الشيخ الخليلي: الإعجاز العلمي في القرآن الكريم
( من ضمن دروس العقيدة التي ألقاها سماحته في جامعة السلطان قابوس، وهي تحمل بين دفتيها علماً غزيراً )
—————————————————
افتتاحية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، أحمده وأستعينه وأستهديه ، وأعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، ومن يهدي الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمد عبده ورسوله ، اللهم صلي وسلم وبارك على عبدك ورسولك سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
وبعــــــد :
* القرآن كتاب هداية قبل كل شيء:
ففي هذا الدرس ننتقل إلى نوع آخر من أنواع الإعجاز القرآني ، هذا النوع يعتبر من أدق الأنواع وأحوجها إلى التبصير والإمعان ، والإنسان عندما يتحدث في هذا النوع معرض للانزلاق إن لم يصنه الله سبحانه وتعالى ويسدده في قوله وفي فكره ويأخذ بيده إلى حظيرة الحق والصواب ، وأجدني وأنا أتحدث عن هذا النوع من الإعجاز القرآني ، بين إقدام وإحجام أقدم رجلاً وأؤخر أخرى ، وخصوصاً وأنا أتحدث أمام لفيف من الذين هم أعمق مني فكراً وأكثر مني دراية فيما يتعلق بهذا الموضوع .
لأن حديثنا عن الإعجاز العلمي في كتاب الله سبحانه وتعالى ، ونحن الآن في هذه الجامعة الفتية بين عدد من الطلاب الذين هم وراء هذا العلم ، وقد يكون هنا من الأساتذة من هم خبروا هذا العلم ودرسوه وتضلعوا فيه وتوسعوا في البحث في كثير مما يدور حول هذه القضايا التي سنتعرض لها . وقبل الدخول في صلب الموضوع ، أريد ان أقول إن القرآن الكريم هو كتاب أنزله الله سبحانه وتعالى هدىً للمتقين ، فهو صراط هداية ومنبع فضيلة ، وقائد رشد ، ومنهج حياة ، يصل العبد بربه سبحانه وتعالى ، ويصل الفرد بالمجتمع ، ويقيم العلاقة بين الإنسان والإنسان في ظل العبودية لله تعالى الذي خلق الإنسان وخلق كل شيء في هذا الكون .
فهو ولا ريب لم ينزل لأجل بحث القضايا العلمية حسب عرف العصر الحاضر ، وهو كتاب لم ينزل للبحث دقائق علم الطب ، ولا لبحث دقائق علم الفلك ، ولا لبحث دقائق علم طبقات الأرض ، ولا لبحث دقائق علم الأحياء ، ولا لبحث أي نوع من هذه العلوم ، فهذه العلوم جعلها الله سبحانه وتعالى ميسرة لعباده بطريقة التجربة والإكتشاف ، إنما العلم الذي أرسل الله سبحانه وتعالى به رسله ، وأنزل من أجله كتبه هو العلم الذي يهذب النفس الإنسانية ، ويقيم العلاقة الطيبة بين الإنسان والإنسان ، على أساس العبودية لله سبحانه وتعالى ، وأن الله هو الذي خلق هذا الوجود، وانعم على كل موجود ، له الخلق والأمر ، وله وحده التشريع ، وله وحده أن يعد ويتوعد على الإستقامة أو على عدمها ، ولكن هذا الكتاب العزيز جاء لمخاطبة الإنسان والإنسان جزء من هذا العالم ، تربطه بجميع العالم روابط قوية ، فالإنسان قبل كل شيء أكرمه الله سبحانه وتعالى لأن يكون خليفة في هذه الأرض ، والأرض وإن كانت من حيث طبيعتها تبدو أنها كائن حقير لأنها لو قيست بسائر الأجرام الفلكية التي تسبح في خضم عباد الفضاء لما كانت إلا كذرة في الهبا فإن هذه الأرض ولو نظر إليها من هذه الناحية بهذا المنظار ، أعلى الله سبحانه وتعالى من شأنها بحيث جعلها مهبطاً لرسالاته ، وجعلها مرتبطة بهذا العالم الواسع الأرجاء المترامي الأطراف . وقد هيأها الله سبحانه وتعالى لأن تكون قراراً للإنسان .
لما جهزها به من وسائل العيش السعيد الهانئ الهادئ على ظهرها ، وجعل الإنسان الذي فيها ، مستخلفاً مـن قبل الله سبحانه وتعالى محور هذا الكون بأسره ، فإن الإنسان هو القطب الذي تدور عليـه رحى هذا الكون , لذلـك لـم يقف تكريم الله سبحانه وتعالى لهذا الإنسان ، عند خلق هذه الأرض وما فيها من منافع بل تجاوز ذلك إلــى تسخير جميع الكون له ، كما ينبئ به قول الله تعالـى (وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ)(الجاثـية: من الآية13) فالإنسان هو القطب الذي تدور عليه رحى هذا الكون الواسع . ومن هذه الناحية ، فإن هذا الإنسان لا يمكنه أن يعيش بمعزل عن هذا الكون ، وإن كان هذا الكتاب العزيز أنزل ليخاطب هذا الإنسان ليوجهه إلى الله سبحانه وتعالى ، وليقيم العلاقة بين بني جنسه على أساس العبودية لله سبحانه وتعالى والطاعة المطلقة له ، لأنه عز وجل هو الذي خلق هذا الوجود وانعم على كل موجود ، وهو الذي خلق الأرض ومنافعها للإنسان ، وهو الذي سخر ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه ، فإذاً هذا الخطاب الإلهي الذي في هذا الكتاب الكريم يتوجه إلى الإنسان بما يتلاءم مع هذه الطبيعة .
الطبيعة الإنسانية ، طبيعة الإنسان كخليقة في الأرض ، وطبيعة الإنسان كقطب في هذا الكون ، وطبيعة الإنسان كجزء من هذا الوجود ، لأجل ذلك ، كان هذا الخطاب كثيراً ما يكون له علاقة بنواميس الكون وسنن الوجود ، ولذلك نجد في كتاب الله سبحانه وتعالى الأخذ بيد هذا الكائن البشري والطواف بفكره وبعقله في أرجاء هذا الوجود .
* الكون والتفسيرات المستمرة
فالقرآن الكريم عندما جاء ليخاطب الإنسان لم يأمره بأن يغمض عينيه ويسد أذنيه ويختم علـى قلبـه ويستسلم استسلاماً مطلقاً لما يوجهه إليه من خطاب ، ولكنه أمره أن يفتح عينيه على صفحات هذا الوجود ، ليدرس فيهـا آيات الله سبحانه وتعالى التي تبصر هذا العبد بحقيقة أمره ، وتعرفه بربه ، وتذكره بحق المبدئ المعين الذي اسبغ هذه النعم الظاهرة والباطنة ، وكثيراً ما يأتي ذلك في معرض الدعوة إلى توحيد الله سبحانه وتعالى ، كما تجدون ذلك واضحاً جلياً في قول الله تبارك تعالى (وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ) (البقرة:163) فإنه عقب هذه الآية على الفور بقوله سبحانه وتعالى (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (البقرة:164).
وكذلك عندما دعا القرآن الناس إلى عبادة الله سبحانه وتعالى ذكرهم بخلقهم وبخلق أصولهم ، وذكرهم بنعمة الله سبحانه وتعالى عليهم بتسخير هذه الأرض قراراً لهم ، وبإيجاد بناء هذا الكون الذي يحفظ بمشيئة الله سبحانه وتعالى استقرار هذه الأرض ويحفظ نظام الحياة فيها ، فقد قال الله سبحانه وتعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ* الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاء وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ)(البقرة:21-22)، ثم يستمر السياق في هذا الموضوع بالذات وإن كان يتعرض لجوانب متشعبة فيه وينتهي إلى قوله سبحانه وتعالى (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ* هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)(البقرة:28-29)، ولأجل ذلك، فإنه ليس من العجيب في معرض إقامة الفدية على هذا الإنسان أن يتعرض القرآن الكريم لأمور خفية مما هو في سر طبيعة الإنسان أو في سر طبيعة الكون مما لم يكن بادياً لعقول الناس في وقت نزول القرآن الكريم ، كيف ، وهذا الكتاب الكريم نفسه.
أنزله الله سبحانه وتعالى مسايراً للحياة البشرية في أطوارها منذ نزوله وإلى أن يرث الكون ، وليست هذه المسايرة في التخلي عن الشرائع التي فرضها الله سبحانه وتعالى عليهم ، ولكنه يساير أطوار البشر في عقول هؤلاء الناس واستيعابهم للحقائق الكونية البادية الخفية ، فتجد الآية الواحدة من كتاب الله سبحانه وتعالى يفهمها التالي أو السامع في عصر من العصور ، بحسب مقاييس ذلك العصر وبحسب المفاهيم الشائعة ، فيما يتعلق بطبيعة الكون ، ثم تتطور الأحوال وتتكشف أمور لم تكن متكشفة من قبل ، وإذا بهذه الآية نفسها يتلوها التالي أو يسمعها السامع ويجدها مرة أخرى أيضاً مفهومة عنده بحسب المقاييس الفكرية الموجودة في وقته ، وبحسب التطور العلمي في زمنه ، وهذا كما قلت عندما تعرضت للإعجاز البياني في كتاب الله سبحانه وتعالى ، بأن سعة هذا البيان الرباني تشمل جميع العصور مع تطوراتها المختلفة.
مع أن البيان البشري كلما كان أبلغ كان أكثر نصية على موضوعه بحيث إذا تطورت الأفكار واختلفت وجد ذلك البيان يتناقض مع ما فهم في عصر أو في آخر ، فالبيان البشري الذي وجه إلى مجتمع بشري كلما كان أبلغ كان ذلك المجتمع البشري السامع لذلك الكلام أكثر ما يكون إدراكاً لنصية ذلك البيان .
فإذا اختلفت المقاييس من بعد هذه المقاييس ما يتصادم مع ذلك البيان البشري ، بخلاف البيان الإلهي ، فهذه الآية التي تلوناها مثلاً وهي قول الله سبحانه وتعالى (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (البقرة:164) هذه الآية فسرها مفسرون بتفاسير معينة في العصور الغابرة ، وكانت هذه الآية حسبما يتصورون جلية واضحة حسب التفسير الذي توصلوا إليه ، ثم تطورت الأحوال وحصلت اكتشافات علمية جديدة، وإذاً بذلك التفسير يتبين أنه لم يكن دقيقاً. ولكن بجانب ذلك يتضح اتضاحاً قطعياً بأن دلالة القرآن دقيقة ، فدلالة القرآن على ما وصلت إليه عقول الناس في هذا العصر الحاضر دلالة دقيقة ليست كتلك التفاسير التي توصل إليها السابقون .
ومن أمثلة ذلك أنهم قالوا ” إن هذا المطر ينزل من السماء العالية لا من السحاب غربال للمطر وينزل هذا المطر قطراته في حجم الجمال وعندما تقع هذا الغربال تتوزع هذه القطرات وتنزل في حجمها الذي يصل إلى الأرض ” وكل أحد الآن يمخر عباب ويتجاوز طبقة السحاب عندما يركب الطائرة إلى طبقة أعلى من السحاب ، والسحاب يمطر في الجهة السفلى وهذا الراكب لا يرى أي قطرة من الماء تنزل من جهة السماء فوق السحاب ، ولا بمقدار الذرات فضلاً عن أن تكون هذه الذرات في حجم الجمال.
فإذاً اتضح إن التفسير الذي قاله المفسرون المتقدمون لم يكن تفسيراً دقيقاً ، وقد عوّلوا في ذلك على نظريات سابقة ، هذه النظريات انتقلت إلى المحيط الإسلامي ، إما من خلال مدارسة المسلمين لأهل الكتاب ، وأهل الكتاب كانت عندهم خرافات كثيرة ، ولذلك كان عندهم ما يسمى بالجغرافية المسيحية ، وكانوا يعتبرون هذه الجغرافية نصوصاً قطعية يجب أن نؤمن بها . وعندما جاء العلم الحديث تركها هباء منبثاً . ولذلك كفر الأوروبيون بالدين وصاروا ملاحدة لا يؤمنون إلا بما أبصرت أعينهم وسمعت آذانهم .
واما أن تكون هذه الأشياء انتقلت إلى المسلمين مكن خلال احتكاكهم بالعلوم التي شاعت عند الفلاسفة الغابرين، فقد كانت هناك نظريات عند الفلاسفة الغابرين حول العالم هذه النظريات أيضاً جاء العلم الحديث ليجدعها دكاً دكاً لأنها نظريات صادرة عن مخلوقين . مما يؤسف له أن نجد عالماً مثل الشوكاني ضليعاً في السنة يفسر القرآن الكريم هذا التفسير ويرد على التفسير الصحيح السليم ويجعله مخالفاً للمأثور مع أننا نجده نفسه يعترف بأنه لا يوجد حديث صحيح يعتمد عليه في هذا الموضوع . ولا ريب أن مثل هذه التفاسير وإن نسبت إلى من نسبت إليهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن ذلك ليس هو إلا نتيجة اغترار مرواة هذه التفاسير بها ، فأرادوا ان يلصقــوها بهؤلاء الصحابة والصحابة براء منها .
*مواقف متباينة .. في الأخذ بالاكتشافات العلمية أو ردها:
وعندما أخذت الحقائق العلمية تتجلى للناس بسبب تقدم العلم وكثرة الاكتشافات الحديثة ، وقف الناس الذين يعنون بتفسير القرآن الكريم ثلاثة مواقف من الاستعانة بالعلوم الحديثة في تفسير آيات الكتاب العزيز ، هناك موقف مفرط ويقابله موقف مفرط، وموقف ثالث معتدل بين الإفراط والتفريط ، فالمفرطون هم الذين اغتروا بهذه الاكتشافات العلمية إلى حد أنهم جعلوا النظريات القابلة للتعديل والتبديل في حكم الأدلة القطعية ، وحاولوا أن يبنوا آيات الكتاب العزيز حتى تتفق مع هذه النظريات ، على سبيل المثال وجدت نظرية شاعت وذاعت وهي أن المجموعة الشمسية كانت كتلة واحدة ثم انفصلت هذه الكتلة الصغيرة من الكتلة الكبيرة ، والأرض انفصلت على هذا من الشمس ومرت بمراحل تقل عن مليوني عام حتى وصلت إلى طورها الأخير ، وأصبحت مهيأة لأن يستقر عليها الإنسان، هؤلاء قالوا إن القرآن الكريم يدل على ذلك، والذين اغتروا بهذه النظرية وآمنوا بها إيماناً مطلقاً قالوا ان القرآن يدل على ذلك لأن الله تعالى يقول: (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا)(الانبياء: من الآية30).
جاءت نظرية أخرى وهي نظرية دالاس هذه النظرية تقول ان هذا الكون كان سديماً ثم تكونت هذه الأجرام من هذا السديم، هذه النظرية تخالف تلك النظرية ولا أستطيع أن أقول بأنها صحيحة مائة في المائة، ولكنني أقول بأنها أقرب إلى قول الله سبحانه وتعالـى (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ) (فصلت:11) وقد حاول هذا الفريق من المفسرين أو المعنيين في الدراسات القرآنية أن يستخرجوا كل شيء كائنا أو متوقعا كونه دليلاً من القرآن، عندما حصلت المحاولات لوصول الإنسان إلى الكواكب الأخرى غير الأرض فإن القرآن يدل على ذلك من أي ناحية عليه، قالوا الدلالة في قوله تعالى (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ) والسلطان هو العلم ، وإذا حصل العلم استطاع أن ينفذ ، وقد سمعنا هذا الكلام يتردد على أفواه العلماء مع الأسف ، وقد تعاموا وتصامموا عن الآيات المتقدمة والآيات اللاحقة ، فإن هذه الآيات جاءت في معرض ذكر يوم القيامة ، لا في ذكر أحوال الدنيا، فالله سبحانه وتعالى يقول: (سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلانِ* فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ* يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ* فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ* يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلا تَنْتَصِرَانِ)(الرحمن:31-35).
ثم إن هذه الآيات تدل على تحدي طائفتي الإنس والجن بأن ينفلتوا من قبضة ملك الله سبحانه وتعالى إن استطاعوا ويخرجوا عن قهره إن قدروا ، بالخروج عن ملكوت السماوات والأرض ، وهل الذي يصل إلى القمر خرج عن ملكوت السماوات والأرض؟ هل نفذ من وصل إلى القمر عن أقطار السماوات والأرض؟ بين الأرض وبين القمر ثانية ونصف بسرعة الضوء، وأبعد مجرة تكتشف، أبعد مجرة عن الأرض بقدر بعدها عن الأرض بعشرات آلاف مليون سنة من السنين الضوئية، وما اكتشفت من أقطار السماوات؟ أي أن ملكوت الله تعالى في الجهات العلوية ما اكتشف لا يعد إلا زاوية صغيرة بجانب ما لم يكتشف ، ومع ذلك هذا البعد الذي بين الأرض وبين أبعد مجرة اكتشفت إلى الآن تبعد عنه .
فإذا كان الأمر كذلك فمن هذا الذي سيُنسأُ له في أجله وسيمهل له في عمره حتى يتجاوز هذه المسافات ويخرج عن أقطار السماوات والأرض ، فهذه الطائفة طائفة فتنت بالعلم الحديث فحاولت أن تأول آيات القرآن الكريم لتتفق مع النظريات التي تقال ، مع أن هذه النظريات معرضة للتبديل والتعديل ، وإذا أخذنا بهذه النظريات في تفسير كتاب الله سبحانه وتعالى فمعنى ذلك أننا عرضنا القرآن الكريــم – والعياذ بالله – للتبديل وللتغيير بسبب ما يتناسخ من هذه النظريات العلمية .
في مقابل هؤلاء الفريق الآخر أولئك الذين عصبوا عـن النظـر في هذه الاكتشافات فقالوا: ” لا يمكن أن يطمئن إلى أي شيء من هذه الاكتشافات مهما كان ، ولو كان واضحاً جلياً ويعتمد عيه في تفسير شيء من القرآن” ، هذه طائفة مفرطة .
أما الطائفة الثالثة وهي الطائفة المعتدلة ما بين الطائفتين فهي التي قلبت الحقائق العلمية في تفسير القرآن ، هذه الحقائق إن كان القرآن يدل عليها دلالة واضحة بألفاظه العربية المبينة ، أما إن لم يكن يدل عليها وإنما يحتمل أن تكون مقصودة له فيقال بأنه من المحتمل أن يكون هذا المعنى هو المقصود من الآية ، ولا يجعل ذلك نصاً في تفسيرها .
وهذا القول هو الذي ينبغي أن يعتمد عليه ، أما الإعراض المطلق عن تفسير القرآن الكريم بالاكتشافات العلمية فإنه يتعارض مع دلالة القرآن نفسه على هذه الاكتشافات وعلى أنها ستدل على أنه حق من عند الله سبحانه وتعالى فإن الله عز وجل يقول: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ*سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ*أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ) (فصلت: 52-54) في هـذا التأكيد المتتالي بأن الله على كل شيء شهيد وأنه سبحانه وتعالى بكل شيء محيط ما يدلنا دلالة واسعة بأن مدلول الآية أعمق وأبعد وأوسع مما قاله المفسرون المتقدمون.
فقد بين الله سبحانه وتعالى بأن هذه الاكتشافات ستؤدي إلى الاعتراف بأن القرآن الكريم حق من عند الله ، وهذا هو الذي كان، فإن طائفة من الغربيين المتقدمين والمعاصرين أدى بهم هذا الأمر إلى الاعتراف عندما اكتشفت أوروبا بأن الرياح تنقل لقاح الشجر من شجرة إلى أخرى تبجحوا بهذا الاكتشاف وظنوا أنهم لم يسبقوا إليه، فكتب في هذا الأستاذ أجديري الذي كان يدرس في أكسفورد قبل نحو قرن من الزمان أو أكثر ، رداً على هؤلاء قائلاً ” إن رعاة الإبل قد سبقوا أوروبا إلى هذا الاكتشاف “.
وما كان لرعاة الإبل أن يكتشفوا مثل هذه الأشياء لولا أن الله سبحانه وتعالى أوحى ذلك وحياً إلى نبيهم عليه أفضل الصلاة والسلام ، فإن العرب كانوا منغلقين على أنفسهم ما كانوا يدركون حتى ما تفشى في أوساط الآخرين من معطيات حضاراتهم في ذلك العصر ، ومن أمثلة ذلك أن سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه عندما اقترح على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى المسلمين أن يحفروا خندقاً لصون المدينة المنورة من هجمات العدو ، عندما رمت جزيرة العرب بأفلاذ أكبادها الأمة المسلمة الناشئة في المدينة المنورة ، وحفر الخندق حسب إرشاد سلمان ليكون وسيلة من وسائل الدفاع .
حار في أمر الخندق المسلمون وأعداؤهم الكافرون بأنهم لم يعرفوا مثل هذه الوسيلة للدفاع عن الأوطان مع أن هذه الوسيلة لم يبتكرها سلمان ، وإنما عرفها من جراء حياته في بلاد فارس وممارسته ما يجري هناك من الأوضاع ، وما يجرى هناك من أحوال وما يكون من وسائل في الهجوم والدفاع ، فهذا يدل على أن العرب كانوا بدائيين جداً ، وأجدير يشير إلى قوله الله تعالى (وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ)(الحجر: من الآية22)) سواء كان ما يشير إليه صحيحاً أو غير صحيح فإنه برجوعه إلى القرآن الكريم وجد ما يدله لو فكر بأن هذا القرآن حق من عند الله تعالى ، وإنما تحفظت وقلت سواء كان ذلك صحيحاً أو غير صحيح لأنني لا أحب الاندفاع في هذه الأمور ، فالآية إن دلت على حقيقة علمية دلالة واضحة أخذت بها، وإن لم تدل عليها دلالة واضحة لم آخذ بها وإن كانت هناك قرينة تصرفها عن ذلك لم أعتمد على ما اكتشف علمياً في تفسير الآية، فهنا قرينة تبين أن المقصود من هذه الآية الكريمة غير ما ذهب إليه ” أجديري ” فإن الله سبحانه وتعالى بعدما قال: (وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ) قال: (فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ) (الحجر:22) بفاء الترتيب ، وهذا يدل دلالة واضحة على أن اللقاح المقصود بالآية الكريمة هو لقاح السحاب وليس لقاح الشجر .
* وقفات مع موريس بوكاي
ومن الباحثين المعاصرين الذين أدى بهم نظر في القرآن الكريم مع المقارنة ما بينه وبين الاكتشافات العلمية فاعترفوا بأن القرآن لا يمكن أن يكون إلا وحياً من عند الله الطبيب الفرنسي المشهور الدكتور “موريس بوكاي” الذي ألف كتاباً بعنوان “العلم في التوراة والإنجيل والقرآن” ولسبب هذا الكتاب قصة طويلة ولكنه على أي حال بحث في هذا الكتاب عندما وجد القرآن الكريم واضحة دلالته على ما وصلت إليه الاكتشافات العلمية في كثير من الأمور، سواء ما يتعلق بالناحية الطبية أو ما يتعلق بعلم الفلك أو ما يتعلق بالعلوم الأخرى ، وكان يرجع في ذلك إلى العلماء المتخصصين في تلك المجالات الواسعة المتعددة ، عندما أبصر ذلك في القرآن الكريم أراد أن يدرس العهدين القديم والحديث أو التوراة والإنجيل لينظر هل هما كالقرآن الكريم في دلالتهما على هذه الحقائق المختلفة المكتشفة .
وعندما درس التوراة والإنجيل وجد الآيات أو العبارات العلمية فيها قليلة ، ومع قلتها فإنها متعارضة مع الواقع تمام التعارض ، بينما هذه الآيات في كتاب الله الخاتم القرآن الكريم كثيرة ، ومع كثرتها هي متفقة تمام الإتفاق مع ما وصل إليه الاكتشاف العلمي ، فكان نتيجة ذلك أن اعترف وقرر بأن القرآن الكريم هو الكتاب الوحيد الذي لم يلحقه شيء من هذا التحريف ولا شيء من التبديل .
وقد كنت اجتمعت بهذه الرجل في الجزائر في الملتقى الخامس عشر للفكر الإسلامي الذي كان مخصصاً لبحث علوم القرآن وما يتعلق به ، وحدثني بأنه ألف كتابا آخر بعنوان ” الإنسان في القرآن ” وقد كان في يوم من الأيام على طاولة الطعام معي، وفرغت زجاجة الماء من الطعام ، فدعا بالذي يقرب الماء بعدما ضرب الطاولة بالزجاجة وطلب منه الماء ثم تلا قوله تعالى (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ)(الانبياء: من الآية30) ثم قال: إن في هذه الآية من الإعجاز ما تحار منه عقول البشر .
وبعد ما رجعت من هناك وجدت عرضاً لهذا الكتاب في مجلة ” الأمة ” القطرية ، ووجدت في هذا العرض بحثاً مطولاً فيما يتعلق بهذه الآية بالذات يفيد هذا البحث أن الماء هو مصدر الكائنات الحية على اختلافها .
وقد أجاد الأستاذ مصطفى صادق الرافعي عندما ذكر هذه الآية الكريمة أي قول الله سبحانه وتعالى (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (فصلت:53) في كتابه ” الإعجاز البياني في القرآن ” وقال: “إن لم يكن الإعجاز في هذا اللفظ واضحاً بداهة فليس يصح في الأذهان شيء ” وأشار في تعليق له على بعض موضوعات هذا الكتاب أيضاً بأن كتاب الإعجاز القرآني المنتظر أي في المستقبل سيكون كتاب علم أي يبحث النواحي العلمية بعدما بحثت النواحي البيانية، ثم أشار أن هذا سيأتي من بعد فراقه للدنيا وقال: ” ونرجو أن يكون لنا منهم – أي من أولئك الباحثين الذين سيبحثون في هذا الموضوع –أن يكون لنا منهم من الدعاء بالرحمة ما لهم عندنا من الدعاء بالتوفيق” .
* خلق الإنسان :
وفي هذه الجلسة أريد أن أشير إلى بعض الأمثلة بما يتعلق بهذه الناحية ، ناحية الإعجاز العلمي في القرآن الكريم . الله سبحانه وتعالى يقص علينا نبأ خلق الإنسان في كتابه فيقول: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ* ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ* ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ)(المؤمنون:12-15) ، هذه الآية تحدثنا بكل صراحة عن الأطوار التي يمر بها الكائن الإنساني عندما يكون جنيناً في رحم أمه منذ مرحلته الأولى ، قبل ذلك كله يخبرنا الله سبحانه وتعالى أن هذا الإنسان مخلوق من الطين ولقد تكرر ذلك في القرآن ، فالله تعالى يقول: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ) (الحجر:26) فالإنسان مخلوق من هذا الطين ، من حمأ من هذا الطين ، صلصال حمأ غير طين ناشف، والحديث يدل على ذلك، فإن جميع ما يوجد في الأرض من العناصر المختلفة يوجد في جسم الإنسان أيضاً مما يدل على أن الإنسان مخلوق من هذا العنصر الأرضي.
ثم بعد ذلك يخبرنا الله سبحانه وتعالى بالأطوار التي يمر بها هذا الإنسان ، يمر بطور يكون فيه نطفة عندما يلتقي الذكر بالأنثى فيقذف الذكر ماءه في الأنثى ، وهناك يخرج حيوان من بين تلك الحيوانات المنوية الهائلة العدد ليلتقي بالبويضة فيتصلان جميعاً بعد تلاحمهما بجدار الرحم ، والبويضة خاصبة حادة تجرح ذلك الجدار فينهمر الدم في ذلك الحوض – حوض الرحم – ثم بعد ذلك يأخذ هذا الكائن يتغذى بذلك الدم إلى أن يتحول علقة ، أي قطعة عالقة بجدار الرحم لأن باب الرحم يكون مفتوحاً في ذلك الوقت ، ثم ينسد ذلك الباب فيتحول ذلك الكائن من وضعه إلى آخر .
أي تلك العلقة تتحول إلى مضغة ، وهي قطعة من اللحم كأنما تمضغ تردد بين جوانب الرحم كما تتردد اللقمة الممضوغة في جوانب الفم ، بعد هذا كله تتحول هذه المضغة إلى التخليق ، فخلقنا المضغة عظاماً ، تتحول إلى العظام ، فكسونا العظام لحما، بفاء الترتيب ، والفاء الترتيبية تدل على أن ما بعدها جاء عقب ما قبلها ، وقد ثبت أيضاً علمياً ، بأن خلايا اللحم إنما تتكون بعدما تتكون خلايا العظام ، ثم يخرج بعد ذلك خلق آخر ينفخ الله سبحانه وتعالى فيه الروح ليكون إنساناً كاملاً .
وقد وصفت طبيعة الرحم في هذه الآية الكريمة وصفاً دقيقاً في قول الله تعالـى (ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ)(المؤمنون:13) القرار موضع الاستقرار والطمأنينة ، مكين من المكانة وهي كلمة تدل على الثبوت وتدل على الكُفْن، فإن الرحم يكتنف بعظام متشابكة تقي هذا الجنين مما يصيب الأم من لكمات، كما أن على باب الرحم إفرازات تقضي على الجراثيم التي تحاول أن تتسرب إلى الجنين لتفتك به ، وبهذه العبارة الدقيقة يدل القرآن على ذلك حيث يقول: ” في قرار مكين ” .
كروية الأرض:
نأتي إلى طبيعة الأرض وكيف يصف القرآن الكريم في معرض ذكر الليل والنهار طبيعة هذه الأرض مما يدلنا على أن هذه الأرض كروية ، الله سبحانه وتعالى يقول: (يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً )(الأعراف: من الآية54)، النهار يسعى وراء الليل كما أن الليل أيضاَ يسعى وراء النهار ، ولكن بما أن النهار عارض (وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ)(يّـس: من الآية37) فالنهار كأنه جلد لأن الظلمة هي الأصل ، والنور عارض على الظلمة، عتبر أن النور كأنه يطرد هذه الظلمة باستمرار ( يُغشي الليل النهار يطلبه حثيثاً ) ، فهذا النهار يغشى الليل يسعى وراءه سعياً حثيثاً .
وهكذا طبيعة الليل والنهار تجلت بعدما انكشفت طبيعة الأرض بأنها كروية ، ويقول الله سبحانه وتعالى: (يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ)(فاطر: من الآية13) وهكذا كل من الليل والنهار يحل محل الآخر ، فإن النهار عندما يسعى وراء الليل يدخل حيثما كان الليل ، والليل أيضاً عندما يسعى وراء النهار يدخل حيثما كان النهار ، ويقول الله سبحانه وتعالى: (يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ)(الزمر: من الآية5) أي الليل يكون مكوراً فوق النهار ككور العمامة – كما قال المفسرون – والنهار أيضاً يكون مكوراً فوق الليل؛ لأن كل جهة من جهات الأرض على اختلاف الجهات تعتبر هي جهة عليا بالنسبة للجهة التي تقابلها .
فبالنظر إلى سكان المنطقة التي نحن فيها ، هذه المنطقة هي أعلى وتعتبر الجهة الأخرى هي أسفل ، الذين هم عن أيماننا أو عن شمائلنا أو أسفلنا ، وأيضاً عندما يكونون فوق الأرض هناك تكون بالنسبة إليهم تلك الجهة هي الجهة العليا ، فالليل بالنسبة لنا نحن الآن هنا هو ككور العمامة فوق النهار بالنسبة إلى الجهة التي يغشاها النهار في هذا الوقت من الكرة الأرضية ، والنهار عندهم هم أيضاً بالنسبة إليهم ككور العمامة بالنظر إلى هذه الجهة التي نحن فيها لأن هذه الجهة بالنسبة إليهم هي الجهة السفلى ، ” يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل ” ، ” يغشى الليل يطلبه حثيثا ” ، ” يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل ” هذه الآيات تكشف لنا طبيعة الأرض .
ولعل أكثر كشفاً منها ما حكاه الله تعالى في كتابه من قصة ذي القرنين ، لأن ذا القرنين اتجه إلى الجهة الغربية ثم من هناك وصل إلى مطلع الشمس ، يعني ذلك أنه دار بالكرة الأرضية من الجهة الغربية ، فوصل أولاً إلى أقصى بقعة معمورة في جهة الغرب ، ثم وصل بعد ذلك إلى أقصى جهة معمورة في جهة الشرق ، ثم وصل إلى ما بين السدين .
الله سبحانه وتعالى ضرب مثلاً بالكافر فقال: ( وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ )(الأنعام: من الآية125) الآية الكريمة دلتنا على أن الذي يصعد في الجهة العلوية يكون صدره ضيقاً . في هذا إشارة إلى ما يصيب الناس هناك إن صعدوا بدون أكسيجين من الاختناق ، إذن هذه الآية أيضاً تعتبر معجزة علمية من معجزات القرآن الكريم .
* تزاوج الذرات
الله سبحانه وتعالى يخبرنا عن الكائنات كلها أنها كائنات متزاوجة فيقول سبحانه وتعالى في سورة يس: (سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ) (يّـس:36) مما تنبت الأرض من النباتات المختلفة ومن البشر أنفسهم جعل الله سبحانه وتعالى فيهم تزاوجاً إذ فيهم الزوجان الذكر والأنثى ومما لا يعلمون , اكتشف أخيراً بأن هناك تزاوجاً ما بين الكائنات المختلفة على اختلاف أصنافها ، أدنى شيء هذه الذرة المهينة الدقيقة ، ذرة الهيدروجين ، تلكم الذرة التي يقال عنها بأنها أخف الذرات هذه الذرات نفسها فيها جزء سالب وجزء موجب ، وتتولد الطاقة بتلاقي السالب والموجب ، هذه الكهرباء التي نحن نتمتع بها في التبريد وفي التحرير ، وفي الضوء ، وفي مجالات شتى ، هذه الكهرباء ما هي إلا نتيجة إلتقاء السائل السالب بالسائل الموجب فتتولد الطاقة الكهربائية من هذا اللقاء ، وأدل من هذه الآية التي في سورة “يس” آية ” الذاريات” حيث يقول الله تعالى فيها: (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (الذريات:49) لعل العالم الإنساني يصل إلى تقرير النظرية أو الإقتناع بالنظرية القائلة بأن الكائنات كلها خلقها الله سبحانه وتعالى من مبدأ هذا اللقاء ما بين الذرات والله تعالى على كل شيء قدير .
الله سبحانه وتعالى أيضاً أخبرنا عن طبيعة النباتات التي تنبت قال: (وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ)(الحجر: من الآية19)، ما هي هذه الزنة ؟ يعني العلم الحديث جاء ليبين هذه الزنة ، الأشياء كلها موزونة بموازين دقيقة ، فالله سبحانه وتعالى ينبت النباتات المختلفة ويوجد فيها الثمار المتنوعة .
هذه الثمار مختلفة في الأحجام ، منها الصغير ، ومنها الكبير ولكنها مع اختلاف أحجامها مع وجود الصغير والكبير فيها ، فإن ثمرة كل نوع من أنواع الأشجار المختلفة محدودة ذراتها على اختلاف العناصر التي تنتسب إليها هذه الذرات ، بحيث لو زادت في هذه الثمرة ذرة أو نقصت ذرة لأدى ذلك إلى تحول هذه الثمرة التي زيدت فيها ذرة أو نقصت منها ذرة عن وضعها إلى نوع آخر من أنواع الثمار .
فالله سبحانه وتعالى هو الذي أنزل على عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم ما يعرفه بحقائق هذه الكائنات التي كانت خفية عن أفكار الناس ومداركهم ، الذرة ، ساد عند كثير من الناس بأن الذرة لا يمكن أن تتجزأ ، وقالوا في الذرة: بأنها الجوهر الفرد ، وقالوا: بأنها الجزء الذي لا يتجزأ ، وشغلت مسألة الذرة بال المتكلمين منذ قديم الزمان، فخاضوا في ذلك واختلفوا وحصل ما حصل بينهم الشقاق ، وحصل ما حصل بينهم من التكفير ، لأجل شيء تافه ، بحث تافه ، لو رجعوا إلى القرآن الكريم لوجدوا ما يدل دلالة واضحة على أن هناك ما هو أصغر من الذرة ، وإذا كان هناك ما هو أصغر من الذرة فمعنى ذلك بأن هذه الذرة يمكن أن تتجزأ ويمكن أن تنقسم ( لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)(سـبأ: من الآية3) فمعنى ذلك أن هناك ما هو أصغر من الذرة، وقد تبين أخيراً بتفتيت الذرة أن الذرة تتفتت وتنقسم ، فهناك ما هو أصغر من الذرة .
هذه على كل حال أمثلة من الإعجاز العلمي في كتاب الله سبحانه وتعالى ، ولا ريب أن المتخصصين في دراسة هذه العلوم على اختلافها عندما يعودون بتوفيق الله سبحانه وتعالى إلى القرآن الكريم ، وعندما يتأملون دلالات القرآن الكريم ، سيجدون ما ينير لهم السبيل وما يقوى إيمانهم وما يقوي صلتهم بالله سبحانه وتعالى .
هناك مثل آخر من هذه الأمثلة وهو آية من كتاب الله في موضع وجزء آية من غيره، هذه الآية أو هذه العبارة في الكتاب جاءت تارة آية وتارة جزء آية تدل على نظام هذا الكون من أدق شيء منه إلى أكبر شيء فيه، فالله سبحانه وتعالى يقول: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) (القمر:49)، ويقول سبحانه وتعالى: ( وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً)(الفرقان: من الآية2)، ويقول أعز من قائل: ( وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ)(الرعد: من الآية8) كل عبارة من هذه العبارات التي تأتي تارة آية وتارة جزءاً من آية تتناول نظام هذا الكون كما يقال من الذرة إلى المجرة ، فما من شيء في هذا الكون إلا ويصلح عليه هذا النظام الذي أخبر الله سبحانه وتعالى به ، وأرجو أن أتحدث بعض الشيء حول هذا المثال في الدرس الآتي إن شاء الله في الفصل الدراسي المقبل ، وإلى ذلك الوقت أستودعكم الله سبحانه وتعالى وأسأل الله أن يوفقني وإياكم لما فيه الخير وأن يهدينا جميعاً سواء الصراط وأن يقودنا جميعاً إلى الرشد .
* مناقشة وأسئلة:
ونفتح الآن باب الأسئلة على أن تكون الأسئلة تدور حول هذا الموضوع ولا تخرج عنه ، ومع ذلك فإني أعتذر عن الخطأ لأني دخلت في فن غير فني.
س1. السائل يقول : قالوا سابقاً أن الذرة لا تتجزأ واستبدلوا في وقتنا الحاضر بدلاً من الذرة الجزيء فقالوا: إنه أصغر جزء في المادة . فهل نستطيع القول بأن الجزء لا يتجزأ ؟
ج . على أي حال أنا قبل كل شيء اعتذرت وقلت عن نفسي بأنني اقتحمت في لجة لست متعوداً على السباحة فيها ، ولا أقدر على السباحة فيها ، ولكني عندما أردت أن أتكلم فيما يتعلق بالقرآن الكريم ، القرآن الكريم لم يتعرض للجزء ، بأنه يمكن أن ينقسم ولا أنه لا يمكن أن ينقسم ، لا يمكن أن نتحدث عن هذه النقطة لأن هذا من اختصاص الآخرين ، ورحم الله امرءاً عرف قدره ووقف عند حده ، أما الذرة ، دل القرآن الكريم على أن هناك أصغر من الذرة ، وبما أن القرآن دل على أن هناك ما هو أصغر من الذرة فعلينا أن نسلم بأن هذه الذرة يمكن أن تنقسم ، أما الجزء فالقرآن الكريم ما تعرض له فنقف عند حدنا .
س2 . السائل يقول : قال تعالى: (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا )(الانبياء: من الآية22)، ما المقصود بفيهما وإن كان المعنى السماء والأرض – والله اعلم – فلماذا خص الله سبحانه وتعالى ذكرهما فقط مع أنه يوجد في هذا العالم الفسيح الكثير من الكواكب؟
ج . أنا أسأل عن هذه الكواكب هل هي خارجة من السماء ، وما المقصود بمدلول السماء ، هل المقصود بمدلول السماء كوكب معين من هذه الكواكب ، فيقال بأن الكواكب الأخرى غير داخلة في مدلول السماء ، أو مدلول السماء لغة كل ما علاك فهو سماء ، فالله سبحانه وتعالى يقول: (أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ)(ابراهيم: من الآية24)) أين فرعها؟ هل هو في كوكب من هذه الكواكب كوكب معين أصلها ثابت وفرعها في السماء ، ويقول الله سبحانه وتعالــى: (أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً )(الرعد: من الآية17)) فهل هذا الماء ينزل من الكواكب أو من كوكب من هذه الكواكب أو أنه ينزل من الجهة العلوية، فإذا كانت كلمة السماء تدل على كل ما كان أعلانا فإذا كل ما كان أعلاه فهو سماء إلى ما لا يحيط به إلا الله سبحانه وتعالى ، والله سبحانه وتعالى عندما امتنَّ على عباده بخلق السماوات ما امتن بخلق عدد صغير من الأجرام الفلكية وسكت عن غير هذا العدد، المفسرون في القديم والحديث اختلفوا في هذه السماوات السبع المقصودة وضيقوا مدلول السماوات ، كثير منهم ضيقوا مدلول السماوات ، منهم أي المتقدمين – كالفخر الرازي- عندما لم يكتشفوا في ذلك الوقت، نبتن وبلوتو ، عندما كانوا ما اكتشفوا هذه النجوم قال الفخر الرازي مثلاً بأن المقصود المجموعة الشمسية المكتشفة في ذلك الوقت وذكر من نفس هذه المجموعة الشمس نفسها وذكر منها أيضاً القمر ، لا توجد دلالة بأن القمر هو السماء أو الشمس هي السماء ، أو أن القمر هو إحدى السماوات أو أن الشمس إحدى السماوات، لا توجد دلالة على ذلك أبداً .
جاء بعض المفسرين بعد هذا الاكتشاف الآخر فذكــروا أن المقصــود بالمجموعة الشمسية بكاملها ، وقالوا عن الشمس لا تعد منها والقمر – طبعاً – هو تابع صغير للأرض فلا يعد منها ، والأرض لا تحسب لأن الأرض منها بالنظر إلى هذه الأجرام ، فقالوا هي سبع سماوات ، هذه السماوات السبع ؟! كلمة السماوات السبع مدلولها أوسع من ذلك بكثير ، الله سبحانه وتعالى يقول: (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً)(البقرة: من الآية22) ما معنى هذا البناء؟ نفس هذا الرباط رباط الجاذبية التي يربط ما بين هذه الأجرام الواسعة ، هذا هو البناء ، فهذه الأجرام الواسعة في كل الفضاء الهائل السحيق ، هذه الأجرام الواسعة هي سماء لأنها مربوط بعضها ببعض هي بمثابة اللبنات في البناء الواحد ، لأنها مربوط بعضها ببعض بسنة الجاذبية ، فإذن هذه كلها تعد سماء ، قد تكون فيها درجات – طبقات – نفس هذه الأجرام ، وقد تكون ما فيها طبقات وإنما بقية السماوات فوق ذلك ، أنا في نفسي لا أستطيع أن أجزم بهذا وإنما أكل العلم إلى الله ، ولكن أقول: هناك احتمال كبير بأن يكون كل ما اكتشف من هذه الأجرام الهائلة والمجرات الواسعة غير خارج عن السماء الدنيا ، لا يبعد ذلك بدليل قول الله سبحانه وتعالى(إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ)(الصافات:6)، (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ )(الملك: من الآية5) فالله سبحانه وتعالى أخبر بأنه زين السماء الدنيا فلعل هناك بعد هذه الأجرام الفلكية ، سماوات أخرى سبع أوسع مما يمكن أن يتصور البشر ، وما ندري طبيعة هذه السماوات – والله أعلم .
س3 . السائل يقول : قال تعالى: ( يكور الليل على النهار ) وقال أيضاً: ( يغشى الليل النهار ) فما وجه تقديم الليل على النهار في الايات القرآنية ، وهل معنى ذلك أن الليل خلقه قبل النهار ؟
ج . الليل هو الأصل لأن الظلمة هي الأصل ، الضوء يأتي ليغشى هذه الظلمة ليمزق هذه الظلمة ليسرى في هذه الظلمة ويبددها ، فإذاً الضوء يأتي بعد الظلمة، ولما كان الضوء يأتي بعد الظلمة فإذاً الليل سابق على النهار فلذلك ذكره الله سبحانه وتعالى قبل النهار ، وضرب الله تعالى مثلاً لسريان الضوء في الفضاء وطيه لهذه الظلمة ، بآية لها جلد ويسلخ منها هذا الجلد ( وآية لهم الليل نسلخ منه النهار ) فكأنما النهار هو الجلد يحيط بهذا الليل ثم يسلخ منه النهار يسلخ منه هذا الجلد فإذا بالفضاء يبدو على طبيعته ، وهو مظلم .
س4 . السائل يقول : قال الله تعالى: ( وأرسلنا الرياح لواقح ) ذكرتم أن المقصود بالتلقيح هو تلقيح السحاب . كيف يتم ذلك ؟
ج . الآية تدل على ذلك ، الترتيب يدل على ذلك – ترتيب الفاء التي تفيد التعقيب والترتيب ، فالله سبحانه وتعالى يقول: (وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ )(الحجر: من الآية22) إن الله على كل شيء قدير ، فالله عز وجل يجعل حرارة الشمس تؤثر على المياه في المحيطات وفي البحار وفي الشطوط والأنهار ، فترتفع هذه المياه حتى تتكون هذه الطبقة بسبب البرودة التي في الجو ، ثم بعد ذلك يجعل الله سبحانه وتعالى هناك ضغطاً حرارياً وعوامل من الرياح هي التي تؤثر على هذه البرودة فيذوب ذلك ويتنزل الماء من هذه الجهة العلوية إلى الجهة السفلية .
تمت المحاضرة