تربية الله للعالمين

وتربية الله للعالمين تنقسم إلى قسمين: تكوينية وتشريعية. فالتكوينية ظاهرة على كل شيء ولنأخذ الإنسان مثلا لذلك فإن الله أوجده من خلية مهنية حقيرة إذا نظرت بالمجهر لم تكد تبصر لدقتها المتناهية ولكن لم تلبث أن تطورت بأطوار تربية الله المختلفة حتى خرج منها بشر سوي سميع بصير يفكر ويقدر ويدبر ويعلم ويريد يتميز بقدرات معنوية مع ما أوتيه من قوة حسية أهله كل ذلك للخلافة في الأرض والاضطلاع بأمانة ثقلت على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وكل ما يسره الله سبحانه للإنسان من قوام جسده داخل في حدود تربيته التكوينية.

وأما التربية التشريعية فالإنسان هو المستهدف بها وإن عم أثرها غيره وهي تتمثل في رسالات الله التي بعث بها رسله المصطفين لإخراج الناس من الظلمات إلى النور وجمع شتاتهم وتوجيه عقولهم وأفكارهم وتصفية فطرهم وطبائعهم وكما أن الخلق لا يكون إلا من الله والبشر مهما أوتوا من قوة لن يخلقوا ذبابا فإن التشريع الصالح للإنسانية لا يكون إلا منه سبحانه وتعالى أما التشريعات البشرية فما هي إلا مصدر شقاء الإنسانية وبلائها إذ لا يمكن أن تؤلف بين الأجناس المختلفة في العادات والظروف ولا أن تجمع بين الرغبات المتباينة ولا يصح أن تعتبر من التربية في شيء وكل من تسول له نفسه فيشرع من الأحكام ما لم يأذن الله كمن تسول له نفسه بأنه يستطيع أن يشارك الله تعالى في خلقه تعالى الله عن ذلك. (جواهر التفسير، ج1 ص 271، 272