الذِّكْر

الذِّكْــــــــــــــر

بثت في:

1 / جمادى الآخرة / 1430هـ

25 / مايو  / 2009 م

———————————

مقدم البرنامج: مستمعينا الأكارم السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، نحييكم في حلقة جديدة من برنامجكم دين الرحمة، وحلقة اليوم سوف نطرح فيها موضوع الذكر، في حلقة اليوم أنتم بصحبة الشيخ الدكتور كهلان بن نبهان الخروصي.

***********

نرحب بالشيخ الدكتور كهلان.. دكتور مرحباً بك..

الشيخ كهلان: حياكم الله، وأنا أرحب أيضا بالإخوة والأخوات الذين يشاركون في هذا البرنامج، والذين يتابعونه، ونسأل الله عز وجل في مستهله أن يوفقنا إلى ما فيه الخير، وأن يجمعنا على طاعته، وأن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا إنه تعالى سميع مجيب.

مقدم البرنامج: دكتور : برنامج دين الرحمة كما تعوَّد عليه المستمع الكريم هذا البرنامج يتناول منظومة القيم الإنسانية التي تبين آفاق الرحمة في هذا الدين الحنيف، وما أكثر هذه القيم، وما أحوج الإنسان إلى تعلمها ومعرفتها، وما أحوج أن يكون بحاجة إلى تطبيقها وتعلم كيفية تطبيق هذه القيم في حياته اليومية.

أين نجد الذكر من هذه المنظومة ومن هذه القيم الإنسانية السامية في حياة البشر؟

ولما نتناول هذه القيمة؟

وما العناصر التي سوف نتعرض لها في هذه الحلقة-بإذن الله تعالى-؟

الشيخ كهلان: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد :

فلا شك أن هذا البرنامج يتناول قيماً ساميةً، وأخلاقاً نبيلةً، ومبادئ سامقة يحتاج إليها المسلم؛ لأنها مصدر خير له، وأساس رحمة له في هذه الحياة الدنيا، وسبب عز في الحياة الآخرة، وكل القيم الإنسانية التي ينتظمها سلك هذا الدين في تشريعاته وفي آدابه وفي عقائده وشرائعه مجتمعة إنما تُريد لهذا الإنسان تزكية له في خِلاله وخصاله، وسعياً به في مدارج الكمال البشري حتى يكون قدوة حسنة في هذه الحياة.. عبداً مطيعاً لله عز وجل.. معتزاً بعبوديته له.. مخلصاً له العبادة.. نافعاً لعيال الله عز وجل.. معمراً لهذه الأرض بما يرضي الله سبحانه وتعالى؛ ولذلك كان هذا الإنسان في سعيه إلى تمثل القيم والأخلاق النبيلة والمبادئ الراشدة التي يدعو إليها هذا الدين بحاجة إلى ما يُذْكِي في نفسه في خضم ماديات هذه الحياة وأمواج مطالبها المتلاطمة بحاجة إلى ما يستعين به على تمثل هذه القيم واقعاً في حياته.

والدين كله متكامل، فعقيدته هي مبعث كل خيرٍ وأساس كل عملٍ صالحٍ يقوم به هذا الفرد، والعمل هو ترجمان تلك العقيدة التي يؤمن بها.. يدين بها الفرد لله عز وجل، والأخلاق هي سياج هذا المسلم، وهي شعار هذا الدين؛ ولذلك كان كل ذلك بحاجة إلى ما يُغذي لدى هذا الإنسان الملكات التي تمكنه من تحقيق كل ما أراده الله عز وجل منه، وكل ما شرعه له ليكون عبداً صالحاً مطيعاً لربه.. نافعاً لنفسه ولمجتمعه ولأمته، وسائراً في طريق السعادة في الآخرة، وهذه كلها لا تتحقق إلا بصلة وثيقة بالله سبحانه وتعالى، هذه الصلة الوثيقة إنما تكون بذكره جل وعلا في كل آن وحين، وفي كل حال يتقلب فيه هذا الإنسان.. ذكر باللسان، وتذكر بالقلب، وفكر وتفكر وتدبر بالألباب والعقول.

لن نتصور أن المسلم يستطيع أن يحافظ على منظومة القيم والأخلاق ما لم يكن موصولاً صلةً وثيقةً بالله عز وجل من خلال الإكثار من ذكره، ليس فقط من خلال ذكره-كما سوف نرى-وإنما من خلال الإكثار من ذكر الله تبارك وتعالى، ومن تذكره جل وعلا، ومن التدبر والتفكر الذي يدعو إلى مزيدٍ من الإيمان، ومزيداً من الاعتزاز بهذا الدين، ومن الرغبة والإقبال على مراشده وهداياته؛ ولهذا احتجنا إلى أن نتناوله؛ لأنه لا يمكن لهذا الفرد أن يتمثل القيم والمبادئ التي تعرضنا لها في هذا البرنامج-وقد بلغت إلى الآن ما يقرب من ثمانين قيمة مما تعرضنا له، ومما سوف نتعرض له في الحلقات القادمة بمشيئة الله تعالى، ومما قد لا نتعرض له لضيق الوقت-كل ذلك لا يمكن إلا أن يكون منبعثاً من قاعدةٍ متينةٍ راسخةٍ من الصلة بالله عز وجل، وهذه الصلة إنما تتمثل في الإكثار من ذكر الله عز وجل، وهذا الذكر الذي نتحدث عنه هو الذكر بعمومه الذي يتناول كل أحوال الإنسان، ويتناول كل أوقاته وكل ظروفه وأحواله، ومن هذا يتبين أننا سوف نتعرف على ما يتصل بموضوع الذكر من تعاريف ومن معانٍ ودلالات.

كما أننا سوف نتعرض-بمشيئة الله تعالى-للعوائد التي تتحقق من ذكر الله عز وجل خاصة تلك الدنيوية أي الفوائد الدنيوية، إذ كثير من الناس يظن أن منافع الذكر إنما تكون في الآخرة فهي تقرب إلى الله عز وجل زلفى، وتُبلِّغ رضوانه-لا شك-؛ لكنهم ينسون أو يجهلون الآثار الدنيوية المادية المحسوسة التي تتحقق لهم من إكثارهم من ذكر الله عز وجل، سوف نتعرض لهذه الآثار-بمشيئة الله تعالى-، وسوف نحاول الإجابة على بعض الأسئلة كسؤال : لماذا لا يتحقق لبعض الناس شيء من هذه الآثار في حين أنهم يظنون أنهم يكثرون من ذكر الله عز وجل؟!

وفي المقابل أيضا بين الإفراط والتفريط في ذكر الله عز وجل-هذه قضية هامة سوف نقف عندها أيضا-بمشيئة الله تعالى–، ثم سنحاول أن نختم بما الذي يخسره الإنسان بتفريطه في ذكر الله عز وجل أيضا من آثارٍ دنيويةٍ ظاهرةٍ يراها في واقع حياته كماً من آثارٍ يجدها عند الله سبحانه وتعالى يوم القيامة؟

ونحن نتحدث في هذا الموضوع لن ننبتَّ عن واقعنا الذي نحن فيه بمعنى أننا نعالج هذا الموضوع بالنظر إلى هذا الواقع الذي أفرز الكثير من المتغيرات، والذي أنتج أيضا كثيراً من الأفكار المتضاربة المتلاطمة.

في هذا المحيط الذي يوجد فيه هذا المسلم كيف يكون ذكر الله عز وجل؟

وكيف يستطيع المسلم في هذا الخضم الهائل من هذه المتغيرات التي تحيط به أن يحافظ على إكثاره من ذكر الله تبارك وتعالى.. كيف له ذلك، وما الذي يعود عليه من وراء ذلك-بمشيئة الله-؟

مقدم البرنامج: نعم..، قبل أن نلج إلى خضم هذا الموضوع ننصت إلى آية من كتاب الله العزيز ثم نتابع الحوار.

*******************************

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا {41} وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا {42} هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا } (الأحزاب:41-43).

مقدم البرنامج: صدق الله العظيم.

دكتور كهلان : استمعنا إلى هذه الآيات الكريمة.. ما معنى الذكر؟ وما منزلته في الدين؟

الشيخ كهلان: نعم، أولاً هاتان الآيتان اللتان أنصتنا إليهما من سورة الأحزاب نجد فيها الأمر الصريح بالإكثار من ذكر الله عز وجل، فالله تعالى يخاطب عباده المؤمنين بقوله { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا }، فهذه الآية من سورة الأحزاب يخاطب فيها الله عز وجل عباده بخطاب الإيمان ترغيباً لهم وتحبيبا لنفوسهم إلى هذه الخصلة التي يدعوهم إليها، ثم يأتي الأمر صريحاً بصيغة افعل.. {… اذْكُرُوا … } اللَّهَ عز وجل مقرونا بـ { … ذِكْرًا كَثِيرًا } ببيان صفة هذا الذكر، فالمطلوب من المؤمن مما نفهمه من هذه الآية أن يذكر الله تبارك وتعالى ذكراً كثيراً، ثم يأتي بعد ذلك أيضا بعض التفصيل أو مزيد بيان لهذا الأمر وهو قوله سبحانه : { وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا }، ثم نجد مزيد حضٍّ من الله تبارك وتعالى وترغيب منه جلا وعلا لعباده ببيان أنه جل وعلا يذكر عباده هو وملائكته { هُوَ الَّذِي … }-أي الله عز وجل-{ هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ … } وصلاة الله عز وجل على عباده تعني الرحمة بهم.. تعني اللطف بهم، والتيسير عليهم، وتقريبهم منه إن أحسنوا العمل وأخلصوا له العبادة { هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا }.

إذاً كل ما نجده في هذه الآيات الكريمة-وهي ثلاث آيات في الحقيقة.. أنصتنا إلى ثلاث آيات من سورة الأحزاب-يدعو المؤمن بكل ترغيبٍ وبكل حثٍّ وحضٍّ إلى أن يكون كثير الذكر لله تبارك وتعالى، وهذا المعنى سُبِقَ في سورة الأحزاب نفسها ببيان بعض خصال المؤمنين؛ حتى نصل إلى الإجابة على سؤالك حول معنى الذكر لابد لنا أن ننظر في السياق القرآني الذي ورد فيه أيضا هذا الذكر أي سُبِقَ قبل هذا الموضع من سورة الأحزاب بخمس آيات ببيان بعض خصال المؤمنين حينما قال الله عز وجل : { إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ … } (الأحزاب:35)، ثم قال { … وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا } (الأحزاب:35).

اللافت في هذه الآية الكريمة أن الخصال المتقدمة على خصال الذكر المنعوت بها المؤمنين والمؤمنات جاءت مجردة دون أوصاف.. المسلمين والمسلمات.. المؤمنين والمؤمنات.. القانتين.. لم يأتِ بيان لشيء من هذه الصفات بوصف يبين معناه أو نوعه إلا حينما أتى إلى صفة الذكر فالله تعالى قال : { … وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا }.

إذاً هذا الذكر الذي رَغَّبَ الله سبحانه تعالى فيه، وأمر بالإكثار منه، وحث على المداومة عليه لما يحققه من كونه وسيلة لإيصال الرحمة للعباد كما في هذه الآية { … وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا } وكما في الآية التي قبلها.. التي تلوتها { … أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا }، وهذا نستخلص منه معنى الذكر الذي نتحدث عنه ونحتاج إلى أن نتبين معناه، الذكر المقصود به هو ذلك الذي يكون بالفعل والعمل.. أداءً للعبادات.. امتثالاً لأمر الله عز وجل، ووقوفاً عند حدوده، ويكون باللسان بذكره جل وعلا بصيغ الذكر المختلفة التي سوف نتعرض لبعضها، ويكون أيضا بالقلب وبالتذكر { إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ } (آل عمران:190)، والله عز وجل يقول : {… وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ … } (آل عمران:191) حينما يصف المؤمنين قال : { الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ … } (آل عمران:191)، ثم النتيجة : { … رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ } (آل عمران:191)، فهم يذكرون بألسنتهم حينما يرون آيات الله عز وجل في أنفسهم وفي الكون مبثوثة من حولهم فيتفكرون في هذا الخلق فيصلون به إلى استحقاق الله عز وجل للعبودية الخالصة له وحده سبحانه وتعالى، ويزدادون إيماناً باليوم الآخر فإذا بهم يجأرون إلى ربهم تبارك وتعالى { … رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً … }، ثم ينزهونه ويقدسونه { … سُبْحَانَكَ … } فيدعونه { … فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ }.

فإذاً هذا الذكر الذي نتحدث عنه هو كل أنواع الذكر التي تكون من الإنسان بالقول وهو الذي يتصوره الناس في الغالب؛ لأن الذكر هو ما كان ذكراً باللسان.. كان تلاوة كتاب الله عز وجل، والمحافظة على الاستغفار، وعلى الأذكار المختلفة، والأوراد المتعددة في الأحوال التي تمر بالإنسان أو يمر بها الإنسان، ويكون بالاستغفار، ويكون بالدعاء لله عز وجل، ويكون أيضا الذكر بالفعل، ويكون بالفعل بأداء ما افترضه الله سبحانه وتعالى على عباده كما يقول ربنا تبارك وتعالى : { … وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ … } (العنكبوت:45)، { … وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي } (طه:14)، كما نفهم من هذا الاقتران في سورة الأحزاب بين الذاكرين الله كثيراً والذاكرات وبين ما تقدمها من خصال المؤمنين من وصفهم بالإيمان والإسلام والإيقان والقنوت والصيام والصدقة والصدق إلى آخر ما وصفهم به تبارك وتعالى هذا هو معنى الذكر الذي نتحدث عنه.. كل ما كان بالقول والفعل أو كان أيضا تذكراً بالقلب كل هذا داخل في معنى الذكر الذي نتحدث عنه.

مقدم البرنامج: نعم..، دكتور : كثيراً من الناس يدركون نظرياً أهمية الذكر؛ لكنهم في حال التطبيق العملي يقعون بين الغلو فيه والتجافي عنه، وأنت ذكرت أن هناك من يغالي في ذكر الله ومن يتجافى عن ذكر الله، بالتأكيد هناك ثمة منهج صحيح يسير عليه الذاكر في أهمية ذكره بالنسبة للمسلم، ما هو هذا المنهج الصحيح؟

وكيف يكون؟

الشيخ كهلان: نعم، أولاً لننظر في بعض الآيات من كتاب الله عز وجل بالإضافة إلى ما تقدم مما تحث المسلم على الذكر لنفهم السياق الذي يمكننا من الإجابة على هذا السؤال، نجد في سورة البقرة أن الله عز وجل يخاطب عباده فيقول : { فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ } (البقرة:152)، هو أمرٌ-مرة أخرى-بصيغة الأمر.. بصيغة افعل.. صريحٌ يأمر الله تعالى عباده فيه بأن يذكروه، والعاقبة أنهم إن ذكروه يذكرهم سبحانه وتعالى { فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ }، هذه الآية وردت في سياق تذكير الله عز وجل عباده بنعمه التي أنعمها عليهم، وبكل فضل أوجده لهم، وبكل ما أسبغه عليهم من لطائف رحمته ومننه سبحانه وتعالى، فمتى ما بادر المسلم إلى ذكر ربه عز وجل فإنه في الحقيقة إنما يجذب لنفسه الخير؛ لأن الله عز وجل بذلك سوف يذكره، ويقربه إليه زلفى، ويذكره في ملأٍ خيرٍ من الملأ الذي ذكر العبد فيه ربه تبارك وتعالى.

 ثم إننا نجد أن الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه الكريم بعد هذه الآيات من سورة الأحزاب: { فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا … } (البقرة:200)، مرة أخرى الأمر ليس بمجرد الذكر وإنما بالإكثار من الذكر، وهذا ورد في سياق بيان مناسك الحج، كما أن بعض الآيات التي ذكرناها كانت في سياق العبادات الأخرى خاصة الصلاة.

 ثم إننا نجد أيضا أن الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم يقول في معرِض بيانه للقصص القرآني.. في معرِض بيانه لشيءٍ من القصص التي يقصها لنا القرآن أي أحيانا أوامر صريحة.. أحيانا يصف لنا قصص أقوام إما أن يكونوا من الذاكرين الله تعالى كثيراً أو أن يكونوا من الغافلين ويبين عاقبتهم كما حصل في قصة قارون التي قصها لنا القرآن الكريم، وبين لنا القرآن الكريم أن سبب ما أصابه إنما كان بسبب غفلته فقد كان من الغافلين الذين أعرضوا عن ذكر الله عز وجل وعن شكر نعمه وآلائه.

مداخلة متصل : أنا لم أكن أرغب أن أقاطع الحديث الممتع للشيخ الدكتور؛ لكن أيضا بالنسبة لموضوع الذكر-كما تفضل الشيخ-أن ذكر الله سبحانه وتعالى هو أمر من أوامر الله سبحانه وتعالى، فالله سبحانه وتعالى يقول : { وَاذْكُر رَّبَّكَ … } هذا فعل أمر { وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ … } (الأعراف:205) كثير من الناس لا ينتبه إلى مسألة الغدو والآصال في ذكر الله سبحانه وتعالى.

كنا في سفر فقلنا ما رأيكم قليلاً نكمل الأذكار؟ فقال أحدهم : ماذا يعني أذكار؟! قلنا : أذكار الصباح وأذكار المساء، قال : من أين جئتم بهذا؟!  قلنا : جئنا بهذا من كتاب الله سبحانه وتعالى، الله سبحانه وتعالى يقول : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا {41} وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا } (الأحزاب:41-42)، فكذلك الله سبحانه وتعالى يقول : { وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ }، قال العلماء : لا تكن من الغافلين عن ذكر الله عموماً وفي هذين الوقتين خصوصاً.

أيضا مسألة الذكر بالقلب الله سبحانه وتعالى ذكرها في القرآن مثلاً في سورة الكهف يقول : { وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا … } (الكهف:28) لم يقل أغفلنا لسانه.

أيضا بما أن هذا دين رحمة–هذه ملاحظة للشيخ الدكتور جزاه الله خيراً-بما أن هذا دين رحمة الله جل جلاله يريد هذه الرحمة أن تعم الكرة الأرضية.. الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه : { هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ } (التوبة:33) هذا الدين هو دين رحمة، الله سبحانه وتعالى يريد أن يظهر هذا الدين على الدين كله، فماذا فعلنا أيضا نحن من أجل الناس الذين ينتظروا من يأتيهم لينقذهم من النار، ويخرجهم من الظلمات إلى النور؟

وجزاكم الله خيراً.

مقدم البرنامج: شكرا لك أخي.. نواصل الحديث الشيخ الدكتور..

الشيخ كهلان: بالنسبة لما ذكره أي الاستشهاد بقول الله عز وجل : { وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً … } هذه أيضا من الآيات الهامة في هذا السياق الذي نتحدث عنه، ولها أكثر من دلالة، فهي تأمر بذكر الله عز وجل، والآية أخذ منها المفسرون أن ذكر الله عز وجل في السر.. في الخفاء لعله أفضل وإن كان هذا ليس في إطلاقه؛ لكن في عموم الأحوال هو أولى وأفضل من الذكر أن يكون جهراً، وهذه الأوقات أيضا التي نص عليها القرآن الكريم أشار إليها في أكثر من موضع { فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ {17} وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيّاً وَحِينَ تُظْهِرُونَ } (الروم:17-18)، فنجد أن هذه الأوامر الصريحة التي تقترن بالأمر بالذكر.. الأمر بالتضرع إليه سبحانه وتعالى .

كما وقفنا في الحديث ببيان قصص أولئك الذين إما أن يكونوا من الذاكرين الله الذين نجاهم الله سبحانه وتعالى بسبب ذكره كما نجد في قصة يونس-عليه السلام–ذا النون-أنه حينما لجأ إلى ربه ودعاء بالدعاء الذي قصه لنا القرآن الكريم { … فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لّا إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ } (الأنبياء:87) في ذلك الموضع.. وحينما ذكر ربه بهذا الذكر الذي فيه من المعاني العميقة التي تبين ضعف هذا الإنسان في ذلك الموضع.. وتسليمه المطلق أن كل شيءٍ إنما هو بيد الله عز وجل إذا بأنوار ألطاف رحمة الله عز وجل تنجي هذا العبد الصالح.. هذا النبي الكريم من أنبياء الله-عليهم الصلاة والسلام-.

أيضا نجد أن الله تعالى قلما يذكر صفات المؤمنين إلا ويذكر معها الذكر بل أحيانا يذكر الذكر مقدماً على كثيرٍ من الفرائض العملية التي أمر الله تعالى بها عباده المؤمنين، فالله عز وجل يقول: { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ … } (الأنفال:2) وهذا يؤكد نفس المعنى الذي أشار إليه { … وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا }، في سورة الأنفال : { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } (الأنفال:2)، ثم بعد ذلك يأتي العمل { الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ {3} أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا … } (الأنفال:3-4).

أيضا نجد مثل هذا-بيان هذه الصفات-متصلة بالمؤمنين في مواضع أخرى، ولن يمكن لنا أن نحصرها وإلا لطال بنا الوقت في ذكر هذه الآيات التي يصف فيها الله عز وجل عباده المؤمنين ويقرن صفاتهم بالذكر.. بكثرة ذكره { كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ {17} وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } (الذاريات:17-18)، وهذا يذكرنا أن الله عز وجل أمر نبيه محمداً-صلى الله عليه وسلم- : { قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا {2} نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا {3} أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا {4} إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا } (المزمل:2-5)، وكان رسول الله-صلى الله عليه وسلم-يقوم الليل حتى تتفطر قدماه، والسيدة عائشة تقول له : قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فيقول : ” أفلا أكون عبداً شكوراً ؟؟” سنأتي إلى هدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-أيضا في هذا الباب أي يُسمَع له في المجلس الواحد أكثر من سبعين مرة يستغفر فيها ربه تبارك وتعالى، وهذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-أتقى الناس، وأصفاهم سيرة، وأقربهم إلى الله عز وجل، وقد غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.

هذا يبين لنا أن من صميم صفات المؤمنين الذكر الذي يزيدهم عملاً وقربى إلى الله عز وجل، فالذكر طاعة وعبادة، وهي تزيد المؤمن إقبالاً على الطاعات والعبادات، كما أنها تخفف عليه ضنك هذه الحياة بما فيها من مواقف شدة وفيها من لَأْواء يواجهه هذا الإنسان، فبذكره ربه تبارك وتعالى يخفف من وطأة هذه المواقف التي يمر بها مما فيها مشقة وصعوبة عليه فهو بذلك يخفف من آثارها على نفسه، كما أنه أيضا يزيد إقبالاً على الله سبحانه وتعالى حينما يذكر ربه تبارك وتعالى، مما يعني أن الذكر الذي يُراد من المسلم هو ذلك الذي لا يشغله عن باقي ما فرض الله تبارك وتعالى عليه.. هو ذلك الذي يزيده إقبالاً على أداء هذه الفرائض، وعلى التحلي بمكارم الأخلاق التي يزكيها ذكر الله تبارك وتعالى، وهو ذلك الذي يُمَكِّنُ المسلم من تخطي الخطوب التي تواجهه في هذه الحياة الدنيا.

أما ذلك الذكر الذي يكون باللسان فقط ولا يصاحبه تذكر بالقلب وتفكير باللب والعقل ومزيد من الصلة المتينة بالخالق سبحانه وتعالى فهو ذكرٌ أجوفٌ خالٍ من روحه التي يحتاج إليها هذا الإنسان؛ لأن الذكر يحيي الأرواح، والذكر هو الذي يصقل ما يرين على قلب المسلم من غشاوات الغفلة، والبعد عن منهج الله عز وجل، والابتعاد عن الصراط المستقيم، فإذاً المسلم لابد له أن يكون في منهجٍ وسطٍ يكون فيه ذاكراً لله عز وجل ذكراً كثيراً؛ لكن هذا الذكر هو الذكر الذي يحقق له الروح الصحيحة الحقيقية التي تزيد من إيمانه وتزيده إقبالاً { وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ }، فهم يقبلون على الله عز وجل.. هم عاملون.. هم يزدادون يقيناً هذا اليقين يمكنهم من مواجهة الخطوب التي يلاقونها في هذه الحياة الدنيا.

أما أن يكون الشغل الشاغل للإنسان الذكر، ويكون ذلك على حساب باقي الفرائض مما أمر الله عز وجل به عباده سواء كان من الفرائض الخالصة له كالعبادات.. الفرائض.. الشعائر التعبدية من صلاةٍ وصيامٍ وحجٍ وغير ذلك أو كان ذلك مما فيه حقوق للآخرين كـبِرِّ الوالدين أو السعي في طلب الرزق أو عمارة هذه الأرض أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإن هذا مما يتنافى والهدي الراشد لهذا الدين؛ فلذلك حينما يصبح الذكر هو الشغل الشاغل للناس، يعقدون له الحلقات، ويكون هو همهم، والمكثر منه يتميز على غيره وما هي إلا دندنات بكلمات تكون مفهومة أو غير مفهومة في بعض الأحيان ولا تزيد هذا العبد الذاكر إقبالاً على الخير ومزيداً من العطاء والطاعة ومزيداً من صفاء النفس الذي يُمَكِّنُهُ من مواجهة الخطوب فهذا-كما قلت-ذكرٌ فارغٌ من معناه، أجوف من محتواه.

كذلك أيضا التجافي والظن بأنه لا حاجة للإنسان المسلم حتى ولو كان تقياً.. مؤدياً للفرائض.. واقفاً عند حدود الله عز وجل -كالمثال الذي ذكره الأخ المتصل-أنه لا حاجة له إلى الذكر فهذا أيضا جفاء غير حميد العواقب؛ لأن قلب الإنسان بحاجة إلى ما يوقظ فيه جذوة الإيمان، وبحاجة إلى ما ينير له دربه، وإلى ما يصله بالله سبحانه وتعالى، وهذا لا يتحقق إلا بالإكثار من ذكر الله عز وجل؛ فلذلك لا يصح أيضا الجفاء عن الذكر، وإهمال هذا الباب، وإغفال هذا الزاد الروحي الذي يبني للإنسان روحه، ويهذب له أخلاقه، ويُقَوِّم له سلوكه وطباعه، وبالتالي كان المسلم حينما يكون صالحاً تقياً ينبغي أن يكون أحرص على أن يكون ذاكراً لله عز وجل.. مداوماً على ذكره.. مداوماً على طاعته، وأن يُذكِّر نفسه ويُذكِّر إخوانه بذلك كما كان صحابة رسول الله-صلى الله عليه وسلم-عليهم رضوان الله تعالى : تعالوا نجدد إيماننا ساعة.. تعالوا نؤمن ساعة.

والرسول-صلى الله عليه وسلم-حينما مرَّ في المسجد بالحلقات قال : ” إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا ” فقالوا : وما رياض الجنة يا رسول الله؟ قال : ” حِلَقُ الذكر ” يبين أن حِلَقَ الذكر هذه التي كانت حِلقاً.. كانوا جماعة.. كانوا في المسجد سماها : رياض الجنة، وفي هذا من الشرف للذكر ما فيه من منزلة يبوأ إياها ذكر الله عز وجل.. منزلة جليلة وتبين أيضا احتياج المسلم إليها.

فإذاً المنهج الوسط هو ذلك الذي يعي حقيقة الذكر، ويعلم أنه زادٌ روحيٌ يحتاج إليه.. لابد له منه، وأنه لن يتمكن من مواجهة خطوب هذه الحياة ومادياتها إلا بهذا الزاد الروحي.. لن يتمكن من تحقيق أوامر الله عز وجل وامتثال أخلاق هذا الدين واتباع هداياته ومراشده إلا حينما يكون ذاكراً لربه تبارك وتعالى.

والذكر في الحقيقة يصل الإنسان بهذا الوجود من حوله.. كيف ذلك؟

أولاً نجد في هدي رسول الله-صلى الله عليه وسلم-أنه كان كثير الذكر لربه تبارك وتعالى، وكثيراً ما كان يصل المسلم بين الظواهر الطبيعية التي تحصل وبين التوجه إلى الله عز وجل بالذكر والدعاء حينما تحصل شيء من الظواهر الطبيعية للشمس والقمر من كسوف وخسوف.. حينما ينزل المطر.. حينما تهب رياح أو ريح.. حينما تشتد الرياح.. حينما ينزل الغيث.. حينما تتحرك الغيوم.. عند طلوع الشمس.. عند غروب الشمس.. في الثلث الأخير من الليل.. قبل الغروب، وقبل طلوع الشمس.. عند دلوك الشمس، نجد أن هناك صلة تنشأ بين هذا العبد وبين هذه الظواهر.. بين حركة الكون من حوله وكأن المقصود أن يكون هناك تناغم وانسجام بين هذا الفرد وبين ما حوله من مفردات هذا الوجود وكلٌّ يسبح بحمد الله عز وجل، فهذا الذي يحقق له الانسجام وهذا الذي يحقق له التناغم هو الذي يمكنه من أن يكون مطمئن النفس.. هادئ البال.. مرتاح الضمير { الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ {28} الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ } (الرعد:28-29).

وبالتالي نتصور الحالة في المقابل أيضا حينما يكون في نشازٍ.. حينما يكون غير ملتفتٍ لهذه الظواهر والأحداث التي تكون من حوله فإنه يكون وكأنه في حالة من الشذوذ والنشاز مع مفردات هذا الوجود ومع الظواهر الكونية من حوله، أما المسلم الحق فإنه يعلم أن الله عز وجل هو مسبب هذه الظواهر، قد توجد لها أسباب مادية؛ ولكن المسبب الحقيقي هو الله سبحانه وتعالى، وهذه الأسباب الحقيقية أيضا لها أسباب حقيقية في تشريع هذا الدين ومن أسبابها الإعراض عن ذكر الله عز وجل، كما أن من أسباب جلائها الإكثار من ذكر الله سبحانه وتعالى.

 فحينما كُسفت الشمس يوم وفاة إبراهيم-عليه السلام-ولد رسول الله-صلى الله عليه وسلم- قال : ” إنما الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فاذكروا الله، واستغفروه، وتوبوا إليه-وفي رواية-فصلوا ” أمرهم بالصلاة أي هذا ذكر في ظاهرة كونية يفسرها كثير من العلماء بأسبابها أيضا الظاهرة المادية التي يعرفونها؛ لكن هذا الحديث يرشدنا كما هو شأن سائر الظواهر إلى أن هناك مسببا حقيقيا لمثل هذه الظواهر، وهذا المسبب الحقيقي إنما يُري عباده بعض آياته، وبالتالي فهو ينبه عباده ويُذكِّرهم باحتياجهم إلى أن يتذكروه، ويتوبوا إليه، ويعودوا إلى الصراط المستقيم؛ حتى تنسجم حياتهم مع حركة سير هذه الحياة ومع مفردات هذا الكون الذي يعيشون فيه.

مقدم البرنامج: نعم، دكتور : نريد أن نتعرف على المنافع الدنيوية للذكر.. تطرقت دكتور إلى كثيرٍ من المنافع الأخروية التي تعود للإنسان.. المنافع الدينية التي تعود على الإنسان من جانب الذكر؛ لكن المنافع الدنيوية للذكر نريد أن نتطرق إليها بعد أن نقف مع شيء من الهدي النبوي الشريف على صاحبه أفضل الصلاة والسلام.

*******************************

روى الإمام البخاري في صحيحه عن أبي موسى قال : قال النبي-صلى الله عليه وسلم- : ” مَثَلُ الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مَثَلُ الحي والميت “.

وروى الترمذي في سننه عن عبد الله بن بسر أن رجلاً قال : ” يا رسول الله إن شرائع الإسلام قد كثرت علي فأخبرني بشيءٍ أتشبث به، قال : ” لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله “.

مقدم البرنامج: صدق رسول الله-صلى الله عليه وسلم-.

دكتور : يتضمن هذان الحديثان دلالات مهمة حول منزلة الذكر ومنافع الذكر ، فما هي فوائد الذكر في دنيا المسلم وفي أحوال حياته؟

الشيخ كهلان: نعم، الحقيقة ذكر أهل العلم الكثير من المنافع والعوائد التي تعود على المسلم من ذكره لله تبارك وتعالى، ولا يمكن لنا أن نستعرضها جميعاً؛ لكن سوف أذكر بعضها، وأفسح المجال فيها أيضا للإخوة والأخوات الذين يرغبون في المشاركة.

لنسأل : ما الذي يريده الإنسان لنفسه في هذه الحياة من المنافع الدنيوية :

هل يريد سعة الرزق؟

هل يريد كثرة العيال؟

هل يريد الوجاهة في هذه الحياة الدنيا؟

هل يريد الصحة والعافية؟

إذاً كل ذلك يتحقق بالذكر أيضا أي تتحقق للإنسان سعة الرزق حينما يكون مكثراً لذكر الله عز وجل، وتتحقق له الصحة والعافية حينما يكون كثير الذكر لله تبارك وتعالى يدفع عن نفسه أنواع البلاء حينما يلجأ إلى الله عز وجل ضارعا..ً متبتلاً.. مبتهلاً إليه.. صافاً أقدامه في جوف الليل إلى ربه تبارك وتعالى؛ لأن هذا الذكر يورثه صفاء النفس، ويطهر له قلبه، ويجعله-كما قلت-في انسجام مع حركة الكون من حوله، هذه الحقيقة.. هذا الجانب الروحاني غاية في الأهمية في استقرار نفس الإنسان، وفي سلامته وصحته، وفي صفاء ذهنه الذي يستطيع به أن يفكر ويتأمل ويتدبر، وفي اليقين الذي يحتاج إليه لكي يتوكل على ربه عز وجل فيأخذ بالأسباب، هذه أيضا مسألة مهمة أن هذا الذكر الذي نتحدث عنه-كما وصفته-هو الذي يدفع المسلم إلى مزيدٍ من العمل والعطاء، وإلى مزيدٍ من تعمير هذه الأرض، وإلى السعي في مناكبها، وإلى ابتغاء كل ما يحقق لنفسه ولمجتمعه وأمته الخير والنفع والصلاح.

ونحن أيضا من منطلق شريعتنا نعلم أن وراء الآثار المادية أسباباً معنوية، فالله عز وجل جعل لكل شيءٍ سبباً.. كيف؟

نحن نجد أن الرسول-صلى الله عليه وسلم-يقول مثلاً : ” داووا مرضاكم بالصدقة “، أمر بالعلاج-صلى الله عليه وسلم-لكن مع ذلك يشير إلى صلة التصدق بعلاج المرضى؟ لكن هكذا يرشدنا رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، وهذا نجده في قول الله عز وجل في الزكاة : { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم … } (التوبة:103)، أي هي تؤخذ من الأموال فيعود النفع على الأنفس تطهرهم وتزكيهم بها.

أيضا نجد أن من المنافع كذلك حينما نقول بأنه يحتاج إلى ثروة.. لنأخذ ما هو دون ذلك يريد أن يتخلص من الديون، إذا بنا نجد أن الرسول-صلى الله عليه وسلم-حينما استنصحه بعض أصحابه فيما يتعلق بالديون التي أثقلته أرشده إلى الذكر.. ينصحه بأنواع من الذكر موجودة في كتب الأذكار-وليس هذا محل بسطها-ينصحه إلى أن يتوجه إلى ربه عز وجل داعياً متضرعاً بأنواعٍ من الأذكار حتى يقضي دَينه فيكون ذلك سبباً لقضاء الدَّين، طبعا مع كسب الرزق، والسعي والأخذ بالأسباب.

أيضا الذكر سبب في تفريج الهموم وكشف الكروب.. حينما تنقطع بالمسلم الأسباب.. حينما تنقطع بهذا الفرد الأسباب والسبل، ويكون في ضنك من الظروف وفي صعوبة وشدة وضيق وكرب فمن الذي يستطيع أن ينجيه؟!

إنه الله عز وجل الذي بيده أسباب كل شيء، وهو القادر على كل شيء، فإذا أقبل هذا المسلم على الله عز وجل ذاكراً مبتهلاً إليه.. متضرعاً آناء الليل وأطراف النهار إذا بالله عز وجل يكشف له كربه، ويفرج عنه همه، ويزيل له غمه، كيف إذا اجتمع مع ذلك أنه في ذكره.. يسأل ربه أن يكشف عنه ذلك الذي ألم به من ضيقٍ وكربٍ، وهناك أيضا أذكار معينة تعين المسلم على ذلك.

فإذاً حينما يكون في شدة فإن الذكر ينفعه.. حينما يكون في رخاء فإن الذكر ينفعه.. حينما يكون في حاجة-يحتاج إلى أمرٍ ما-فإنه يستعين بالذكر أيضا على ذلك.

أيضا الآن هناك دراسات.. الكثير من الدراسات-الحقيقة-التي توجد في شرق العالم وفي غربه يبحثون في تأثير ما نعرفه نحن بأنه أذكار وأوراد، ويُعرَف في بعض الحضارات والثقافات بأنها طقوس هم يبحثون-هي تمتمات بكلمات معينة-يبحثون في أثر هذه الكلمات التي تكون كلمات خير وتكون كلمات صلاح نابعة عن محبةٍ وإخلاصٍ في تأثيرها المادي.. في أثرها المادي في محيط هذا الإنسان، ولهم في ذلك أبحاث كثيرة.

هل ينتظر المسلم اليوم أن تأتيه نتائج أبحاث من شرق العالم وغربه تؤكد له منافع الذكر في نفسه وفي المحيط الذي هو فيه حتى يلجأ إلى ذكر الله عز وجل، وبين يديه هذه الأوامر الصريحة من كتاب الله عز وجل؟؟!!

لكن أنا لم أشأ أن أقتبس الآن في هذا المحل؛ لأنها لازالت أبحاث؛ لكنها بلغت شأواً بعيداً يتحدثون عن نتائج-أخي-غاية في الغرائب في الألفاظ التي يتلفظ بها الإنسان حينما تكون نابعة عن محبة وإخلاص وصدق، يقولون بأنها تحدث أثراً عجيباً في المحيط من حوله، كما أن كلمات الشر والتي تكون نابعة من كراهية وبغض يكون لها أثر بالغ.. أثر سلبي سيء أيضا في المحيط من حوله، وهذا يمكن أن يُفسِّر كثير من ظواهر الحسد والحقد؛ لأنها نابعة عن كراهية وبغضاء، وعن بُعدٍ عن منهج الله سبحانه وتعالى، إذاً هذه بعض الآثار.

الذكر سبب للتعلم.. ذكر الله عز وجل يفتح أبواب العلم لهذا الإنسان؛ لأنه يريه الأشياء على حقيقتها.. يتمكن حينما يكون ذاكراً لله عز وجل من معرفة بواطن الأمور، ومن القناعة بما آتاه الله عز وجل، ومن الانتفاع بما علمه إياه ربه تبارك وتعالى، وانتفاعه ذلك يعني تطبيقه له، وبالتالي هذا التطبيق مدعاة إلى مزيد من التعلم، وهكذا يكون شأن المتعلم الذاكر لربه تبارك وتعالى على خلاف المتعلم الغافل فإنه سوف يظل في دائرته تلك لا يسعى إلى مزيدٍ من آفاق العلم إلا للأغراض المادية فقط، أما هذا فإن الذكر يُمَكِّنُهُ.. يفتح له آفاقاً واسعةً تريه أن للعلم منفعة فيما يتقرب به إلى ربه تبارك وتعالى فيما ينفع به الأمة.. فيما يخدم به مصالح الناس.. فيما يحقق به مصلحة في هذا الكون الذي يعيش فيه الناس فإذا به يسعى إلى مزيدٍ من الاكتشاف، وإلى مزيدٍ من الإقبال على العلم بتلك الروح التي تصل علمه بالله سبحانه وتعالى من خلال منظومة الذكر.

أيضا الذكر متصل بشكر الله عز وجل، والشكر سبب لمزيدٍ من النعم، فالله عز وجل يقول: { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ … } (إبراهيم:7)، الله عز وجل قد وعد بالمزيد عباده الذين يتوجهون إليه بالشكر، فإذا بهذا الذكر الذي منه الشكر يكون سبباً لمزيدٍ من الخيرات التي يُنعم بها الله سبحانه وتعالى على العباد، وهذا من المنافع الدنيوية.

الذكر يُعَلِّمُ الإنسان المحبة؛ لأن الذاكر محبٌ لله عز وجل، ومحبٌ لرسوله-صلى الله عليه وسلم-الذي منه يتعلم هذه الأذكار، ومحبٌ للمؤمنين، ومحبٌ للخير، لننظر فيما علمنا إياه القرآن الكريم من أذكار نجد أن القرآن الكريم مليء بهذه الأذكار التي تدعو بالخير والمنفعة ليس للنفس فقط وإنما للمؤمنين جميعاً، وللناس، وللدين، ولهذا الكون الذي يعيش فيه هذا الإنسان، حتى في صلة الأرحام حينما نجد أن الله سبحانه وتعالى يقرن بين الفساد في الأرض وبين تقطيع الأرحام هذا يؤخذ منه بدلالة المفهوم أن صلة الأرحام سبب للصلاح في الأرض، وهذا نوع من أنواع الأسباب المعنوية التي لها أثر مادي في واقع حياة الناس.

الذكر حصن للمسلم..

مقدم البرنامج: كيف ذلك؟!

الشيخ كهلان: حصن للمسلم؛ لأنه بالذكر-أي المسلم- يكون بالذكر.. يشكل الذكر له حصناً يمنعه من أن يُقتحم فيُتسور عليه بالحسد أو البغضاء.. أن يؤثر فيه الحسد أو الحقد أو البغضاء أو الكراهية التي تصدر من الآخرين من الإنس ومن الجن، والرسول-صلى الله عليه وسلم-في بعض الآثار التي وردت عند الإمام الترمذي وأظن أيضا عند الإمام أحمد بيَّن هذا المعنى، وأوصى بعض صحبه الكرام بأن يكثروا من ذكر الله عز وجل، وبيَّن لهم أن ذلك يشكل حصناً حصيناً لهم؛ ولذلك كثير من كتب الأذكار تسمى بالحصن الحصين، ورد في هذا الرواية-كما قلت-التي رواها أحمد في المسند ” وآمركم أن تذكروا الله فإن مَثَلُ ذلك مَثَلُ رجل خرج العدو في أثره سراعاً حتى إذا أتى إلى حصن حصين فأحرز نفسه منه في ذلك الحصن ” كذلك العبد لا يحرز نفسه من الشيطان إلا بذكر الله.

أيضا الذكر هو سبب لمزيد من الاهتداء؛ لأن أفضل أنواع الذكر تلاوة كتاب الله عز وجل، فقراءة القرآن هي أفضل أنواع الذكر، وحينما يعيش هذا المسلم مع كتاب الله عز وجل تلاوةً وتدبراً وحفظاً فإنه لا شك يحيي روحه كما استمعنا في هذا الحديث ” مَثَلُ الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مَثَلُ الحي والميت ” أي شُبِّهَ الذي لا يذكر ربه بالميت و شُبِّهَ الذي يذكر ربه بالحي، وبالتالي كان هذا الذي يكثر من تلاوة كتاب الله عز وجل آناء الليل وأطراف النهار، ويتدبر في كلام الله عز وجل، ويعمل به في واقع حياته يتأمل فيه.. يتدبر معانيه لا شك هو أقرب إلى ربه تبارك وتعالى من ذلك الغافل الذي يتخذ الشيطان ولياً-سوف نأتي إلى مسألة الإعراض عن ذكر الله عز وجل-{ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى } (طه:124).

وهذه النصيحة التي وجهها رسول الله-صلى الله عليه وسلم-إلى هذا الذي كثرت عليه شرائع الإسلام فإذا بالرسول-صلى الله عليه وسلم-يأمره بالذكر أي أمره بشيء آخر.. لماذا؟!

حتى يتمكن من تحقيق شرائع الإسلام التي كثرت عليه، ففي ذكر الله عز وجل تخفيف للتكليف الذي كلفنا به ربنا تبارك وتعالى؛ لذلك يقول المفسرون بأنه لا حدود للذكر.. كيف ذلك؟! لأن الله عز وجل يقول: { الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ … } ليست هي حالة واحدة فقط، ولذلك قال: { فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ … }.

مقدم البرنامج: في كل حال من الأحوال.

الشيخ كهلان: نعم، ويقول أيضا : { فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } (الجمعة:10)، فإذاً كل هذه يتصل بعضها ببعض حتى تبين للناس هذه الآثار المعنوية.

أيضا ذكر الله عز وجل سبب للحلم والأناة؛ لأن الذي يحصل للناس أن سَورة الغضب تشتد بهم في بعض المواقف، ولا يلجأون إلى ذكر الله عز وجل الذي يخفف عنهم تلك السَّورة ويطفئ عنهم جمرة الغضب، فإذا بهم يوقعون أنفسهم وأهليهم وأسرهم ومجتمعاتهم في آثارٍ سلبيةٍ من جراء ذلكم الغضب الذي هم فيه.. من جراء تصرفاتهم التي تكون مبنية على حالة الغضب تلك، أما لو أنهم تأنوا قليلاً وذكروا الله عز وجل في سَورة الغضب لكانت الحالة غير هذه الحالة وكانت الآثار غير تلك الآثار فيتعلم المسلم من ذلك الحلم والأناة والعقل والتدبر حينما يكون ذاكراً لربه تبارك وتعالى.

الحاصل أن الآثار والفوائد كثيرة جداً-كما قلت-لا يمكن أن تُحصَر في جلسة واحدة خاصة وأن لدينا بعض النقاط التي نحتاج أن نتعرض لها.

مقدم البرنامج: نعم، وعمر البرنامج لم يبق منه إلا قليل.. الوقت يسابقنا..

دكتور: نستبق التساؤلات ونقول: لقد تعقدت الحياة، وازدادت المسؤوليات.. كثرت المشاغل..

هكذا يقول الكثير من الشباب، إلى أي حد يمكن أن يكون هذا سبباً لترك الذكر؟؟

وما الذي يترتب على تركه؟؟

الشيخ كهلان: نعم..، هذه من وساوس الشيطان-باختصار شديد-هذه من وساوس الشيطان التي يريد بها أن يصرف الشباب وأن يصرف الناس عن ذكر الله عز وجل؛ لأننا في المقابل نجد أن هؤلاء الشباب يقضون الكثير من الأوقات ما يسمونه بأوقات الفراغ يقضونه في كثيرٍ من الملاهي وفي الأمور التي لا تعود بالنفع والفائدة لهم، هم يحسبون أنهم في شغل بينما هم في الحقيقة إنما يسخطون ربهم تبارك وتعالى ويضيعون أوقاتهم هباء منثوراً.

ورسول الله-صلى الله عليه وسلم-يُحذِّر من أن تمر لحظة على هذا العبد دونما يذكر فيها ربه تبارك وتعالى أنه يتحسر عليها يوم القيامة أي مرت عليه لحظة أو ساعة دون أن يذكر فيها ربه تبارك وتعالى؛ ولذلك فهذه فقط مما يزينه الشيطان للناس ويوهمهم أن المسؤوليات قد تعقدت، وأن الأعمال قد زادت، وأنه لا وقت لذكر الله عز وجل..

ما الذي يحتاجه ذكر الله عز وجل..؟؟؟!! هي كلمات بسيطة، وتَذكُّرٌ بالقلب.

مقدم البرنامج: في وقت الراحة.. في وقت المنام.. في وقت فراغه لو ردد ذكر الله في قلبه أو بلسانه.

الشيخ كهلان: نعم أحسنتم، هي لا تأخذ منه وقتاً، وهي ينبغي أن تكون شأن المسلم في كل أحواله أي أن يعتاد عليها، أيضا-كما قلت-هي تصله بهذا العالم من حوله.. تصله بأحوال نفسه.. قبل طلوع الشمس.. بعد طلوع الشمس.. عند الغروب.. عند أوقات الصلوات.. أدبار الصلوات.. في جوف الليل.. حينما يرى الظواهر من برق.. من رعد ” سبحان الذي يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته “.. حينما ينزل الغيث، لابد أن يكون هذا المسلم يقظا، وهي لا تأخذ منه كثير جهد، ولا تأخذ منه كثير وقت.

هناك الكثير من الكتيبات التي ترشد المسلم إلى هذه الأذكار؛ لكنني أؤكد على أن المقصود هذه الروح التي تصاحب هذا الذكر؛ لأن المقصود منها تزكية هذا المسلم، ووصله بالله عز وجل في كل أحواله، وأن يكون مراقباً لنفسه في كل أحوالها، ومراقباً لأوامر الله عز وجل، قادراً على مواجهة خطوب هذه الحياة الدنيا.

مقدم البرنامج: نعم، الشيخ الدكتور كهلان بن نبهان الخروصي شكراً لكَ على هذا الحديث، وحلقة اليوم مرت سريعاً، كثير من التساؤلات.. كثير من النقاط لم نتمكن من طرحها؛ نظراً لأن الوقت قد سابقنا ولو طرحنا حلقات وليست حلقة واحدة للذكر فلن نستوفي الذكر حقه.

شكراً لك دكتور..

الشيخ كهلان: بارك الله فيك..

مقدم البرنامج: شكراً لكم مستمعينا الكرام، نلتقيكم في الحلقة القادمة، إلى اللقاء.

انتهت الحلقة