عنوان الحلقة ” العفــة (3) “
بثت في:
13 / شوال / 1429هـ
13 / أكتوبر / 2008 م
مقدم البرنامج: بسم الله الرحمن الرحيم.
أيها الإخوة والأخوات .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
وأهلا ومرحبا بكم في حلقة جديدة من برنامجكم دين الرحمة، ونحن اليوم مع الجزء الثالث من موضوع العفة والنزاهة وقد وجدنا منكم إلحاحاً كبيرا في طرح هذا الموضوع وتوسعة الحديث فيه وذكر الكثير من عناصره ونقاطه؛ نظرا لحاجة الناس إليه، ولأن فعله في واقع المجتمع فعلٌ إيجابي يؤدي إلى حياة هانئة مستقرة يحفظ فيها كلٌ لصاحبه حقه.
*******************************
أهلا ومرحبا بكم فضيلة الشيخ..
الشيخ كهلان: أهلا وسهلا بكم، ونرحب أيضاً بالإخوة والأخوات الذين يتابعون هذا البرنامج، ونحيي أولئك الذين سوف يشاركون بمشيئة الله تعالى..
مقدم البرنامج: بإذن الله تعالى..
كما قلنا في المقدمة العفة موضوع تعرضنا له في حلقتين سابقتين كل حلقة من هذه الحلقات تناولت جانبا من هذه الجوانب المهمة في هذه القيمة الكريمة، الآن تذكرنا فضيلة الشيخ في ملخصٍ عما قُلْتَهُ في الحلقتين الماضيتين، وما هو الجديد الذي نتحدث عنه اليوم إن شاء الله تعالى؟
الشيخ كهلان: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد النعمة المهداة والرحمة المسداة وعلى آله وصحبه ومن سار على دربه ودعا بدعوته، أما بعد…
فكما تفضلت موضوع العفة وما يتصل به من قيم تحمل في طياتها معاني النزاهة والعفاف والإباء والحياء والمروءة والإحسان، كل هذه المعاني المنطوية والمتصلة بقيمة العفة التي تحدثنا عنها خلال حلقتين سابقتين ونتحدث عنها اليوم بمشيئة الله تعالى، وقد لا نتمكن من توفية هذا العنوان حقه إلا أنها محاولة للتعرف على ما تنطوي عليه هذه القيمة من مضامين رفيعة لصيقة بهذا الدين القويم – دين الرحمة – الذي يُعنى بشأن الإنسان من حيث تزكيته وتهذيبه والارتقاء به فرداً وجماعةً وأمة؛ ولذلك كان لابد من أن نتعرض لكل المعاني التي تشتمل عليها هذه القيمة.
والحلقتان السابقتان تناولنا في الأولى منهما التعاريف المتصلة بهذه القيمة – قيمة العفة – ما معنى العفة؟
ما معنى العفاف؟
وخلاصة ذلك وقد كررناه ولا بأس من التذكير به مرة أخرى أن العفة والعفاف تعني : ( الكف .. الامتناع عما حرَّم الله عز وجل وعن كل ما يخرم المروءة ).. فهي امتناع أو كف عن المحارم وعن خوارم المروءة.
وعرفها بعضهم بأنها ترك ما لا يحل وما لا يجوز، أي ليس فقط الوقوف عند حدود الامتناع والكف عن المحرمات، وإنما الترفع عن السفاسف والدنايا ومواضع الريبة ومواطن الشبهات التي لا تليق بالمسلم الأبي الحر الكريم رجلاً كان أو امرأة – ؛ ولذلك في الحلقة الأولى كان تعرضنا لموضوع العفة أردنا منه أن نوسع مفهومها بحيث ننفي عن هذه القيمة أن تكون محصورة في جانب دون آخر؛ لأن كثيراً من الناس يحسب أن العفة والعفاف إنما تتصل بكف شهوات الفرج فقط، وقد بينا في هذا البرنامج بأنها لا ينحصر مفهومها في هذا المعنى فقط – هذا من معانيها الأساسية – إلا أن العفة تعني كذلك كما هو تعريفها تتصل بمعاني الحياء والمروءة، وأنها خُلق ينبغي للمسلم أن يتطبع به، كما أن العفة شديدة الصلة بما يتعلق بالنزاهة في الأموال، ولا يقصد أيضاً في هذا الجانب – وهذا ما تناولناه في الحلقة الثانية – لا يقصد بذلك الترفع عن التسول وعن مسألة الناس ، وإنما يقصد بذلك العفة والنزاهة في كل شأن من شؤون المعاملات المالية التي يتعامل بها الواحد منا مع أخيه بيعاً وشراءً وعطاءً، وكل ما يتصل بالعقود أو بالمعاملات المالية، كل ما يتصل بحفظ أموال المجتمع وما يتصل بحفظ المال العام فإن العفة قيمة أساسية فيه.
واليوم سوف نضيف أو سوف نزيد في بيان ما يتصل بالعفة كخُلق تهذب به الطباع، وتوقظ به الضمائر، وتُذْكَى به العقول، خاصة سوف يكون تركيزنا مرة أخرى على العفة باعتبارها خُلقا ينبغي للمسلم رجلاً كان أو امرأة أن يتحلى به، وبالتالي ما هي البواعث التي تعين الواحد منا على أن يتحلى بهذه الخصلة.. أن يتحلى بهذه القيمة وفي مقام ما يتعلق بشهوات الفرج ( ما هي الوسائل أو أين نجد العفاف بدايةً وإبقاءً ومحافظةً في ثنايا آداب هذا الدين وأحكامه)؟
مقدم البرنامج: جميل .. وماذا عن نوعية المشاركات التي تتوقعونها اليوم بإذن الله؟
الشيخ كهلان: نعم نحن نأمل الامتداد ومواصلة الحديث في هذه القيمة إنما كانت بناءً على رغبة عددٍ كبيرٍ من المشاركين ومن المتصلين، وطبعاً لحيوية الموضوع ذاته -.
لكن كانت هناك بعض الأسئلة التي لم نتمكن من تغطيتها.. وبعض المشاركات التي لم نتمكن من التعليق عليها؛ وبالتالي فنحن نكرر دعوة اليوم مرة أخرى إلى أن تكون المشاركات إضافة لما نقول أو تنبيه إلى شيء لم نقله مما يتصل بهذه المعاني التي تحدثنا عنها وقد أصبحت واضحة الآن، وإذا كانت هناك وجهة نظر أخرى تخالف ما نتذاكره في هذه الحلقة فنرحب بمثل هذه الآراء ووجهات النظر.. إذا كانت هناك مواقف تعزز ما نقول وتُذَكِّر من غفلة وتوقظ من سبات قد يقع فيه بعض الناس، لكننا نتمنى أن تتحول المشاركات اليوم إلى ما يتصل بالواقع المعاصر ومدى احتياجنا نحن المسلمين إلى هذه القيمة.
سوف نتعرض بمشيئة الله لما يتصل بالعفة كركيزة من ركائز استقرار الأسرة، وكثيراً ما يُطْرح هذا الموضوع لكننا نريد أن نركز عليه ونريد فيه المشاركات.
مقدم البرنامج: جميلٌ جدا.. إذاً نحن نرجو من الإخوة الكرام أن يساهموا بالكثير من النقاط التي تفضل الشيخ بذكرها الآن، وخاصة فيما يتعلق بالتجارب والمواقف والمشاهد التي مرت بحياة الإنسان ويرغب أن يسردها علينا؛ حتى يستفيد منها الجميع أو نلتمس منها مجموعة من العبر كذلك.
*******************************
نستمع الآن إلى هذه الآية القرآنية الكريمة ثم نتابع الحوار بإذن الله.
{ وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ{32} وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } (النور: 32-33).
مقدم البرنامج: فضيلة الشيخ هذه الآية كالآيات التي تحدثتم عنها في الحلقات الماضية كانت قد وردت كلمة أو لفظة الاستعفاف عن أموال اليتامى والتعامل معها، هذه الآية أيضاً تضمنت اللفظة مرة أخرى نريد منكم أن تحدثونا عن دلالتها والسياق العام لهذا التشريع القرآني.
الشيخ كهلان: نعم، أما دلالتها فهي واضحة، الدلالة مأخوذة من هذا الأمر الصريح في الآية الكريمة { وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحاً…}، والمقصود هذا الأمر ذاته فيه مبالغة في الأمر، بمعنى وليجتهد وليحمل نفسه على طلب العفة هذا المخاطب المأمور، فكأن المستعف الذي يريد أن يعف نفسه يطلب من نفسه هذا العفاف فيحملها عليه، وهذا المقدار فيه تنبيه، أي – استخدام هذه اللفظة الصريحة في حمل النفس على ضرورة الإعفاف أو على ضرورة العفاف فيه تنبيه على أن ما كان قبل ذلك من أحكام وردت في هذا السياق القرآني وما يأتي بعد ذلك إنما هي كلها وسائل تحقق هذه العفة، فبداية الآيات هي توجيه للمؤمنين والمؤمنات.. بدايتها { وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ…} (النور:31) الخ الآية الكريمة، ثم بعد ذلك يأمر الله سبحانه وتعالى المجتمع أمراً عاما بتيسير أمور الزواج؛ لأن فيه إحصان للمجتمع بأسره، هذا الإحصان يجنب المجتمع عاقبة السوء.. يجنب المجتمع الفواحش والرذائل؛ ولذلك جاء الخطاب للجماعة وأنكحوا أنتم أيها المؤمنين { وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ…}، كل هذه ضمائر المخاطبين أي منكم من عبادكم وإمائكم {…إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }، ثم مرة أخرى { وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ…}.
طيب.. الذين لا يجدون مؤنة النكاح أو قدرة على النكاح أو استطاعة على النكاح، فمع كل ذلك يجب عليهم وجوباً شرعياً أن يحملوا أنفسهم على العفة، فلا يقعوا في الحرام ولا يتهوكوا في الرذائل والفواحش التي حذر الله تعالى منها؛ ولذلك إن جاءت هذه الترجية أيضاً أي – هذا الرجاء.. هذا الأمل الذي يبعثه الله تعالى في النفوس في الآية السابقة {…إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ…} في هذه الآية { وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ…} إلى أن يغنيهم الله من فضله، و نحن نجد هذا المعنى أيضاً في حديث صحيح يوجد في عدة مصادر من أحاديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من طريق أبي هريرة عنه عليه أفضل الصلاة والسلام قال: ” ثلاثة حق على الله عونهم – وفي رواية أن يعينهم – المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف”.
مقدم البرنامج: والمكاتب والناكح مذكوران هنا.
الشيخ كهلان: نعم .. الناكح أي الذي يريد أن يتزوج، يريد ماذا؟ العفاف { وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ…}
ففي هذا ترجية للمستعفين الذين يحملون أنفسهم، على أن صبرهم وأن تحملهم للأهواء وشدة ما يكابدون من أمر المحافظة على هذا الخلق القويم وعلى هذه الخصلة النبيلة سوف يكون في مقابلها ربط على قلوبهم بتصبيرهم وتثبيتهم، ثم يكون بعد ذلك الفرج من الله عز وجل، وهذا وعدٌ للرجال والنساء.
هذا الخطاب لا ينبغي أن يفهم على أن المقصود منه هو الرجال فقط الذين لا يستطيعون الزواج .. نعم الآية صريحة في {…لَا يَجِدُونَ نِكَاحاً…}، وعند من يرى بأن المقصود المؤنة المالية فهي في حق الرجل، ولكن قلنا بأن الخطاب للمجتمع بأسره وبالتالي فهو يشمل النساء أيضاً، فالمرأة إن لم يقدِّر لها ربها تبارك وتعالى التبكير في الزواج فإن عليها أن تحافظ على عفتها، وعليها أن تتحلى بقيم العفاف والحياء والخلق القويم، وسوف يجعل الله تعالى لها من أمرها فرجاً بإذنه تبارك وتعالى كما وعد في هذه الآية الكريمة.
مقدم البرنامج: بإذن الله..
على أن المرأة على كل حال في بعض المجتمعات أيضاً تتكلف مؤنة مالية لزواجها والإعداد له، وإن كان هذا قد يكون خارجاً عن العادات والتقاليد المعروفة لدى الآخرين ولكن على كل حال إذاً – كما تفضلتم – هناك أمر بإنكاح الأيامى منكم أي المسلمين عموما، وأمر بالصبر والتعفف حتى يأتي الفرج.
الشيخ كهلان: نعم.
الملاحظة الهامة فيما يستفاد من هذا السياق القرآني هذا الوعد من الله سبحانه وتعالى بالإغناء بتيسير الأمور بالفرج وهو لمن؟
لمن تحلى بهذه الصفة، فهي للصلحاء الأعفاء الذين يستعفون.. الذين يطلبون العفاف ويحملون أنفسهم؛ فلذلك يكون الفرج أقرب إلى هؤلاء.
وتنبيه للمجتمع بأسره فيما يتعلق بالخصال التي ينبغي أن يتحلى بها هذا المجتمع من الستر ومن الآداب الإسلامية ومن لبُسِ المرأة ولبُسِ الرجل وغض البصر وحفظ الفروج مما يُقِيم أود هذه الخصلة في المجتمع.
مقدم البرنامج: والحقيقة كثيراً ما حدثني مجموعة من الإخوة عن تجارب في موضوع الزواج، أو بمجرد أن يشرع في أمر الزواج ويعد له عدته تنفتح له الأمور وتتيسر ويأتيه الغنى من الله سبحانه وتعالى بناءً على هذا الوعد الكريم.
طيب هذا – فضيلة الشيخ – في حق من لم يجد مؤنة أو من لم يجد استعداداً كافياً للنكاح من الناحية المادية، فماذا عن الذين لديهم القدرة على النكاح ولكنهم يؤخرونه ولا يسعون إلى جلب أو اكتساب هذه الصفة – صفة العفاف -؟
الشيخ كهلان: إذا كان قادراً ومتمكناً ولكنه في ذات الوقت يأبى الزواج ولا يتحلى بالعفاف فهذا في خطر عظيم، وساعتها يكون كما يقرر الفقهاء يكون الزواج عليه لازماً واجباً شرعا؛ لأنه إن لم يتمكن من أن يعف نفسه مع قدرته المالية فإن الزواج يصبح لازماً واجباً عليه، أما إن كان يؤثر شيئاً آخر هو فيه وهو مع قدرته على الزواج لكنه لا يرغب فيه وهو عفيف وكذلك المرأة فهذا مما لا يقال بأن الزواج في حقه واجب طالما أنه لا يقع في رذيلة وفاحشة تسخط الله سبحانه وتعالى، على أنه مع ذلك يبقى أن الأمر بما يحقق العفاف في المجتمع أمر عام؛ لأن الفتنة التي تقع نتيجة تخلي المجتمع عن قيمة العفاف هي فتنة عامة تصيب المجتمع بأسره؛ ولذلك نجد في القرآن الكريم أن النهي عن الفواحش هو نهي عن قربان الفواحش { وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً } (الإسراء:32)، وحتى في هذا السياق لم يأت القرآن الكريم مباشرة بالأمر بالاستعفاف وإنما أمر أولا بما يعصم من الفتنة من التشريعات الأدبية ( غض البصر.. الستر واللباس.. وعدم إبداء الزينة إلا للمحارم القريبين )، ثم بعد ذلك أمر بالنكاح والزواج وأمر المجتمع بتيسير أمور الزواج، ثم بعد ذلك وقع هذا الوعد من الله عز وجل بتسهيل أمور الاستغناء بالحلال عن الوقوع في الحرام، ثم هذه اللفظة التي تحمل في معناها – كما قلت – حمل النفس.. أطر النفس على أخلاق العفاف والبعد بها عن الوقوع في الشهوات عند العجز عن النكاح إلى أن ييسر الله تعالى له أمره.
مقدم البرنامج: تبقى عندنا نقطة في هذا الموضوع لا بد من إثارتها ونحن نتحدث عن واقعنا المعاصر، فضيلة الشيخ نحن الآن نتحدث عن موضوع الصبر والتعفف حتى يفتح الله تعالى على الشاب أو الشابة ( الفتى أو الفتاة ) لموضوع الزواج، إلا أن عالمنا المعاصر فيه الكثير مما يثير الشهوات الكامنة ويحرك الرغبات الجامحة، كيف يمكن للشاب رجلا كان أو امرأة أن يتحلى بخلق العفاف وسط هذا الواقع المعاصر؟
الشيخ كهلان: نعم فعلاً بعض الناس و ينبغي لنا أن نعترف بأن مثل هذا الواقع الذي تحيط فيه الشهوات التي قد تجمح بهذا الإنسان.. تحيط فيه بالفرد بالذكر والأنثى قد يؤدي بالإنسان إلى الوقوع فيما لا يرضى الله سبحانه وتعالى.
متصل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. عندي مداخلة..
فضيلة الشيخ ذكر أنه في بعض الأحيان يكون الزواج واجباً شرعياً على الإنسان الذي يكون قادراً على الزواج، لكن نرى في بعض الأحيان أن الكثير من الشباب يقولون نحن مشغولون بتحصيل العلم الشرعي ولا نريد الزواج في هذه الفترة مع قدرتهم المادية ومن جميع النواحي على الزواج، فما رأي الشرع في هذا الأمر؟
مقدم البرنامج: على أن الشيخ على كل حال وضح أن الشخص الذي يمتلك مالاً وهو قادر على الزواج ولا يرغب فيه الآن ولديه العفة فهو غير مطالب.. ليس الواجب في حقه أن يتزوج.. وإنما أنا أتوافق معك في هذا الطرح في موضوع مهم أيضاً يتعلق بهذه النقطة. ستستمع إليه إن شاء الله..
المتصل : الله يجزيك خير.
مقدم البرنامج: بارك الله فيك أخي.
سؤال الأخ المتصل سنأتي إليه، الآن تكمل لنا موضوع كيف يحصن الإنسان نفسه في هذا العصر الذي يدفع بالكثير من الشهوات في طريق الشباب.
الشيخ كهلان: أنا كنت أقول بأن واقع الناس الآن.. من الناس من يظن بأنه يستحيل وأنه لا يمكن وقد يتصور بعضهم في أحسن الأحوال أنه من الصعوبة بمكان إن لم يكن متعذراً أن يتحلى الفرد بهذه الخصلة في وسط هذه الأمواج العاتية من الفتن وأسباب إثارة الشهوات والغرائز، لكن هذا ليس بصحيح، هو ليس بالأمر السهل..
لم يكن يوماً من الأيام بالأمر السهل الذي لا يجد المرء معه صعوبة في أن يحمل نفسه على جادة الصواب وعلى الالتزام بهذه القيم والأخلاق، لكن هناك طرفان أنا أريد أن أشير إلى آيتين من سورة الرحمن فالله تعالى يقول: { أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ } (الرحمن:8) بعدما قال: { وَالسَّمَاء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ {7} أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ {8} وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ…} (الرحمن:7-9) ثم مرة أخرى قال: {…وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ } (الرحمن:9).
فإذاً هنا تحذيران الأول من المجاوزة في الميزان { أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ } والثاني {…وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ } هذا يعني بأنه ليس المبالغة في الشيء غير مقبولة شرعاً والنأي والانعزال وكما يعبر اليوم بالسلبية هي أيضاً من التخفيف في الميزان الذي لا يقره الشرع؛ لأن المؤمن مطلوب منه أن يواجه هذه الفتن ومسببات الشهوات والغرائز وبواعثها.. أن يواجهها بعقيدة راسخة.. باستقامةٍ وصلاح.. بخوفٍ من الله عز وجل وبسعيٍ إلى الإصلاح، ولابد أن يُوجِدُ لنفسه من المحصنات ما تعينه على مكافحة هذه الأسباب، وأهم ذلك الخوف من الله عز وجل، أي – أساس ذلك ومبعثه هو صدق إيمان الفرد بالله تعالى -؛ لأنه يعلم أن وجوده في هذه الحياة قصير، وأنه ينتقل بعدها إلى الله عز وجل في الدار الآخرة ليجزيه عما قدم فيها، فإما أن يكون مآله إلى جنات النعيم، وإما أن يكون إلى نار جهنم والعياذ بالله؛ فلذلك حينما يتمكن هذا الإيمان من قلبه فإنه يستطيع أن يواجه هذه الفتن، وقد واجهها من قبله من الصالحين ومن الأتقياء الأعفاء الصلحاء ويسر الله تعالى لهم ذلك حينما رأى صدقهم وإخلاصهم.. وسوف ييسرها له { وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا…} (العنكبوت:69).
مقدم البرنامج: طيب نحن نحتاج إلى التفصيل في هذا الموضوع.
نحن الآن أمام شخصيتين ( شخصية لربما – كما تفضلتم – واجهت هذا الجمع من الفتن في طريقها وهي مضطرة للتعامل معها؛ نظراً لارتباطها بعمل أو شيء من هذا القبيل أو دراسة أو ما شابه ذلك، وشخصية أساساً ليست هذه الفتن في طريقها وإنما تسعى إليها عن طريق التواصل مع الطرف الأخر، وخاصة وفرت الآن شبكة المعلومات العالمية سهولة التواصل مع الطرف الآخر،
وذلك الذي يتواصل مع الطرف الآخر – بطبيعة الحال – إنما يرسم له في ذهنه صورة غاية في الجمال من شأنه أن يدفع إلى المزيد من التفكير ) نتحدث عن الشخصيتين وتعاملهما مع هذا الواقع.
الشيخ كهلان: نعم.
أما بالنسبة لمن ابتلي بمحيط يكون شأنه الفساد ووجود مثيرات الفتن فنحن أولاً نسأل الله سبحانه وتعالى له الإعانة، ونسأل الله عز وجل أن يجنب العباد مثيرات الفتن، لكن هذا مع ذلك بتوفيق من الله عز وجل قادر على التغلب على هذه الفتن وإنما عليه أن يجتهد في تعزيز الإيمان من نفسه.. يتذكر قصة يوسف – عليه السلام – .. الوضع الذي كان فيه يوسف – عليه السلام – هو وضع شبيه بهذا الذي الذي تحكيه.
مراودة امرأة العزيز له بل مراودة النسوة – كما يفهم من القرآن الكريم – له في وسط هو فيه مستضعف والقوة فيها للمرأة في قصر فيه من الأبهة، وفيه أيضا من التساهل إن لم يكن الابتعاد عن الآداب والأخلاق ما فيه أيضاً هذا مما يشير إليه القرآن الكريم..
مقدم البرنامج: وهو يمثل قمة الفتوة ولم يتزوج بعد.
الشيخ كهلان: نعم، وغاية في الجمال أيضاً والحسن، ومع ذلك فإن الإيمان قال: {…إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ…} (يوسف:23)، فالإيمان الذي كان في نفس ذلكم الشاب وهو يعايش تلك الفتن الملمة هو الذي عصمه من الوقوع في الفاحشة والعياذ بالله؛ فلذلك هذا الذي يبتلى بمثل الموجود في مثل هذا الوسط ليتأسى بيوسف – عليه السلام – .. ليتذكر أن صبره واحتسابه الأجر والثواب عند الله عز وجل والتزامه
لمنهج الصالحين وبما يرضي ربه تبارك وتعالى سوف يبلغه درجة لا يبلغها كثير من الناس.
ينبغي له أن يوقن ويعتقد أن كفه نفسه عن اتباع الشهوات التي تلم به سوف يبلغه أن يكون ممن يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، أي – هو من ضمن سبعة فقط عدَّدهم حديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – .. سوف يرقى إلى أن يكون آمناً في ظل العرش يوم القيامة يظله الله سبحانه وتعالى في وقت الناس فيه فزعون.. الناس فيه خائفون، منهم من يعطى كتابه باليمين ومنهم من يأخذ كتابه بالشمال بينما هو بسبب صبره ذلك سوف ينال هذه المنزلة الرفيعة.
مقدم البرنامج: وهل تدخل فيه المرأة أيضاً ؟
الشيخ كهلان: والمرأة كذلك نعم، وهذا مما صرَّح به أهل العلم، حتى الصورة التي ذكرتَها فيما يتعلق بالنظر.. فيما يتعلق باستخدام وسائل الاتصال المعاصرة لأجل رؤية الطرف الأخر – الجنس الأخر – ما يدعو إلى الفتنة والوقوع في الرذيلة هو فعلا هكذا.
يقول المفسرون بأن الشيطان يزين صورة الآخر لأن ذلك حرام يريد الشيطان أن يوقع المسلم الصالح فيه؛ فيزين له صورته حتى أنه يراه أجمل وأحسن وأفضل مما هو عليه في الواقع اللهم إلا الطائفة التي قال الله فيها: { إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ } (الأعراف:201) فيرون الأمور على حقيقتها، وهنا يأتي دور العقل أيضاً.. لابد له أن يزن الأمور بعيداً عن جانب الشهوة والعاطفة، وأن يحكِّم عقله فهنا لذة عابرة عاجلة تورث ندامة وخسراناً، وهناك نعيم مقيم وثواب جزيل عند الله تعالى ودرجة لا ينالها إلا أصناف سبعة من الناس، فهو يوازن بعقله، لا شك أن العقل سوف يقرر له أن مصلحته وسعادته هي في أن ينجو بنفسه من أليم العقاب والعياذ بالله.
مع هذا لابد أن ننبه إلى أنه ينبغي له أن يبتعد عن مثيرات الفتن الخارجية، أي أن يجد لنفسه فسحة للابتعاد عن هذه المثيرات الخارجية، فينمي في نفسه ملكات القدرة على التفاعل الإيجابي الذي يستعين فيه برفقاء صالحين مثلا .. أن يكثر من تلاوة كتاب الله عز وجل.. أن يستعين بالصبر.. بمعنى – الوسط الخارجي يقابله بمزيد من التنمية الإيجابية الذاتية الداخلية كما يُعبر اليوم-.
أيضاً أن يكون حريصاً على الالتزام بالآداب الشرعية فيما يخص ما ينظر إليه.. ما يسمعه.. ما يقوله إلى الآخر؛ لأن هذه كلها محصنات تعينه يكمل بعضها بعضا.
لابد كذلك يحتاج إلى كل ما أرشد إليه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مما يضعف جانب هذه الشهوة.
ما الذي يطفئ الشهوة؟
ما الذي يقابل هذه الشهوة؟
الرسول – صلى الله عليه وسلم – بيَّن : ” ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء “.
كذلك إذا كان الفراغ يؤدي به إلى أن يكثر به أو بها.. يؤدي به إلى أن تسيطر عليه وساوس الشيطان وأن يحاول أن يملأ هذا الفراغ أو أن ينساق إلى ملْء هذا الفراغ بما يسخط ربه تبارك وتعالى فإذاً ليتجنب مسببات الفراغ، ليبحث هو عن حرفة، وسوف نأتي إلى حكمة تنسب إلى الأحنف بن قيس حينما سئل عن المروءة قال: “العفة والحرفة”؛ لأن كما يقول الشاعر:
إن الشباب والفراغ والجدة *** مفسدة للمرء أي مفسدة.
فإذاً ينبغي له أن يتجنب هذا الذي يسبب له الوقوع في هذه الوساوس التي قد لا يستطيع لها دفعاً ومن أهمها بالنسبة لشباب اليوم هذا الفراغ الذي هم واقعون فيه، فلابد من أن يتعلم حرفة.. أن يتدرب على صنعة.. أن يسعى إلى أن يتعلم.. يسعى إلى رفقة صالحة.. الحاصل ينفي.. ويبتعد بنفسه عن الفراغ الذي يؤدي به إلى الوقوع فيما يسخط ربه تبارك وتعالى.
مقدم البرنامج: نعم.. هذا في إطار حديثكم على كل حال حديث عن تجنب الإنسان لهذه الفتن التي يداهمها، ولكن المتصل الأول مثلاً يطرح سؤالاً مهماً ينصب في هذا الجانب.. ذلك الذي عنده قدرة على الزواج ولكنه يؤخره لعمل أو شغل معين ولربما يقع في نفس هذه الأجواء التي تحدثتم عنها قبل قليل، أليس هو مع هذه القدرة بحاجة إلى أن يعجل موضوع الزواج؟
الشيخ كهلان: نعم.
والزواج في حقه يكون مندوباً.. قد لا يصل إلى حد الوجوب – كما قلنا سابقاً – إن كان يأمن على نفسه الوقوع في الفتنة، لكنه يصبح مستحباً مندوباً، فالأولى في حقه الزواج؛ لأن مسألة الزواج ينبغي لنا أن نفهمها على أنها ليست قضية شخصية ذاتية بين طرفين، وإنما هي أيضاً لها أثر إيجابي على المجتمع بأسره لما ينتج عنها أيضاً من آثار اجتماعية ومن آثار تتعلق بالأجيال وتعليمهم وإلى آخر ما ينتج عن الزواج من آثار معلومة معروفة.
على أنه مما يعين على استقرار النفس ذاته الزواج، وهذا ما قلناه من موضوع الطرف الآخر الذي أشرت إليه، موضوع ذلك الذي يحاول أن يتصور بأن العفاف إنما يكون بكبت رغبات هذه النفس.. لا هذا ليس بصحيح، هذا من التخفيف في الميزان؛ لأن الصحيح الصواب هو هدي الأنبياء والمرسلين وهو الزواج وهذه هي وسطية الإسلام فلا يفتح مجال وباب هذه الشهوات والأوطار على مصراعيه، كما أنه لا يسد البتة، وإنما تحقق للنفس رغباتها الفطرية الكامنة فيها بالطرق والوسائل التي أباحها الله عز وجل، وهذه سبيلها الزواج.
فإذاً ليس في المقابل لا يكون الحل بالانطواء والانعزال والابتعاد عن الزواج وكبح مطلب أساسي فطري في هذا الإنسان رجلاً كان أو امرأة.. لا، هذا مما قرره الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم وبيَّن أن من فطرة هذا الإنسان حبه لقضاء هذه الأوطار؛ ولذلك كان هدي الأنبياء والمرسلين هو في سُنة الزواج.
مقدم البرنامج: على أن الموضوع أيضاً يرتبط بموضوع قد تحدثتم عنه سابقاً وهو أن المجتمع يهيئ الجو المناسب لهذا الشاب الذي يريد الزواج وكذلك هذه الفتاة؛ لأن تمهيد هذه الأمور من قبل المجتمع يساعد على نشر راية العفاف في جميع أوساط المجتمع، وهذا الموضوع ربما سنتحدث عنه إن شاء الله لاحقا.
الشيخ كهلان: إن شاء الله.
مقدم البرنامج: الآن أكثرتم الحديث عن موضوع الرجل وإن كنتم ضمنتم الحديث أيضاً عن المرأة، لكن المرأة في موضوع العفاف تحصل على قدر كبير منه؛ لأن الناس عندما يتحدثون عن العفاف إنما تشير أصابعهم مباشرةً إلى المرأة، حتى في سورة مريم عندما قال بنو إسرائيل لمريم – عليها السلام – {…مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً } (مريم:28)، فالأم مباشرةً اتهمت صراحة بالبغي، فموضوع العفاف في حق المرأة يكاد يحصره الناس فيها، هل هذا صحيح؟
وما الذي يميز المرأة في هذا الجانب عن الرجل؟
إذاً فضيلة الشيخ تفصل لنا في موضوع انحصار العفة في جانب المرأة.
الشيخ كهلان: تصور انحصار العفة في جانب المرأة..
مقدم البرنامج: هكذا يتصور الناس.
الشيخ كهلان: نعم نصيب المرأة فيما يتعلق بالعفاف نصيب وافر ينبغي لنا أن نعترف؛ لأن المرأة في حقها العفاف أجمل وأحسن وأفضل.
مقدم البرنامج: وهذا على كل حال طلب منها لأن إحدى الأخوات اتصلت في الحلقة الماضية.
الشيخ كهلان: نعم.
ما السبب حينما نقول بأن المرأة في حقها العفاف؟
لأنها هي رمز العفاف.. المرأة هي رمز الشرف وهي رمز الحياء.
قد تجد خصال هي أليق في حق الرجل هذا لا يعني أنها منفية عن المرأة، مثلاً صفة الشجاعة والكرم والجود هي أليق بالرجل، صفة العفاف.. الحياء.. الحشمة هذه الخصال لصيقة بالمرأة.
لننظر مثلاً في سورة الأحزاب.
بعض التشريعات التي خاطب الله تعالى بها نساء النبي وهنَّ أطهر نساء العالمين وأعظمهن شرفا ومنزلة، فحينما نجد أن الله تعالى يقول: { يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً {32} وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً } (الأحزاب:32-33).
هذه الأوامر الربانية التي تخاطب بها نساء النبي – صلى الله عليه وسلم – بيَّن القرآن الكريم بأن المقصود هو رفع منزلة أهل بيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ، وإذهاب الرجس عنهم، وتطهيرهم تطهيراً كلها تؤكد على أن غيرهن من النساء أحق بالتزام هذه الأخلاق وبالتقيد بهذه الآداب.
مداخلة متصل : أردت أن أشير إلى موضوع العفة.. الكيفية التي يحافظ بها الشباب على العفة.
طبعاً أهم شيء في هذه النقطة الفراغ، فإذا استطاع الشباب أن يملؤوا الفراغ الذي في حياتهم فإنهم سيستطيعون حينئذ أن يصلوا إلى مستوى العفة.
متصلة: تكلمتم في الحلقة الماضية عن العفة بالنسبة للمرأة.. هذا الموضوع نجد أنه لا يُرَكّز عليه كثيراً.. أنتم الآن ركزتم عليها.. ونحن بحاجة إلى هذه النصيحة خاصة لفتياتنا المسلمات.
حقيقة نحن محتاجون إلى هذه النصائح كيف تحافظ المراة على شرفها وعلى عفتها بحيث تبقى معها مدى الدهر حتى وإن لم تتح لها فرصة الزواج، فكيف إذاً تحصن هي نفسها بالصيام وبحضور مجالس الذكر أو بالصحبة الصالحة؟.
نشكركم كثيرا على هذه النقاط..
مقدم البرنامج: بارك الله فيك أختي، شكرا جزيلا.. أكرمكِ الله..
طيب فضيلة الشيخ..
الشيخ كهلان: نعم، هي ذكرت لب ما كنا نجيب عليه، كيف تحصن المرأة نفسها؟
هذه الآداب التي نجدها في كتاب الله عز وجل، وفي سنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – التقيد بها وعدم التهاون فيها وعدم التساهل فيها هي خير حصانة للمرأة؛ لذلك نجد أنها خوطبت أكثر من الرجل.
الرجل خوطب بغض البصر أيضاً وخوطب بحفظ الفرج، لكن ما يتعلق حتى بالخضوع في القول خوطبت به المرأة، وبيَّن الله عز وجل السبب بأنه قد يؤدي الخضوع في القول إلى أن يطمع الذي في قلبه مرض، ونوع القول {…وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً }؛ ولذلك طالما نبه الناس المرأة من أن تقع فريسة لحبائل شياطين الإنس الذين لا هم لهم إلا قضاء أوطارهم والوقوع في الرذائل والفواحش.
ما الذي يؤدي بالمرأة إلى أن لا تنتبه؟
هي تسمع هذه النصائح ولكن للأسف الشديد هي تظن بأنها هي في حصانة من ذلك في حين أنها ماذا؟ تجد أنها تقع في هذه المخالفات فتتساهل فيما تقول في ضحكاتها في ابتساماتها في علاقتها بالأجانب من الرجال.
إذا كان الله تعالى يخاطب نساء النبي أمهات المؤمنين بهذا القول:
{…فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً {32} وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ…}.
مع ذلك أيضاً لابد من الاستعانة بالمحافظة على الفروض والإكثار من النوافل؛ ولذلك قال: {…وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ…}، ثم – كما قلنا – في ذلك طهارة ونقاء؛ لأن الله عز وجل أشار إلى ذلك صراحة {…إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً }، ثم أمر خاص لنساء النبي – صلى الله عليه وسلم – {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً}.
لننظر في هذا الختام في هذا السياق في سورة الأحزاب { إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً } (الأحزاب:35)، مع أنه لو لم تذكر جموع التأنيث هذه: المسلمات المؤمنات القانتات في نفس السياق لِكُنَّ داخلات، لكن القرآن الكريم أراد أن ينص صراحةً على أن هؤلاء المتصفين من الرجال والنساء بهذه الصفات المذكورة في هذه الآية هم الذين يتحلون.. ويحافظون على ما تقدم من أحكام وتشريعات، وهم الذين ينالون المغفرة والأجر العظيم الذي أعده الله تعالى لهم.
مقدم البرنامج: وتأخر موضوع المحافظة على الفروض.. جاءت قبله أمور أخرى يقوم بها الإنسان.
الشيخ كهلان: نعم؛ لأن ذلك كله – كما قلنا – يأخذ بعضه بحجزة بعض فيكمل بعضه بعضا.
ولذلك لابد للمرأة والرجل أن يكون كل منهما حافظا لفرجه.
نجد هذا المعنى أيضاً { وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ {5} إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ…} (المؤمنون:5-6) الخ الآية الكريمة، فهذا أيضاً يشمل الرجال والنساء، ويتكرر هذا المعنى في كتاب الله عز وجل لماذا؟
لأن هذا في سياق بيان صفات أخرى لا تتحقق أبداً هذه المحافظة إلا بالمحافظة على الخصال هذه الأخرى؛ لأنها من الواجبات ومن الآداب التي يجب على المسلم أن يلتزم بها رجلا كان أو امرأة.
مقدم البرنامج: نعم.. طيب موضوع الصوم فضيلة الشيخ كثيراً ما يُطرح كبديل على اعتبار أن الحديث أيضاً ورد به، والبعض يقول إننا نصوم ولكننا لازلنا في جماح من الشهوات.
الآن تأثير الصوم هنا تأثير حسي أم أنه محاولة لجعل هذا الإنسان يعيش في جو روحاني؟
الشيخ كهلان: كلا التأثيرين.. وحسناً فعلت – بارك الله فيك – بالإشارة إلى التأثير المادي الحسي؛ لأن الصوم ذاته يُضعف.. ويقول الفقهاء وهذا كلام أيضاً يؤكده الأطباء بأنه إن كان لا يردعه القليل من الصوم فليكثر منه، لكن في الحدود التي لا تؤثر على الصائم معها في أداء الواجبات والفروض التي عليه، قد لا يكفيه مثلا أن يصوم يومين في الأسبوع فليصم أكثر من ذلك.. يحتاج أن يصوم ثلاثة أيام في الشهر مع اليومين في الأسبوع، قد يحتاج إلى أن يصوم أكثر من ذلك.
أيضاً الصوم الصحيح الذي ينهى عن الوقوع في الرفث والفسوق والجدال الذي يتمثل فيه الصائم هذه القربى التي يتعبد بها ربه تبارك وتعالى، ويتذكر هذه الحالة التي هو فيها، وأن يكون محتسبا للأجر الذي يناله من خلال معايشة كتاب الله عز وجل، وأن يكون على خلق رفيع.. أن تصوم جوارحه قبل أن يصوم عن الأكل والشرب والجماع، هذا هو الذي يؤدي إلى النتائج المتوقعة.
موضوع الفراغ أيضاً الذي أشار إليه المتصل الثاني موضوعٌ مهم كنا قد تحدثتا عنه ولكن التأكيد عليه بأنه لابد فعلا لكلا الطرفين، فالآن كثير من شبابنا وفتياتنا الذي يوقعهم في هذه المآزق هو إيجاد وسائل التسلية، ويتحجج بأنه نقضي وقت فراغ ويتسلى، لكن لن نصل إلى المحظور بينما هي طريق حينما يسلك فيها المرء خطوات يصعب عليه أن يتراجع ويجد نفسه في نهاية الطريق وقد جاوز مرحلة القدرة على العودة والعياذ بالله -.
مقدم البرنامج: وعاقبة هذا الصبر مع الصوم الحقيقة ستكون حميدة بإذن الله سبحانه وتعالى.
يوسف – عليه السلام – صبر على السجن ومكث فيه بضع سنين هروبا من فتنة النساء أو من فتنة أحاطت به.
وقضية الصوم هو سجن عن الأكل والشرب لمدة ساعات بسيطة ولكن النتيجة إن شاء الله ستكون طيبة.
الآن نقف في استراحة بسيطة مع هذا الحديث النبوي الشريف ثم نتابع حوارنا بإذن الله.
*******************************
روى الإمام مسلم في صحيحة عن أبي الأحوص عن عبد الله عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه كان يقول: “اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى”.
مقدم البرنامج: مرحباً بكم أعزاءنا الكرام في برنامج دين الرحمة.
تحدثنا اليوم عن موضوع العفة ولازلنا نتحدث عنه إلى وقت انتهاء البرنامج إن شاء الله.
فضيلة الشيخ قبل أن نعلق على هذا الحديث والذي تضمن دعاء من النبي – صلى الله عليه وسلم – نأتي إلى موضوع لنستكمل فيه ما كنا قد وقفنا عنده قبل الفاصل، العفة وقضية الاتهام من طرف الآخر.. قضية الطعن في عفة الإنسان قد يصدر من الرجل في حق المرأة وقد يصدر من المرأة في حق الرجل، وخاصة سيكون هذا الأمر أكثر سوءاً عندما تُتَّهَمُ الزوجة في عفتها أو يتهم الزوج في عفت،ه فيؤدي بالتالي إلى نهاية ذلك البيت المبني أصلا على العفة.
الشيخ كهلان: نعم.. أحسنتم هذه نقطة هامة.
عندما نتحدث عن العفة والعفاف لا يعني أن الأزواج من الرجال والنساء بمنأى عن ما نتحدث عنه بل هو أيضاً ملاصق وأساس في بناء الأسرة المستقرة أساسها المودة والرحمة؛ وبالتالي نجد أن الكثير من التشريعات الإسلامية جاءت لكي تعلم الزوجين الرجل والمرأة أن عليه أن يحسن ظنه بزوجه وأن عليه أن يربأ به عن الاتهام بالخيانة والاتهام في الأعراض.. نجد ذلك في الآداب التي جاءت للأوقات التي يعود فيها مثلاً الرجل إلى بيته.. نجد ذلك أيضاً في ما يتعلق بنصائح وتوجيهات تخص المرأة في بيتها.
لنأخذ موقف الرسول – صلى الله عليه وسلم – حينما كان معتكفا وأتته زوجه ثم بعد ذلك خرج ليودعها ورآه رجلان….
هنا الظن قد يكون من خارج الأسرة فيسري الحديث، ولذلك يبادر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ليصحح هذا الوضع ويبعد هذا المدخل للشيطان عن نفر من المسلمين.
كذلك إذا كان هذا فيما يتعلق بالأجانب من خارج الأسرة بين الزوجين وبين أفراد الأسرة الواحدة ينبغي أن يكونوا أكثر حرصاً على أن يحمل بعضهم بعضاً على حسن الظن، وأن يقيموا أود العلاقة بينهما – الرجل والمرأة – على المودة والرحمة التي أساساً جعلت غاية من الزواج فيما بينهما؛ ولذلك فإن استقرار الأسرة يبنى على ذلك، وكثير من الأمور التي نجدها في مسائل الطلاق وفي مسائل الاتهام هذه نفاها الشرع تماماً بين الزوجين، ورتب أحكاماً حينما تكون الأمور مبنية على التحقيق فقط وذلك حتى يحافظ على سياج هذه الأسرة، وليس شيء أصعب على الرجل أو المرأة، وكل منهما الأبي العفيف من أن يتهم في عرضه فلا ينبغي أيضاً للرجل أن يتهم المرأة.. لا يصح له أن يتهم المرأة إن رآها مثلا تتحدث في الهاتف فلا ينبغي له أن يسيء الظن بها ويظن بأنها تكلم أجنبي من الرجال، وإنما الأصل أن يحملها على أنها تكلم ذا رحم منها، كذلك بالنسبة للمرأة أيضاً، فينبغي لهما أن يحافظا على سياج العفة؛ لأنه حينما تسوء الظنون بينهما سوف تستحيل الحياة إلى حياة بعيدة عن المودة والرحمة والسكون والطمأنينة التي هي كلها من أسس استقرار الأسر وبناء جيل صالح من الأولاد.
مقدم البرنامج: وسورة النور على كل حال سجلت صورة الاتهام عندما يكون هناك من يتهم زوجه في عفته سيجعل ذلك الكثير من الألم في داخل البيت الواحد.
طيب نأتي الآن إلى فاصلنا الأخير، ثم نعلق بعد ذلك على الحديث الذي استمعنا إليه قبل قليل إن شاء الله.
*******************************
“خاتمة الحلقة”
العقل يأمر بالعفاف وبالتقـى *** وإليه يأوي الحلم حين يؤولُ
فإذا استطعت فخذ بفضلك فضلهُ *** إن العقول يُرى لها تفضيلُ.
وقال محمد بن علي :
الكمال في ثلاثة : “العفة في الدين، والصبر على النوائب، وحسن التدبير في المعيشة”.
وسئل الأحنف بن قيس عن المروءة فقال : “العفة والحرفة”.
مقدم البرنامج: فضيلة الشيخ في نصف دقيقة نقول استمعنا إلى حديث قبل هذا الفاصل قال فيه النبي – صلى الله عليه و سلم – : “اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى”، تُحدثنا عن دلالة هذا الحديث.
الشيخ كهلان: ينبغي لنا أن نحرص على هذا الدعاء.
هذا الحديث يحمل دعاء كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يدعو به وهو من هو في منزلته ومكانته وتقواه لله عز وجل وهو خير الخلق أجمعين، ومع ذلك كان يحرص على هذا الدعاء الذي ورد في عدة مصادر يقول: “اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى”؛ ولذلك ينبغي لنا أن نحرص أيضاً أن نستعين على بلوغ العفاف بأن نسأل ربنا تبارك وتعالى أن يلهمنا العفاف.
مقدم البرنامج: وأن يعيننا على ذلك.
أكرمكم الله فضيلة الشيخ على هذا العطاء الهادف في موضوع العفة، وأظن أننا قد تناولنا الكثير من نقاطها وانتهينا منها وإن كنت ذكرت- كما تفضلت في البداية – أنه موضوع طويل ويحتاج إلى مزيد من الحلقات ولكن ننتقل إن شاء الله في الحلقة القادمة إلى موضوع أخر وهو موضوع “القناعة”.
نرجو من الإخوة الكرام أن يساهموا في حلقتنا القادمة عن موضوع القناعة بالكثير من مشاركاتهم التي اعتدناها منهم.
شكرا لكم فضيلة الشيخ.
الشيخ كهلان: شكرا لكم و بارك الله فيكم.
مقدم البرنامج: شكرا لكم أعزاءنا الكرام.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
“انتهت الحلقة”.