عليه السلام – نجده مرة أخرى في آية سورة البقرة، وهذا المعنى من هذه المنزلة التي تبوأها المتطهرون أيضا ملحوظة في سورة التوبة في قوله تعالى: {…لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} (التوبة: 108)، ثم بعد ذلك لنأتي إلى أحاديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ،(وكما قلت أنا أختصر هنا وأكتفي بذكر هذه الأدلة الشرعية؛ لأن التعليق عليها وشرحها يحتاج إلى وقت ولازلنا نريد أيضا مشاركات من الإخوة والأخوات خاصة في هذا الموضوع ) لكن لنعتمد مرة أخرى حديثا يمثل قاعدة.. حديث: ” من أصبح معافى في بدنه، آمنا في سربه، معه – أوعنده –  قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها”.

ابتدأ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بقوله: “…معافى في بدنه…”، فإذاً المعافاة في البدن هي الصحة التي نتحدث عنها، وهذا المعنى أيضا نجده في سورة لإيلاف قريش في قوله تعالى: {…أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ} (قريش:4)، فحينما يمتن الله سبحانه وتعالى على عباده بسعة الرزق وبالعيش الرغيد الذي يعيشون فيه فإن هذا لا شك يظهر أثره على الناس أنفسهم.

 من أيضا الأدلة التفصيلية التي وردت في هذا السياق قول رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في حديث أبي هريرة الشهير : “خمس من الفطرة”، وعدد صلى الله عليه وسلم قال: ” تقليم الأظفار، وقص الشعر ونتف الإبط، وحلق العانة، والاختتان”.

 إذاً هذه أمثلة، وفي رواية أخرى: “عشر من الفطرة” وفيها: السواك، والاستنشاق بالماء، وغسل البراجم، الاستنجاء بالماء” إضافة إلى ما تقدم في الحديث السابق.

 هذه التوجيهات التي تناولت حتى هذه الأمور – كما قلت – التي قد يظن الناس أنها أمور فطرية لكن هذا الدين موافق للفطرة فجاءت لتقليم الأظافر وإزالة الشعر في الأماكن التي أمر الشرع أن يزال منها.. الاستنجاء.. التنظف، حتى كيفية الاستنجاء بينها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – .

 لكن لننتقل إلى موضوع لا يقل أهمية عن جانب النظافة على المستوى الشخصي وعلى مستوى الأفنية والبيوت، النهي عن الإسراف في الأكل (وهو قاعدة جليلة مما يتعلق بإقامة أود الإنسان على مقتضى قواعد الصحة والعافية) قوله تعالى: { يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ } (الأعراف: 31).

 وورد عند الترمذي حديث – الحديث الشهير -: “ما ملأ  آدمي وعاء شرا من بطنه”،  ثم قال: “بحسب ابن آدم أكيلات – أو لقيمات – يقمن صلبه…” إلى آخر الحديث.

مقدم البرنامج: نعم، وهذا الحديث أيضا سنقف على تعليقه إن شاء الله تعالى في نهاية هذه الحلقة.

مداخلة متصل: نرى أن الكثير من الناس يسعون وراء الصحة ولكن بسبب حياتنا في المجتمع على أن هناك ناس يعني أصحاب صحة جيدة وهم من الذين يكثرون العبادة والذين يكثرون من الصدقات وفك المعسرات كقرض الناس هناك فيه ناس يصابون ببعض الأمراض والعياذ بالله بالرغم من أن في ظاهر المرض هو مرض بسيط  لكن يذهب إلى أماكن كثيرة وينفق مئات الآلاف ولكن ما يحصل ذاك العلاج اللي يبحث عنه، فنعمة الصحة نعمة عظيمة وبعدين توجيه الشيخ الدكتور للأبناء الأطفال كيف هؤلاء الأطفال نقدر إنا ننميهم دائما على الصحة وعلى النظافة، كيف التوجيهات اللي نستطيع إنا نوجهها لأبنائنا الأطفال كي يكونوا في المستقبل قدوة للأمم الأخرى؟

مداخلة متصل: أود المشاركة ببعض النقاط.

 أولا: نحن نرى الكثير من الناس في المجتمع يعتنون بالصحة ولكن يجهلون في بعض الأحيان سببا مهما من أسباب الصحة والقوة وهو التقرب إلى الله تعالى والتزام طاعته، فكم رأينا في مجتمعنا أناسا أصحاب صحة جيدة بسبب كثرة العبادة ومعونة الآخرين وفك الضيق عنهم والتنفيس عن المكروبين.

ثانيا: تعد الصحة نعمة عظيمة من نعم الله تعالى ينبغي الحفاظ عليها، والمرء يدرك أهمية هذه النعمة عندما يرى من حُرموا من هذه النعمة من المرضى الذي يبحثون عن العلاج ويدفعون الكثير من الأموال لبلوغ هذه الغاية، فينبغي للإنسان أن يحافظ على هذه النعمة ويشكر الله تعالى عليها.

ثالثا: أطلب من الشيخ الدكتور توجيها في كيفية تنشئة الأطفال تنشئةً تجعلهم يعتنون بالصحة بل ويصبحون قدوة لغيرهم من الأمم في هذا الأمر.

مقدم البرنامج: أخي تريد أن تشير إلى أن طاعة الإنسان لربه وتقديمه للكثير من الطاعات والصدقات سبب لجلب الصحة بإذن الله؟

المتصل: نعم، أما بخصوص القوة طبعا القوة هذه تأتي من عند الله سبحانه وتعالى، ونفس الشيء من ناحية القوة فيه قوة خارقة هناك بعض الأحيان تأتي للشخص وإن كان ضعيفا كفي بعض الأحيان كفي نصرة الدين أو نصرة الحق أو رد المظالم أو ما شبه ذلك يعني تأتيه قوة خارقة هي في الأصل ما موجودة مع هذاك الشخص، معي؟

أثناء مثلا لو قدر الله سبحانه وتعالى أثناء الحوادث، أو أثناء الكوراث يعني تأتي قوة لذلك الإنسان المؤمن هو في الأصل في الحياة الطبيعية ما موجودة معه

مقدم البرنامج: شيخ كهلان ونحن نتحدث عن العناية بالصحة الأخ المتصل له بعض المداخلات نريد أن نستمع إلى تعليقها منكم ثم بعد ذلك نخرج بفاصل بإذن الله.

الشيخ كهلان: إن شاء الله تعالى.

متصل آخر: هل إصابة الإنسان بالمرض رحمة أم هي نقمة؟

مقدم البرنامج: تفضل الشيخ كهلان.

الشيخ كهلان: سنضيف إذاً اتصال المتصل الثاني إلى ما كنا نريد أن نعلق به على اتصالات الإخوة الذين شاركونا.

 أولا نحن هنا  نتحدث عن ما ينبغي للمسلم أن يشتغل به، أي  – ما أشار إليه مثلا المتصل الأول مما يتعلق ببعض الحالات الاستثنائية التي تظهر فيها بعض مخايل القوة الاستثنائية عند بعض الناس هو ليس بالموضوع الذي نتحدث عنه؛ ولذلك نحن لا نريد الناس أن يعتمدوا على أن تصيبهم مثل هذه التي سماها هو بالخوارق، لا، نحن الآن نتحدث فيما دعا إليه الإسلام الناس وما ينبغي لهم أن يحافظوا عليه مما يظن الناس اليوم أو كثير من الناس اليوم أنه لا دخل لدينهم فيه وإنما مرد ذلك إلى عاداتهم وطبائعهم وما يختارونه لأنفسهم بينما الأمر ليس كذلك؛ لأن حتى الفرائض التي يؤديها الإنسان.. التي يؤديها المسلم تحتاج إلى صحة، فحينما يؤمر بالصلاة وبالصيام وبالحج وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبالبر والإصلاح وغير ذلك هذه كلها لا يتأتى له أن يقوم بها إن كان ضعيفا في بدنه -.

مقدم البرنامج: هو أشار إلى نقطة مهمة أيضا فضيلة الشيخ في موضوع التقرب إلى الله سبحانه وتعالى بالطاعات سبب للحصول على الصحة “داووا – مثلا – مرضاكم بالصدقة”.

الشيخ كهلان: ” داووا مرضاكم بالصدقة ” نعم أحسنت، على أن الدعاء نفسه وهذا ما كنت أريد أن أضيفه أيضا أي – لو لم يكن للصحة والعافية هذه المنزلة لما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مشتغلا بأن يسأل ربه العافية -، فدعاء “…وعافني فيمن عافيت”، ودعاء رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ” اللهم اغفر لي وارحمني وعافني وارزقني “.

 وقوله أيضا فيما روي عنه: ” أفضل ما أوتي الإنسان: اليقين والعافية “، فأن يصل الأمر إلى هذا الحد في ذلك دلالة على أهمية العافية، وهذه العافية حينما نتحدث عنها لا نتحدث عن المقدار الذي يهبه الله سبحانه وتعالى للناس فقط، وإنما نتحدث أيضا عن تسبب العباد في أن يكونوا معافين في أبدانهم، وأن يكونوا أصحاء في أبدانهم فلابد للإنسان.. لابد للمسلم أن يحافظ – كما قلنا – أي – هذه الأمثلة التي تتعلق بالطهارة والنظافة والمحافظة على الفرائض والكف عن المحرمات والتوسط في الأكل والشرب والنوم وغير ذلك كلها من التشريعات أو من التوجيهات الربانية التي دعانا إليها هذا الدين الحنيف- ، وهذا يصلنا بموضوع المتصل الثاني

(موضوع المرض).

 الله سبحانه وتعالى يبتلي عباده بما يشاء، وفي كل الأحوال في كل أنواع البلاء سواء كان البلاء بالمرض أو بالفقر أو بغير ذلك لابد للمرء أن يكون راضيا بقضاء الله سبحانه وتعالى، ومن رضائه بقضائه أيضا سبحانه أن يأخذ بالأسباب التي تدعوه إلى أن ينتقل من حالته إلى ما هو أفضل له مما يمكنه فعلا من عبادة الله عز وجل والقيام بما هو مطلوب منه، قد لا يفهم الناس أن من ابتلي بمرض فإن هذا دليل سخط الله عز وجل عليه، لا، قد يكون ذلك دليل محبة؛ لأن في ذلك تكفيرا له عن سيئاته كما ورد في بعض أحاديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم -.

 قد يكون في ذلك رفعا لمنزلته عنده سبحانه وتعالى، وبالعكس أيضا لا تكون أيضا الصحة والقوة قد لا تكون بالضرورة دليلا وعلامة على رضا الله سبحانه وتعالى على عباده؛ لأنه قد يكون ذلك استدراجا لهذا العبد، فالله سبحانه وتعالى في كل الأحوال يبتلي عباده بما يشاء وعليهم التسليم والتوكل على الله سبحانه وتعالى والأخذ بالأسباب حتى يؤدوا ما عليهم من حقوق تجاه الله سبحانه وتجاه العباد بما أمره به سبحانه وتعالى.

مقدم البرنامج: نعم.

 بقيت معنا نقطة واحدة أشار إليها المتصل الأول وهو جانب الأطفال، ربما يقع إهمال من الآباء في موضوع الأطفال ( يسمحون لهم بأكل الأطعمة الفاسدة، أو لا يراعونهم في أشياء تتعلق بالصحة استنادا إلى أنهم أطفال وغير ذلك من مظاهر الإهمال في هذا الجانب).

الشيخ كهلان: نعم، هذه قضية مهمة جدا.

 أنا أعرف بعض الإخوة الأطباء – بارك الله فيهم – وهم الآن أمسوا يحذرون من ظاهرة ما كانت موجودة وهي بعض الأمراض في العادة لا تصيب الأطفال كالسكري صارت الآن بفعل إهمال الآباء في الإشراف على تربية أولادهم صارت الآن متفشية لدى الأطفال، وهذا يشي بنتائج غير حميدة؛ ولذلك كان هنا مسؤولية كبيرة على الوالدين تجاه أولادهم في المحافظة على صحتهم، وتعويدهم على العادات الصحية السليمة فيما يتعلق بالأكل والشرب.. فيما يتعلق بالنوم.. فيما يتعلق بما يفعلوه.. ما يقرؤه.. ما يشاهدوه.

 كثير أيضا من الأطفال الذي اجتمعت عدة أسباب يقضي الساعات الطويلة في مشاهدة التلفاز أو في ألعاب الحاسوب مع الإكثار من أكل الحلويات وشرب المشروبات الضارة وغير ذلك، فيتراكم كل ذلك دونما فسحة للنشاط البدني الذي ألفه الأطفال، وهذه التحولات التي أفرزها الواقع لا ينبغي أن تكون على حساب الصحة، بل لابد من الحزم ولابد من الحرص قدر المستطاع وسوف نأتي لبعض الأدلة لأقوال صحابة رسول الله – صلى الله عليه وسلم رضوان الله تعالى عليهم – مما تتعلق بتربية الأولاد تربية بدنية صحيحة.

مقدم البرنامج: وكذلك عند الأطفال منطقة مهمة جدا وهي منطقة الأسنان كثيرا ما تتعرض للتلف بسبب عدم الاعتناء بالصحة في هذا الجانب.

الشيخ كهلان: نعم أحسنت.

***********************************

مقدم البرنامج: الآن عندنا فاصل قصير يتضمن حديثا نبوي شريفا، ثم نعود للتعليق عليه بإذن الله.

روى الإمام مسلم في صحيحه من طريق أبي هريرة قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير”.

مقدم البرنامج: نريد شيخ كهلان تعليقا حول ما يستفاد من هذا الحديث النبوي الشريف.

الشيخ كهلان: الحديث واضح الدلالة في أن القوة متفق مع ما تقدم من آيات قرآنية أشرنا إليها، فالحديث صريح في أن المؤمن القوي خير وأحب إلى الله تعالى من المؤمن الضعيف،  – كما أشار الإخوة – القوة قد تكون هبة من الله سبحانه وتعالى.

 الناس يتفاوتون في هذه المواهب، ويتفاوتون في ما منحهم إياه ربهم سبحانه وتعالى من ملكات وطاقات، لكن في كل الأحوال على المرء أن يتسبب وأن يسعى، والمؤمن القوي أحب إلى الله تعالى وخير عند الله عز وجل؛ لأنه يتمكن من أداء ما لا يتمكن منه غيره مِن مَن هو أضعف منه، فهو يتمكن أكثر من المحافظة على الفرائض.. من الإكثار من النوافل.. من السعي في كسب الرزق، وهذا ملاحظ ومشاهد؛ ولذلك يرتبط هذا أيضا بما ورد من مزية الشباب كمرحلة عمرية تكتمل فيه الطاقات البدنية لدى الناس؛ ولذلك نتذكر – لما تحدثنا على موضوع قيمة الوقت في الإسلام – نتذكر حديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ” لن تزول قدم عبد من عند ربه يوم القيامة “، وأن للشباب سؤالين يسأل عنهما هذا العبد بخلاف باقي النعم التي ذكرها الحديث، فهذه الطاقات البدنية ينبغي أن تستثمر في طاعة الله عز وجل سيما وأن ذلك يحقق منزلة عند الله عز وجل، فمن كان قويا صحيحا واستعمل قوته وصحته في طاعة الله عز وجل كان لاشك أفضل وأحب إلى الله سبحانه وتعالى.

مقدم البرنامج: أكيد.

 هناك آية شيخ كهلان يتلوها بعض الناس عندما يرون رجلا بدينا أشعر أن هناك مشكلة في فهمها وهي قوله تعالى {…وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ …} (البقرة: 247).

أظن أن زيادة البسطة في الجسم هنا لا علاقة لها بالبدانة؛ لأن البدانة قد لا تمكن ذلك القائد من خوض معركة كبيرة – كما ورد في الآية – وقيادة جيش كبير، فما المقصود هنا بزيادة البسطة في الجسم؟

الشيخ كهلان: البسطة في الجسم كما قال أهل التفسير -حسبما أحفظ – هي القوة فعلا لكن القوة لا تعني البدانة بل على العكس، الإسلام حث الناس على التوسط في الأكل والشرب وسلوك المنهج المعتدل في بناء أجسادهم، فالإسلام لا يحب الترهل،  بل الدعوة إلى الصحة في الإسلام هذه تعني تجنب الأسباب التي تؤدي إلى الأمراض، وكان من الأسباب – من المعروف الآن – أن من الأسباب التي تؤدي إلى الأمراض السمنة، فحينما نتحدث نحن عن الصحة في الإسلام فللضرورة نتحدث عن نهي الإسلام عن كل ما يؤدي إلى الإضرار بهذه الصحة ومنها السمنة، فلا يفهم من كلامنا هذا أن المطلوب القوة تعني السمنة، لا أبدا، بل على العكس تماما (كل ما يؤدي إلى الإضرار بصحة هذا الإنسان فإن الشرع جاء لكي يؤكد على ضرورة أن ينتهي عنه هذا الإنسان وأن يبتعد عنه).

مقدم البرنامج: جميل.

 ننتقل الآن شيخ كهلان إلى موضوع آخر وهو موضوع مهم كثيرا ما يتحدث الناس عنه هذه الأيام وهو موضوع الصحة النفسية أو المعنوية، ماذا نجد في الإسلام في هذا الخصوص؛ لأن الناس كما قلنا يتحدثون عن هذا الموضوع بكثرة؟

الشيخ كهلان: هذا الموضوع ينبغي أن يعطى حقه في الحقيقة من النظر والتأمل.

 الكثير منا يقرأ كتاب الله سبحانه وتعالى و لا يمعن النظر فيما يقرأ، على سبيل أو في هذا السياق الذي نتحدث عن جانب.. الجانب المعنوي من الصحة أو الجانب النفسي حينما نقرأ قول الله تعالى: { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (البقرة: 63).

 لو سألت كثيرا من شرائح الناس الصغير فيهم  والكبير.. المتعلم وغير المتعلم عما تعنيه هذه الآية {…خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ…} وقد تكررت في أكثر من موضع، تكررت في سورة البقرة في خطاب بني إسرائيل في موضعين، الآية الأخرى { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا…} (البقرة: 93) لما فهم كثير من الناس معنى الأخذ – أخذ الكتاب بقوة – أهل التفسير يقولون: بأن القوة المقصود بها هنا هي القوة المعنوية يعني بالعزم والثبات والجد، فلا يؤخذ الدين بتردد وبوساوس وبشكوك وبخوف، وإنما يؤخذ بعزيمة وبجد و ثبات، هذه الكلمات الثلاث هي التي يدور عليها كلام المفسرين، وهذا يفسر لنا أيضا آيات أخرى ورد فيها استخدام هذا المصطلح كقوله عز وجل: { يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا} (مريم: 12).

وكقوله أيضا: { وَإِذ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّواْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } (الأعراف: 171).

 ذكرنا الله سبحانه وتعالى بألواح موسى – عليه السلام -: { وَكَتَبْنَا لَهُ فِى الأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَىْء مَوْعِظَةً وَ تَفْصِيلاً لِكُلِّ شَىْء فَخُذْهَا بِقُوَّة وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِاَحْسَنِهَا سَأُورِيكُمْ دَارَ الفَاسِقِينَ } (الأعراف: 145).

 هذه الآيات كلها حينما نتأمل أن المقصود نجد أن المقصود منها العزيمة.. الثبات.. الجد.. عدم التردد.. عدم الخوف.. عدم الوسوسة أو الشك، نجد أن هكذا ينبغي أن يؤتى أمر الدين، لا ينبغي أن يؤتى هذا الدين لا بوسوسة.. لا بخنوع ولا خضوع، حتى أن هذا الفهم حذر منه عمر بن الخطاب ـ رضوان الله تعالى عليه – عندما رأى من يصلي وهو يميل بعنقه فقال: ” إنما التقوى في القلوب…”، وعلاه بالدرة فقال: ” إنما التقوى في القلوب وليست في الأعناق”،  فهذا المعنى يحقق الطمأنينة النفسية التي يتحدث عنها الناس اليوم.. ينفي عن الإنسان الكثير من الأمراض النفسية أيضا التي تصيبه ويكون سببها الوساوس.. الأوهام.. الخرافات.. الإيغال أيضا في فهم – وهو  في الحقيقة ليس فهما صحيحا- لكن هو إيغال ومبالغة في فهم أوامر الدين، فمن الناس من يحسب أنها لا يتناسب معها إلا الاستكانة والذل والخضوع وليس الأمر كذلك، بل إن المقصود هو ما يحقق الاستقرار النفسي وطمأنينة الصدر وراحة البال ، هذا كله يضاف إليه ما جاء به هذا الدين من تزكية هذا القلب من الآفات التي تصيبه من الرياء.. من الحسد والحقد والغل والكبر وغير ذلك  من الأدواء النفسية التي تصيب القلوب إلى حد أن الله سبحانه وتعالى جعل هذه الآفات من الكبائر التي أمر المسلمين بالابتعاد عنها وعن كل ما يؤدي إليها -؛ فلذلك كان للصحة المعنوية أو للجوانب المعنوية في صحة هذا الإنسان منزلة كبيرة في هذا الدين، والإهمال فيها في الحقيقة يؤدي أيضا  إلى كثير من الأمراض، ولن تكون أمراضا نفسية فقط وإنما سوف تكون بعد ذلك مؤثرة على البدن وعلى الصحة الجسدية.

مقدم البرنامج: جيد.

 بقيت معنا دقيقتان فضيلة الشيخ نريد على الأقل مثالين أو ثلاثة أمثلة – إن سمح الوقت – عن كيف أن النبي – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه كانوا مهتمين فعلا بما يحافظون به على صحتهم و قوتهم.

الشيخ كهلان: سوف أختصر أيضا بناء على طلبكم، وأشير هنا إلى (بعدما عَرَّفْنا الآن منهج رسول الله – صلى الله عليه وسلم- في الصوم .. في النوم .. في الأكل إلى غير ذلك ) أُذَكِّر بالأثر الذي ورد: ” تمعددوا واخشوشنوا فإن النعم لا تدوم”.

 تمعددوا كونوا كما كان عدي بن عدنان قالوا إنه كان رجلا خشنا قويا في حياته مع سعة ماله وسعة رزقه، واخشوشنوا المقصود منها الخشونة حتى لا يعتاد المرء على رفاهية العيش ويؤدي به ذلك فيما بعد إلى الترف.

مقدم البرنامج: لأن ذلك على حساب صحته.

الشيخ كهلان: على حساب صحته.

 أيضا ما ورد عن عمر ابن الخطاب – رضي الله تعالى عنه -: “علموا أولادكم الرماية و السباحة وركوب الخيل”.

 ما ورد أيضا من مسابقة النبي – صلى الله عليه وسلم – لزوجه عائشة، وهذه نوع من المسابقات في الركض.. في الجري التي كانت بين صحابة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أو كانت أيضا بين أفراسهم وإبلهم، فكان موجودا هذا كنوع من أنواع ما نسميه نحن الآن الرياضات، التدرب على الرمي كان أحيانا حتى حث الصبيان على التدرب حتى على المصارعة، وما كانوا يهتمون به من أمر الرضاع.. من أمر إرسال أولادهم إلى البادية؛ لأجل نقاء المطعم والمشرب والاعتماد على الذات… إلى آخر الفوائد الصحية التي تكتنف ذلك، كل هذه أمثلة عملية لما كان في عهد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وفي عهد صحابته الكرام – رضوان الله تعالى عليهم -.

مقدم البرنامج: جميل.

**************************

“خاتمة الحلقة”

مقدم البرنامج: إذاً نختم بهذا الحديث الذي يعتبره أطباء العالم – كما أظن – شعارا للصحة العالمية.

روى ابن ماجه في سننه من طريق المقداد بن معدي كرب يقول: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم- يقول: “ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطن، حسب الآدمي لقيمات يقمن صلبه، فإن غلبت الآدمي نفسه فثلث للطعام، وثلث للشراب، وثلث للنَفَس”.

مقدم البرنامج: في نهاية هذا اللقاء الذي تحدثنا فيه عن العناية بالصحة مع فضيلة الشيخ الدكتور “كهلان بن نبهان الخروصي” نتوجه إليه وإليكم جميعا بالشكر الجزيل على المتابعة والإغناء، شكرا لكم الشيخ كهلان.

الشيخ كهلان: بارك الله فيكم، وجزاكم الله خيرا.

مقدم البرنامج: جزاكم الله خيرا أعزاءنا الكرام.

 موضوعنا القادم بإذن الله سيكون عن البر، نرجو متابعتكم كما نرجو مشاركتكم كذلك، إلى أن نلقاكم في ذلك الحين نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

“انتهت الحلقة”