الإتقان ج3

الإتقان ج3

بثت في:

12 / ذو القعدة / 1429هـ

10 / نوفمبر / 2008 م

مقدم البرنامج: بسم الله الرحمن الرحيم ، أيها الإخوة المستمعون والمستمعات السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم في هذا اللقاء الجديد من برنامجكم دين الرحمة.

 كل واحدٍ يرغب أن يكون عمله متقناً ويتمنى أن يستلمه عملاً متقناً لكن الإتقان مصطلح تدور في فلكه متغيراتٌ كثيرةٌ، فما تراه متقناً يراه غيرك خلاف ذلك، وقد يحرص المرء على عملٍ يتقنه بالتزام موضوعٍ معينٍ ينجزه ويكمله  لكن عجلة الحياة من حوله تتحرك مما يجعل عمله قديماً يحتاج إلى تجديدٍ وتطوير، وقد يحرص المرء أيضاً على الإتقان لكن غياب المرونة أحياناً يُفقد العمل المُتقَن قيمته،

والإتقان مثاليٌ عند الأكثر واقعيٌ عند الكثير إلا أن جانب الاستمرار هو ما يمكن يوصف أنه قليل فهل يمكن أن يكون الإتقان احترافاً؟

وهل سيدخل الجانب المعنوي مع المادي؟

و لكن أيضاً ما هي أسس الاحتراف ؟

ثم ما الفرق في النهاية بين الاحتراف والهواية؟

تساؤلات عدة نناقش فحواها مع فضيلة الشيخ الدكتور كهلان بن نبهان الخروصي.

 نرجوا منكم أن تشاركوا أيضاً بدوركم بأسئلة و مداخلات حول هذا الموضوع كما تعودنا عنكم ذلك دائماً وكما استمعتم أيضاً إلى حلقات هذا البرنامج الماضية.

————————-

مقدم البرنامج:أهلاً ومرحباً بكم فضيلة الشيخ .

الشيخ كهلان:  أهلاً وسهلاً بكم و أحيي أيضاً الإخوة والأخوات الذين يحرصون على متابعة هذا البرنامج ونحيي أكثر أولئك الذين سوف يشاركون بمشيئة الله تعالى في هذا الموضوع .

مقدم البرنامج:بإذن الله تعالى.

 الآن نحن تعودنا أن نُذكِّر مستمعينا الكرام بأهمية هذا الموضوع وبالفرق بينه وبين ما تناولناه عنه سابقاً.

مثلا الإتقان نحن تناولناه سابقاً فما هو الجديد في موضوع اليوم؟

وأيضاً بماذا يمكن أن يشارك الإخوة في هذه الحلقة؟

الشيخ كهلان:  بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ النعمة المهداة والرحمة المسداة و على آله و صحبه أجمعين  أما بعد..  فإن موضوع الإتقان هو من الموضوعات التي كانت لنا معه وقفات، وهذه الحلقة اليوم هي امتدادٍ لما ابتدأنا به في حلقاتٍ سابقة؛ لأن الإتقان في ذاته قيمة ينبغي أن يحترفها –كما تفضلتم – المسلم وأن يتقنها وأن يتقن استخدامها واستعمالها وأن يوجد بنفسه من المقومات والأسباب والعناصر ما يدفعه إلى أن يكون متقناً لعمله، ونحن فيما تناولناه في الحلقات السابقة من موضوع الإتقان كنا نُعرِّف الإتقان كقيمة تتناول كل شأن من شؤون المسلم من أمور دينه وأمور دنياه، فتعرضنا هناك لمعنى الإتقان و لفضل الإتقان ولمجالات الإتقان في جوانب العبادات التي يتقرب بها المرء إلى ربه تبارك و تعالى كما أيضاً في سائر مجالات الحياة بشكلٍ عام ولكن حلقة اليوم سوف نتناول بمشيئة اله تعالى موضوعاً خاصاً وهو إتقان العمل، فنحن سوف نعالج ما يتصل بالعمل و ما يحتاج إليه إتقان العمل.

كثيرٌ من الناس لا يعلم أن العمل والسعي في كسب الرزق هو من أبواب الخير التي يمكن أن يُنال بها ثوابٌ عظيمٌ من عند الله تعالى وأنه في أدائه لعمله ينبغي له أن يتحلى بقيمة الإتقان، وحتى لا يكون كلامنا نظرياً سوف نبين للمستمعين الكرام ما هي العناصر التي والمقومات والركائز التي يمكن أن يستند إليها حتى يستطيع أو حتى يمكن أن يوصف بأنه متقن وبالتالي سوف نتعرض إلى العلم والإخلاص والمراقبة..  سوف نتعرض أيضاً إلى الإحسان وبعض القيم المتصلة بموضوع الإتقان – إتقان العمل- ، كما سوف نتعرض إلى الرؤية الشرعية التي تجعل من العمل نافذا ومطلبا يسعى إليه هذا الإنسان ليس لأجل سد الحاجة فقط وعول من عليه عولهم و إنما أيضاً طلباً للثوب العظيم الذي أعده الله تعالى للساعين في الأرض؛ وبالتالي كل هذه المجالات هي من العناصر التي يمكن للإخوة و الأخوات أن يشاركونا فيها ولعله يمكن أن يشاركوا من خلال واقع أعمالهم وتجاربهم وأنا أعلم أن الناس في مثل هذا الوقت الذي يبث فيه البرنامج حياً مباشراً أن الناس يخرجون من أعمالهم فأنا لا أريد أن يتأثروا بحالة نهاية الدوام في تقويم أهمية الإتقان لأن بعض الناس يظن بأن الحد الأدنى من أداء العمل كاف وأنه لا حاجة إلى الحديث عن الإتقان – كما تفضلت – أي – ينظر إلى الإتقان على أنه من المثاليات التي لا توجد في عالم الواقع والتي يصعب تطبيقها ، لكن حتى يمكن للإخوة أن يشاركونا إن كانوا يرون بأن العمل لا حاجة له إلى الإتقان و أنه يمكن أن يكتفى فيه بالحد الأدنى من الإلزام مما يؤدى به العمل وذلك كاف لبناء المجتمعات ولتعمير الأوطان ولمصلحة الإنسان فحبذا أن نسمع وجهة نظرهم في هذه النقاط .

مقدم البرنامج: والبعض أيضاً ربما من الأشياء التي نرغب أن يسألوا فيها وأن يشاركوا فيها هو أن البعض يظن بأن عمله الذي يقوم به من الصباح إلى المساء هو عملٌ متقن لأنه لم يصله تقرير أو لم يصله مثلاً ما يشعره مسئوله أنه ليس متقنا.

 أمورٌ كثيرةٌ تحتاج إلى مشاركات من الإخوة – كما تفضلتم  فضيلة الشيخ – لنبدأ الآن .

الشيخ كهلان:   بالإضافة إلى ما تفضلت بذكره في المقابل بعض الناس يظن بأن كثرة النقد  أو  أن الملاحظات التي تصله هي دليل عدم إتقانه لأنه حينما يحسن أيضاً القيام بشيءٍ ما حينما يُحْكِم والإحكام أداء الشيء على أحسن ما يستطاع هو معنى الإتقان في اللغة..  حينما يُحسن أداء شيءٍ ما في المقابل لا يجد من المحفزات و من الثناء والشكر أيضاً ما يرى أنه يستحقه بينما إن أخطأ  ولو أخطاءً بسيطة فإنه يوجَّه إليه النقد و يوجَّه إليه الملاحظات وبالتالي يتولد عنده شعور بأنه غير قادر على الإتقان من كثرة ما يتلقاه سواء كان من المسئول عليه في العمل أو حتى من خلال من يقدم لهم الخدمات التي هم فيها تصله آثار العمل الذي يقوم به..  نريد أن نتعرض لهذه النقطة .

مقدم البرنامج: إذاً كيف يفهم الإنسان نفسه أنه متقن؟

وكيف يحقق هذا الإتقان؟

موضوع مثارٌ اليوم، نرجو من الإخوة المشاركة فيه.

 لنبدأ بهذه الآية القرآنية ثم نعود إلى الحوار بإذن الله .

{ وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ } (النمل:88)

مقدم البرنامج: صدق الله العظيم..  أهلاً بكم مرة أخرى في برنامج دين الرحمة..  موضوعنا اليوم عن إتقان العمل.

فضيلة الشيخ هذه الآية التي أنصتنا إليها قبل قليل تضمنت لفظة الإتقان..  ما دلالتها في الموضوع الذي نتحدث عنه الآن؟

الشيخ كهلان:  دلالة هذه الآية ودلالة هذه الكلمة على وجه التحديد دلالةٌ عظيمة؛ لأن الله عز وجل وصف صنعته في هذا الكون بأنها متقنة، فوصف نفسه بالإتقان {.. .صنع الله الذي أتقن كل شيء.. .}، فكل ما خلقه الله عز وجل خلقه على أحسن خلقه؛ ولذلك وصف الله عز وجل خلقته..  وصف ما خلقه وصف نفسه بأنه أتقن كل شيء، فإذا كانت هذه الصفة هي مما وصف الله سبحانه وتعالى بها نفسه فحريٌ بالعباد إذاً أن يستمدوا من هذه الصفة الربانية التي يصف الله تعالى بها نفسه فيما خلقه حري بهم أن يتشبهوا وأن يأخذوا هذه الخصلة لكي تكون لهم منهاجاً يسيرون عليه فيما خولوا إياه من أعمالٍ ومن صنائعٍ ومن حرفٍ يقومون بها؛ فلذلك دائماً ما تجد أن الصفات التي يصف الله سبحانه و تعالى بها نفسه في كتابه الكريم تدل على شرف تلك الصفات..  حينما ينص الله عز وجل على صفةٍ ما في كتابه الكريم و ينسبها إلى نفسه وإلى فعله فإن ذلك يدل على شرف تلك الصفات و منها هذه الصفة ، وفيه أيضاً لفت انتباه للعباد إلى أن يمثلوا بتلك الصفات..  إلى أن يطبقوا تلك الصفات ومنها هذه الصفة ، فيه أيضاً إشارةٌ إلى أهمية وإلى آثار تلك الصفات التي نص الله سبحانه وتعالى عليها في كتابه فإنه جل و علا لا يُعظِّم إلا عظيماً، ولا يذكر في مقام الثناء و المدح إلا ما كان ذا منزلةٍ وشرفٍ عظيمٍ وله من الآثار في الدنيا والآخرة ما هو خيرٌ للعباد؛ ولذلك كل هذه نستحضرها حينما نقرأ هذا الجزء من الآية {.. .صنع الله ألذي أتقن كل شيء.. .} مع أن السياق الذي وردت فيه هذه الآية هو سياق بيان ما يحصل في الآخرة من تغير في حركة الكواكب والأجرام السماوية والآيات التي تدعو إلى ما أوب ما يحصل يوم القيامة مع التذكير أيضاً بآياته في الأرض وفي السموات والجبال فيأتي كالجملة المعترضة بكل هذه المعاني التي ذكرتها تأتي هذه الجملة .

مقدم البرنامج: وقد يقول البعض أيضاً بأن هذه الآية تصف الصنعة الحالية، أي – قبل يوم القيامة – .

الشيخ كهلان:  نعم هي كذلك صنع الله هي كذلك السياق لو لم تكن لها أهمية لما كان يمكن أن يستشف مثلاً أن السياق بحاجة إلى هذا التذكير بأن هذا الاختلال الذي سيحصل لا يعني أن الصنعة في هذه الحياة الدنيا فيها خلل ما أو لا.

 الله سبحانه و تعالى يؤكد أن صنعته هي على أحسن إتقان، و يصف نفسه بهذه الصفة؛ ولذلك هذا يدعونا إلى أن ندرك أهمية هذه الصفة، فالله عز وجل هو الغني الحكيم الخبير القادر مالك السموات والأرض ومع ذلك يسند إلى صنعته..  يسند إلى نفسه أنه أحكم هذا، معنى الكلمة – كما قلنا- الإحكام..  إتمام الشيء على أحسن ما يستطاع هذا معنى الإتقان في اللغة، فصنعة الله تعالى هي على هذه الكيفية، وهذا فيه ما فيه مما يدعو العباد أيضاً إلى أن يتمثلوا الإتقان في سائر شؤونهم  .

مقدم البرنامج: إذاً معنى ذلك أن الصنعة التي تفتقر الإتقان لا تستحق المدح أو لا تستحق أن يرفع بها الإنسان رأسه.

الآن بعد هذا الشرح في موضوع الإتقان انطلاقاً من هذه الآية كيف تناول القرآن الكريم موضوع العمل والسعي في كسب الرزق ؟

الشيخ كهلان:  نجد في القرآن الكريم الكثير من الآيات التي تدعو العباد إلى السعي في الأرض وإلى المشي في مناكبها  إلى الأكل من خيراتها..  كل هذه الآيات القرآنية التي نجد فيها هذه العبارات والجمل هي مما يحث الله تعالى بها عباده على العمل والسعي في كسب الرزق فلا يظن ظان بأنه حينما يقرأ كتاب الله عز وجل و يجد فيها ما يتعلق بالسعي في الأرض أن المقصود بذلك أداء العبادات المفروضة على الناس فقط، فحينما يقرأ مثلاً قول الله تعالى { قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ } (الأنعام:162-163)

 هذه الآية إن كانت المسألة فقط على الفروض التعبدية لما كانت هناك حاجة إلى ذكر المحيى والممات وكانت الإشارة إلى الصلاة والنسك كافية للدلالة على أهمية الشعائر التعبدية في حياة المسلم لكننا نجد أن هناك نصاً للذكر على { قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي.. .}، ثم بعد ذلك {.. .وَمَحْيَايَ.. .} أي – كل حياتي -، {.. .وَمَمَاتِي.. .} أيضاً {.. .لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ }.

 نجد أيضاً في سورة الملك  أن الله سبحانه وتعالى يقول: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ } (الملك:15)

الآن لو كان الأمر الذي نفهمه..  الذي نجده في هذه الآية الكريمة المقصود به فقط  هو أن نسير  بأرجلنا على الأرض {.. .فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا.. .} لما كانت هناك حاجة إلى أن ينص بهذا الأمر الصريح في هذه الآية الكريمة وإنما المقصود به السعي في مناكب الأرض لطلب الرزق و لعمارة هذه الأرض ولاكتساب الخير والنماء للنظر في آياتها، فصدر الآية وخاتمتها تدلان على ذلك أما صدرها {.. .الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً.. .} ممهدة حتى تسعوا فيها مكتسبين طالبين للرزق، {.. .فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا.. .} أي – في كل جوانبها ومناحيها لتحقيق هذه الغاية -، ثم يقول بعد ذلك:{.. .وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ.. .} فإذاً سيروا في هذه الأرض لأجل أن يكسب الرزق لأجل أن يعمل ويعمر ويبني و.. .

مقدم البرنامج: يعني حتى هذا الذي سعى من أجله هو رزق من الله سبحانه وتعالى يحتاج أيضاً إلى سعي..  السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة .

الشيخ كهلان:  نعم أحسنت، أيضاً الآيات التي نجد فيها أن الله سبحانه وتعالى يأمر حتى في العبادات المحضة الخالصة التي يأمر فيها بأداء الزكاة وآتوا الزكاة {وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ.. .} كثيراً ما يتكرر هذا الأمر، أو حينما يصف المؤمنين فيصفهم بقوله {.. .وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} (البقرة:3) من أين ينفقون ؟

 إنما ينفقون مما رزقهم الله باكتسابهم إياه بسعيهم في هذه الأرض فيكتسبون فينفقون مما آتاهم الله عز وجل شكراً وعبادةً وتقرباً إليه سبحانه وتعالى و نفعاً لعيالنا، فإذاً أداء هذه العبادات في الحقيقة لا يتحقق إلا بالسعي و الكسب وعمارة هذه الأرض والارتزاق مما أعدَّه الله عز وجل وسخره فيها، كذلك أنا الآن أستعرض بعض السياقات التي نجد فيها الحث على العمل نجد أيضاً أن الله سبحانه وتعالى بالإضافة إلى هذه الآيات التي ذكرتها هناك أوامر صريحة مباشرة بالعمل هذه الأوامر {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ.. .} (التوبة:105)

الآن {وَقُلِ اعْمَلُواْ.. .} هذا الأمر بالعمل أمر مطلق عام أيضاً، فكل ذلك يؤكد على أن القرآن الكريم اعتنى عنايةً كبيرةً بلفت أنظار الناس إلى أهمية العمل؛ لأن الغاية أساساً التي خُلق لأجلها هذا الإنسان هي عبادة الله تعالى وأبرز معاني هذه العبادة هي عمارة هذه الأرض وعمارتها بما يرضي الله عز وجل، ومنهج الله تعالى من لوازمه العمل والسعي في الأرض لاكتساب الرزق و سد الحاجات الضرورية و الحاجية و التحسينية التي يحتاج إليها الإنسان و سوف نأتي أيضاً بما ورد في سنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم -.

المتصل الأول: ما هو الأجر الذي يناله الإنسان في الدنيا والآخرة من إتقان عمله؟

وما هو أجر من لا يتقن عمله.. كيف هو أجره في الدنيا وأجره في الآخرة؟ أي – ما هي العقوبة التي سيعاقبه بها الله سبحانه و تعالى؟-

مقدم البرنامج: نحن نرجو من الإخوة أن يشاركوا على كل حال في هذه المواضيع ، ليس بالضرورة أن يكون على شكل سؤال فقد يصعب على الإنسان في بعض الأحيان أن يأتي بسؤال يتعلق بالإتقان نظراً لعدم استعداده له ولكن نحن نرغب من الإخوة أيضاً أن يشاركوا ببعض المواقف التي يريدون شرحها لنا لنتبين نظرتهم هم إلى الإتقان (مشاهد قراءات معينة في هذا الجانب مقارنات معينة بين جانب وآخر نريد على كل حال مساهمات في هذا الموضوع).

ربما عندما كان البرنامج يبث من الرابعة إلى الخامسة كان لدينا مجموعة من الإخوة يشاركوا، نرغب في مشاركتهم في الوقت الجديد على أن ينظم إليهم أيضاً إخوة آخرون .

فضيلة الشيخ نحن كنا نتحدث في موضوع العمل كيف تناول القرآن الكريم موضوع العمل والسعي وذكرتم نقطة مهمة وهي أن الإنسان عندما يعمل في هذه الدنيا ويكسب عيشه إنما يتحرك بأمر الله؛ لأن الله تعالى أمره بذلك ومهد له الأرض التي يعمل فيها، يكسب هذا الرزق و هو في الحقيقة رزق الله تعالى سعى إلى اكتسابه، وأن الله تعالى لا يقبل الأعذار التي يتباطأ بها الناس عن العمل أفلم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها؟

إذاً الآن بعد أن يصل الإنسان إلى هذه القناعة إلى موضوع أهمية العمل وإن كان الإنسان لا يحتاج إلى تذكير في هذا الجانب و إنما يبقى إذاً موضوع الإتقان أمر يدرك أهميته الناس لكنهم يحتاجون إلى معرفة الأسس التي يتحقق بها إتقان العمل.

 ما هي هذه الأسس و القواعد التي إذا ما التزم بها الواحد منا كان متقنا بالفعل لعمله؟

الشيخ كهلان:  أولاً كما لمسنا الجواب على هذا السؤال تحديداً إضافة إلى ما ذكرته من آيات تحث على العمل هذه الآيات في كتاب الله عز وجل منها ما كان الأمر فيها بالعمل استقلالاً أو كان أيضاً أمراً عاماً بالعمل أو بالسير في الأرض أو باقتناء الرزق أو كان مقترناً بعبادات من لوازم أدائها السعي في كسب الرزق كالإنفاق في سبيل الله كأداء الزكاة.

 كذلك نجد أن هناك أحيانا في كتاب الله عز وجل كما نجد في سورة الجمعة { فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } (الجمعة:10)،أي – نجد أن هناك اقتران بين الأمر بالانتشار في الأرض والابتغاء من فضل الله تعالى وبين ما يمكن أن يظن الناس بأن كان ينبغي أن يكون يوم عبادة ويوم ذكر لله عز وجل كيوم الجمعة، لكننا نجد في هذه الآية غاية في الأهمية على دلالة منهج المسلم في هذه الحياة فإن منهجه هو منهج العمل والبناء وليس منهج الرهبنة والانزواء والالتواء  وانتظار السماء أن تمطر ذهبا، لا، هو لا يتواكل على غيره وإنما هو يسعى لابتغاء الرزق، فالآية صريحة في ذلك {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ .. .}، ثم {.. .وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }.

 كذلك نجد أن الله عز وجل حينما يمتن على عباده بموضوع بسط الرزق لهم يبين أن ذلك لحكمة بسط الرزق لهم إنما أيضاً كان بتسبب منهم..  بسعي منهم بابتغاء منهم لذلك  {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنفَقْتُم.. .} (سبأ:39)، أي – انظر كيف الإنفاق مقترن بالرزق وبالتالي هذا دليلٌ على أن هذا الرزق كان بسعي وأن هذا السعي مشروعٌ طالما يؤدي المرء حقوقه {.. .وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ } (سبأ:39).

مقدم البرنامج: إذاً هو يؤدي شكر ما جاء  منه.

الشيخ كهلان:  نعم وهذا هو منهج المسلم في هذه الحياة فهو منهج عمل، هذا العمل متصل بالإتقان.

 الآن حتى – كما تفضلت حتى لا يكون كلامنا نظرياً – كيف يكون أو ما هي المقومات التي تجعل من العمل عملاً متقناً؟

أولاً باختصارٍ شديدٍ العلم، فالإنسان حينما يريد أن يعمل شيئاً عليه أن يتعلم كيف يقوم به – سواء كان هذا العلم بالتجربة والخبرة..  بالدراسة والتعلم..  بالممارسة ذاتها..  بتقليد الآخرين – المهم أنه حينما يريد أن يكون..  أن يتقن عمله لابد له من أن يعلم كيف يؤدي ذلك العمل ويسعى إلى أن يتعلم، أما أن يريد أن يصل إلى إتقان العمل وهو لا يعرف شيئاً عنه وهو يجهل كيف يؤديه وهو يجهل كيف يطور منه فإنه لن يتمكن من الوصول إلى الإتقان،فإذاً نحن نتحدث ونحن ننظر كيف أن هذه القيم مرتبط بعضها ببعض.

نتحدث عن الإتقان فإذا بنا نجد أن من ركائزه الأساسية العلم؛ وبالتالي فكل من يمارس حرفة أو عملاً ما أو صنعةً ما صغرت أو كبرت قلَّت أو عظمت لابد له من أن يتعلم كيف يقوم بها، أما كيف يتعلم فهذا باب آخر ؛ لأن سبله وطرقه واسعةٌ شتى  ومتعددة وبحمد الله تعالى يسيرة في كثيرٍ من الأحيان تقف مؤسسات وفي هذا دعوة سوف نأتي إلى دور المجتمع والمؤسسات، لكن في هذا ذاته أيضاً دعوةٌ للمؤسسات..  لأرباب الأعمال إلى إن كانوا يريدون لعمالهم و موظفيهم أن يكونوا متقنين فليهيئوا لهم أسباب تعلم الصنائع و الحرف و المهن .

مقدم البرنامج: لأن الفائدة تعود إليهم .

الشيخ كهلان:  نعم، ونحن نعلم أن العلم كل يوم يتطور وأن وسائل التجديد في الإنتاج..  في العمل..  في المهن كل يوم نجد أساليباً جديدة و طرقاً مختلفة متنوعة فينبغي للمسلم أن يتقنها وأن يتعلمها حتى يكون متقناً.

 بعد العلم يأتي الإخلاص، ولا نقول بعده في الترتيب وإنما هي في الشروط..  في الذكر الآن، لابد أيضاً من إخلاص العمل لله عز وجل، فالآن طالما قلنا بأن العمل عبادة فإن كل عبادة حتى ينال بها صاحبها الأجر والثواب لا بد أن تكون خالصة لوجه الله تعالى .

متصل آخر: طبعاً موضوعكم اليوم عن الإتقان وفي الحديث “إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه”.

 الإتقان كلمةٌ عظيمة، دائماً الإنسان عندما يتقن عمله يحس بنوع من الراحة – راحة الضمير – ، والشيخ بين أحد ركائز الإتقان وهو العلم، أيضاً التدريب سواء كان في مجال العمل الذي يعمله الإنسان بالطبع يحتاج إلى إتقان لكن يوجد عندي تساؤل هل هناك اختلاف بين الإتقان والجودة التي يتحدث عنها في هذه الأيام الكثير من الناس؟

 الجودة هي جودة العمل، كثيرٌ من الوزارات والهيئات طبعاً الآن أنشأت مكاتب للجودة أو إدارة الجودة.

  وهل الإتقان أيضاً عندما نقول لابد للشخص أن ينجز عملاً كماً وكيفاً هل الكيف هنا معناه الإتقان ؟

 وهل دائماً الإتقان لابد لحدٍ معين، أو مثلاً نقول شخصٌ وصل إلى مرحلة إتقان هل معنى أنه لما وصل إلى مرحلة الإتقان هل أتقن هذا العمل أم أنه فقط  وصل إلى أحد الخطوط العريضة للإتقان؟ هذا الذي عندي وجزاكم الله خيراً.

مقدم البرنامج: في إطار حديثكم فضيلة الشيخ عن أسس وقواعد الإتقان تحدثتم عن العلم ثم شرعت في موضوع الإخلاص .

الشيخ كهلان:  نعم الإخلاص أيضاً من أهم الركائز التي يُبنى عليها الإتقان – تحقيق الإتقان -؛ لأن الفرد – كما قلت – حينما يجد باعثاً من نفسه بأن العمل الذي يقوم به هو عبادةٌ ينال بها الأجر والثواب من الله تعالى فإن ذلك سوف يمكنه لا ريب من أن يوجد حافزاً ذاتياً يدفعه إلى أن يجعل من عمله عبادةً يتقرب بها إلى الله عز وجل، وهذا بطبيعة الحال يستلزم منه الإخلاص لله عز وجل فيجرد نفسه من حظوظ الرياء والنفاق، أي هذه الحظوظ التي تجعل من عمله مجرد صورة لكي يكون خالصاً وكي يتحقق منه ذلك الإتقان.

مقدم البرنامج: فضيلة الشيخ رفع الأذان وأنتم تتحدثون عن موضوع الأسس والقواعد التي يعتمد عليها الإنسان في تحقيق الإتقان، تواصلون إن شاء الله .

الشيخ كهلان:  نعم، قلنا الإخلاص من هذه الركائز الهامة التي تحقق الإتقان، والإخلاص حينما يتمثله المرء حقيقة فينبعث من طوايا نفسه فإن هنا العمل الذي يقوم به لن يكون مرتبطاً عنده بالأجر المادي الذي يحصل عليه في مقابل قيامه بذلك العمل لأنه يعلم أنه بإخلاصه يجعل من ذلك العمل عبادة تبلغه منازل ترفعه إلى المنازل العالية عند الله تعالى وهذا سوف يخفف عليه أيضاً كثيراً حينما يجد أنه لم يقصر هو في أدائه لعمله فإن ما يلقاه من عتب في بعض الأحيان على شيءٍ كان خارجاً عن إرادته أدى إلى أن لا يظهر العمل متقناً فإنه سوف يجد سلوة في ألا يكترث كثيراً وأن لا يؤثر عليه ذلك سلباً في أدائه لعمله على الشكل المتقن الذي يحرص عليه، فإذاً الإخلاص غاية في الأهمية، والإخلاص كما قلنا لارتباطه بكون العمل عبادة يتقرب بها المرء إلى ربه تبارك وتعالى من الشروط الهامة..  الركائز الهامة للإتقان التي قد لا ينتبه إليها الناس الأمانة، وأنا إن استبقت الحديث وأشرت إلى مداخلة المتصل الثاني في موضوع الجودة وشهادات الجودة أو علامات الجودة إن كانت هذه العلامات..  إن كانت المعايير الموضوعة للدلالة على الجودة موافقة لمثل هذه أو تضع في الحسبان هذه المعايير التي نتحدث عنها اليوم – ما نتحدث عنه لا يتعلق فقط بمعايير مادية محسوسة نحن نتحدث عن إيقاظ ضمير هذا الفرد لكي يتمكن من أن يسعى إلى تحقيق..  يتمكن من تحقيق الإتقان في الوقت الذي ندعوا فيه أيضاً الجهات المسئولة والمؤسسات والمجتمع بشكلٍ عامٍ أيضاً إلى إيجاد الوسائل والطرق التي تحقق لدى العامل رغبته في الإتقان -، فإذاً هناك أيضاً معايير معنوية متى ما اعتبرت و إلا لا ريب أن معايير الجودة أريد منها أيضاً القدرة على ضبط مقاييس إتقان العمل لكنها قد لا تتضمن كل ما نتحدث عنه، فإذاً موضوع الأمانة غاية في الأهمية في الإتقان، فكل صاحب عمل خاصةً إذا كان عمله يصل أثره إلى نطاق واسع من الناس لابد بل يجب عليه وجوباً شرعياً أن يكون أميناً في عمله، فالوقت المخصص لأداء عمله عليه أن يوجد من نفسه رقيباً عليه فيجعله في أداء عمله ذلك.

أداؤه أيضاً للعمل لابد أن يكون أميناً فيه من حيث أن يؤديه على أحسن ما يستطيع وأن يبتغي الوصول إلى أحسن النتائج وأن يتمثل نفع الناس لأدائه  لذلك، وهو كمن يؤدي أمانة – وديعة – عنده إلى غيره فإنه يريد أن يؤدي هذه الأمانة بأحسن وجه، وتحدثنا نحن كثيراً في موضوع الأمانة وقلنا بأنه تكون في الماديات كما تكون في المعنويات؛ ولذلك فهو أمينٌ على الوقت..  أمينٌ على وقته ووقت الناس أيضاً، ملتزماً بالأخلاق التي تمكنه من التعامل مع الناس المعاملة الحسنة التي أمره الله سبحانه وتعالى بها سواء كان قادراً على تلبية طلباتهم أو كان غير قادراً على تلبية طلباتهم، فالمعاملة الحسنة هي من أمانته في عمله التي تحقق له الإتقان.

 يتصل بذلك النزاهة التي تحدثنا عنها – النزاهة في العمل التي تحدثنا عنها – أن يكون بعيداً عن الشبهات أو لا تدفعه نفسه التي قد تأمره بالسوء إلى أن يتسور حدود عمله فيتحايل على الرسالة وعلى الأمانة التي حُمِّل إياها فيسعى إلى أن يتكسب أموال الحرام من جراء أدائه لعملِ كُلِّف به؛ لأن المسألة غاية في الخطورة ساعتها يُعَرِّض يتحول ما يمكن أن يكون سبباً للأجر والثواب إلى أن يكون والعياذ بالله سبباً للخسران والهلاك.

مقدم البرنامج: والعياذ بالله.

 إذاً هذا الموضوع – الأجر والثواب – سؤالٌ تقدم به المتصل الأول سنناقشه بعد قليل إن شاء الله  .

————————-

متصل ثالث: الموضوع اليوم إتقان العمل، في بعض الأحيان قد يتقن الإنسان عمله إلا أن صاحب العمل قد لا يقتنع بأن هذا العمل قد أُدِّي بإتقان أو عدمه، فالإنسان في بعض الحيان قد يعمل بإخلاص وإتقان حسب استطاعته، والعمل المتقن يبدو عليه ذلك والعمل غير المتقن أيضاً سيبدو عليه ويظهر عليه ذلك إلا أن صاحب العمل قد يرى بأن عمل هذا الإنسان غير متقن وذلك لأنه وضع مقاييساً خاصةً له تحدد فيما إذا كان هذا العمل متقناً أم لا، وهذا قد يؤثر في أجرة العامل فإن رآه صاحب العمل غير متقنٍ أنقص من أجرته و إن رآه متقنا أعطاه أجرته كاملة حسب الاتفاق.

مقدم البرنامج: واضح.

 هذا سؤالٌ مهمٌ نحن نوهنا به في تقديم الحلقة.

شكرا لك أخي وبارك الله فيك، أنا قلت في البداية ما يراه الإنسان متقناً يراه غيره خلاف ذلك، هذا موضوعٌ نريد أن نناقشه بعد أن تجيبون باختصار على سؤال المتصل الأول ( ما هي المكافأة وقد بينتم بعضها..  ما هو الأجر الذي يناله الإنسان على إتقانه لعمله وهو أيضاً في المقابل ما هو الإثم الذي يحصل له من تفريطه في الإتقان؟)

الشيخ كهلان:  لإتقان العمل الأجر والثواب العظيم عند الله تعالى، فإن كان الله عز وجل – كما قلنا – قد وصف نفسه بالإتقان – إتقان ما خلق..  إتقان الصنعة – فمن باب أولى أن يكون من يتقن عمله حرياً بالمنزلة الرفيعة عند الله عز وجل نظراً لأن الإتقان هو من أبواب الإحسان التي أمرنا بها رسولنا صلى الله عليه و سلم  حينما قال :” إن الله قد كتب الإحسان في كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة و إذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة”.

 الإحسان في الذبيحة يعني الإتقان في أداء هذا العمل الذي يقوم به هذا الإنسان ونحن نعلم أن الله تعالى يحب المحسنين وقال: {هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ } (الرحمن:60)، فالإتقان كثيرٌ من أهل العلم حينما تحدثوا عن الإتقان جعلوه صنو الإحسان أي – رديفاً للإحسان -، وأوردوا فيه الكثير من الأدلة المتعلقة بالإحسان، وهي بهذا المعنى الذي ذكرته فعلاً الصلة واضحة وبالتالي يكون أجر المحسنين هؤلاء المتقنين سواء كان ذلك في العبادة أو في الإعمال التي يقوم بها الإنسان .

متصل رابع: سؤالي هو إلى أي مدى يتحمل الموظف ضعف الإتقان في عمله في حالة أن بيئة العمل غير مهيأة؟  أي-  البيئة التي يعمل فيها غير مهيأة للإتقان – إلى أي مدى يتحمل ضعف الإتقان في العمل؟

 مثلاً في برنامج معين جديد..  دخل في العمل في بيئة العمل..  في جهة العمل ولا يوجد مثلاً دورات جديدة معينة تهيئ هذا العامل أو الموظف لأن يتقن عمله إتقاناً تاماً، أي أنه لن يؤدي الأداء التام .

هو يجتهد بشكلٍ كبير ولكن  طاقته نفدت ، ليس لديه أساسا أفكار جديدة لكي يتعامل مع هذا البرنامج ففي التقرير طبعاً الموظف يكون ضعيف وهذه مشكلةٌ كبيرة .

مقدم البرنامج: وأنت ترى أن سبب الضعف هذا هو عدم وجود البيئة المناسبة التي يعمل فيها؟

المتصل: بالضبط نعم .

مقدم البرنامج: المتصل الثالث سؤاله عن عدم اقتناع صاحب العمل بوجود الإتقان في جانب العامل.

 هذه في بعض الأحيان تخضع للتقديرات الشخصية..  هذا ربما يشير إلى موضوع التعامل في العقود كأن يكون مقاول معين بنى بيتاً معيناً إلا أن صاحب البيت يرى أن العمل غير متقن، هذه المقاييس كيف تحدد ومن يحددها ؟

الشيخ كهلان:  نحن أول ما نضع المبادئ القيم أي نقنن القيم وكيفية تطبيق هذه القيم كقيمٍ راسخةٍ لدى الناس في المجتمع.

 قد تختلف الأنظار في تقدير مدى تحقق قيمةٍ ما لكن لا ريب أن هناك مقداراً مشتركاً يتفق عليه الناس هم فيما يخص العقود والمعاملات المالية، فالمسلمون على شروطهم إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً فيبقى أنه أيضاً لابد حينما ندخل في تفاصيل بعض الأمور التي قد تسبب فعل الخلاف في قيمةٍ كقيمة الإتقان في تقدير تحققها في أرض الواقع في عملٍ ما الأصل – وهذا من الأمور المهمة التي أهملها كثيرٌ من المسلمين – أن التشارط أمرٌ غايةٌ في الأهمية ( أن تكون العقود مبنية والشروط واضحة)، والله سبحانه وتعالى أمرنا بالكتابة..  أمر بالكتابة في الدَّين وهي معاملةٌ واضحةٌ..  هو مجرد مداينة فما بالك بما كان من العقود التي تكون فيها الكثير من الشروط؟!

 فينبغي أيضاً أن يكون الاحتكام إلى هذه المعايير وأن يتجرد أيضاً..  أن ينصف ، الرسول – صلى الله عليه وسلم – لما قال :” أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه” الآن هذا التوجيه من رسول الله – صلى الله عليه وسلم – دعوةٌ للناس لكي ينصفوا أنفسهم..  ينصفوا أجراءهم من أنفسهم فيبادروا هم إلى إعطائهم حقوقهم وإلى أيضاً أن يهيئوا لهم ما يعينهم على الاستمرار في العمل وعلى إتقان ذلك العمل ، أما إذا كان رب العمل يماطل العمال ويؤخر لهم أجورهم (هم يحسنون وهو يريد أن يتكسب من ورائهم مزيداً من ساعات العمل مع نقصان الأجور) فهذا لا يجوز بحال، وهو مخالفٌ لهدي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ولأمره الصريح الذي يقول فيه : ” أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه”.

مقدم البرنامج: طيب عندما يحدث خلافٌ على التطبيق ربما قد تكون هناك شروط معينة ولكن تطبيقها أيضاً يحدث فيه اختلاف، هل الشخص هنا مثلاً أن يتصرف بمحض إرادته أو بتقييمه الخاص ويحكم بأن العمل غير متقن؟

الشيخ كهلان:  لا، اللهم إلا أن يكون في ذلك لا ريب أن يكون في ذلك مخالفة لشيء من الشروط المتفق عليها أو كان الخلل ظاهراً جلياً واضحاً، أما أن يكون فقط مجرد هوى و مجرد رأي فهذا لا يجوز له وساعتها إن أصر وأبى فالاحتكام لا ريب يكون في المؤسسات المعنية بفض مثل هذه الخصومات والمنازعات .

————————-

روى الإمام البخاري في صحيحه عن المقدام عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: “ما أكل أحدٌ طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود – عليه السلام – كان يأكل من عمل يده”.

مقدم البرنامج: المتصل الرابع طرح أيضاً موضوعاً مهماً، هذا الموضوع أنتم أشرتم إليه – موضوع التدريب..  المؤسسات التي تدرب موظفيها حتى يتقنوا عملهم – يتحدث هو الآن ويقول مؤسسة معينة لا يوجد فيها بيئة مناسبة لإتقان العمل، إلى أي مدى يطالَب العامل أو الموظف أن يتقن عمله وأن يتكلف كثيراً في هذا الموضوع – في موضوع الإتقان -؟

وهل سيكون هناك مؤاخذة على من يكتب عنه تقارير في حين أنه لم يهيأ أساساً فرصة العمل الجيد له؟

الشيخ كهلان:  نضم صوتنا إلى صوته وقد قدمنا الحديث حينما تحدثنا على أن من أسس الإتقان العلم، والعلم قلنا بأنه يدخل فيه التدريب وتدخل فيه الخبرة ويدخل فيه كل المهارات العلمية والتدريبية التي تمكن العامل من الإتقان.

وجهنا خطابنا للمؤسسات..  لأرباب العمل..  لكل المعنيين بالارتقاء بشأن هذا العامل، لا يلزم هذا العامل أن يُكَلِّف نفسه فوق طاقتها، فلا مؤاخذة عليه، عليه أن يجتهد قدر استطاعته وقد ذكر هو في السؤال بأنه هو مجتهد في ذلك  لكن إن كان يراد بالمجتمع أن ينعم بالإتقان في صنعته..  في إنتاجه وأن ينافس بها غيره من الأمم المتقنة الصانعة فإنه لابد أن يهيئ الوسائل التي تمكن من الإتقان، ولابد أن تتضافر الجهود لأجل تحقيق ما يؤدي إلى الإتقان فضلاً أيضاً عن تمثل باقي الشروط التي ذكرناها (الإخلاص..  الأمانة..  الرقابة).

 كل هذه من الأسس التي يعضد بعضها بعضاً في سبيل  تحقيق هذه القيمة في المجتمع بالتالي نؤكد على أن المؤسسات المعنية..  جهات العمل..  أرباب العمل ينبغي لهم أيضاً أن يوجدوا من البرامج..  من الدورات..  من الوسائل ما يمكن العامل من الارتقاء بعمله بحيث يكون متقناً كما ينبغي.

مقدم البرنامج: طيب نحن في هذه الدقائق الأخيرة نريد منكم أن تتحدثوا عن المقومات التي تساعد على موضوع الإتقان (نحن تحدثنا الآن عن موضوع الأسس والقواعد والركائز والآن نريد الكلام عن موضوع المقومات وإن كان المتصل الثاني أيضاً إذا أردتم أن تعرجوا بشيء على كلامه وإن كنتم تحدثتم عن موضوع الجودة والاختلاف بين الإتقان والجودة).

 وهل الكيف دائماً هو الذي يحكم عليه بأن العمل يكون معه متقناً؟

الشيخ كهلان:  هناك بالإضافة إلى المقومات وفيه إجابة إلى ما ذكره المتصل الثاني قضية الجودة وبينها وبين الإتقان كما هو أيضاً جواب على هذا السؤال المهم هناك أيضاً عناصر أخرى لابد أن يستصحبها العامل إن كان يريد لنفسه الإتقان مما ذكرنا هناك الإخلاص نذكر هنا النية، فإن النية – تصحيح النية – حتى وهو يعمل عملاً دنيوياً وكسب دنيوي فالله تعالى يقول {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ.. .} (القصص:77)، وهذا رسول الله – صلى الله عليه وسلم –  حينما رأى صحابته رجلاً فقالوا لو كان هذا في سبيل الله أي – قضية البنية وحسن الهيئة – فقالوا لو كان هذا في سبيل الله، فرسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: “إن كان هذا خرج في والدين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله، وإن كان خرج في رزق نفسه وعياله فهو في سبيل الله وإن كان .. .”

 أي الحديث مشهور  يدل على أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – يشبه هذا السعي في الرزق يشبه أجره وثوابه بثواب من؟

المجاهد في سبيل الله، ولا يعيب عليه ولم يعب عليه كما ظن بعض صحابة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حينما رأوا بأنه الأولى في حقه أن يذهب ليجاهد في سبيل الله بل بين رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن هناك أبواباً من طلب الرزق والسعي في هذه الأرض لا يقل ثوابه وأجره عن الجهاد بل هي من معاني الجهاد في سبيل الله ،فإذاً النية أيضاً غايةٌ في الأهمية، كذلك نجد أن الرسول الله – صلى الله عليه وسلم – حث على التبكير في العمل “بورك لأمتي في بكورها”، وكثيرٌ منا للأسف الشديد يهمل هذا الأمر.

  التبكير في أداء العمل يعني النشاط..  يعني الهمة..  يعني الإقبال يعني..  الانتفاع بذروة عطاء هذا الإنسان في سبيل إنجاز العمل الذي أسند إليه، ونحن نعمم ونقول بأن هذا يعني الجد والاجتهاد قدر المستطاع..  يعني الإتقان يحتاج له، هو ليس بالأمر السهل، نحن نعرف حينما نتحدث عن الإتقان في العمل وتحدثنا عن علمٍ وإخلاصٍ وأمانةٍ ونتحدث عن نيةٍ ونتحدث عن تبكيرٍ فإن هذا يعني أن الأمر يحتاج إلى جد..  يحتاج إلى كفاح ويحتاج إلى أن يحمل الواحد نفسه على أداء ما عليه لكن العواقب لا ريب طويلة   العواقب في الدنيا والعواقب في الآخرة العواقب على مستوى النتائج..  على مستوى الأفراد وعلى مستوى المجتمع وعلى مستوى الأمة بأسرها، حتى تتحول الأمة أصلاً إلى منتجة منافسة قادرة على أيضاً أن تنوع وتعدد في مصادر دخلها لابد أن تكون متقنة حتى يحظى إنتاجها بالقبول؛ فلذلك نحن نتحدث عن أمورٍ تحتاج إلى جد..  تحتاج إلى  أيضاً عزيمةٍ وهمةٍ ونشاطٍ؛ ولذلك الرسول – صلى الله عليه وسلم – أرشد إلى ماذا؟

التبكير وفي التبكير معنى – كما قلت – استغلال ذروة نشاط هذا الإنسان في سبيل إنجاز ما يحتاج إليه من أعمال .

مقدم البرنامج: بالإضافة إلى الجانب المعنوي وهو أن بركة من الله سبحانه وتعالى تصاحب هذا الإنسان.

 طيب إذا كان هناك مقومات أخرى تذكرونها فقط  كنقاط لأن الوقت انتهى.

الشيخ كهلان:  ليست هناك أشياء أخرى لأن الباقي هي من المعايير التي تختلف بحسب طبيعة العمل فقط .

مقدم البرنامج: جميل.

 إذاً نحن نختم هذه الحلقة باستماعنا إلى بعض كلام العرب و الشعراء في موضوع الإتقان أيضاً.

————————-

“خاتمة الحلقة”

قال الشاعر:

بقدر الكد تكتسب المعالــي *** ومن طلب العلا سهر الليالـي

ومن طلب العلا من غير كدٍ *** أضاع العمر في طلب المحـالِ

وقال آخر:

يغوص البحر من طلب اللآلي *** ومن طلب العلا سهر الليالي

تروم المجد ثم تنام ليـــلاً  ***  لقد أقنعت نفسك بالمحـالِ.

مقدم البرنامج: أهلاُ ومرحباً بكم أعزائنا الكرام في برنامج دين الرحمة وقد وصلنا إلى نهاية هذه الحلقة (تحدثنا فيها عن موضوع الإتقان في العمل).

 شكراً لكم فضيلة الشيخ على هذا العطاء، شكراً لكم أعزاءنا الكرام على المتابعة والمشاركة، و نذكركم بأن موضوعنا في الحلقة القادمة بإذن الله تعالى سيكون عن حب الوطن وحقوقه، نرجو منكم المتابعة والمشاركة في نفس الوقت إلى أن نلقاكم في ذلك الحين نستودعكم الله و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

“انتهت الحلقة”