آداب المجالس

آداب المجالس

بثت قي :

15/جمادى الآخرة/1430هـ

8 / يـونيو / 2009م

————————–

مقدم البرنامج: بسم الله الرحمن الرحيم.

أيها الإخوة المستمعون والمستمعات : السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم في هذا اللقاء الجديد الذي نتحدث فيه اليوم-بإذن الله تعالى-عن آداب المجالس.

المتع في هذه الحياة كثيرة، وقد بسط الله للناس منها ما تتفكه به حياتهم وتسر به قلوبهم الشيء الكثير، ولكي تؤدي هذه النتيجة أحاطها بجملة من الآداب التي لا تسمح بدخول ما يعكر صفو المستمتعين بها، وفي المجالس متعة يقصد إليها الناس لغاية أو لهواية أو لملء فراغ وتمضية وقت-كما يقولون-.

لكنها في الوقت نفسه قد تكون سبباً في خروج الجالس منها مثقلاً بالذنوب أحيانا أو متشاحناً مع أخيه أو ممتلئاً بأفكارٍ سيئةٍ ربما تدفعه إلى اتخاذ إجراءات خاطئة.

وفي أحيان أخرى تكون سبباً في تنقيح فكرة أو زيادة معرفة أو اكتساب علم أو التراجع عن جرم.

لكن الذي يحدد هذا أو ذاك هي الآداب التي يراعيها الجالسون في هذه المجالس سواء في نوعية المواضيع المطروحة أو في التزامهم بآداب التخاطب والسلوك الحسن مع الآخر.

فما هي هذه الآداب؟

وكيف يلتزم بها الجالسون في المجالس، والراغبون في أن يقضوا أوقاتهم فيها؟

هذا الذي يحدثنا به ويحدثنا عنه فضيلة الشيخ الدكتور كهلان بن نبهان الخروصي، كما تعودنا أن نطرح عليه أسئلتنا، ونناقشه في المواضيع المطروحة ليوقفنا على أمورٍ كثيرةٍ تتعلق بقيم ديننا وعظمته.

————————-

أهلاً ومرحباً بكم فضيلة الشيخ..

الشيخ كهلان: حياكم الله، وأنا أرحب أيضا بالإخوة والأخوات الذين يتابعون هذا البرنامج، وأحيي الإخوة والأخوات الذين يرغبون في المشاركة فيه، ونسأل الله عز وجل في بداية هذا اللقاء أن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، إنه تعالى سميع مجيب.

مقدم البرنامج: آمين يا رب العالمين.

نحن كنا نتحدث مع مستمعينا-فضيلة الشيخ-عن مواضيع كثيرة..  مواضيع يلتزم بها الفرد؛ لكننا هذه المرة اقتربنا من مجالسهم لنكشف لهم من خلال حوارنا معكم عن آداب هذه المجالس، وكيف تكون، وكيف تؤدي ثمارها الطيبة، ويتجنب الجالسون فيها كذلك الثمار السيئة.

ما هي هذه العناصر التي نتناولها في حلقة اليوم عن آداب المجالس؟

ثم لماذا نحن أيضا نتناول هذا الموضوع؟

وما هو علاقته بإطار البرنامج العام دين الرحمة؟

الشيخ كهلان: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد الرحمة المهداة والنعمة المسداة، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد :

فإن موضوع آداب المجالس هو من المواضيع السهلة في ذاتها؛ لكنها في الوقت ذاته عظيمة الأثر..  شديدة الخطر، مما يترتب عليها الكثير من الآثار، فهي مع كونها معلومة لدى كثيرٍ من الناس، وتندرج في باب الذوق العام في تعاملات الناس مع بعضهم البعض، وهي مما يسعى الناس في كثيرٍ من الأحيان إلى أن تتجلى فيها أريحية أخلاقهم، وأن يتخلوا فيها أيضا عن بعض الكلفة التي يمكن أن تكون حينما يكونون وسط غرباء من الناس فيتخففون من تلك القيود مع أصدقائهم وخُلاَّنهم، إلا أنها في كل الأحوال هناك من الآداب والتعليمات ما سوف نكتشف به عظمة هذا الدين، إذ في هذه المجالس في الحقيقة تتجلى أخلاق هذا الدين القويم التي تحدثنا عنها في كثيرٍ من حلقات هذا البرنامج حينما تناولنا قيماً إنسانيةً إسلاميةً رفيعةً من قيم هذا الدين في الحلقات الماضية فإن هذه إنما تتكشف في مثل هذه المجالس التي يمكن أن يسودها الانبساط والانشراح والألفة أو يمكن أن يكدر صفوها اختلاف رأيٍ وتعارض وجهات نظر.

وفي كل الأحوال هناك آداب ينبغي أن يُلتزم بها، وأن تظهر في مثل هذه المواقف، وبالتالي فنحن سوف نتعرض-بمشيئة الله تعالى-إلى جملة هذه الآداب التي ينبغي للمسلم أن يتعرف عليها، وأن يطبقها في واقع حياته سواء كان ذلك في المجالس التقليدية المعهودة التي يفهمها الناس حينما نقول : آداب المجلس أو آداب المجالس أي الأماكن التي يجتمع فيها الناس فيجلسون ويتحدثون على شكل جماعات قد تصغر وقد تكبر أو في أنماطٍ جديدةٍ من المجالس يمكن أن تكون في مقاهي..  يمكن أن تكون في مجمعات تجارية..  يمكن أن تكون على شاطئ البحر أو نمط هو أكثر حداثة وهو المجالس الإلكترونية التي تحتاج إلى شيءٍ من تمثل هذه الآداب أو تمثل بعض آداب المجالس أكثر مما يحتاجه مجلسٌ عاديٌ كما سميناه تقليدي.

فلذلك سوف نتعرض إذاً إلى هذه الأنماط من المجالس..  أولاً إلى عموم الآداب التي يُطالَب بها المسلم.

ثم هذه المجالس التقليدية المعروفة أو منها ما كان معاصراً..  ما كان حديثاً لم يعهده الفقهاء من قبل، ولم يعهده أيضا الناس من قبل؛ لكن كثيراً من شبابنا صاروا جلساء آلات وحواسيب يجلسون أمامها الساعات الطوال وهم في أحاديث مع غيرهم ممن يعرفون أو لا يعرفون من كلا الجنسين؛ فلذلك كان هذا النوع من المجالس الإلكترونية المعاصرة أيضا بحاجة إلى أن يتنبه لها الأولياء، كما يتنبه أيضا شبابنا وفتياتنا إلى نوع الآداب التي يحتاجون إليها لمثل هذه الآداب.

ثم إننا لن نقصر الحديث على ما يتصل بالمتجالسين بل نريد أن نعرف حقوق الآخرين على هؤلاء الجالسين في مجلسهم..  حقوق ذلك المكان الذي يكونون فيه.

وبهذا كله يتبين أن مجالات المشاركة اليوم سوف تكون-بمشيئة الله تعالى-مجالات رحبة واسعة، ونرحب بكل بحكمةٍ أو بأثرٍ أو بحديثٍ نبويٍ شريف أو بإضافةٍ إلى هذا الذي سوف نتعرض له في تحليل هذه العناصر ومناقشتها أو إلى تجربةٍ شخصيةٍ كان لها أثرٌ يمكن أن يعزز من هذه الرسالة التي يؤديها هذا البرنامج بمشيئة الله.

مقدم البرنامج: بمشيئة الله تعالى، إذاً هذا الجهاز الذي تحدثتم عنه أصبح واحداً من الجلساء، ولربما يكون خطره أعظم عندما ينفرد بالإنسان ولا يدري وجهة من يحادثه فيه.

الشيخ كهلان: هو في ذاته جليس، وهو أيضا وسيط لمجالسة آخرين، هذه المجالسة تكون بالمكاتبة الفورية، وتكون بالصوت، وتكون بالصوت والصورة أيضا؛ ولذلك كان هذا مجلسٌ، وسميناه مجلساً إلكترونياً.

مقدم البرنامج: جميل..  إذاً كعادتنا نبدأ بهذه الآية القرآنية، ثم ننطلق بعدها في حوارنا، ونستقبل أيضا المكالمات مباشرة.

————————-

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } (المجادلة:11).

مقدم البرنامج: صدق الله العظيم.

أهلاً ومرحباً بكم أعزاءنا الكرام مرة أخرى في برنامجكم دين الرحمة، وموضوعنا اليوم كما قلنا في بدايته عن آداب المجالس، وكما يبدو فإننا سنقف أمام مجموعة جديدة من المجالس العصرية التي يحتاج فيها المسلم إلى أن يتعلم الآداب التي يلتزم بها فيها.

مداخلة متصل : الله يبارك فيكم..  نشكركم على البرنامج الطيب، والحلقة الممتازة بارك الله فيكم..

الحقيقة في هذا العصر تعددت المجالس، وأولها مجالس العلم، ومجالس المكتبات، ومجالس مقاهي الانترنيت، فهذه ربما تعتبر كلها مجالس.

فنسأل الشيخ الدكتور: ما الذي ينبغي للمؤمن أن يتمسك به في هذه المجالس؟

الموضوع الآخر: عندما يدخل الشخص مجالس العلم بعض الأحيان نلاحظ في بعض المحاضرات يدخل شخص ويرفع بالتسليم صوته-يجاهر-فيضطر المحاضر أن يقطع المحاضرة لكي يرد السلام على ذلك الشخص الداخل إلى المسجد أو إلى مجلس العلم.

ما الذي ينبغي للداخل إلى مجلس العلم في هذه الحالة، هل ينبغي عليه أن يُسلِّم بصوت منخفض جداً بحيث أنه لا أحد يسمعه أو ما الذي ينبغي عليه أو ما الآداب التي ينبغي علينا أن نتمسك بها في مجالس العلم؟

نذكر قصة أبو بكر الصديق عندما كان رجل يشتمه ويسبه، فكان أبو بكر الصديق ساكتاً، وكان الرسول-صلى الله عليه وسلم-جالسا معهم، فعندما بدأ أبو بكر الصديق يدافع عن نفسه ذهب الرسول-صلى الله عليه وسلم-.

في ذلك الوقت ربما أخذ بخاطره أبو بكر فقال له : يا رسول الله أنت ذهبت لما بدأت أنا أدافع عن نفسي، في ذلك الوقت قال الرسول-صلى الله عليه وسلم-بأن الملائكة كانت تدافع عنك فكنت جالساً معكم؛ ولكن عندما بدأت تدافع عن نفسك حضرت الشياطين فكان ينبغي لي الذهاب، في رواية الحديث والله أعلم ، ونشكركم على هذا البرنامج، وجزاكم الله خيراً.

مقدم البرنامج: شكراً جزيلاً أخي..  بارك الله فيك..

فضيلة الشيخ : نحن استمعنا إلى الآية القرآنية من سورة المجادِلة-تسمى أيضا المجادَلة-، ووضعتنا أمام أدبٍ عظيمٍ في موضوع المجالس وآدابها.

نريد منكم أن تبينوا لنا ما يستفاد من هذه الآية التي استمعنا إليها قبل قليل.

وما هي المعاني التي تشير إليها كذلك فيما يختص بموضوعنا؟

الشيخ كهلان: هذه الآية الكريمة وردت في سياقٍ يشتمل على جملة من الآداب التي تتعلق بآداب المجالس عموماً أي ليست هذه الآية وحدها فقط مما يتصل بآداب المجالس بل سبقها أحكامٌ تتصل بالنهي عن النجوى، وهي من الآداب التي أرشد إليها القرآن الكريم، وحث عليها رسول الله-صلى الله عليه وسلم-؛ ولذلك كان من المناسب أيضا أن يتعرض السياق لأدبٍ آخر رفيع من الآداب التي تظلل مجالس المسلمين ولقاءاتهم، فالله عز وجل بعد أن نعى على أولئك الذين لم ينتهوا عن النجوى وعن التناجي بالإثم والعدوان وبمعصية الرسول والذين لا يلقون تحية الإسلام على رسول الله-صلى الله عليه وسلم-..  عندما بيَّن بعض صفات المنافقين خاطب المؤمنين فقال : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } (المجادلة:9)، ثم بيَّن السبب فقال : { إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ } (المجادلة:10)-وقد ذكرنا طرفاً من تفصيل هذه الآية الكريمة حينما خصصنا حلقة لأدب الحديث-، ثم قال بعد ذلك : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ .. . } إلى آخر الآية.

هذه الآية وردت ولها مناسبة، ومن المناسب أن نذكر هذه المناسبة :

إذ كان الرسول-صلى الله عليه وسلم-في مجلسه في الصُّفة، ودخل بعض صحابته الكرام، وكان المجلس غاصاً بالجالسين، فأتى بعض أهل بدر ومن المعلوم أن رسول الله-صلى الله عليه وسلم-كان يُكرِم أهل بدر غاية الإكرام لعلو منزلتهم في هذا الدين لفضل سابقتهم-والله عز وجل يقول : { .. . لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى .. . } (الحديد:10)-فيهم جملة من خيار الصحابة وهم من أهل بدر، ولكونهم قد سُبِقُوا في المجلس قاموا وقوفاً على أرجلهم ينتظرون أن يُفسَحَ لهم فلم يُفسَحَ لهم، فأخذ النبي-صلى الله عليه وسلم-ينادي بعض الصحابة الجالسين بأسمائهم : قم يا فلان أي يقول : قم يا فلان وقم يا فلان وقم يا فلان بعدد الواقفين، وأجلس أهل بدر مكان من ناداهم-عليه الصلاة والسلام-.

فشق ذلك على الذين أقيموا، واستغل الموقف المنافقون فأخذوا يتغامزون، وقالوا بأن هؤلاء لم يُنصَفوا، وقد كانوا أحبوا القرب من نبيهم-عليه الصلاة والسلام-؛ فلذلك سَبقوا إلى مجلسهم.

فإذا بالقرآن الكريم ينزل حتى يستل ما في النفوس، إذا بهذه الآية الكريمة تنزل تطيباً لخاطر هؤلاء الذين أقيموا من مجالسهم، وتعليماً لهذه الأمة بجملة من الآداب :

أولاً : أن ذوي الفضل ينبغي أن يُكرَمُوا.

هؤلاء أيضا ما كانوا يستغلون منزلتهم الرفيعة، ولم يَقُم أهل بدر الداخلون أخيراً بمنافسة ومضايقة القاعدين في مجلس رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، وإنما تأدبوا وظلوا وقوفاً، فهذا أيضا أدب ثانٍ رفيع من آداب المجالس-وسوف نتعرض لبعض أحاديث الرسول-صلى الله عليه وسلم-الناصة على ذلك-.

ثم إن النبي-صلى الله عليه وسلم-بتنبيهه لهؤلاء أن يفسحوا لإخوانهم-بعدما أقامهم-أن يفسحوا لإخوانهم هذا أدب آخر، فالتطييب للخاطر أمرٌ غاية في الأهمية، فلما أقامهم الرسول-صلى الله عليه وسلم- ليفسحوا لإخوانهم إذا بالمكافأة { .. . يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ .. . }؛ فلذلك جزاء ما فعلوه كوفِئوا بمزيدٍ من الفضل..  بمزيدٍ من التوسعةٍ والرحمةٍ والمنزلةٍ من الله عز وجل { .. . يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ .. . }، وهو وعد من الله عز وجل في كتابه الكريم. 

مقدم البرنامج: الجزاء من جنس العمل.

الشيخ كهلان: نعم، فإذاً هذه هي المناسبة، وبالتالي السياق الذي وردت فيه هذه الآية الكريمة يشتمل على جملة من الآداب-كما قلنا-، نفس منطوق هذه الآية يشتمل على جملة من الآداب التي تتصل بأدب المجالس مما نحتاج إليه اليوم؛ ولذلك استفتحنا بها حلقة اليوم، وأظن أن معناها واضح، ولن نقف معه الآن طويلاً؛ لأن هناك جملة من خلاصة الآداب التي سوف نتعرض لها بعموم آداب المجالس قبل أن ننتقل إلى تفاصيلها.

مقدم البرنامج: جميل..  وإنما أردت فقط ليكون المستمع الكريم على بينة من أمره في هذا الموضوع، وحتى يفهمه جيداً أن أولئك الذين أوقفهم النبي-صلى الله عليه وسلم-أوقفهم ليفسحوا لإخوانهم أو أوقفهم ليخرجوا من المجلس؟

الشيخ كهلان: لا..  لم يوقفهم ليخرجهم من المجلس، وإنما ليفسحوا لإخوانهم، ثم أقعدهم أيضا كما يقول أغلب المفسرين أنهم قعدوا بعد ذلك أي اتسع لهم المجلس جميعاً، وإنما أراد النبي-صلى الله عليه وسلم-تكرمة أهل بدر فأقامهم حتى قعد هؤلاء، ثم قعدوا جميعاً.

مقدم البرنامج: واختارهم النبي-صلى الله عليه وسلم-تشريفاً لهم على اعتبار أنهم يمتثلون..  من النوع المؤمن الذي يقول سمعاً وطاعةً.

الشيخ كهلان: نعم، وهم أهل الصُّفة أصلاً، وهم معرفون بسابقتهم أيضا وبفضلهم، والنبي-صلى الله عليه وسلم-كان يخصهم بالزيارات وبالمجالس، ومن باب التسهيل التفسح المقصود به هو ما نفهمه أيضا هو : التوسعة..  التوسع أي الفعل كما نستخدمه نحن في الدارجة : فَسُحَ المكان إذا اتسع.

مقدم البرنامج: حتى تكبر الحلقة بدل أن تكون صغيرة تكون كبيرة.

الشيخ كهلان: نعم، لذلك أيضا { .. . إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ .. . } هذا هو سبب النزول؛ لكن معنى الآية لا يقتصر على مجلس رسول الله-صلى الله عليه وسلم-أي ليس سبب النزول مُقيِّداً لعموم الآية.

مقدم البرنامج: نعم، طيب هل هناك علاقة بين هذا التفسح وبين { .. . يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ .. . }؟

الشيخ كهلان: نعم؛ لأن الآية يتصل معناها في بدأها وفي ختامها، فالإشارة { .. . يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } هذه الإشارة في آخر الآية هي إشارة إلى فضل هؤلاء الذين لهم التقدمة من السابقين الأولين..  من المهاجرين..  ومن الأنصار..  ممن شاركوا في بدر..  ممن لهم مزية أو كانوا من أهل العلم فهؤلاء لهم تقدمة ينبغي للمسلمين وللمجتمع أن يُنزلهم منزلتهم اللائقة.

وللتوضيح أيضا-وهذا من آداب المجالس التي كنا سنتعرض لها-لا يقتصر على علماء الشريعة فقط، بعض الناس يظن أن هذه المنزلة إنما يحوزها علماء الشريعة فقط، بينما نجد أن تشريعات هذا الدين دلت على أن منزلة العلم الرفيعة ينالها كل من اتصف بهذا الوصف في شتى مناحي العلوم النافعة التي يستفيد منها المسلمون، وتستفيد منها البشرية، فهم يستحقون التقديم، ويستحقون التكريم والاحترام والتوقير من باقي أفراد المسلمين.

مقدم البرنامج: للنفع الذي يقدمونه.

الشيخ كهلان: بسبب الفائدة التي تتحقق من علومهم نعم.

مداخلة متصل آخر: بداية نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعيننا على تمثل هذه الآداب، فكما ذكر فضيلة الشيخ-حفظه الله-بأنا نعرف الكثير من الآداب؛ لكن أهم شيء التطبيق، نسأل الله أن يعيننا، وأن يعين إخواننا المسلمين على تمثلها.

لدي ثلاث نقاط لو تكرمتم :

يروى عن النبي-صلى الله عليه وآله وسلم-أنه كان يتكلم في المجلس قليلاً، وبصورة هادئة، والسؤال الآن وقد كثرت مشاغل الناس وقل اجتماعهم فهل عندما يجتمعون لمناقشة أمر يطبق هذا الأدب وخاصة عندما يحتاج الموضوع لطويل مناقشة؟

أم أن له صورة تطبيقية معينة ممكن الشيخ يتكرم ويبينها؟

النقطة الثانية : الآن عندما يُتَحَدَّثُ عن موضوع الاتصال مع الآخرين كثيراً ما يُركَّز على ذكر أقوال علماء الغرب، وكأن هذا الموضوع موضوع حديث لم يتعرض له دين الإسلام، وقد نجد في الجانب الآخر من يحاول أن يدلل على تلك الأقوال من أدلة القرآن والسنة، وهو أمر لا نشكك في نية أصحابه؛ لكن في بعض الأحيان قد يحورون ذكر شيء من تلك الأدلة لتتفق مع تلك الأقوال فيحمِّلون النص ما لا يحتمله، فما توجيه فضيلة الشيخ الدكتور في هذا الموضوع؟

النقطة الأخيرة : الآن أقبلت-الحمد لله-الإجازة الصيفية على كثيرٍ من طلاب المدارس، فهل فرغ أهل العلم والفضل أنفسهم لمجالسة هؤلاء الطلاب من أجل أن يستفيدوا وخاصة أن بقية العام الكل منشغل؟

وهل حث فضيلة الشيخ-حفظه الله-الطلاب على التواصل مع أهل العلم والفضل؟

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

مقدم البرنامج: جميل جداً..  بارك الله فيك..  شكراً أخي..

مداخلة متصل ثالث : بارك الله لكم..  شكر الله سعيكم..

عندي سؤال للشيخ : الشيخ ذكرتم الآن بعد الاستماع إلى الآية في مناسبة القصة التي نزلت بسببها الآية على أنه لما قدم أهل بدر إلى الرسول-صلى الله عليه وآله وسلم-الآن كيف نوفق بين هذا الموقف والناحية الأخرى على أن الرسول-صلى الله عليه وسلم-جاء في الأثر أنه يجلس حيث انتهى به المجلس؟

لأننا نلاحظ كثيرا من أهل الفضل الذي ذكرتهم ومن غير الذين يحملون العلوم الشرعية قد يُحمِّلونهم أكثر..  أي تجد في نقطة معينة يزدحم الناس وهم يجلسون هنالك، فكيف نوفق بين هذين المنطقين؟

مقدم البرنامج: جزاك الله خيراً أخي..  شكراً على المشاركة..  بارك الله فيك.

ندخل بالفعل إذاً إلى سؤال الأخ المتصل الأول وهو يسأل عن بعض آداب المجلس، ونحن نطلب منكم أن توجزوا أبرزها-إن شاء الله تعالى-على اعتبار أنها ربما ستطول.

الشيخ كهلان: طيب، أولاً لنتصور موقف الداخل إلى مجلسٍ ما..  من الآداب التي ينبغي أن يَلتزم بها التسليم على أهل المجلس، هذا الحكم هو في عمومه، أما أن يدخل إلى حلقة علم أهلها مشغولون بتدارس علم-كما ذكر في سؤاله الأخ المتصل الأول- أو أن يدخل على مثلاً مصلين في مسجد فإنه لا ينبغي له أن يرفع صوته بالسلام، وإنما يذكر دعاء دخول المسجد إن كان يدخل مسجداً أو أنه كان في حلقة علم ينضم إلى هذه الحلقة دونما رفعِ صوتٍ بالتسليم.

مقدم البرنامج: هو معفي من التسليم.

الشيخ كهلان: بل هو معفي من التسليم؛ لكن من الأدب بداية أن يُلقي تحية الإسلام على أهل المجلس، ثم من الآداب أن يجلس حيث ينتهي به المجلس، فلا يجوز له ولا يسوغ له شرعاً أن يقيم أحداً ليجلس مكانه، فالنبي-صلى الله عليه وسلم-نهى عن ذلك في حديثه حيث قال : ” لا يُقيمنَّ أحدكم رجلاً من مجلسه ثم يجلس فيه؛ ولكن توسعوا-أو-تفسحوا “-كما هي الآية الكريمة-، بل حتى إذا قام أحد الجالسين من مجلسه فهو يحتفظ بحقه في ذلك المكان..

مقدم البرنامج: لأنه سيعود..

الشيخ كهلان: سيعود إليه..  نعم، فـ ” لا يحل لرجل أن يفرق بين اثنين إلا بإذنهما “، وقال أيضا : ” إذا قام أحدكم من مجلس ثم رجع إليه فهو أحق به “.

طيب كيف نوفق بين هذا وبين تكريم أهل الفضل؟!

هذا من جهة الداخلين..  هذا ما ينبغي أن يَتَحَلَّى به الداخل..

مقدم البرنامج: هذا سؤال الأخ المتصل الثالث..

الشيخ كهلان: نعم، وهو من ضمن الآداب؛ لكن بالنسبة لأهل المجلس أنفسهم فإن عليهم تكريم ذوي الفضل من الداخلين عليهم الملتحقين بالمجلس..  عليهم أن يبادروا هم إلى تكريم أهل الفضل، أما القادم فليس له أن يرى لنفسه مزية بحيث يتوسط حلقة الجلوس، فهذا مما نَهَى عنه رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، وهذه علامة كِبْرٍ-والعياذ بالله-، بل ينبغي له أن يرى نفسه سواءً بإخوانه المسلمين، وأنه لا فضل له عليهم، فإن بادروا هم إلى تكريمه، وإلى دعوته..  إلى ما يرون أنه يستحق من المنزلة والتكريم فذلك من فضل الله تعالى عليه، وإلا فإنه لا ينبغي له أصلاً أن يجد في نفسه غضاضة إذ الناس متساوون، وإنما يُبلِّغ الله عز وجل الناس المنازل الرفيعة بحسن أعمالهم وبتقواهم لله عز وجل لا بمكان يقعدون فيه في مجلسٍ واحدٍ أي هو المجلس واحد والرسول-صلى الله عليه وسلم-كان يحرص على أن يجلس حيث ينتهي به المجلس، وكنا نعلم شدة تواضعه-صلى الله عليه وسلم-كان يجالس الفقراء، وكان يجالس أهل الصُّفة، وكان يجالس المحتاجين، وكان يتفقد أحوال العجزة من الرجال والنساء وهو أرفع الناس منزلة على الإطلاق.

مقدم البرنامج: نعم.. ، والصحابة أظن-رضي الله عنهم-كانوا يدركون هذا من النبي-صلى الله عليه وسلم-فيتحولون ليكون هو صدر المجلس.

الشيخ كهلان: نعم، كذلك من الآداب التي لابد أن تراعى الوقار والسكينة..  لابد أن يتحلى الجالس في مجلس-كل الجالسين-أن يتحلى كلٌّ منهم بالوقار والسكينة، وهنا جملة من الآداب التي يظنها بعض الناس أنها لا أصل لها في هذا الدين، وأنها إنما هي مما ولدته الأيام المعاصرة المتأخرة فقط، بينما هي في الحقيقة مما نص عليه أهل العلم في مصنفاتهم قديماً أي بعض التصرفات التي نَهَوا عنها أهل المجلس من أن يفعلوها في مجالسهم كالعبث باللحية أو العبث بالخاتم أو العبث بالعصا أو أن يخلل أسنانه أمام الناس أو أن يدخل أصبعه في أنفه أمام الناس أو أن يكثر من التثاؤب في المجلس أو أن يكثر من البصاق والتنخم أو من العطاس والتثاؤب، كذلك أن يتحرى الصواب فيما يقول..  أن لا يكون كثير المزاح..  أن ينصت أيضا..  أن لا يقاطع الآخرين في أحاديثهم..  أن لا يبدي ثناءً وامتداحاً لنفسه، وهذا قد يتحصل لبعض الناس بصور غير مباشرة-كما يقال اليوم-أي يريد أن يمتدح نفسه فلا يمتدح نفسه بشكلٍ مباشرٍ وإنما يمتدح مثلاً جماعته أو أهل بيته أو يمتدح ولده أو يمتدح أهل قريته..  هو في الحقيقة إنما يمتدح نفسه، فإذا به يكثر من مدح هؤلاء؛ لأنه داخل فيهم، هذا مما يعاب على الرجل في مجلسه..

مقدم البرنامج: أو مستوى الإنتاجية في العمل..

الشيخ كهلان: نعم، أي أن يمتدح-كما قلتَ-إنتاجه أو صناعته أو غير ذلك، كذلك أن يعطي الناس حقوقهم المعنوية، حقوقهم المعنوية التي نتحدث عنها هو أن يكف أذاه عنهم، فالرسول-صلى الله عليه وسلم-يقول: ” المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ” من اللسان قبل اليد “”.. . من لسانه ويده “، والمجالس دائما عرضة لزلات اللسان..  للسباب..  للهُجرِ من القول، خاصة حينما يرتفع عنها عمود الدين..  حينما يرتفع عنها عمود التقوى..  حينما ترتفع عن الناس ظلال الحياء والمعاشرة بالمعروف فإنها كثيراً ما تكون مجلبة للصخب واللغط من القول.

والله عز وجل امتدح المؤمنين بقوله : { .. . وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا } (الفرقان:72)، وأيضا امتدحهم بقوله : { وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ } (المؤمنون:3)، وبالتالي فلابد أن يُعرِضَ المسلم عن اللغو، وإن كان أهل المجلس مصرين على استمراء اللغو فإنه ينبغي له أن يتركهم، وأن يمر كريماً مترفعاً عن هذا اللغو الذي هم فيه خائضون.

الآن لو لاحظت-أخي- لو أردنا أن نلخص ما وصلنا إليه الآن من آداب هذه تتصل بمن يجالسهم..  آداب تتصل بتعامله مع من يجالس-هناك أيضا حقوق وآداب تتعلق بذات المجلس أي المجالس بالأمانة إذا كان المتحدث لا يريد أن يخرج ذلك الحديث عن هذا المجلس الذي هو فيه كما أشار حديث رسول الله-صلى الله عليه وسلم-أنه إذا بدت من محدثك ولو التفاتة لكي يتأكد هل يسمع أحد هذا الحديث فإن هذه أمانة أن لا تخبر بها أحداً.

من حقوق المجلس الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، أي إذا حان وقت الصلاة فلابد من تلبية نداء الصلاة..  إذا رأى منكراً غيَّره إن استطاع بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان.

هناك حقوق للآخرين على هذا المجلس الذي تجلس فيه، مثلاً حقوق المارة :

المارة لهم حقوق إن كان هذا المجلس مثلاً في الطريق..  على الطريق..  إن كان في مقهى مفتوحٍ على الطريق أو كان في مكانٍ منكشفٍ على الطريق كأن يكون على شاطئ بحر مثلاً فإن للمارة حقوقاً ينبغي أن تراعى، وأهم هذه الحقوق غض البصر..  عدم تتبع عورات الآخرين..  ترك لمز المارين، وغمزهم، ووصفهم بالألقاب، إذ للأسف الشديد كثيراً ما يقع هؤلاء الذين يجلسون هذه المجالس في الترصد لأحوال المارين، وفي التعليق على أحوالهم، وفي الاستهزاء بهم في كل شيء، وهذا ليس من آداب المجالس، ولا هو من أخلاق المسلمين.

ليس فقط هنا حقوق المارين بل كل المنتفعين بالمرافق أي قد يكون المجلس في مرفقٍ عامٍ في حديقةٍ..  في متنزه وبالتالي هناك منتفعون آخرون فلابد أن يراعى أيضا هؤلاء، لا يضيق عليهم حق انتفاعهم، ولا يُؤذَون بالأصوات العالية، وبالتصرفات التي لا تليق بالمسلمين.

كثيراً ما تجد أن بعض شبابنا للأسف الشديد يقومون بحركات غريبة في المنتزهات العامة على أصوات موسيقى غربيةٍ صاخبةٍ يسمعها كل أحدٍ في ذلك المتنزه فلا يستطيع أن يهنأ براحة، ولا يستطيع أن يحقق المنفعة التي أتى من أجلها هو وأسرته..  هو وإخوانه وخلانه إن كانوا أرادوا التجوال أو إن كانوا أرادوا تغيير ما كانوا فيه من حال أو أرادوا مجرد الانتفاع بذلك المرفق فهؤلاء يصدونهم عن هذه المنفعة.

مقدم البرنامج: نعم، طيب أنتم-فضيلة الشيخ-الآن ذكرتم مجموعة من الآداب يتعلق بعضها بالجالس، ويتعلق بعضها بالمجلس عموماً، وحتى الذين يمرون على هذه المجالس؛ لكن مما يبادر إلى الذهن أن هذه الآداب التي ذكرتموها قبل قليل يعدها الناس من باب المروءة، ولربما قبل الإسلام كان الآباء يوصون بها أبناءهم، وفي العصر الحديث يسمونها بالذوق العام دون أن يربطوا كل ذلك بالدين.

ألا ترى أن ربطها بالدين يعتبر أمراً معقداً؟!

وأن إبقاءها على أنها ذوق عام دون ربطها بالدين يكون أكثر قبولاً على اعتبار أن الإنسان لا يقع تحت المساءلة أو المحاسبة النفسية؟!

الشيخ كهلان: المسلم في الأصل حياته كلها خاضعة لله عز وجل { قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } (الأنعام:162)؛ فلذلك هو في كل شأن من شؤونه إنما يقصد ثواب الله عز وجل، ويبتغي مرضاته-أي المسلم-، وبالتالي فإن هذه الآداب التي يمكن أن تندرج في الذوق العام أو يمكن أن تكون من باب المروءات طالما أنها مما يثيب الله عز وجل على فعله، وأنها مما يكافئ على فعلها وامتثالها الثواب الأوفى في الآخرة وهو جنات عرضها السموات والأرض كان ربطها بالدين أفضل للمسلم أصلاً، كيف وإذا كانت هي أساساً مما علمنا إياه رسول الله-صلى الله عليه وسلم-؟!!

وفي الحقيقة ما تركناها إلا لما فصلناها عن كونها من الدين، صحيح أنها من الأمور البسيطة في هذا الدين؛ لكنها من الأمور البسيطة بمعنى أنها مما ينبغي للمسلم أن يتقنها، لا ينبغي له أن يستهلك وقته في دراستها وتعلمها؛ لأن تعلمها ومعرفتها تتساوق مع فطرة هذا الإنسان، وترتقي بذوقه، وبالتالي فهي تزكي من خلقه فلا يحتاج إلى أن يقضِّي فيها الساعات الطويلة في دراستها؛ لأنها مما تُغرس في نفسه حينما يتدرج في تربية النشء حتى يصبح قادراً على تمثلها؛ ولذلك فهي شديدة الصلة بهذا المعنى أنها موافقة لفطرة هذا الإنسان، وأنها مدعاة إلى تزكية خلق هذا الإنسان، وتغرس مزيداً من الفضيلة، أما إذا اعتبرت من العادات فإنها يمكن أن يُتخلى عنها..  يمكن أن تترك..  يمكن أن تتغير..  يمكن أن تتبدل.

مقدم البرنامج: كما يمكن أيضا أظن-فضيلة الشيخ-أن تكون من ضمن الأشياء التي يهملها الناس مع تقدم الزمن على اعتبار أن هذه الآداب تقل وتضمر كلما صارت للناس نوعيات حياة مختلفة، وخاصة في الحياة العصرية التي يفقد فيها الناس الكثير من الآداب وبالتالي لا يورثونها لأبنائهم ولا يعلمونها لأبنائهم، فتختفي من المجتمع تدريجياً.

الشيخ كهلان: للتأكيد على كلامك أخي أنا أذكر رواية-وهي رواية عند الترميذي، وابن ماجه-يقول : تجشأ رجل عند النبي-صلى الله عليه وسلم–كان كثير الجشاء-، فقال له الرسول-صلى الله عليه وسلم : ” كف عنا جشاءك “، هذه مما يظن الناس أنها من الباب الذي ذَكرتَ، ولا صلة لها بأخلاق هذا الدين، في حين أننا نجد أن فيها حديثاً ناصاً عليها صراحةً، ويقاس على ذلك ما يتصل بتخليل الأسنان، وإدخال الأصبع في الأنف، وبعض ما يفعله الناس في مجالسهم مما لا ينبغي للمسلم أن يقع فيه.

مقدم البرنامج: إذاً ربطها بالدين كما تفضلتم- فضيلة الشيخ-يضمن لها الاستمرارية، وعدم فقدانها مع تقدم الزمن.

الشيخ كهلان: هناك نقطة أيضا-أخي-تتعلق بمكان المجلس، هذه قضية مهمة أيضا، طالما أننا لازلنا فيما يتصل بالذين يجالسهم، وما هي حقوقهم، وما هي حقوق الآخرين عليهم، هناك ما يتصل بالمكان الذي يجلسون فيه.

————————-

عن أبي سعيد الخدري عن النبي-صلى الله عليه وسلم-قال : ” إياكم والجلوس في الطرقات”، قالوا يا رسول الله : ما لنا بُدٌّ من مجالسنا نتحدث فيها، قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم- : ” فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه “، قالوا : وما حقه؟ قال : ” غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر “.

مداخلة متصل رابع : أشكركم على الاختيار الموفق للعنوان، وأتمنى لكم إن شاء الله التوفيق..

عندي مداخلة..  الله يخليك الشيخ : نريد كلمة من الشيخ كهلان للمجالس النسائية..

المجالس النسائية كثيرة، وبصراحة نريد الشيخ يعرج عليها، ويكلم الإخوة والأخوات الذين يستمعون إلى البرنامج الآن عن آداب هذه المجالس، وخصوصاً التي هي تكون دائما على الطرقات، وأمام المنازل..

تنتشر الآن الكثير من الجلسات المسائية عند الطرقات، وأمام المنازل، وأنا من الأشخاص الذين يعانون من هذه المجالس كون أحد هذه المجالس أمام منزلي مباشرة، ولا أستطيع أن أدخل أي حاجة إلى المنزل أو أخرجه إلا وجميع الأنظار تتجه إلي، فبصراحة أريد الشيخ يعرج على هذا الموضوع لأهميته وخصوصاً أن فترة الصيف قادمة.

وأشكركم جزيل الشكر على الموضوع.

مقدم البرنامج: جزاك الله خيراً؛ لكن حتى تنجح هذه الخطة التي طلبتها عليك أن تسجل هذه الحلقة لتنقلها إلى الجالسين هناك، ربما قد لا يستمعون إلينا في هذه اللحظات..

طيب أخي شكراً جزيلاً لك.

المتصل : أشكركم جزيل الشكر، وأتمنى لكم التوفيق إن شاء الله.

مقدم البرنامج: وهناك على كل حال إعادات للبرنامج طوال هذا الأسبوع بإذن الله تعالى.

طيب-فضيلة الشيخ-قبل سؤال الأخ المتصل الرابع عندنا الأخ المتصل الثاني يقول : مما أُثِرَ عن النبي-صلى الله عليه وسلم-أنه كان يتكلم في المجلس قليلاً، وبصورة هادئة، كيف يُطبَّق هذا في المجالس التي تحتاج إلى طول الحديث، وتحتاج إلى نقاش طويل، ولربما يرفع فيها الصوت في بعض الأحيان؟

الشيخ كهلان: الأصل في هدي الرسول-صلى الله عليه وسلم-أنه كان هكذا، أما إذا كان مقتضى موضوع الحديث..  موضوع المجلس ذلك يستدعي مزيداً من البحث، ومزيداً من التحري، وبالتالي مزيداً من القول والحديث فهذا مما لا حرج فيه؛ لكن ليس من شيمة المسلم أن يرفع صوته على الآخرين، بل المسلم يتكلم بمقدار ما يُسمِع الآخرين، اللهم إلا إذا كانت طبيعة صوته هكذا.. كان جهوري الصوت كما يروى عن سيدنا عمر بن الخطاب-رضي الله تعالى عنه-أنه كان إن تكلم أسمع، كما أنه كان إن ضرب أوجع.

الآن سؤال الأخ المتصل الرابع يتصل بموضوع ما كنت أريد أن أتحدث عنه، وهو أيضا يخرج من مشكاة هذا الحديث النبوي الشريف الذي استمعنا إليه، فنظرة عابرة على الحديث : الحديث في البداية ينهى عن الجلوس في الطرقات : ” إياكم والجلوس في الطرقات”، فقالوا له : يا رسول الله ما لنا بُدٌّ من مجالسنا نتحدث فيها، فجاءت الرخصة ” فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه ” قالوا : وما حقه يا رسول ؟ قال : ” غض البصر وكف الأذى.. ” أي عن هؤلاء المارين المنتفعين بهذا الطريق، وبالتالي بهذا المرفق الذي نتحدث عنه، ” رد السلام..  ” على من ألقى عليهم السلام، ” والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر ” أي إذا جاء سائل لم ينهروه..  إذا جاء مسترشد أعانوه..  إذا جاء محتاج دلوه على الخير..  وهكذا.

الآن نأخذ من هذا الحديث أنه لا ينبغي أن يكون المجلس في أي مكان، هناك أماكن مخصصة لأغراض معينة وإذا بالناس يحولونها إلى مجالس، فتضيع منفعة ما جُعلت لأجله لأجل مجالس يسودها للأسف الشديد في كثيرٍ من الأحيان أو في أغلب الأحيان اللغو، واللغط، وكل ما يسخط الله عز وجل، مثلا:

أن تكون هناك مواقف للراغبين في مواقف للركاب أي السيارات على الشوارع العامة، وإذا بهذه محطات الوقوف تُتَّخَذُ مجالس للسُّمار..

مقدم البرنامج: يستغلون ربما الإضاءة التي فيها..

الشيخ كهلان: نعم أو بعض الخدمات التي فيها، فيها مياه للشرب قد تكون، فيها دورات للمياه، وإذا بذلك الذي يريد أن ينتفع بتلك المحطة أو بذلك الموقف لا يجد مكاناً له فيقف في الشمس..  يقف بعيداً عن تلك المحطة، ويتعرض للإيذاء والمضرة، وقد يزداد الوضع سواء إن كان سبباً في بعض الحوادث-لا قدر الله-هذا مما لا يصح شرعاً؛ لأن ذلك المكان لم يُجعل لهذا الغرض حتى يُتَّخَذُ فيه مجلس.

كذلك-الشيء بالشيء يذكر-أن يكون صاحب دار فتأتي مجموعة من النساء-كما هو سؤال الأخ المتصل الرابع-فيقعدن أمام باب داره، فيكون هو المتحرج من أن يدخل أو يخرج أو يمر أو يأتيه ضيف أو غير ذلك..

نعم إذا كانت النساء في سترٍ، وفي مكان ساترٍ يؤانسن بعضهن فهذا مما أذن به الشرع شريطة أن يحققن آداب المجالس..  أن يكون ذلك في مكان ساتر..  أن لا يتسببن في حرج على سكان تلك الدور التي يجتمعن فيها، ولا على من يمكن أن يأتي ضيفاً على أحد سكان تلك المنازل، فليخترن مكاناً بعيداً عن الطريق..  بعيداً عن مداخل البيوت، وعن أنظار المارة، خاصة فيما يتعلق بالنساء، ونصيب النساء من هذا الحديث ومن هذه الآداب في الحقيقة هو أكثر لما ورد أيضا في بعض الروايات من كونهن أكثر وقوعاً في زلات اللسان في مجالسهن، كما أشار حديث يكفرن العشير، ويكثرن اللعن؛ فلذلك ننصح أخواتنا المؤمنات أن يتقين الله عز وجل، وأن يراقبنه فإن الإنسان مؤاخذ بما يقول، وبما يفعل، فليكنَّ أشد حرصاً على مراقبة مجالسهن، ولتكن هذه المجالس مدعاة لذكر الله عز وجل، ولما ينفع من أحاديث الدنيا والآخرة، والائتمار بالمعروف، والنهي عن المنكر.

 كذلك مثلاً أماكن التسوق العامة، مثلاً: مجمعات تجارية هذه وجِدت فيها خدمات حتى تتمكن العائلة وأرباب الأسر وربات الأسر من قضاء الحوائج تحت سقفٍ واحدٍ..  في مكانٍ تتهيأ فيه كثير من الخدمات كمصليات..  دورات مياه..  كل ما تحتاجه الأسرة..  أماكن ترفيهية للأطفال، وإذا ببعض الفتية..  بعض الشباب..  بعض الأحداث يكونون مصدر إزعاج للآخرين، يعقدون فيها جلساتهم..  يقضُّون فيها أوقاتهم..  لا هم لهم إلا رؤية الغادي والرائح، وإزعاج هذا، وإيذاء تلك بالكلام..  بالنظرات..  بالتعليقات..  بالأفعال والتصرفات، وهذا مما لا يليق بالمسلمين، ولا يليق بمظهر مجتمعات المسلمين..

وائذن لي في قصة أنا وقعت لي نفسي مما يتصل بهذا الموضوع..

كنت والعائلة في المملكة المتحدة أسوق السيارة في شارعٍ عامٍ..  شارع خط سريع، وتهت فركنت السيارة على جانب في الشارع العام في الخط السريع وقعدت أتأمل في خارطة الطريق-الخارطة التي تدلني على المكان الصحيح-وإذا بشرطي ورائي..  فالمكان ممنوع الوقوف فيه إلا لضرورة قصوى، فلما تحادثنا وأخبرته أنا بالسبب أني خشيت أن أكون قد تهت، بعدما رأى هويتي فقال: لأنك عماني لن أسجل عليك مخالفة، فأنا شكرته، ثم سألته قلت الآن بعد شكري وأنا أرجو أن لا يكون سؤالي سبب في تضييع مكافأتك لي بعدم تحرير المخالفة: لماذا لأني عماني؟!!

قال: لأنني زرت عُمان، ورأيت العمانيين يتقيدون بالأنظمة، فلم أجد فيهم من يقف في مكان يُمنع فيه الوقوف، ولم أجد فيهم من يكون في وضعٍ يخالف فيه أنظمة المرور عن قصد اللهم إلا أن يكون لضرورة؛ فلذلك أنا أعلم أنك غير متعمد لهذا التصرف أو أنك تجهل هذه القاعدة، فقلت: هو هذا الحاصل.

فإذاً ما رآه هنا في هذه البلدة الطيبة أعطاه صورة معينة عن سلوكٍ معينٍ، وكانت له نتيجة إيجابية، صحيح أنها على مستوى شخصي؛ لكن ما أدراك أنها قد تكون أيضا لها أبعاد أكثر من ذلك..  ليس في خصوص، إذاً نحن بتصرفاتنا نعطي انطباعاً عن سلوكنا، وهو مظهر حضاري يعكس أخلاق المجتمع.

مقدم البرنامج: وهذا الانطباع، وهذا السلوك الحسن يدفع الآخرين إلى أن يحسنوا بنا الظن عندما يجدوا نوعاً من الأمور التي يستنكرونها.

إذاً ندخل في موضوع المجال الالكتروني..  أنتم بشرتم بالحديث عن موضوع المجالس الحديثة، وبينتم أنها قد تكون مقاهي مغلقة أو مفتوحة، وهناك مجمعات تجارية كبرى..  هناك الصالات المتعددة الأغراض، والحدائق، والمنتزهات العامة إلى آخر ما نعرفه، الأهم من هذا هو المجالس الالكترونية الآن، التي يجلس فيها المرء أمام حاسوبه ليدخل على العالم من جميع أبوابه، ويتخاطب مع الآخر، ما هي الآداب التي يتحلى بها من يقف أما الجليس الجديد؟

الشيخ كهلان: نعم أحسنتم، أهم شيء هو أن يسعى إلى أن يكون قدوة يعكس أخلاق الإسلام والمسلمين، هذا الشاب أو الفتاة الذي يجلس إلى جهازه..  إلى حاسوبه فيتواصل مع الآخرين من كل أطراف العالم ينبغي له أن يكون لسان خير، وأن يكون دعوة صدقٍ إلى الحق، وأن يكون أيضا متعلماً إن كان يقصد أن يتعلم علماً نافعاً.

أما أن يتخذ هذه المجالس وسيلة لتضييع الوقت..  هو يظن أنه يستغل الوقت الضائع..  في الحقيقة هي وسيلة لتضييع الوقت النافع الذي كان يمكن له أن ينتفع منه في مجالات أخرى أو يحسب أنه يُنفِّسُ عن حالة من الضيق والكرب التي تعتريه، هو في الحقيقة يزداد كرباً وضيقاً؛ لأن كثيراً من هذه المواقع-مواقع المحادثات أو غرف المحادثة شات-كما تُعرف-أو غرف البالتوك..  غرف المحادثة الفورية-هي في الحقيقة مصيدة لكثيرٍ من ذوي الضمائر الرخيصة-والعياذ بالله-من تَصيُّد كثيرٍ من طاقات كثيرٍ من الشباب والفتيات إلى أمورٍ لا ترضي الله عز وجل، ولا تنفع المجتمعات، وإنما تعود بالفساد والتراجع الأخلاقي، وكثير من الانحلال لهؤلاء الشباب والفتيات، فهم يضيعون أوقاتهم، والرسول-صلى الله عليه وسلم-نهى عن قيل وقال، وعن إضاعة المال، وعن كثرة السؤال، نهى عنها رسول الله-صلى الله عليه وسلم-حينما لا يكون من ورائها منفعة، ولا مصلحةٌ لا للدين ولا للدنيا.

 ثم إنها هدر لهذه الطاقة التي كان يمكن أن تُستَغل بنفس هذه الوسيلة في التعلم العلوم الدنيوية والدينية النافعة..  في مزيدٍ من المعرفة والثقافة..   في مزيدٍ من التعريف إن كان هو مؤهلاً لذلك بالكلمة الطيبة، وبالحكمة والموعظة الحسنة، وبالكلمة الهادفة، أن يُعرِّف بهذا الدين..  أن يُعرِّف بثقافته..  أن يُعرِّف بتاريخه، وأن يتعرف على ثقافات الآخرين؛ ولذلك فالآداب التي ذكرناها عموماً لا يتصور هنا حقوق المارة، وحقوق المكان الذي يجلس فيه؛ لكن هي حقوق الجالس نفسه أو آداب الجالس نفسه، لابد أن يتسم بسيماء العفاف إن كانت امرأة..  بسيماء العفاف، والحياء، والستر، والصون، أن تصون نفسها، أيضا أن تكون حذرة أن تدخل مناقشات أو حوارات أو غرف المحادثة بالصوت والصورة، أيضا أن يكون الشاب والفتاة حريصين على أن لا يعطوا بيانات شخصية عن أنفسهم إذ كثيراً ما كان ذلك وسيلة-كما قلت-لإيقاعهم في مصائد شبكاتٍ لا همَّ لها إلا إفساد أحوال الشباب.

مقدم البرنامج: نعم، وهي الكثرة الكاثرة الآن على شبكة المعلومات.

الشيخ كهلان: هي الكثرة الكاثرة، حتى بعض الصحف في بلادٍ عربيةٍ صارت تتحدث عن جرائم فظيعة تحصل بسبب التهاون في ذلك.

أيضا أرى خاصة بالنسبة للمراهقين أن يكون ذلك تحت إشراف أوليائهم، لابد من وجود صلةٍ متينةٍ بين الأولياء وبين أولادهم من الذكور والإناث بحيث تنشأ علاقة تسمح لهؤلاء الأولاد بعرض ما يفعلون على أوليائهم فيأذنوا لهم فيه أو أنهم يوجهونهم إلى ما هو خير.

أما أن يضيَّق عليهم من قبل الأولياء فلا يسمح لهم البتة فإنهم سوف يلجأون بعد ذلك من وراء أوليائهم، ويقعون في نتائج أسوأ أو أن يفسح لهم المجال أيضا بلا رقيبٍ ولا حسيبٍ فإنهم قد لا يحسنون التصرف، قد يقعون ضحايا-كما قلت-وبالتالي فلا بد من إشراف الأولياء، وبالنسبة للمراهقين لابد لهم من استئذان أوليائهم..  لابد لهم من أن يبسطوا الأمر لأهليهم وذويهم العارفين منهم، وأن يتبصروا في أمرهم، وأن يتقيدوا بهذه الآداب من الحياء، والستر، والصون، والقول النافع، والكلمة الحسنة، والبعد عن المواقع المشبوهة تلك التي لا هم لها إلا إثارة الغرائز وإلا إشعال أغوار الفتن العاطفية والجنسية أو حتى الخلقية في المجتمعات لابد أن يكونوا حريصين فيما يتصل بهذا الجليس الجديد.

مقدم البرنامج: طيب هذا بشكلٍ عام، وأظن أننا نحتاج إلى توسعة في هذا الموضوع على اعتبار أن الشباب الآن والفتيات أمام فراغٍ كبيرٍ بعد نهاية الدراسة، وفي هذا الصيف.

فهم إذاً يحتاجون إلى ضبط هذه الأمور بطريقة تجنبهم الوقوع في هذه المزالق والمحاذير التي تفضلتم بذكرها قبل قليل، وأظن أن الدراسات تشير بالفعل إلى وجود ضحايا كثيرين لهذا الجليس الجديد الذي بدأ يفتك بالكثير من الآداب والأخلاق، حتى في القضايا العلمية والفكرية أيضا.

الشيخ كهلان: نعم مزالق فكرية أيضا..

مقدم البرنامج: قد يكون الإنسان بعيداً عن مثل هذه المطبات الخلقية أو الأخلاقية؛ ولكن يقع في مشكلات عقائدية وفكرية.

إذاً أعزاءنا الكرام هذا سيكون موضوعنا في الحلقة القادمة-بإذن الله تعالى-امتداداً لموضوع آداب المجالس، وخاصة فيما يتعلق بالجليس الجديد الذي أصبح يشغل بال الكثيرين، ويسيطر على أوقاتهم..

شكراً لكم فضيلة الشيخ..

الشيخ كهلان: بارك الله فيكم.

مقدم البرنامج: شكراً لكم أعزاءنا المتصلين، والمستمعين، والمشاركين، ونلقاكم بإذن الله تعالى في الاثنين القادم، إلى ذلك الحين نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

انتهت الحلقة

————————-

(انتهت حلقات برنامج دين الرحمة وهي أكثر من هذا)