الإتقان ج2

عنوان الحلقة “تابع الإتقان ج2”

مقدم البرنامج: أهلاً وسهلاً بكم مستمعينا في برنامج “دين الرحمة” ومع هذه الحلقة التي نتناولها اليوم بشيءٍ من التفصيل بإذن الله تعالى رغم تناولنا لها في حلقةٍ ماضية، لكن هذه المرة سوف تكون أكثر تفصيلاً وتوضيحاً.

نتناول اليوم بإذن الله تعالى صفة الإتقان، سنتحدث عن هذه الصفة المحبوبة عند الله تعالى، والمحبوبة عند الناس كذلك.

بيد أن المحافظة عليها وتطبيقها يتفاوت من شخصٍ إلى آخر، وبعض هؤلاء يطبقها لأنها تزيده رفعةً عند أرباب العمل، وتسهم في زيادة راتبه مثلاً.

وبعضهم يحافظ عليها لأنها جزءٌ من طبيعته وما تعود عليه، وقد جاء الوقت الآن لمراعاة هذه الصفة من الناحية الدينية، واستشعارها إيمانياً؛ طمعاً هذه المرة في رضا الله تعالى، وفي أن ينظم هذا المتقن لعمله لقائمة المحبوبين عند الله تعالى، وتلكم هي السعادة الحقيقية، ولكن كيف ذلك؟؟

وما هي الطرق والسبل؟؟ وكيف يحافظ الإنسان على هذه الصفة؟؟

وكيف يستشعر مسؤوليته عنها أثناء عمله؟؟

كل هذا سيوضحه فضيلة الشيخ الدكتور “كهلان بن نبهان الخروصي”.

————————-

مقدم البرنامج: نحن أشرنا فضيلة الشيخ في بداية حديثنا أننا تعرضنا لهذا الموضوع بالفعل في مرةٍ ماضية، فلماذا نطرح الموضوع مرةً أخرى الآن؟؟

وما الجديد الذي سنتناوله في حلقة اليوم بإذن الله؟؟

الشيخ كهلان:  إن موضوع الإتقان موضوعٌ فيه الكثير من التفاصيل، وهو حريٌ أن نقف لديه وقفاتٍ، سيما ونحن نتحدث عن القيم الإنسانية النبيلة في هذا الدين القويم.

وصحيحٌ أننا تعرضنا لهذه القيمة في حلقةٍ سابقة إلا أن هناك بعض المفاهيم التي طالب عددٌ من الإخوة والأخوات الذين يحرصون على متابعة هذا البرنامج بأن نزيدها وضوحاً وتجليةً، ونزولاً عند رغبتهم، وإضافةً للفائدة أعدنا الكرة في تناول هذا الموضوع، ومع أن التذكير لا شك ينفع المؤمنين فإننا سوف نتعرض بمشيئة الله تعالى لعددٍ آخر من المضامين التي تتصل بهذه القيمة، من ذلك:

العلاقة بين الكمال الذي هو بطبيعة الحال غايةٌ منشودةٌ لكن بفعل القصور البشري في كل الملكات التي وهبها الله سبحانه وتعالى لعباده ليس الأنبياء والرسل فإنه لا يمكن أن يصل المرء إلى حد الكمال، وبين إبراء الذمة في أداء الأعمال – أياً كان نوع هذه الأعمال – تتباين أفهام الناس.

فمنهم من لا يحسن إتقان عملٍ ما ويكتفي بالحد الأدنى من أدائه الذي يبرئ له ذمته، ومنهم من يحاول عبثاً أن يصل إلى الكمال ولا يمكن له أن يصل إلى ذلك، فينهك نفسه، ويحسب أن ذلك من الإتقان، سوف نتعرض للفهم الصحيح للإتقان بين هذين الطرفين.

كذلك سوف نتعرض بمشيئة الله تعالى إلى مفاهيم أخرى مما يتصل ببعض الأدلة الشرعية التي ذكرنا طرفاً منها في حلقةٍ سابقة حينما تعرضنا لموضوع الإتقان من ذلك:

تلك الأدلة الشرعية التي تتناول الإحسان، وبالتالي الصلة بين الإحسان والإتقان، وبين قيمٍ أخرى – مع كوننا تعرضنا لها لكن سوف نزيدها وضوحاً في هذه الحلقة، وسوف نبين أوجهاً أخرى بمشيئة الله تعالى .

وبالتالي نحن نريد أيضاً من المتابعين أن يطلعونا على آرائهم في هذه القيمة – قيمة الإتقان-.

ما هي منزلتها في هذا الدين الحنيف؟؟

وما مدى التزام الناس من وجهة نظرهم هم بهذه القيمة في واقع حياتهم؟؟

كيف ينظرون إلى هذه القيمة في جوانب الحياة المختلفة (الجوانب الاجتماعية – حتى على مستوى العلاقات بين الزوجين، أي كيف ينظر الرجل إلى امرأته؟؟ هل هي متقنة في أداء حقوقه؟؟

وإن كانت امرأة هل هو متقن في أداء حقوقها – كيف أيضاً هذا الإتقان في المعاملات المالية؟؟ في العبادات والشعائر التعبدية؟؟)

 ثم إن كانوا يرون بأن المجتمع بحاجة إلى توعية في هذا الجانب، هل يقترحون وسائل معينة لتوعية الناس بأهمية هذا الإتقان، أو يرون أن الحديث عن الإتقان ما هو إلا حديثٌ عن شيءٍ من الفواضل التي يمكن أن يُغض الطرف عنها، وأن تخضع لمعايير بشرية، تخضع للبيئات والأزمان والأمكنة؟؟

نريد أن نستطلع آراءهم، وأن يطلعونا على ما يظنونه في كل هذه النقاط، ونحن بدورنا سوف نتناول الجوانب التي ذكرتها بمشيئة الله.

————————-

مقدم البرنامج: الآن بما أننا نتناول هذه القيمة مرةً أخرى نُذكِّر بتعريفها مرةً أخرى.

ما معنى الإتقان كقيمة من القيم الإنسانية التي دعا إليها الإسلام؟؟

الشيخ كهلان: أولاً نحن نتحدث عن القيم، والقيم شيءٌ جوهريٌ في هذا الدين، لا يمكن أن ينفصل سلوك المسلم عن القيم والمبادئ والأخلاق، وبالتالي نحن نتحدث عن شيءٍ جوهريٍ أساسيٍ في حياة هذا الفرد المسلم الذي يتصل بالله سبحانه وتعالى، يرغب في ثوابه، ويخشى من أليم عقابه.

ولما كان حديثنا عن منظومة القيم هذه – خاصةً القيم الإنسانية التي توقظ الإنسانية في هذا الإنسان، وتخاطب له ضميره وفكره وعقله، وتهذب له سلوكه، وتزكيه وترتقي به إلى مراقي الكمال البشري حتى يكون عبداً مخلصاً لله تعالى – فإننا لا بد لنا أن نتحدث عن الإتقان.

أي – جوهر هذا السلوك نحن نتحدث عن الإتقان كقيمة، إذاً نتحدث عن مبدأٍ أصيل في سلوك الإنسان، لا نتحدث عن صفةٍ عارضةٍ يمكن أن يتصف بها في وقتٍ من الأوقات، وأن يستغني عنها في وقتٍ آخر، أو يمكن أن يتصف بها متى ما شاء، وأن يستغني عنها متى ما شاء، كلا.

هي أساسٌ ملازمٌ لسلوك هذا الفرد المسلم، وينبغي له أن يحرص عليها أشد الحرص.

وسوف نتعرض للمجالات التي يكون فيها الإتقان، لماذا؟؟

لأن الإتقان حتى من حيث الدلالة اللغوية هو بمعنى ” إحكام الشيء”، يقال:أتقن الشيء إذا أحكمه، فالإتقان هو الإحكام – إحكام الأشياء -.

ويكفي فخراً وشرفاً لهذا العبد أن الله عز وجل وصف فعله في الصنعة التي صنعها بأنها صنعةٌ متقنة حينما قال: “.. . صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ.. .” (النمل:88)، ومنه أُخذ حينما يقال: رجلٌ تَقِن، أو رجلٌ تِقْن بسكون القاف أي أنه حاذقٌ محكمٌ صنع الأشياء.

ويقال أيضاً: رجلٌ تَقِن إذا كان أيضاً حاضر الذهن والجواب، فالإحكام – إحكام أداء عملٍ ما -، وتجويد وتحسين عملٍ من الأعمال هو الإتقان الذي نتحدث عنه، فكلمة الإتقان تعني إذا بلغ الفرد في معالجته لأمرٍ من الأمور..  في تناوله لشيءٍ من الأمور حد الإحكام والحذق فيه، أي – بذل جهده ووسعه وطاقته حتى يُحكم أداءه لذلك الشيء -.

مداخلة متصلة: الإتقان سمة أساسية في الشخصية المسلمة، والمسلم مُطالب بالإتقان في كل عملٍ تعبدي، أو سلوكي، أو معاشي؛ لأن كل عمل يقوم به المسلم بنية العبادة هو عملٌ مقبول عند الله – إن جاز التعبير – سواء كان عملا دنيويا أو عملا أخرويا.

أيضاً الإتقان في المفهوم الإسلامي ليس هدفاً سلوكياً فحسب، بل هو ظاهرة حضارية تؤدي إلى رقي الجنس البشري، وعليه تقوم الحضارات، ويُعمَّر الكون، وتُثرى الحياة.

وهو قبل ذلك هدفٌ من أهداف الدين يسمو به المسلم، ويرقى به في مرضاة الله، والإخلاص له.

هناك أيضاً عن الإتقان والإحسان هما لهما علاقةٌ متداخلة، فالإتقان يتعلق بالمهارات التي يكسبها الإنسان، والإحسان قوة داخلية تتربى في كيان المسلم، وتتعلق في ضميره، وتُترجم إلى مهاراتٍ يدوية أيضاً.

أيضاً الإحسان أشمل وأعم دلالةٍ من الإتقان؛ ولذلك كان هو المصطلح الذي يقوم بمهارات يدوية أيضاً.

الإحسان ركزَّ عليه القرآن والسنة، فقد وردت كلمة الإحسان ومشتقاتها المختلفة مرات كثيرة في القرآن منها ما ورد بصيغة المصدر، ومنها بغير ذلك.

أيضاً عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ” إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته”.

فالإحسان هنا مرادف لكلمة الإتقان، وقد أراد الرسول – صلى الله عليه وسلم – أن يزرع بذلك الرحمة في قلب المسلم، ويكسبه عادة الإتقان في العمل حتى ولو لم يكن للعمل آثار اجتماعية كالذبح الذي ينتهي بإتمام العمل كيفما ما كان.

————————-

قال الله تعالى: “وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ” (التوبة:105)

متصل آخر: الحقيقة موضوع الإتقان موضوع مهم جداً، لكن الفكرة التي تساورني هي: كيف تكون هذه القيمة حقيقة واقعية في حياة الناس؟؟

ما هي الخطوات التي ينبغي أن تتخذ حتى تتحول هذه القيمة من مجرد قيمة في الأذهان إلى كونها واقعا يعيشه الناس، وينعم بها المجتمع؟؟

ربما في الأمور الدينية البحتة – إن صح تسميتها بذلك – هذا الأمر واضح ( مثلاً الصلاة، تجد أن الكتب مفصلة كل التفصيل في كيف تكون الصلاة متقنة، كيف يكون الصيام متقن، كيف تكون الزكاة متقنة)، لكن عندما نأتي لأمورٍ أخرى مثل العمل الذي هو له جانب ديني بلا شك، كيف يكون متقنا ربما ليست الصورة واضحة مثل ما هي الصورة في العبادات.

الغرب تجدهم وضعوا مقومات أساسية في أي العمل (لأي مؤسسة تجدهم وضعوا المقومات الأساسية لكي يكون العمل كذا وكذا متقناً، ما يسمونه بـ” standard “menu وغيرها، تجد كل مؤسسة تضع المقومات حتى يكون العمل متقناً.

طبعاً هذا البرنامج يجعل الإنسان مدركاً لأهمية هذا الموضوع، ويجعل له الدافع الذاتي حتى يتقن عمله قدر الإمكان، لكن عملية الإتقان حتى تكون واقعية تحتاج إلى خطوات حتى تنقلها من مجرد فكرة إلى كونها واقعا في حياة الناس.

مقدم البرنامج: طيب أخي تلك المقومات التي وُضعت لإتقان العمل في الدول الغربية – كما تفضلت – هل هي لتحفيز العامل على الإتقان، أم هي اشتراطات في شخصية العامل؟؟

المتصل: هي تشمل الجانبين، فالتحفيز أيضاً له دوره، وأنا قصدت من هذه المداخلة، وخلاصة المداخلة ( أن العملية أصبحت مقننة، ليست كفكرة عائمة، لا، هي العملية الإنسان حتى يتقن العمل كذا وكذا فعليه أن يقوم بالخطوات “أ ، ب، ت، ج،.. .الخ”.

وأيضاً هناك تجد الصورة المثالية للعمل المعين.

ما هي الصورة المثالية للعمل كذا وكذا، وكيف نقترب قدر الإمكان من هذه الصورة المثالية.

ما هي الخطوات التي ينبغي للعامل أو المؤسسة اتخاذها حتى تكون أقرب ما تكون إلى الصورة المثالية، هذا في جانب التقنين، ولكن أيضاً في الجانب العملي يضعون معايير أو تحديد أو مراجعة للعمل من فترة إلى أخرى حتى يكون الواقع مطابقا لما يصبون إليه، فمثلا عملية الآيزو (ISO)** وغيرها هي محاولة في هذا المضمار.

مقدم البرنامج: شكراً للأخ المتصل على هذه الإضافات الطيبة حول هذا الموضوع، وأنا أظن والله أعلم أن عدداً من الشباب الذين درسوا في مدارس خارج بلدانهم يلاحظون ثل هذه الصفات، ومثل هذه الاشتراطات، والمقومات وغيرها رغم أن هذا موجودٌ في الشرق والغرب ليس بالضرورة أن يكون فقط في ناحية واحدة من العالم.

الشيخ كهلان: نعم، على كلٍ نحن اختيارنا أيضاً للقيم التي نتناولها إنما نتلمس ما يحتاج إليه الواقع – كما قلنا مراراً وتكرارا -ً إما تصحيحاً لبعض المفاهيم، أو ضبطاً في بعض الأحيان للمنهج الوسط في فهم شيءٍ من هذه القيم، أو تذكيراً بما يحتاج الناس إلى التذكير به.

وكررنا بأنها قيمٌ إنسانية، والخبرات البشرية فيها هي إرثٌ للناس جميعاً، فمن أخذ بالأسباب وتعلق بهذه النواميس فإنه لا شك سوف يتقدم على غيره، وينبغي للآخرين أن يستفيدوا من هذه التجارب.

لكن نحن في هذه القيم نريد أن نثبت أولاً أنها تنطلق من ديننا، وأن هذا الدين يشتمل على قيمٍ إنسانية تراعي هذا الإنسان، وترتقي بمستوى أداء هذا الإنسان في هذه الأرض، وهذا ما ندعوا إلى أن يتنبه له الناس.. يتنبه له المسلمون؛ لأنها ميزة في هذا الدين.. خصيصة ينالون بها الأجر والثواب من الله تعالى، كما أنهم يعمرون بها دنياهم العمارة التي ترضي الله عز وجل، وتحقق لهم الرفاهية والرخاء والتقدم.

لذلك تعليقاً على هذا الموضوع..

مقدم البرنامج: تعلقون مباشرةً على موضوع المتصل الثاني؟؟

الشيخ كهلان:  هو متصل بالآية التي استمعنا إليها، سوف نتعرض فيما نفهمه من الآية الكريمة التي استمعنا إليها من سورة التوبة لبعض الخطوات العملية، وسوف نكمل عليها موضوع المتصل الثاني.

أولاً: السياق الذي وردت فيه هذه الآية الكريمة هو سياق بدايةً يحث فيه المولى الكريم الغفار الرحيم عباده على الإقبال إليه بالتوبة، في الآية التي قبلها مباشرةً تبدأ بقوله سبحانه ” أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ.. ” (التوبة:104) فالسياق فيه حثٌ للناس على التوبة.

طيب ماذا بعد التوبة؟؟

يأتي هذا الأمر الرباني بالعمل، ولم يكتفِ المولى جل وعلا بأمرهم بالعمل فقط، وإنما ذكر ما يدعوهم إلى إتقان هذا العمل، وهذا العمل المقصود به كل ما يقرب إلى الله عز وجل؛ لأن المخالفات التي تستوجب التوبة هي ليست في تلك الجوانب التي تكون فيها الصلة بين العبد وربه فقط، وإنما قد تكون مما يتصل بعلاقته مع الآخرين.

قد يكون في الذنب أو المعصية أو الخطأ الذي وقع فيه الفرد اعتداء على حقوق الآخرين، وبالتالي فإن الأمر بالتوبة، ثم إتباع ذلك بالأمر بالعمل يعني أن يكون هناك تصحيحٌ لما بدر من هذا الشخص مما استوجب التوبة، وأتى هنا الخطاب لحثه على العمل، وهذا العمل قُرِن بوازع الإيمان، أو بمخاطبة ضمير هذا الفرد بتمثل مراقبة الله عز وجل   “وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ.. .” وحينما يُقبل تائبٌ يريد أن ينال الأجر والثواب من الله عز وجل، أو لنقل الآن بأنه تعدى مرحلة التوبة وهو في مرحلة العمل الآن ( حينما يُقبل عاملٌ فإنه يريد أن ينتقل من الحالة التي كان عليها إلى حالةٍ أفضل، وإلى وضعٍ يرضي الله عز وجل، وسوف يكون الناس شهوداً عليه في ذلك، كما أن الله عز وجل مطلعٌ..  مراقبٌ..  يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور؛ ولذلك كان أيضاً “.. . فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ.. .” فالرسول والمؤمنون شهداء الله عز وجل على خلقه، وفي هذا مزيد من الحض، أو من التحضيض – كما يقول أهل التفسير – لهذا العبد حتى يقبل بعمله هذا متقناً.. مُخلَصاً لله عز وجل.. توجد كل دواعيه )، ثم يأتي التذييل، أو الختام ” وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ” فإذاً هي تحمل وعداً ووعيداً أيضاً (فإن عمل صالحاً، والتزم بمنهج الله سبحانه وتعالى، وأخلص وأتقن فإنه سوف يجد الثواب الأوفى من عند ربه تبارك وتعالى، وإن هو قصر وخالف فسوف يجد مثل ذلك).

مقدم البرنامج: طيب، ندخل هنا بملحظ بسيط ذكره المتصل الثاني وهو: أن هذه الأمور التي يُطالب فيها المسلم بالإتقان تتعلق بجانب العبادات، ويذكر أن الكتب ذكرت عن موضوع إتقان الصلاة وغيرها من العبادات ولم تذكر شيئاً عن العمل، فادخل الآن في هذا الموضوع من هذا المنطلق.

الشيخ كهلان:  هذا من المفاهيم التي نريد أن نصححها.

أولاً: إتقان العمل لا يقتصر على جانبٍ دون الآخر، فالمسلم مطالبٌ بإتقان العبادة، وبإتقان العمل، وبإتقان العلم.

فإذاً كل مجالات الحياة مطالبٌ فيها هذا المسلم بالإتقان، ونجد أدلةً كثيرةً من كتاب الله عز وجل، ومن سنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وسيرته مما يؤكد هذا المعنى ، سوف نتعرض لبعضها بمشيئة الله تعالى، كن ينبغي أن يكون واضحاً أن الإتقان لا يقتصر على جانب العبادات والشعائر التعبدية دون غيرها، بل إنه يمتد ليشمل كل مناحي الحياة خاصةً ونحن نعلم أن كسب الرزق، والعمل والسعي في هذه الأرض بعمارتها، وبالسعي في مناكبها طلباً للرزق، وسعياً للكفاف، وسعياً للغنى إنما هو مما يثيب عليه الرب تبارك وتعالى فهو عبادة؛ ولذلك فإنه إن أردنا أن نُفصِّل حسب طبيعة العمل إلى عملٍ دنيويٍ صرف، وإلى عملٍ ديني فإن هذا التقسيم إنما هو في طبيعة العمل فقط، وإلا فمن حيث الأجر والثواب فالله تعالى يكافئ العباد على سعيهم لرزقهم ولرزق عيالهم ومن يعولون.

وينال الفرد من ذلك الثواب الأوفر من عند ربه جل وعلا؛ ولهذا كان الإتقان ضرورةً في كل هذه المجالات، هذه المطالبة بخطوات عملية كنا سوف نأتي إليها،الآن أهم ما يقيم الإتقان بعد الوعي والفهم لأهمية هذه القيمة إنما هو استشعار مراقبة الله عز وجل، وهذا ما تؤكد عليه هذه الآية التي استمعنا إليها من سورة التوبة، والتي يحفظها كثيرٌ من الناس “وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ” (التوبة:105)، هذه تغرس قيمة مراقبة الله عز وجل في كل عملٍ يقوم به هذا الإنسان، فهو سبحانه مطلعٌ على عمل العباد، وعلى العباد أن يخلصوا لله عز وجل العمل بغض النظر عن الأجرة التي تتحقق من العمل الذي يقومون به، وهذا ما نص عليه الفقهاء من أن للصنعة حقاً وهو الإتقان.

ذات الصنعة التي يقوم بها الإنسان – وهذا كلامٌ مهم – الصنعة نفسها لها حقوق ينبغي لك أن تؤدي حق هذه الصنعة بغض النظر عن الأجر الذي يترتب من أداء هذه الصنعة.

فإذاً الصنعة ذاتها لها حقوق، وحقوق هذه الصنعة أن يُتقن أداؤها..  أن يُحكم، وأن يحذق المرء فيها، وذلك يستدعي منه أن يتعلم كيف يقوم بها، ثم بعد ذلك أن يحسن ويجود عمله حتى ولو كان الرقيب بعيداً عنه، وهذا المعنى كما قلت – معنى استشعار مراقبة الله عز وجل – موجودٌ في هذه الآية الكريمة، وموجودٌ في حديث الإحسان – حديث جبريل الشهير – حينما سأل جبريل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عن الإحسان فقال: ” أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك” هذا معنى دقيقٌ جداً في تمثل ما يؤدي إلى الإتقان؛ ذلك أنه حينما يستشعر المرء أن الله عز وجل مطلعٌ عليه فإنه بعيداً عن الحسابات المادية، وعن مراقبة الناس له، يوجد لديه الواعز الإيماني الذي يدفعه ويدعوه إلى إتقان العمل الذي يقوم به.

فإذاً: الخطوة الأولى هي: تمثل مراقبة الله عز وجل في العمل الذي يقوم به هذا الإنسان.

والخطوة الثانية، أي – بعد هذا – جانب الإتقان – وهذا معنى آخر جديد – فيه جوانب مادية، وفيه جوانب معنوية:

الجوانب المادية هي التي تتعلق بمثل ما ذكره المتصل الثاني، أي – هناك معايير مادية ملحوظة يحاسَب عليها العامل، تقيمها المؤسسات بحسب طبيعة العمل وطبيعة المؤسسة وما تريد، وتقَوَّم عليها شهادات جودة أيضاً – هذه معايير مادية، لكن هناك في هذا الدين أيضاً معايير معنوية ينبغي أن يُلتفت لها، من المعايير المعنوية – وتسميتها معنوية هو من باب أنها ليست محسوسة، أو حتى الإحساس بها ماديتها ضئيلة جداً – تجنب الغش ، حديث ” من غش فليس منا”.

تجنب الغش هذا قد لا تنضبط معاييره وأسسه في الصنعة التي يقوم بها هذا الإنسان، وإنما معياره هو من ذات ضمير هذا العامل حينما يراقب الله عز وجل كما في حديث المرأة مع ابنتها في أن تضيف الماء إلى اللبن، فقالت: إن كان عمر لا يرانا فإن رب عمر هو الذي يرانا.

أي – هذه المراقبة الذاتية والتي كان يمكن أن لا يُلتفت إلى الغش فيها إنما منع منها خوف الله عز وجل، واستشعار مراقبته -.

أيضاً هذا الجانب المعنوي في الإتقان هو ما يتصل بطلب الأجر والثواب ( السعي للأجر والثواب هو جانبٌ معنوي يتعلق بضمير هذا الإنسان، يتعلق بما يريده لنفسه من منزلةٍ رفيعةٍ في الآخرة).

 والمؤمن لا ينفك عن السعي وراء الأجر والثواب، فحينما يعلم أن العمل الذي يقوم به، والصنعة التي يحترفها، والمهنة التي يقوم بها هي مما يكافئه عليها الرب سبحانه وتعالى في الآخرة، وأن عمله هذا وكسبه للرزق داخلٌ في مفهوم العبادة فإنه سوف يسعى إلى أن يُخلص لله عز وجل العمل.

فإذاً: الإخلاص الذي محله القلب – لذلك قلنا أنها جوانب معنوية – وتجنب الغش هي من المعايير الهامة، ومن الخطوات التي ينبغي أن يحرص الناس عليها، وهذا ينسحب على كل عملٍ يقوم به الإنسان ( عمل عبادي خالص – شعائر تعبدية -، أو عمل دنيوي، أو طلب للعلم، أو غير ذلك).

كذلك الأمانة، وما أكثر ما يؤتى الناس حينما يهتز مفهوم الأمانة عندهم، فللنفس هذه مطامع، وما لم تكن هناك ضوابطٌ من دينٍ ومروءةٍ وأخلاق تمنع هذه النفس من الانسياق وراء مطامعها فإنه لا حد لهذا الإنسان؛ وبالتالي لن يبالي بعدها بالقيم والمعايير والأخلاق، ولكن هو أداءٌ للأمانة كما أمر الله عز وجل؛ ولذلك فالإتقان متصلٌ أيضاً بموضوع الأمانة، وأن يكون المرء أميناً على الصنعة والحرفة والمهنة التي هو فيها، وعلى الوظيفة بين قوسين (الوظيفة التي هو فيها) الأمانة شرطٌ أساسٌ وجوهريٌ في الإتقان.

تأتي مع ذلك المعايير المادية وهذا ما ذكره المتصل الثاني من أن تتجه المؤسسات مثلاً إلى وضع معايير معينة للحد الأدنى لإتقان العمل، أو الحد الأعلى الأفضل لإتقان العمل هي خطوة من الخطوات.

أيضاً موضوع شهادات الجودة التي يتنافس فيها الناس.. المسابقات.. المحفزات.. .إلى غير ذلك.

 لكن حينما نتحدث مثلاً كون الفقهاء ركزوا مثلاً في بيان كيفية عبادةٍ من العبادات، وكيفية إتقانها لأن هذا هو ميدانهم.. هذا هو مجالهم، لكنهم في الوقت ذاته يدعون أيضاً أهل الصنائع.. وأهل الحرف المختلفة إلى أن يبينوا للناس كيف يقومون بأعمالهم؛ ولذلك تجد أن هؤلاء العلماء أيضاً يبينون لطالب العلم كيف يتعلم.. يضعون له آداب المتعلم.. آداب طالب العلم بدأً من المحفزات.. بدأً من إخلاص النية لله عز وجل.. بيان الأجر والثواب، ثم الآداب التي ينبغي أن يلتزم بها في طلبه للعلم.

كذلك في أرباب الحرف، والصنع والصنائع المختلفة ينبغي فعلاً أن يتجهوا إلى وضع ما يمَكِّن الناس من إتقان أعمالهم.

مقدم البرنامج: طيب لنلخص هذه الخطوات التي ذكرتموها فضيلة الشيخ.

الخطوة الأولى إذاً: استشعار مراقبة الله عز وجل.

الشيخ كهلان:  نعم، والخطوة الثانية الالتزام بالجوانب المعنوية التي منها ( الإخلاص، الأمانة، وتجنب الغش – كل أنواع الغش، وبكل صوره، وبكل درجاته -).

ويأتي بعد ذلك الجوانب المادية التي هي مما تحقق جودة العمل، وجودة الصنعة مما ينبغي للناس أن يحرصوا عليه ومنه: تعلم كيفية ذلك، أي – الجانب العلمي المعرفي أيضاً -.

مقدم البرنامج: لو أعدنا موضوع حق الصنعة، هذه نقطة مهمة جداً تحتاج إلى شيءٍ من التوضيح.

الشيخ كهلان: طيب أنا عندي قصة:( بعض كتب التفسير ذكرت أن صانعاً ما كان يقبض إلا دراهم بسيطة على صنعته؛ لأنها لم تكن صنعةً تستحق الكثير من الأجر لكنه كان مراقباً لله تعالى، وفي ليلةٍ من الليالي قدم صنعته لرب عمله، ولكنه بات سهران ليلته؛ لأنه علم أنه لم يتقن الصنعة مع أن رب العمل قبل منه ما قدمه إليه، فما كان منه إلا أن هب من نومه، وأعاد صنعته بإتقانٍ، ثم في الصباح ذهب إلى رب عمله وقال: هذه بدل تلك التي سلمتك إياها البارحة.

قال: وما شأن تلك؟؟!

قال: هذه بإتقان.

قال: ولكن الأجر هو، أي – الأجر سواء -.

قال: ولكن هذا حق الصنعة علي، أن أتقنها.. أن أحكمها).

فإذاً هذا الذي نقصده، وكل صاحب حرفة، وصاحب مهنةٍ ما يعلم ما تستدعيه صنعته، فإن لم يكن يعلم فعليه أن يتعلم وإلا هو في المكان الخطأ في الحقيقة، وبالتالي عليه أن يعرف ما تستوجبه منه هذه الصنعة، وأن يكون مؤدياً لحق هذه الصنعة عليه.

مقدم البرنامج: إذاً مفهوم الغش سيتوسع هنا ليشمل الغش في الصنعة، والغش في إتقان العمل الذي لا يتطلب صنعةً وإنما هو ممارسة عملٍ معين – مثلاً في وظيفة معينة -، فإذا قصر أو لم يتقن دخل في مفهوم الغش.

الشيخ كهلان: نعم، ولماذا قلنا حق الصنعة، أو هذا الذي ذكره عددٌ من المفسرين في الحقيقة.. عددٌ من أهل التفسير ومن أهل الحديث أيضاً – كما في الحديث الذي سوف نستمع إليه في الفاصل الثاني – ذكروا هذه القضية – حقوق الصنعة – من حق الصنعة الإتقان؛ لأنهم يدركون أنها قيمةٌ حضارية، أي – بها نهضةٌ ورقي للناس جميعاً -.

حينما يتقن الصانع عمله، والمزارع يتقن عمله، والتاجر يتقن عمله، وطالب العلم، والمعلم، وكل أفراد المجتمع على اختلاف تخصصاتهم، وعلى اختلاف المجالات التي هم فيها فلا شك أن ذلك يؤدي إلى نهضةٍ في الأمة بأسرها.

أما إذا كان الواحد فقط يريد أن يؤدي العمل بمقدار الأجرة التي يُعطى إياها فلا ريب أنه سوف تكون النتيجة المزيد من الإهمال، والمزيد من التقصير، وسوف تنتشر أضداد القيم التي تحدثنا عنها.

أي – سوف نجد تضييعاً للأمانة، سوف نجد أن المعايير معايير مادية صرفة، وبالتالي يفوتون على أنفسهم الجمع بين الحسنيين، وينقلب ما كان ينبغي أن يكون سبباً للتقدم إلى أن يكون سبباً للتأخر؛ فتنتشر المحسوبية، والرشا.. .وغير ذلك مما يعرفه الناس -.

مقدم البرنامج: والحقيقة هذا الإنسان الذي لا يتقن عمله يعاقب نفسه في الدنيا قبل الآخرة؛ لأن الناس أيضاً لا تلتفت إليه، ولا تعطيه أيضاً ما يستحقه من المنزلة، ومن الرفعة، كما أنها لا تطمع فيه أبداً إذا كانت سلعته غير متقنة.

————————-

مقدم البرنامج: الآن إذاً ظاهر من هذا أن الإتقان فضيلة الشيخ يتصل بقيمٍ ومبادئ أخرى في هذا الدين كلها تجتمع لتحقق للمسلم قواعد متينة من القيم النبيلة.

هل يمكن توضيح هذه المسألة، وما هي القيم الذي يتصل بها الإتقان؟ وأظن أن مكالمة المتصلة الأولى سوف تدخل هنا.

الشيخ كهلان:  نعم، وهي ذكرت موضوع الإحسان ولنبدأ من الإحسان.

في الحقيقة – بشكلٍ مباشر – حينما يقال: (فلانٌ أحسن الشيء، ويقال: فلانٌ أحسن إلى فلان) فعل أحسن يتعدى بنفسه، ويتعدى بـ “إلى” – بغيره، بحرف جر -، فحينما يقال: أحسنت الشيء، أو أحسن الشيء فإنه يعني أنه أتقنه، فإذاً الإتقان هو من معاني الإحسان، وشُرَّاح أحاديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – نصوا على أن المقصود بالإحسان في حديث جبريل هو إتقان العبادة.. نصوا على ذلك، وهذه العبادة بمفهومها الواسع الذي ذكرناه؛ لذلك قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ” أن تعمل لله كأنك تراه.. .”، وفي رواية ” أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك”.

فإذاً الصلة بين الإحسان والإتقان حتى من حيث الدلالة اللغوية – كما بينت – صلةٌ واضحة، وكل معاني الإتقان داخلةٌ في الإحسان، صحيح أن الإحسان أوسع لأنه يتضمن أيضاً إيصال النفع إلى الآخرين ( يقال: أحسن إلى فلان، إذا أوصل إليه نفعاً مادياً كان أو معنوياً)، لكن كل إتقانٍ فهو من الإحسان؛ ولذلك فالنبي – صلى الله عليه وسلم – بين في موضوع الإحسان

” إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة.. .” فحتى طريقة الذبح رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يبين للناس كيف يذبحون على أحسن الوجوه.. كيف يحكمون ذبح حيواناتهم وأضاحيهم وغير ذلك يقول: ” فإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته”.

أي – يبين الوسائل التي يتحقق بها إتقان هذا العمل -، فإذاً الصلة بين قيمة الإحسان بما تحدثنا أيضاً في حلقات خاصة عن الإحسان لا يمكن أن نفصلها عن موضوع الإتقان..  ملازمة للإتقان.

كذلك قيمة الأمانة، وقلنا بأن الله عز وجل حينما أمرنا بالأمانات أمرنا بأداء الأمانات.. بتأدية هذه الأمانات، لماذا؟؟

لأن التأدية ليست فقط برد الودائع إلى أهلها وإنما تشمل ذلك – كما قلنا – حينما قال الله عز وجل: ” إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ.. .” ( الأحزاب:72 ) الخ الآية أن الأمانات هي كل التكاليف الشرعية في هذا الدين.. كل الجوانب المادية والمعنوية التي يتعامل معها الإنسان في هذه الحياة إنما هي من الأمانات، وبالتالي عليه أن يؤديها بإتقان.

هذه الأمانات التي حُمِّل إياها في هذه الحياة عليه أن يؤديها بإتقان.. أن يحكم أداءها، وأن يُحذق في أدائها حتى يلاقي الله سبحانه وتعالى وهو راضٍ عنه، وحتى تتحقق له المصالح التي أرادها له هذا الدين في هذه الحياة الدنيا.

أما صلة الإتقان بالإخلاص فأحسب أنها واضحة إذ كل عملٍ لا بد أن يكون خالصاً لوجه الله عز وجل.

أيضاً عندما قلنا:البعد عن الغش فنحن إذاً نتحدث عن الصدق، لا بد من أن يصحب الإتقان الصدق، فالمقصر لا ضير أن يعترف بتقصيره، وأن يسعى إلى تصحيح الصنعة والعمل والحرفة التي يقوم بها.

أما أن يلجأ إلى الكذب، وإلى المراوغة، وإلى التدليس فإن هذا ليس من شيم المسلمين، وما تؤدي هذه كلها إلا إلى مزيدٍ من التأخر.

————————-

مداخلة متصلة: الإنسان المسلم يفترض فيه أن تكون شخصيته إيجابية، مقبلة على الحياة، متفاعلة معها، ولأن الإنسان المسلم مطالب باستيفاء شروط الخلافة في الأرض والسعي في مناكبها عبادةً لله، واعماراً للأرض، واستفادة مما فيها من ثروات وخيرات لا يصل إليها إلا بالعمل والعمل الجاد؛ لذلك كانت مطالبة الرسول – صلى الله عليه وسلم – أن يتقن الإنسان عمله “إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه”.

فالإتقان سمة أساسية في الشخصية المسلمة يربيها الإسلام فيه منذ أن يدخل فيه، وهي التي تحدث التغيير في سلوكه ونشاطه، فالمسلم مطالب بالإتقان في كل عمل تعبدي أو سلوكي أو معاشي؛ لأن كل عمل يقوم به المسلم بنيّة العبادة هو عمل مقبول عند الله يُجازى عليه سواء كان عمل دنيا أم آخرة.

 قال تعالى: “قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ(162) لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ” (الأنعام: 162-163).

وهنا تتمثل عملية الإتقان في تعلم المسلم للصلاة، وأدائها بأركانها وشروطها التي تربي المسلم على الإتقان المادي الظاهري، بل على الإتقان الداخلي النفسي المتمثل في مراقبة الله عز وجل، والخوف منه.

فهل نحن نربي الآن في مجتمعنا المسلم الشخصية المسلمة التي تهتم بإتقان أمور الحياة كلها فردية أو جماعية؟

 وهل سبب تخلفنا وتأخرنا يرجع إلى فقدان هذه الخاصية؟

وما قيمة الشعائر والوسائل التعبدية التي لا تغير في سلوك الإنسان ونمط حياته ووسائل إنتاجه؟

نحن إذاً مطالبون بترسيخ هذه القيمة التربوية الحياتية في واقعنا وسلوكنا؛ لأنها تمثل معيار سلامة الفرد وقوة شخصيته وسمة التغيير الحقيقي فيه، كما أننا مطالبون ببذل الجهد كله في إتقان كل عمل في الحياة يطلب منا ضمن واجباتنا الحياتية أو التعبدية.

وعادة الإتقان تكسب الأمة المسلمة الإخلاص في العمل لارتباطه بالمراقبة الداخلية.

مقدم البرنامج: هل أنت طالبة؟؟

المتصلة: نعم.

مقدم البرنامج: كيف تصفين الإتقان في موضوع الدراسة مثلاً، على اعتبار أن والديك الآن يطلبون منك الإتقان في أداء هذه الدراسة لتعود عليك بالنفع وعليهم كذلك؟

كيف تُعرفين الإتقان في مجال الدراسة؟؟

المتصلة: أول شيء يجب أن أتقن في عملي مثل الواجبات وغيرها، وثاني شيء يجب أن أتقن في الامتحانات، وأبعد عن الغش لأنال مرضاة الله تعالى، وعلي أن أخلص عملي له.

————————-

مقدم البرنامج: إضافة الأخت المتصلة جاءت في محلها، وقد ذكرتم ذلك.

هي طرحت مجموعة أسئلة أيضاً في النهاية سنعود إليها بإذن الله، لكن نستمع الآن إلى هذا الفاصل.

روى الطبراني في “المعجم الأوسط”، والبيهقي في “شعب الإيمان” من طريق عائشة – رضي الله عنها – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ” إن الله عز وجل يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه”.

مقدم البرنامج: قبل أن ننتقل إلى هذا الحديث الشريف، وموضوع الشعائر والعبادات التي يظن الناس أن الإتقان محصورٌ فيها فقط، وقلَّ ما يلتفتون إلى موضوع العمل الظاهري أو المحسوس – كما ذكرتم في المرة الماضية -، نُدخل مع هذا موضوع المتصلة الثالثة، والتي طرحت سؤالين على الأقل لنعلق عليهما ثم نعود إلى موضوع الشعائر.

وأظن أن واحداً من هذه الأسئلة تدخل في موضوع الشعائر وغيرها، تأخرنا مثلاً – نستخدم تعبيرها-، أو تأخر أي أمة عن الركب الحضاري – نقول – هل له علاقةٌ بموضوع عدم الإتقان، والتقصير في هذه القيمة، أو السمة كما قالت هي؟؟

الشيخ كهلان:  أنا اطلعت على مقالٍ للصحفي المعروف أحمد الربعي علق فيه على زيارةٍ له لبعض بلدان الشرق يقول: تأملت في المباني، وتأملت في الطرقات، وتأملت في واقع حياة الناس فرأيت إتقاناً.

أي ( حينما تجد واجهات أو زجاج المباني – كما عبر هو – زجاج المباني الشاهقة وهي غايةٌ في النظافة فإنك تدرك أن من قام بتنظيفها قد أتقن عمله، وحينما تجد الشوارع والطرقات والأماكن العامة في غاية النظافة والنظام والترتيب فإنك تدرك أن هناك أيادي أتقنت عملها)، ثم بعد ذلك قارن هو مقارنةً خاطفة وقال: نحن ديننا الذي يدعونا إلى الإتقان، واستشهد بهذا الحديث الذي ذكرناه.. الذي استمعنا إليه في هذا الفاصل ” إن الله عز وجل يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه” ).

فإذاً نحن أمةٌ خاطبنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بهذا الخطاب الذي أنبأنا فيه أن الله عز وجل يحب من عباده المتقن.. يحب إذا عمل الواحد منا عملاً أن يحكم ويتقن ويحذق في أدائه لهذا العمل.

والغريب، ومما لا يتصوره كثيرٌ من الناس أن شُرَّاح هذا الحديث حينما يتعرضون لهذا الحديث النبوي الشريف ينصُّون صراحةً على الآلات والمعدات والعدد وغير ذلك، أي (لا يتعرضون لجانب العبادات؛ لأن هذا السياق – وقد ذكرنا هذا في حلقةٍ ماضية – السياق الذي ورد فيه هذا الحديث أن النبي – صلى الله عليه وسلم – مر على بناءٍ وفيه لبنةٌ ناقصة فأمر بوضعها في مكانها وقال: ” إن الله عز وجل يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه”

ففي سياق جانبٍ ماديٍ غير الجوانب الدينية العبادية التي يتصورها الناس، ونأتي ونجد أن علماء الإسلام قد فهموا ذلك، فمثلاً من كلام بعضهم يقول: ” فعلى الصانع الذي استعمله الله في الآلات والعدد – مثلاً – أن يعمل بما علمه الله عمل إتقانٍ وإحسانٍ بقصد نفع خلق الله الذي استعمله في ذلك، ولا يعمل على نية أنه إن لم يعمل ضاع، ولا على مقدار الأجرة بل على حسب إتقان ما تقتضيه الصنعة”.

وهذا الكلام تجد أنه يتكرر في كتب شروح الحديث.

فإذاً واضحٌ أن الأمة حينما تتخلى عن هذه القيمة فإنه لا شك يكون ذلك سبباً لتأخرها، ومن يأخذ بهذه القيمة..  من يأخذ بهذا السبب فإنه لا شك سوف يتقدم، وبالتالي فإن على – ونؤكد هذا – على طالب العلم أن يتقن في طلبه للعلم، والمسلم الآن مطالبٌ أن يتعلم، وأن يتقن عدداً من العلوم والمعارف كيف والله تعالى خاطبنا بذلك؟؟!

حتى حينما أمرنا بالعلم أمرنا بقوله “اقرأ”، وبين أن من صميم دعوة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – التي أمره بها أنه يعلمهم؛ ولذلك فينبغي لنا أن نتقن العلم وكل ما يمكن لنا إتقانه من العلوم النافعة.

كذلك العمل.

حينما تتضافر الجهود – جهود الأفراد، والمؤسسات، والمجتمع – للمحافظة على هذه القيمة فلا شك أن النتائج سوف تكون نتائج إيجابية.. سوف نجد إنتاجاً ذا جودةٍ عالية، وهذا مما يؤدي إلى عزة المجتمع، وقوة اقتصاده.

سوف نجد أن الإتقان نفسه يدعو إلى مزيدٍ من فتح مجالات فرص العمل؛ لأننا سوف ندرك أن هذا الجهد إنما هو في محله، وهذا – لنقل- الاستثمار، أو رأس المال هذا إنما هو في موضعه وقد أدى إلى مزيدٍ من الرفاهية والخير للمجتمع بأسره.

ولا ريب أن ما يتعلق بأمر العبادة من الفرائض، ومما أمر الله سبحانه وتعالى به إنما ينسحب أيضاً في هذه المجالات، ويكون الإتقان فيه ظاهراً جلياً؛ ولذلك لم نتحدث نحن عنه كثيراً لوضوحه وجلائه كما بين أيضاً الإخوة المتصلون في اتصالاتهم، وركزنا على جانب الدنيوي، أو جانب العمل الذي هو بمعنى كسب الرزق.

وهنا أشير إلى حديث فقط أيضاً مما يتصل بهذه النقطة؛ لأن فيه الإجابة على كثير من الأسئلة.

حديث صححه بعض علماء الحديث وهو قوله – صلى الله عليه وسلم – ” خير الكسب كسب يد العامل إذا نصح”، فعندما تعرضوا لقوله ” إذا نصح” قالوا: إذا نصح في عمله بأن يعمل عمل إتقان.

فإذاً النصح في العمل مرةً أخرى هو حق الصنعة أن يعمل بإتقان، واعتبروه من خير الكسب لهذا المرء،وهو خير الكسب كسب يد العامل إذا نصح.

————————-

مقدم البرنامج: الآن ننتقل إلى نقطة في غاية الأهمية، هذه النقطة كما قلنا في البداية البعض يتصور أن الإتقان يكون في الشعائر التعبدية كالصلاة، والزكاة، والحج.. .وغيرها من العبادات، ولا يهتمون بالإتقان في الجانب العملي سواءً كان تقنياً، أو إدارياً، أو تعليمياً، والبعض الآخر في المقابل أيضاً يعكس هذا الموضوع فيتقن في المجال العملي

( الإداري، والتعليمي.. .وغيره) ويهمل الإتقان في جانب الشعائر التعبدية، فهل هذا أمرٌ طبيعي في نظرك؟؟

وكيف يمكن الفهم الصحيح حول هذا الموضوع؟؟

الشيخ كهلان:  كل ما تقدم هو محاولة أيضاً لتصحيح فهم الناس حول هذه القضية، فكلا الطرفين في الحقيقة جانب الصواب أو جانبه الصواب، ولعل ذلك لم يكن ناشئاً عن قصد وإنما أسباب أدت إلى هذه الظاهرة، لكن ينبغي أن يعي الجميع بأن الإتقان يكون في كل ما يخول إياه هذا الإنسان، فهو في عبادته لله تعالى لا ريب ينبغي له أن يكون متقناً، لكن لا ينبغي له أن يظن بأن إتقانه للعبادة شافعٌ له في أن يهمل ويقصر في العمل الذي هو فيه.. في سعيه لكسب الرزق، وفي أدائه للعمل والصنعة والوظيفة التي يؤديها، فلا ينبغي له حينما يؤدي عملاً من الأعمال – الإدارية.. الوظيفية.. الإنتاجية..  الصناعية.. الزراعية.. التجارية – أياً كان نوعها أن يهمل ويفرط في هذه القيمة، ويدَّعي بأنه متقنٌ لعبادته من صلاةٍ، وصيامٍ، وزكاةٍ وحج؛ لأن هذه العبادات في الحقيقة تدربه على الإتقان في هذه المجالات.

أي ( تعزز من مراقبته لله تعالى، روح الجماعة تغرس فيه العمل مع الجماعة والتعاون معهم، يدرك من خلال أدائه للعبادات أن هناك مجالاتٍ للأجر والثواب في واقع الحياة ينبغي له أن يحرص عليه، وبالتالي ينبغي له أن يكون حريصاً على أن يكون متقناً أيضاً في المجالات الأخرى).

كذلك من يظن بأن غاية هدفه في هذه الحياة أن يبدع في مجلاته التي هو فيها فقط دون تعبده لله تعالى فهو أيضاً مخطئ، وهو أيضاً سوف يؤدي بنفسه إلى نتائج وخيمة.

ينبغي له أيضاً أن يدرك أنه في هذه الحياة إنما هو عبدٌ لله عز وجل، وهذا الرب الخالق هو الذي تكرم عليه، وجعل من سعيه لكسب الرزق وسيلةً للأجر والثواب، فلا ينبغي له أن يفوت على نفسه هذه الفرصة، بل ينبغي له أن يكون أيضاً حريصاً على أن يتعلم ما يمكنه من أداء الفرائض التي عليه بإتقان.. عليه أن يتقن علاقته مع الآخرين – مع زوجه.. مع أولاده -، عليه أن يتقن تربته لأولاده قدر استطاعته.

نحن لا نتحدث عن المقدار الذي هو فوق طاقة الناس، وإنما نتحدث عن ما هو في استطاعتهم، فإن كان إتقان التربية – على سبيل المثال – من الوالدين يستدعي أن يتعلم الوالدان كيف يربون أولادهم فليكن ذلك.

إن كان يستدعي أن يستشيروا غيرهم من المختصين فبها ونعمت.. إن كانوا يختارون لأولادهم طريقةً معينة يحسنونها فأنعم وأكرم.

الحاصل أن يكون الشعار في التربية هو أن تُتقن التربية.

مقدم البرنامج: إذاً الذي أفهمه من كلامك أنها هي عبادةٌ واحدة لا تتجزأ.

الشيخ كهلان:  نعم.

مقدم البرنامج: فالالتزام بالعبادات والشعائر التعبدية والعبادة في الجانب العملي هو واحد، أي – لا يهتم الإنسان بجزء دون آخر، تماماً كمن يصلي ركعتين في وقت صلاة أربع ركعات مثلاً فيكون قد اجتزأ العبادة-.

الشيخ كهلان:  نعم، ومع ذلك أنا أركز – طبعاً أنا أدرك، وكلنا يدرك، وإنما من أجل التنبيه – أن الناس أهل اختصاص منهم مثلاً المتخصص في الشريعة يُتوقع أن يكون أكثر قدرةً على إتقان العبادات من غيره، وعلى أن يتحدث في المجالات الشرعية من غيره، كذلك المتخصص في علم الحاسب على سبيل المثال سوف يكون أقدر من غيره، لكن نحن لا نتحدث عن جوانب التخصص الصرف التي هو بطبيعة عمله وعلمه أقدر من غيره، وإنما نتحدث عن أن يكون الإتقان شعاراً وقيمةً ملازمةً لنا في سائر مناحي وجوانب حياتنا قدر استطاعتنا، – فكما قلنا – هذا الذي يتخصص في علوم الحاسب الآلي لا يليق به أن يكون مقصراً في تعلمه لما يؤدي به عبادته، أو لما يربي به ولده، أو لما يلتزم به مثلاً من قواعد السير وهو يسير في طريقه، أو لما يحتاج إليه من أمور المعاملات المالية وغير ذلك.

————————-

مقدم البرنامج:الحقيقة عندنا فاصل وعندنا أيضاً دعوة موجهة من قبل المتصلة الثالثة في مشاركتها التي كانت آخر مشاركة في البرنامج، وأيضاً المتصل الثاني أشار إلى ذلك فيما يتعلق بالجوانب التطبيقية في هذا الموضوع.

كيف نغرس هذه القيمة في المجتمع؟؟

كيف نربي أبناءنا عليها؟

كيف نحث المجتمع كله على ذلك؟؟

————————-

خاتمة الحلقة

يقول العلامة السيد محمد رشيد رضا في مجلة “المنار”:

فإذا علمت هذا ظهر لك خطأ بعض الجهلاء المتسمين بسمة العلماء، الذين يزهدون الناس في الاشتغال والأعمال، ويثبطون هممهم عن العمل بحجة أنهم يزهدونهم في الدنيا الفانية، ويقربونهم من الآخرة الباقية، وأن الساعة على وشك القيام، فلا حاجة إلى هذا الاهتمام، يحسبون بذلك أنهم يحسنون صنعاً، ألا ساء ما يعملون.

فإن الدنيا مزرعة الآخرة، والشرع الإسلامي لم يحظر على أحدٍ الكسب والارتزاق بالوجوه المشروعة، وما ورد من التزهد في الدنيا إنما يراد به الزهد بما في أيدي الناس، وأما احتجاجهم على وشك قيام الساعة، فالساعة علمها عند الله سبحانه وتعالى كما جاء في الكتاب، وما يعنينا إن كانت قريبةً أم بعيدة، إن علينا أن نعمل بتلك القاعدة الذهبية التي وضعها أحد الفضلاء، وتربى أولادنا عليها وهي: ( إذا أخبرنا ملكٌ من السماء بأننا سنموت غداً فيجب أن نتم واجباتنا اليوم ونموت غدا).

مقدم البرنامج: فضيلة الشيخ نريد التوجيه الأخير في موضوع غرس هذه القيمة في المجتمع، وتربية الأبناء والناس عموماً عليها.

الشيخ كهلان:  نحن نريد أن يعي الناس أهمية الإتقان، وأن يحرصوا عليه، وأن يلتزموا بضوابطه المادية والمعنوية قدر استطاعتهم، وأن يكونوا حريصين عليه في كل مجالات هذه الحياة من العبادات الخالصة.. من الشعائر التعبدية التي يؤدون بها الفرائض التي افترضها الله عليهم إلى أسباب معاشهم وكسبهم للرزق في هذه الحياة.

وهذا يعني أن يتعاون الجميع على ذلك، وأن نغرس هذه القيمة بالمثال.. بالقصة في نفوس أولادنا، وأن نعودهم على الإتقان بدأً من الأعمال البسيطة التي يقومون بها، ومروراً بأدائهم للدراسة وللواجبات الدراسية وغير ذلك ينبغي أن نغرس هذه القيمة، ثم هي كلمةٌ للمؤسسات أيضاً بأن تعتني بالإتقان والمتقنين، أي – نحن لا نوجه كلامنا إلى الأفراد فقط، وإنما أيضاً للمؤسسات.. للهيئات أن تعتني بشأن الإتقان فتكرم المتقنين.. تفتح لهم مجال الإتقان..  أن تدربهم على ما يمكنهم من الإتقان..  أن تفتح لهم مجالات تؤدي بهم إلى أن يتقنوا الصنعة، وأن تُوجد من الحوافز أيضاً ما تمكنهم من الإتقان؛ لأن ذلك من صميم الدين.

مقدم البرنامج: وماذا عن جزئية بسيطة جداً في نصف دقيقة – إن صح – مسألة تكريم المتقن، وعدم تكريم غير المتقن طبعاً ( بعض الناس عندما يرى تكريماً للمتقن يظن أن ذلك إنما جاء بسبب المحاباة، أو لقرابةٍ معينة، أو لواسطةٍ معينة – إن استخدمنا نفس اللفظة التي يستخدمها الناس -، كيف يوضح صاحب العمل للجميع أن هذا التكريم جاء بناءً على أسبابٍ معقولة؟؟)

الشيخ كهلان: المتقن عمله ونتيجة عمله تختلف عن غيره، فحينما يُري هذا الذي كرَّم.. واختار شخصاً للتكريم لأنه متقن فليري الآخرين نتائج هذا الإتقان.

ودائماً ما تكون نتيجة الإتقان عملاً محكماً دقيقاً يختلف عن عمل غيره.

مقدم البرنامج: هل تلاحظ أن عدم وجود هذا له أثر في موضوع الإتقان؟؟

الشيخ كهلان:  لا ينبغي أن يكون له أثر؛ لأننا نحن قلنا بأنها قيمة، لا ينتظر الفرد أن يُكافأ على إتقانه ولكن هو مما ينبغي أن يكون أن توجد من الحوافز التي تدعو الناس إلى الإتقان.

لا ضير في ذلك، الرسول – صلى الله عليه وسلم – كان يثني على أصحابه حينما يحسنون عملاً.. كان يدعو لهم بالبركة، أيضاً حديث ” بورك لأمتي في بكورها” هذا الحديث حينما نتأمل فيه نجد أن النبي – صلى الله عليه وسلم – أوجد وسائل عملية تدعو الناس إلى الإتقان كالتبكير في العمل.

انتهت الحلقة

———————–

** – مفهوم الآيزو 14000

الآيزو 14000 مجموعة من المعايير القياسية التي وضعت من قبل المنظمة الدولية للتقييس بجنيف ISO وبمعنى آخر أن سلسلة الآيزو 14000 هي مجموعة من نظم الإدارة البيئية التي ظهرت بهدف تحقيق مزيد من التطوير والتحسين في نظام حماية البيئة مع عمل توازن مع احتياجات البيئة.

أسباب ومسببات إيجاد نظم إدارة البيئة:

لقد أدت الثورة الصناعية التي حدثت بعد الحرب العالمية الثانية إلى إحداث تلوث بيئي كبير لفت انتباه المهتمين من كافة دول العالم. وقد طالب مؤتمر الأمم المتحدة عام 1972 والمتعلق بالمشاكل البيئية الناتجة عن التطور السريع للصناعة، بخلق الاهتمام بمعالجة أسباب هذا التلوث الكبير الذي سيؤثر حتما على نوعية الحياة في العالم. حيث لعب برنامج الأمم المتحدة البيئي (UNEP) دورا واضحا لبناء التوعية البيئية لدى الناس ولدى الصناعيين بشكل خاص.

مميزات الحصول على شهادة المطابقة آيزو 14001

تتمثل ميزات الحصول على شهادة الآيزو 14000 في زيادة قدرة الشركة أو المنشأة في تحقيق متطلبات التصدير إلى الخارج وخاصة دول السوق الأوربية المشتركة. أما الفوائد الأخرى التي قد تنتج عن الحصول على شهادات الآيزو 14000 فهي:

*ترشيد استهلاك الطاقة والموارد الطبيعية

* تقليل الفاقد والحد من التلوث

* التوافق مع القوانين والتشريعات البيئية

* التحسين المستمر

* الفائدة الملحقة بمنتجات الشركة وخدماتها.

* تحسين قنوات الاتصال بين الشركة والجهات الحكومية المتخصصة

* تحسين صورة الشركة وأداءها البيئي مما يزيد من سمعتها الحسنة.

* اكتساب تقدير واعتراف الجهات العالمية مما يفتح أسواق التصدير

* تحسين الأوضاع البيئية للموظفين للعمل في بيئة نظيفة وآمنة وخالية من الملوثات.

* رفع وزيادة الوعي بالبيئة لدى كل العاملين بالشركة.

* زيادة الأرباح الناتجة عن الفوائد السابقة.

* تحسين الوضع البيئي في الدولة وفي العالم ككل.