حقائق قرآنية حول العوارض الكونية: الدكتور مبارك بن مسلم الشعبني
الشعبني: اليقين بأن الأمر كله لله لذا يستدعي الانقياد له بالكلية.
ـ أي عارض هو آية من آيات الله فهو عبرة وعظة وتذكرة يستفيد منها المؤمن.
– من محبة الله للفرد والمجتمع تنبيهه وتوجيهه،.
– التوعية الدينية الهادفة إلى استقامة الناس دينيا وقاية للفرد والمجتمع من المحن
ـ وجود المصلحين في المجتمعات سبباًً للحماية
ـ استقامة الناس على الدين خير وسيلة للوقاية من تلكم النكبات
ـ سبحانه جل شأنه يعد ما يحدث من عارض كوخزة لمراجعة الخطأ في حقه سبحانه
حاوره ـ أحمد بن سعيد الجرداني
القرآن الكريم، يُعد خير وقاية من كل الشرور الدنيا والاخرة. لذا لا بد أن يكون له كلمته في هذا المنبر الإعلامي، في ما يحدث من حقائق حول العوارض الكونية، وذلك بسرده آيات لا تحتمل النظر ولا التأويل، لوضوحها فيما يراد توضيحه في مثل تلكم الأمور..
وحول هذه الأحداث الطارئه التي تحدث في العالم ، كانت لـ(الوطن) هذه الوقفة الإيمانية وذلك للتدبر لما يدور في هذا الكون من آيات ، حيث ارتأت أن يكون هذا اللقاء مع الشيخ الدكتور مبارك بن مسلم الشعبني .
الحقائق القرآنية
العوارض الكونية هي آيات لها حقائق في القرآن الكريم ما هي ؟
المؤمن بالله سبحانه وتعالى هو من يوقن أن كل ما يحدث في هذه الحياة إنما هو بإرادة الله سبحانه ومشيئته، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن. فكما أن الخير من الله سبحانه، كذلك الأمر بسوء الحال الذي يصيب المرء أو المجتمع في الحياة هو أيضا منه سبحانه. وقد امتن الله سبحانه على عباده أن أخبرهم بتلكم الحقيقة، وجعل التصديق بذلك من دلالات قوة إيمان المرء بخالقه سبحانه، يقول سبحانه في ذلك: “وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ “، ويقول جل شأنه: “وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ “.
إن اليقين بتلكم الحقيقة؛ لا يراد به العلم والدراية بذلك فقط، أي كمعلومات فحسب، بل يراد به تمكُّن تلكم الحقيقة من القلب، بحيث ينقاد صاحبه إلى النافع والضار سبحانه، طاعة واستجابة، خوفا منه، ورجاء فيه.
ومن أهم ما يمكِّن القلب من ذلك الرؤية العينية لما يخبر عنه القرآن الكريم، ولئن كان رب العزة والجلال يلفت نظر كفار قريش للاتعاظ بما حدث لمن قبلنا من الأمم، من خلال ما يشاهدونه مما تبقى من بعض آثار السابقين، وهم في طريقهم من فلسطين إلى مكة، وذلك في قوله سبحانه: (وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِم مُّصْبِحِينَ، وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُون)، ويخبر عن أن آثارهم تلك تعد آية للمعتبر: “وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً لِّلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ ” ، وقوله فيهم: (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَراً فَسَاء مَطَرُ الْمُنذَرِينَ، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ )، فإن الله سبحانه يذم كل من تمر عليه آية من آيات الله في هذا الكون، أو يمر عليها، ولم يتعظ ولم يتذكر، يقول سبحانه في وصفهم: (وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ ) ولئن كان الله سبحانه يأمرنا بالسير في الأرض للنظر في آيات الله وما يحدثه الله في هذا الكون من أحداث، وذلك كما في قوله جل ِشأنه: “قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا .. “، ومن بين تلكم الآيات الريح والأعاصير التي دمر الله بها أقواما من قبل، وجعلها آية من آياته، يقول سبحانه: “إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ “، وقوله: “فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنصَرُونَ “، فإنه ومن باب أولى أن يعتبر المرء، بل والمجتمع بما يراه أمامه من مثل تلكم الآيات، سواء في مناطق الجوار، أو بلدهم أنفسهم، كما يقول سبحانه: “وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِّن دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ “.
انقسام الناس
الآيات هي أسباب فقد عللها البعض إنها ظاهرة طبيعية والآخر إنها امتحان وابتلاء ؟
كيف تعللون ذلك؟
نعم لقد انقسم الناس إزاء مثل تلكم الأحداث وغيرها إلى قسمين: قسم؛ لم يتعظ ولم يعتبر، ونظر إلى أن هذه الأحداث هي عادة ما تحدث، فهي ظواهر طبيعية لا ينبغي أن تؤوَّل إلى أنها عذاب، أو سخط، أو ابتلاء من الله سبحانه لعباده، وفي هؤلاء يقول سبحانه: “ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَواْ وَّقَالُواْ قَدْ مَسَّ آبَاءنَا الضَّرَّاء وَالسَّرَّاء فَأَخَذْنَاهُم بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ “، فهؤلاء عند تقييمهم للأسباب التي أدت إلى ما حدث من نكبة لا يعدو أن يكون حوما حول سراب، وسيظلون في غيهم، لبعدهم عن الحقيقة التي تدعوهم إليها، وهي أن سبب ما حدث هو الإنسان نفسه، يقول سبحانه: “وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ “.
وقسم؛ علم أن ذلك تنبيه من الله، فيقيِّم ما حدث التقييم الأمثل، فيجتهد في درأ ما أدى إلى ذلك، من خلال درأ الأسباب التي أدت إليه. مدركا أن ذلكم الأمر من سنن الله الثابتة، ماضية في خلقه لا تتغير، يقول سبحانه في وصف قانونه الثابت: “سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً “، وقوله جل شأنه: “سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً “، وقوله سبحانه: “اسْتِكْبَاراً فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً “. مؤشر تغير هذه السنن هو تغير قلوب الناس، من حيث الصلاح والفساد، يقول سبحانه: “إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ “، هذا القسم من الناس، أي الذي علم أن ما حدث تنبيه من الله، سوف ينجح في تخطيطه، وسيجنب نفسه ومجتمعه الهلاك والدمار، وذلك لأخذه بأكبر الأسباب وأهمها، وهي الطاعة الكاملة لله سبحانه، في إدارته لكل شؤون حياته، الاجتماعية منها والاقتصادية وما شابهها من جوانب الحياة المختلفة.
قد يكون المتسببون في خراب المجتمع، والجالبون لسخط الله وانتقامه وغضبه قلَّة، ولكن السكوت عنهم مع العلم بهم يعد تواطئا وإقرارا لفعلهم المشين ذلك، فهم في نظر الله مفسدون في الأرض، فلا غرو أن يعمم الله غضبه على الجميع- إلا من رحم-، يقول سبحانه آمرا اتقاء ما يجلب المصائب والدمار: “وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ “، فالآية تخبر أن المصائب قد يعم شرها الجميع، وتتعدى الظلمة المنتهكين حدوده سبحانه.
إن الحقيقة التي ينبغي أن لا تُتجاهل من قبل المؤمن بما في كتابه الكريم ، أن ما تحدث من عوارض وكوراث يعد إنذارا لعارضة أو كارثة لاحقة أشد ضراوة، في نظر الله سبحانه، فسبحانه جل شأنه يعد ما يحدث من عارض كوخزة لمراجعة الخطأ في حقه سبحانه، إن كان ثمة خطأ موجود، سيأتي بعده عضَّة أو حزَّة للرقاب -والعياذ بالله -إن لم يُرجع إليه وما يأمر به، يقول سبحانه في إنذاره ذلك، وتعريفه لنا بما حدث: “ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ “، وقوله جل شأنه: “وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ “، بل ويخبرنا سبحانه أن للعوارض التي تحل بالمجتمعات، هي جند من جنود الله، وآية من آياته، لها أخواتٍ أكبر منه شدة وبطشا، وسوف يأتين، إن لم يُستفد من دروس السابق، يقول سبحانه:”وَمَا نُرِيهِم مِّنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ “، ولئن كان للعوارض أخواتٌ كبرى، فهو يعد أخا أكبر لمن هن أصغر منه، مما ابتليت به المجتمعات من قحط وجدب، ونقص في إنتاج الأرض، والغلاء في الأسعار ، والأوبئة وغيره، وكله بلاء من الله سبحانه مقبول، للمراجعة الشاملة. ويخبرنا سبحانه أن ما أحدثه الله في من حولنا تحذير لنا: “وَلَقَدْ أَهْلَكْنا مَا حَوْلَكُم مِّنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ “، وأن في إبقائه لنا سبحانه أحياء مع تقديره لنا صنوف المحن فرصة للرجوع إليه- فسنة الله ماضية-، يقول سبحانه: “وَلَقَدْ أَرْسَلنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ “، فجل شأنه رحيم حليم أن نبَّهَ قبل الكارثة الحقيقية التي تقضي على الأخضر واليابس مما قد جرى لمن قبلنا من الأمم، بل وحتى لما يجري في بلدان نعايشها.
فقد افتتن من كان قبلنا بالرغم من تنبيه الله لهم بمثل تلكم المحن، فلم ينتبهوا، فما كان إلا أن أخذهم الله أخذ عزيز مقتدر، بدمار شامل، يقول سبحانه في تحذيره: “فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ “، وقد وردت تلكم الآية الكريمة في ذلكم السياق المحذر عن فعل ما يشابهه ويماثله: “قُلْ أَرَأَيْتُكُم إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللّهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ، بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاء وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ، وَلَقَدْ أَرْسَلنَآ إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ، فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ، فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ، فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ” . والمؤمن عليه أن يكون في وقت الرخاء كما لو كان في وقت الشدة، من حيث قوة تواصله مع الله سبحانه، وذلك حتى لا يكون ممن وصفهم الله سبحانه في كتابه: “وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَآئِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ “، وقوله سبحانه: “وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُم مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُم مِّنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ “.
إن الوقاية خير من العلاج، والمهتم بأمن واستقرار المجتمع وسؤدده ينبغي أن يأخذ بأسباب رقيه وسلامته، والتي لا تكون إلا بما بينه الله سبحانه، لأننا خلقه، وهو العالم بما يصلحنا سبحانه، وعليه فينبغي تكثيف التوعية الدينية، حتى يفيق الغافل من غفلته، إذ بتوعيته وإرشاده يسلم المجتمع، والعذاب والكوارث لا تحل إلا به كشخص لتمرده، وإلا فالجميع. وكما استُنفرت كافة القوى والأفراد في الإنقاذ، وتقديم العون لوجود النقص في المؤن، وعلاج الجسد، كذلك يحسن الاستنفار في الإرشاد والتوجيه والوعظ والتذكير لوجود النقص في الدين، ولعلاج الروح، لشريحة لا بأس بها، من قاطعي الصلاة والرحم، ومانعي الزكاة، وغيرها من المخالفات الشرعية. إذ النقص في الدين وتعاليمه يجلب الخسارة دنيا وأخرى- والعياذ بالله-. إن المعصية في نظر الله سبحانه ظلم من قبل الإنسان على نفسه ومجتمعه، وتحديدا تلكم الوارد ذكرها نصا في كتابه الكريم، فهي الموبقات الموجبة لمحاربة الله سبحانه، وهي كذلك في العاقبة وإن كان الفاعل لها موحدا، وكم من الآيات جاءت مخاطبة المؤمنين وزاجرة لهم، ومتوعدة إياهم بالانتقام والحرب في بعض منها إن لم ينتهوا عن ما هم فيه من مخالفات، وذلك حتى لا يظن ظان أن الإنذار والتحذير معني به الكفار المشركين فحسب، فالإيمان المقبول عند الله، والذي يدرأ الله بسببه العذاب الأدنى، ويسلِّم من العذاب الأكبر هو ما وقر في القلب وصدقه العمل.
السبيل لدرء مثل تلكم العوارض
في نظركم ماهو دور المصلحين ورجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لدرء مثل تلكم العوارض؟
يخبرنا جل شأنه أن وجود المصلحين في المجتمع، الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر سبب لحمايته من مثل ذلك، واستقامة الناس على الدين خير وسيلة للوقاية مما يمكن أن يحل من نكبات وكوارث، بل ووسيلة لكل ما تحمله كلمة الحياة الطيبة من معنى، ويمكن إجمال معاني كل ذلك في الآيات التالية: “وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ “، وقوله سبحانه: “فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ “، وقوله سبحانه: “وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ “، وقوله جل شأنه: “مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ “. فما على ولي الأمر في الأسرة، وغيره من أصحاب الكلمة، كلٌ في ميدانه، إلا تجنيد النفس في إغاثة التابعين لهم ممن يعولون بتعاليم الدين، الذي يضمن الوقاية من الكوارث والمحن، وقبول المؤسسات الموكل إليها تسيير الشؤون الدينية في الدول الإسلامية كل المتطوعين في ذلك، بعد التأكد من أهليتهم. وليُتَيقن أن من أهداف إبعاد المؤمن عن دينه، عند الاستجابة لتوجيهات غير المسلمين في مختلف شؤون المعاملات، هو حلول المحن والكوارث، وزيادة تخسير، من ضلال وما يأتي وراءه، كما قال الله سبحانه على لسان أحد الخيرين من قبل، وهو يخاطب قومه المفسدين: “قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةً مِّن رَّبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَن يَنصُرُنِي مِنَ اللّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ “.
إن في استقامة المرء والمجتمع على دين الخالق سبحانه، يجعله على منأى من الهلاك والدمار، فمن نجى إبراهيم من النار الموقدة، ومن نجى يونس من الحوت وحوله إلى وسيلة نقل له، ومن كشف عذابا محققا عن قومه بسبب رجوعهم إلى ربهم، ومن نجى موسى من فرعون، وجعل له وقومه من البحر طريق أمن وأمان، ومن نجى من قبل نوحا، فأغرق من في الجبال ونجى من في السفينة وهي في موج كالجبال. يقول سبحانه: “قُلِ اللّهُ يُنَجِّيكُم مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ “، ويقول سبحانه: “أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ “.
وحقيقة أخرى في القرآن الكريم؛ وهي إن كان الفرد أو المجتمع مستيقنا على أنه ملتزم بأمر الله تعالى، ولم يفعل ما يوجب سخطه، وقائم على ذلك ما استطاع، فإن ما حدث من كارثة إنما هي من قبيل الابتلاء والاختبار- وعسى أن يكون الأمر كذلك- ، ولهم الأجر الجزيل على صبرهم على ما ابتلوا به مما قد حل بهم، إذ الابتلاء سنة من الله في عباده، بما فيها الابتلاء بالشر والمحن، يقول سبحانه: “وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ “، وقوله سبحانه: “وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ “، وقوله سبحانه:”وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ “. إن على المؤمن أن يقبل ما يقدره الله عليه من خير أو شر، ولا يتصف بما يتصف به غيره من غير المؤمنين، الموصوفين في قوله سبحانه: “وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَؤُوساً “.
الوقاية من الكوارث
في نهاية هذا اللقاء الطيب كما علمنا ، هناك وقاية وسد منيع لمنع مثل تلكم العوارض التي تلم بالمجتمعات هل لكم من كلمة لذلك وكيف يمنع الإنسان إذا ما حدث مثل هذه العوارض؟
على الحكومات إذا ما حدث بمثل تلكم الحقائق أن تعلن من خلال المآذن والمنابر ووسائل الإعلام التي أسستها، ولسان حالها- يحفظها الله- يقول ما قاله المخلصون من قبل بعد وعظهم غيرَهم: “فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ “، ولسان حالها يتوجه متضرعا إلى الله قائلا بعد كل كلمة إرشاد: “أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاء مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاء وَتَهْدِي مَن تَشَاء أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ “، وقولها منذرة: “فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ “. ولكم كان المسؤولون المخلصون حال لسانهم يلهج-طلبا من الله، وقت مجيء تلكم العوارض – في وسائل الإعلام المختلفة، وفي محراب مناجاتهم لله سبحانه وتعالى- كما هو حال الشعوب المؤمنة بخالقها- ، بأن لا يكون ذلكم العارض هو ما قال الله عنه: “فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ، تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ ” ، ولكم كان دعاؤهم ربَهم دعاء التائب المنيب قائلين: “رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ “.
هكذا ينبغي من قبل الناس تجاه رب الأكوان أن يتضرعوا إلى ربهم والفرار إليه تعالى..
—————-
جريدة الوطن: الجمعة 17 من ذي الحجة1430هـ الموافق 4 من ديسمبر 2009م العدد (9621) .