حقوق الإنسان في القرآن الكريم: د. سيف بن سالم الهادي

بحث بعنوان ” حقوق الإنسان في القرآن الكريم “

د. سيف بن سالم الهادي

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي خلق السموات والأرض بالحق، وأعطى كل ذي حق حقه، سبحانه يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ،والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، المخلص للبشرية من قهر المتسلطين، المستقبل كتاب ربه بالحق، محمد رسول الله وعلى آله وصحبه الذين يهدون بالحق وبه يعدلون .. ..  وبعد

ففي هذا المبحث سوف أشرح بالآيات – حسب ما توصل إليه فهمي _ بعض الحقوق التي منحها الله تعالى للإنسان قبل أن يصدر الميثاقق العالمي لحقوق الإنسان في العاشر من ديسمبر عام 1948 م  وأكدته المواثيق التي صدرت في العالم الإسلامي كالبيان العالمي عن حقوق الإنسان في الإسلام الصادر في 21 من ذي القعدة 1401هـ، الموافق 19 أيلول/سبتمبر 1981م،وميثاق القاهر لحقوق الإنسان في الإسلام الصادرفي الخامس من أغسطس 1990م، وميثاق جامعة الدول العربية لحقوق الإنسان في الثالث والعشرين من مايو 2004م، وقد جاءت هذه المواثيق الإسلامية طمعا في التأكيد على أسبقية الإسلام إلى هذه الحقوق، والذين كتبوا في هذا المجال كثيرون وبرؤى مختلفة، كلها تؤد على هذه الأسبقية، بينما لاحظ البعض وجود فجوة في العالم الإسلامي بين هذه الحقوق وتطبيقاته، في حين اعتبر آخرون أن الميثاق العالمي هو الأصل فانطلق يراجع الثوابت الإسلامية كالحدود، وميراث المرأة، وزواجها من غير المسلم.

      لا أحد ينكر أن كثيرا من البنود في الميثاق العالمي لحقوق الإنسان قد تم خرقها من قبل الدول المستعمرة في أكثر من مناسبة، تناولت ذلك كتب كثيرة لا أرى ضرورة إلى تكرارها الآن؛ فعندما تشتد الحاجة إلى التوسعة الإمبريالية فإن هذه الحقوقيجب أن تكون عاملا مساعدا، وقد أصبح ذلك معلوما من السياسة بالضرورة بحيث لا تجد وسائل الإعلام غضاضة في بث ما يدور من نقاش حول جدوى هذه الحقوق عندما يتقرر خفض نسبة النفس في البلدان الضعيفة، ففي كتاب ” من أجل حوار الحضارات ” يورد روجيه جارودي هذا الحوار[1]:

(ﺟول ﻓﯾري: إﻟﯾﻛم أﯾﮭﺎ اﻟﺳﺎدة اﻟﻘﺿﯾﺔ، إﻧﻧﻲ ﻻ أﺗردد ﻓﻲ اﻟﻘول ﺑﺄﻧﮭﺎ ﻟﯾﺳت ﺳﯾﺎﺳﺔ ﺗﻠك، وﻻﺗﺎرﯾﺧﺎ، إﻧﮭﺎ ﻣﯾﺗﺎﻓﯾزﯾﻘﺎ ﺳﯾﺎﺳﯾﺔ.

أﯾﮭﺎاﻟﺳﺎدة: ﯾﺟب أن ﻧﺗﻛﻠم ﺑﺻوت أﻋﻠﻰ وأﻛﺛر ﺻﺣﺔ! ﯾﺟب أن ﻧﻘوﻟﮭﺎ ﺻراﺣﺔ، ﺣﻘﯾﻘﺔ إن ﻟﻸﺟﻧﺎس اﻷرﻗﻰ ﺣﻘﺎ ﺑﺈزاء اﻷﺟﻧﺎس اﻷدﻧﻰ..

ــ ھﯾﺟﺎن ﻓﻲ ﻣﻘﺎﻋد ﻋدﯾدة ﺑﺄﻗﺻﻰ اﻟﯾﺳﺎرــ

اﻟﺳﯾد ﺟول ﻣﯾﻧﯾو: أﺗﺟرؤون ﻋﻠﻰ أن ﺗﻘوﻟوا ھذا ﻓﻲ اﻟﺑﻠد اﻟذي أﻋﻠﻧت ﻓﯾﮫ ﺣﻘوق اﻹﻧﺳﺎن!

اﻟﺳﯾد ديﻏﯾوﺗﯾﮫ: ھذا ھو ﺗﺑرﯾر اﻻﺳﺗﻌﺑﺎد واﻻﺗﺟﺎر ﺑﺎﻟﻌﺑﯾد.

ﺟول ﻓﯾري: إذا  ﻛﺎن اﻟﺳﯾد اﻟﻣﺣﺗرم ﻣﯾﻧﯾو ﻋﻠﻰ ﺣﻖ ، إذ اﻛﺎن إﻋﻼن ﺣﻘوق اﻹﻧﺳﺎن ﻛﺎن ﻣن أﺟل ﺳود أﻓرﯾﻘﯾﺎ اﻻﺳﺗواﺋﯾﺔ، إذن ﺑﺄي ﺣﻖ ﺗذھﺑون ﻟﻔرض اﻟﺗﺑﺎدل واﻻﺗﺟﺎر اﻟﻣﺣرم ﻋﻠﯾﮭم؟ إﻧﮭم ﻻ ﯾدﻋوﻧﻛم).

وفرنسا هذه شهدت في 26/أغسطس/1789م توقيع وثيقة لحقوق الإنسان على المستوى الداخلي كأول نتيجة لثورتها، ووقعت لاحقا على الميثاق العالمي لهذه الحقوق، إلا أن دولة كمالي لن تكون عصية عن الاستثناءات إذا ما اقتضت ضرورة السايسة ذلك، والمقتضى هنا في البند الأول والثاني[2] من مواثيق حقوق الإنسان والمواطن، والثاني من الميثاق العالمي[3] شبيه بالمقتضى عند الأصوليين يجوز الاختلاف على مراده، ففي 11/ يناير/2013م دخلت فرنسا مالي دون أن تنتظر قرارا من مجلس الأمن، لأن هذا التدخل حق مشروع ينص عليه ميثاق حقوق الإنسان تحت البند الذي يتحدث عن الوصاية، هذا فضلا عن اعتقاد البعض بأن الكلمات التي صيغت بها الحقوق ليست ملزمة لأصحابها أصلا[4]، فهم المشرّع، وهم أيضا من يمتلك حق التفسير.

وليس هذا غريبا أيضا فحق تقرير الشعوب لمصيرها لم يرد في الميثاق أصلا، بل ورفضت الدول الكبرى إدراجه مطلقا[5] رغم اندراجه في عمومات البنود، لأنه بكل بساطة سينهي الوصايات الاستعمارية، وسيحرر فلسطين، وهو ما لا تشتهيه الأنفس ولا تلذ له الأعين، فالتنفس في أجواء الدول الضعيفة يجب أن يظل مستمرا كونها لا تزال تعاني من مظاهر التحلف الفكري والاقتصادي، ولا تزال المستويات الثقافية لديها لا تسمح بإقامة مجتمع ديمقراطي ناضج،  وهي العلة التي تقدم بها مونتسكيو أحد الذين نادوا بحقوق الإنسان “إن الحرية لتبدو في بعض الحيان غير متفقة مع حالة بعض الشعوب التي لا تستطيع تحملها، والتي لم تتعود على التمتع بها، فالهواء النقي إذاً يضر أحيانا بمن كانوا يعيشون في أماكن تكسوها المستنقعات”[6]وهي العلة نفسها كما يقول هيثم مناع التي تتعلل بها النظم العربية [7].

وهذا يعني أن الذي ننكره على العالم الغربي الراعي لحقوق الإنسان، لا تزال أطنان منه جاثمة فوق عالمنا الإسلامي التاريخي والمعاصر، وسيبذل عدد من الفقهاء جهود مكثفة في استبقائها ثقيلة في موازين ولات الأمور[8].

ومهما حاولنا إلقاء هذا عن كواهل الأمة إلا أن التاريخ والفقه السياسي لن يسمحا لنا بأكثر من استخدام حزمة من التأويلات والتبريرات، مع جرعة من الإرهاب الديني الذي يتهدد الخارجين عنها.

وقد أعطى هذا مبررا لدعاة العلمانية كما يقول الدكتور محمد عمارة، للمناداة بإسقاط المرجعية الشرعية واعتماد العلمانية بدلا منها،لتنتظّم حياة الجميع وتمتنع مظاهر الاستبداد باسم الدين[9]، وإلا فإن المادة 21 من الميثاق العالمي لحقوق الإنسان[10]والتي تكررت في ميثاق القاهرة وجامعة الدول العربية ليس له أثر ملموس في الواقع السياسي[11] إلا عندما تكون مرجعية الدولة علمانية ، أو عندما تكون الدول آحادا وليست في شكل خلافة إسلامية.

وسوف استثني هنا الفكر الإباضي الوحيد الذي ألغى هذه العنصرية الحاكمة وقرّر انطلاقا من  قواعد الإسلام حق الشعوب في الولاية العامة وانتخاب الإمام بطريقة يصادق فيها الشعب على اختيار أهل الحل والعقد.

تعريف الحق :

لا شك أن اللغة واسعة المعاني تضع للفظة الواحدة معان عديدة تدور عليها، فهي بمثابة النجم الذي تدور حوله مجموعة من الكواكب، وقد اعتنى ابن فارس وغيره بهذا الجانب فاستجمعوا هذه المعاني تحت كل مصطلح، ومما قاله في تعريف الحق: ”  حق ” : الحاء والقاف أصل واحد ، وهو يدل على إحكام الشيء وصحته ، فالحق نقيض الباطل . ثم يرجع كل فرع إليه بجودة الاستخراج وحسن التلفيق ، ويقال : حق الشيء : وجب .”

وباستخدام طريقة حصر الدلالات المصطلحية في القرآن الكريم فإن لفظة الحق وردت في القرآن الكريم 288 مرة، تدور حول عدة معان حاول الراغب لأصفهاني جمعها في ثلاثة أوجه:

1) يقال لموجِد الشيء بحسب ما تقتضيه الحكمة ، ولهذا قيل في الله تعالى : هو الحق ، قال تعالى :” “ورُدّوا إلى الله مولاهم الحق” “[12].

2) يقال للشي الموجَد بحسب مقتضى الحكمة ، ولهذا يقال: فعل الله كلُّه حق ، ومنه قولنا: الموت حق ، والبعث حق ، ومنه ما جاء في قوله تعالى :” “هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نوراً وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق “””[13].

3) يطلق على الاعتقاد للشيء المطابق لما عليه ذلك الشيء في نفسه ، كقولنا: اعتقاد فلان في البعث حق ، ومثّل له بقوله تعالى : “فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق”[14].

4) إطلاقه على القول أو الفعل الواقع بحسب ما يجب ، ويقدر ما يجب ، وفي الوقت الذي يجب ، كقولنا: فعلك حق ، وقولك حق ، ومثاله قوله تعالى :” “كذلك حقت كلمة ربك” “[15].[16]

والمعنى المراد في بحثنا هو ما تضمنه الإطلاق الرابع، قال الجوهري :”وحق الشيء يحق بالكسر ، أي وجب ، وأحققت الشيء ، أي أوجبته “[17] وابن منظور في اللسان : ” وحق الشيء يحقُّ ، بالكسر ، حقاً: أي وجب ، .. . واستحق الشيءاستوجبه[18].

وقال الفيومي :” الحق: خلاف الباطل ، وهو مصدر حق الشيء من بابي ضرب وقتل إذا وجب وثبت ، ولهذا يقال لمرافق الدار حقوقها .. .  وفلان حقيق بكذا بمعنى خليق وهو مأخوذ من الحق الثابت”[19] .

أما في الاصطلاح فنقتصر على تعريف الدكتورمصطفى الزرقا : ” هي مجموعة القواعد والنصوص التشريعية التي تنظم على سبيل الإلزام علائق الناس من حيث الأشخاص والأموال”.

فهي مجموعة من المواد التي أجمع عليها المجتمع الإنساني بما يحقق تطبيقها مفاهيم العدل والحرية والسلام . وهي في الإسلام مصدرها خالق الإنسان، الذي يعلم ما يصلح الناس وما يحقق مصالحهم الدنيوية والأخروية : ” أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14)”[20].

    – ومن هم الذين يسعون إلى إعطاء هذه الحقوق ومنحها للناس ؟

عندما وضعت مواثيق حقوق الإنسان العالمية، لم تضع الدول الموقعة  جهةً مسؤولة عن تنفيذها، وإنما أوكلت ذلك للدول الأعضاء، وتتولى الأمم المتحدة متابعة ذلك، بينما تقوم المنظمات غير الحكومية بتتبع الانتهكات في الدول الأعضاء.

لكن الحق الذي يقرره الإسلام يصبح إلزاميا على كل إنسان ويصبح حقا مكفولا بحكم الشريعة الغراء، فالحكم لله، وليس للإنسان، وحالما تحلى هذا الإنسان بفضائل الأخلاق، وكان مربوط الصلة بالله؛ فإن هذا الحق سيصبح جزاء من صورته الإيمانية وسيكون عملا مفروضا لا يجوز انتهاكه، فللحق إذن في الإسلام وسيلتان للتطبيق: الأولى ذاتية تدخل في الأعمال الصالحة، وتعنون بها شخصية المسلم، والثانية أحكام لازمة بحكم الشريعة على الدولة والأفراد الرئيس والمرؤوس، المسلم والكافر.  ذلك لأن الحق اسم من أسماء الله الحسنى يكتسب ثابته ودوامه من الله،  ومن إطلاقاته في القرآن الكريم فإن هذه الحقوق تصبح صفة للمسلمين الأسوياءفهو “حقاً على المتقين”[21]، و “حقاً على المحسنين”[22].

“كما أن هذه الحقوق هي واجبات شرعية ملزمة ، فهي عبادات يؤجر على فعلها ، ويحاسب على تضييعها ، وهي تنظم في مجموعها علاقات الناس ومعاملاتهم وحياتهم الاجتماعية ، فأصحاب هذه الحقوق هم فئات مختلفة من المجتمع مثل: الآباء والأمهات ، الأيتام ، الجيران ، الأبناء ، المرأة ، وهكذا . ومن جهة أخرى : ترتبط هذه الحقوق بالضرورات الخمس ، التي جاءت الشرائع والرسالات بحفظها ، ذلك أن مصالح الناس الدنيوية والأخروية ، إنما تكون بحفظ مقاصد الشريعة ومنها هذه الضرورات ، فهي من الدين المشترك بين الأنبياء جميعاً ، يدل على هذا قول الله تعالى :” وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين .. ..  “[23] الآية ، وقوله : ” فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيراً،  وأخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل “[24]” [25].

وهذا المعنى هو الذي يخدم بحثنا كما أن الفئة التي تتولى إعطاء الحقوق لأصحابها والمحافظة على ذلك هم المحسنون، سواء فعلوا ذلك مع المؤمنين أم مع غيرهم، فيوسف عليه السلام نشأ في بيت العزيز ردحا من الزمن كان فيها ينعم بالرعاية والعناية الفائقه، فلما حاولت امرأة العزيز استدراجه للفاحشة اعترض بأن واجبه يقتضى المحافظة على حرمة صاحب البيت الذي أحسن إليه.ومبدأ الإحسان هذا كان يمارسه يوسف عليه السلام مع ثلاثة أصناف من المجتمع :

    – صاحب البيت الذي أحسن إليه : ” قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23)”

    – أصحابه في السجن الذين جمعتهم الصحبة والألم: ” .. . نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (36)”

    – المجتمع الذي درج فيه وعاش خيراته : ” قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55) وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (56)”

إن المرحلة العمرية التي قضاها يوسف عليه السلام قبل النبوة في الإحسان كانت المؤهل لاستلامه المنصب الإلهي: ” وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آَتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (22)”[26]

ومثل هذا ما فعله موسى عليه السلام مع بيت فرعون وأهله وحاشيته حيث كان غاية في الإحسان رغم نشأته في بيت يمثل قمة الظلم والجبروت : ” وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آَتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (14)”[27].

منهج البحث عن الحقوق في القرآن الكريم  :

في هذا المبحث سوف أستخدم منهجا أصيلا في رسم معالم المجتمع المسلم من خلال آيات الكتاب العزيز واستنبط دلائل هذه الحقوق وفق هذا المنهج لتقرير حق الإنسان في امتلاك أنصبته المقررة .

هذا المنهج الأصيل يتضح جليا في فهم الصحابة – رضي الله عنهم – للكتاب العظيم واقتناعهم بأن كل آية فيه تعطى حكما ربانيا عظيما تنتظم به الحياة وتحل به مشكلاتها .

يعتمد هذا المنهج على استنباط الاحكام من المشاهد الفصيحة للقرآن الكريم أحيانا، ومن الآيات الصريحة في موضوع البحث أحيانا أخرى، وذلك لأن علماء الأصول قرروا لاحقا عندما رست علوم الشريعة على شواطئها أن الأحكام الشرعية لا تستنبط إلا من آيات الأحكام ولربما كان ذلك في بداية الأمر من أجل التسهيل على الطالبن لكنه تترجم لاحقا في شكل تفاسير مختصة بآيات الأحكام، ومشتغلة بنصرة قول المذهب على غيره،[28]

إلا أن هذا الاتجاه واجه معارضة من قبل عدد من الأصوليين كـالإمام الشوكاني الذي قال : : (ودعوى الانحصار في هذا المقدار إنما هي باعتبار الظاهر، للقطع بأن في الكتاب العزيز من الآيات التي تستخرج منها الأحكام الشرعية أضعاف أضعاف ذلك، ممن له فهم صحيح وتدبر كامل يستخرج الأحكام من الآيات الواردة لمجرد القصص والأمثال)[29]والواقع أن الصحابة – رضي الله عنهم – مارسوا استنباط الأحكام من آيات وردت مورد القصص وآيات أخرى جاءت في سياقات مختلفة ، وقد أقر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بعضها في حياته ، بينما حظي البعض الآخر باجماع الصحابة وأصبح حكما تقوم عليه أركان الدولة .

والأمثلة على ذلك باختصار :

    1- اعتبار ستة أشهر هي أقل الحمل، وقد أخذ الصحابة ذلك من قوله تعالى: ” وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (15)”[30]

    2- اعتذار عمر رضي الله عنه عن تقسيم سواد العراق بين المجاهدين، واحتج لذلك بآيات الحشر، رغم أنها ليست نصا في الموضوع، لكن الصحابة رضي الله عنهم يعتبرون الإشارات المنهجية في القرآن الكريم تشريعا إلهيا، والآيات التي احتج بها عمر رضي الله عنه تعطي حقوقا للإنسان الذي سيأتي؛ على اعتبار أن هذه الحقوق حدمة للإنسان عبر العصور المختلفه، واستنبط –  رضي الله عنه– ذلك من تقسيم الله تعالى للناس  في الفيء إلى ثلاثة أقسام ذكر من ضمنهم أوليك الذين يأتون من بعدنا فقال سبحانه ” وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (10)”[31]

هذا فضلا عن دقة الصحابة – رضي الله عنهم – في فهم مقاصد الشريعة وتتبع مناطات الأحكام كما في حد السرقة وسهم المؤلفة قلوبهم .

حقوق الإنسان : الأهمية والمرجعية .

يجب أن نقرر بداية أن الإسلام – كما تدل عليه نصوص الكتاب والسنة – يبارك هذا الاجتماع العالمي لحقوق الإنسان ويحث الدول كلها على التوقيع والإلتزام، وبغض النظر عن ازدواجية معايير التطبيق عند الدول الكبرى فإن هذا الميثاق العالمي يظل حاجة إنسانية فعلية، ففي القرآن الكريم بيان فصيح لهذه المعاني، وتوجيه كثيف بضرورة أن تتكاتف البشرية بمختلف دياناتها في تحقيق الأمن الاجتماعي والغذائي والاقتصادي والعيش الكريم لكل إنسان، بغض النظر عن انتمائه العرفي أو الديني أو الطائفي أو اللون والجنس .. .. ..

ففي سورة يوسف ستواجه مصر – غير المسلمة – محنة غذائية شديدة يمكن أن تعصف بحياة ملايين البشر، لكن الله تعالى سيرسل نبيا كريما يدير دفة الأزمة، ويخرج بمصر سالمة من هذا المستقبل الكئيب ” ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ (48)”[32]، وها هو يوسف عليه السلام يتقدم للحصول على منصب وزير المالية والاقتصاد في دولة  رئيسها كافر لا يؤمن بالله : ” قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55)”، والأرض التي يتمتع بخيراتها لا يمثل فيها سوى وزير للمالية، أما ملكيتها وحكامها فليسوا بمؤمنين، لكن القرآن الكريم يعتبر يوسف عليه السلام مواطنا يخدم أخاه الإنسان ويرعى حقوقه، بعيدا عن هذه الانتماءات ” وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (56)”[33].

ويتكرر المشهد في القرآن الكريم عندما يقترب ذو القرنين عليه السلام من مجموعات بشرية تعاني الظلم والقهر، وتتعرض لحرب إبادة من يأجوج ومأجوج، لم تكن تلك المجموعات مؤمنة ولم تكن مهينة أيضا، فطلب الحماية من ذي القرنين كان مشفوعا بتقديم الخراج ” فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94)”[34]، وسوف يتجلى هنا موقف إنساني نبيل، وموقف سياسي إيماني كريم، فلم يشترط عليهم الإسلام أولا، كما تتوهم بعض الجماعات الإسلامية اليوم، ولم يشترط الولاء السياسي أو العوائد المالية كما تفعل الدول الاستعمارية الراعية لحقوق الإنسان أيضا، بل قال :” مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95)”[35] ، وانتهى المشهد الإنساني النبيل بعريضة الاعتراف لله والخضوع بين يديه ” قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98)”[36].إن الذي تربى على المعاني الايمانية سيجعل للإنسان اعتبارا كبيرا، ويرفض أن يكون الانتماء الديني فرصة لإهانة كرامة الإنسان أو سلما للوصول إلى امتلاك النواصي والسيطرة على مقدرات الشعوب .

إن ثمة فارق بين تمتع الإنسان بحقوقه كاملة وبين مواقفه الإيمانية أو السياسية أو الثقافية،  فلا يجوز أن يحرم من أي حق بهذه المواقف ما لم يأت بجرم تنص الشريعة على عقابه به ، ففي المدينة يكشف القرآن الكريم صور المنافقين وأفعالهم ويحذر المسلمين من تصرفاتهم، لكنه لم يؤصل لقطيعة أو حرمان حقوق، وظل المنافقون يعيشون حياة كريمة في زمن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وخلفائه من بعده، حتى في عهد عمر – رضي الله عنه – الذي كان يعرف أسماءهم عن طريق حذيفة بن اليمان – رضي الله عنه – لم يتخذ أي إجراء يهدف إلى تعذيبهم أو حرمانهم من الحقوق، وقد كانت الآيات تتنزل بفضائح أعمالهم دون أن تسميهم، أو تدعوا إلى تصفيتهم بأيدي المؤمنين، وكثيرا ما تصور الآيات مشاهد تحركم في المجتمع دون أي عائق أو مانع سوى الحذر من أفعالهم ” وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (4)”[37].

كل هذه المعالم القرآنية لتأصيل حقوق الإنسان وضرورة تكاتف البشرية على التوقيع عليه والالتزام به يتجلى واضحا في قول النبي – صلى الله عليه وسلم – :” «لقد شهدت في دار عبدالله بن جدعان حلفًا، لو دعيت به في الإسلام لأجبت، تحالفوا أن يردوا الفضول على أهلها، وألا يعد ظالم مظلوما”[38]، وفي موضع آخر قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : ” شَهِدْتُ حِلْفَ بَنِي هَاشِمٍ ، وَزَهْرَةَ ، وَتَيْمٍ ، فَمَا يَسُرُّنِي أَنِّي نَقَضْتُهُ وَلِيَ حُمْرُ النَّعَمِ ، وَلَوْ دُعِيتُ بِهِ الْيَوْمَ لأَجَبْتُ عَلَى أَنْ نَأْمُرَ بِالْمَعْرُوفِ ، وَنَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ وَنَأْخُذَ لِلْمَظْلُومِ مِنَ الظَّالِمِ”[39]. كما بيّن النبي صلى الله عليه وسلم أن تحالف الأمم على الخير سوف يجد من الاسلام مسارعا إلى اعتباره وتأييده ورفده بالقوانين التي تساعد في إنجازه، ”  وأَيُّمَا حِلْفٍ كان فى الجاهلية لم يَزِدْه الإسلامُ إلا شِدَّةً “[40]

     ولأجل هذه المعاني وتأكيدا لهذه الاتفاقيات تصدر في المدينة أول وثيقة تعايش بين البشر بمختلف انتماءاتهم الدينية وأعراقهم، وتتجاوز الآيات بعد تلك الوثيقة كل الآلام التي يسببها اليهود للمسلمين؛ لتقرر وجوب حصول الجميع على الحق رغم المكائد، وترسم صور العدالة بين المسلمين واليهود بعيدا عن نوازع الانتقام أو الرغبة في التشفي.

 إن حقوق الإنسان يجب أن تتجاوز كل الاعتبارات الجنسية أو العرقية أو الدينية لتأخذ العدالة مجراها ، فلن يكون زيد بن السمين ضحية تآمر بعض المسلمين بسبب انتمائه الديني، بل قال القرآن الكريم ” إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا (105) وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (106) وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا (107) يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا (108) هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا (109) وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا (110) وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (111) وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (112)”[41].

وتتوالى المشاهد من هذا النوع ليكون مسك الختام تلك الخطبة الوداعية في يوم عرفة حيث يتجمهر المسلمون المطالبون بتبليغ هذه الحقوق ” (إِنَّ دِمَاءَكُمْ، وَأَمْوَالَكُمْ، حَرَامٌ عَلَيْكُمْ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا. أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ، تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوعٌ، وَدِمَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ، وَإِنَّ أَوَّلَ دَمٍ أَضَعُ، مِنْ دِمَائِنَا؛ دَمُ ابْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ .. .. ) “لقد كان محفلاً هائلاً، وتجمعاً غير مسبوق، تجلت فيه عزة الإسلام، وكمال الشريعة، وتمام النعمة، فلا غرو أن يتم الإعلان فيه عن مقاصد الإسلام، وبيان حقوق الإنسان الحقيقية، كما أعلنها نبي البشرية، في عرفة، قبل أنيسطرها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، بعد هذه الإعلان الإيماني، بنحو أربعة عشر قرناً، عام 1948م، في جنيف”[42].

عندها يكون الدين قد اكتمل وآن للبشرية أن تستعد “الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ “[43].

المرجعية .

كثير من الذين كتبوا في حقوق الإنسان بصوره تجريديه يعودون بالحقوق إلى عالم المتغيرات السياسية والإجتماعية في المجتمع الأوروبي، ابتداءا من الإعلان الإنجليزي الذي صدر عن البرلمان عام 1689م على إثر الثورة البرجوازية ضد الإرستقراطية، مرورا بإعلان استقلال أمريكا 2/ أغسطس/ 1776م وانتهاءاً بالإعلان الفرنسي لحقوق الإنسان في 26/أغسطس/1789م ، قبل أن تعلن الجمعية العمومية في الأمم المتحدة وثيقة حقوق الإنسان عام 1948م.

أما من الناحية الفكرية فإن فلاسفة الغرب الذين رسموا صورة التغيير التدريجي في العالم الغربي سيحضون بالنصيب الأكبر من التنظير لحقوق الإنسان من أمثال : جون لوك 1704م، والفرنسي مونتسكيو 1755م في كتابه “روح القوانين”، ونظيره جان جاك روسو في “العقد الإجتماعي”، ثم الألماني عمونتييل كانت 1804م .

ونرى أنه من الطبيعي أن يقوم هؤلاء الفلاسفة بمثل هذه الحملة التنويرية فيما يتعلق بحقوق الإنسان لأن العالم الذي عاشوه كما يقول الشيخ محمد الغزالي استحكمت حلقاته،       فــ” كانت الكنيسة قد حكمت على العقل بالسجن المؤبد ونفذت حكمها، وكانت قد حكمت أيضا على التسامح بالعقوبة نفسها ونفذت حكمها، وخمدت جذوة التسامي في النفس الإنسانية تحت وطئة هذه الظروف الخانقه ..  “[44]، لكن من الصعوبة أيضا أن نقرر بأن أصل وضع هذه الحقوق دسيسة يراد بها الإجهاز على ما تبقى من العالم الإسلامي بعد استعماره، واستبداله بوثيقة الحقوق هذه، كما يذهب إلى ذلك محمد مهدي شمس الدين[45]. ولربما الذي دفع بعض المفكرين إلى هذا الإعتقاد أمران: الأول هو جعل ضمير الجماعة مصدرا لهذه الحقوق، والضمير المعاصر الذي يتحدث في قضايا الحقوق هو الضمير الغربي، ولديه معايير معينة في التعامل بها سياسيا. والثاني: هو نسبية هذه الحقوق الزمانية والمكانية، مما يجعل مسألة الإختلاف فيها طبيعة إنسانية لأن المصدر إنساني بحت، ومن طبيعة الإنسان الاختلاف؛ فالحرية مثلا قد تكون سياسية وقد تكون اجتماعية وقد تكون جنسية، وبحسب المفهوم الغربي تكون الحرية جنسية أيضا، وهو ما لا تتفق معه الديانات السماوية، وعليه فإن الدول المسلمة لن تكون بعيدة عن الملاحقة القانونية إذا ما تدخلت في الحريات الجنسية، وهو ما جعل مؤشرها في سلم الحقوق يتأرجح بناء على هذا[46].

    والمقلق حقا في موضوع الحقوق العالمية الدولية،  هو صياغتها مجردة من أي مرجعية دينية سوى تلك التي يرون أنها حق مطلق للإنسان، رغم أن المواثيق الشرقية والغربية السابقة عليها تنص في الكثير من عباراتها على المرجعية الدينية وتعطى الحق المطلق لله وحده، لكن موجة الإلحاد تغلّبت في نهاية النصف الأول من القرن العشرين عندما وضعت عريضة الحقوق .

وقد كان من الطبيعي أن يسمح هذا الحق المطلق للإنسان في امتلاك كل ما تهواه نفسه وإزالة كل العوائق التي تفرضها الأديان والأخلاق كالزواج المثلي أو بدون أي اعتبار للدين ويأتي ذلك تأكيدالما تفرضه الطبيعة نفسها من استخدام مبدأ القوة في استيفاء القوى، وهي نظرية غربية يتراوح تطبيقها بين سياسة الغرب بقوة الحديد كما يقول هتلر : ” لم تقم دولة قط على الاقتصاد السلمي، بل كانت الدول ولا تزال وليدة غريزة حب البقاء، بقاء العرق، سواء تجلت هذه الغريزة في الحقل البطولي، أو في مضمار الحيلة والدسيسة”[47]

أو سياسة الامبريالية السلمية كما ينظر لها برنارد لويس[48]. وهو الأمر الذي أكده الرئيس الإمريكي السابق جورج بوش حينما قال بأن النظام العالمي الجديد هو الوجه الجديد للاستعمار، وعبارته بالتحديد : ”  “إن استخدام القوة بحكمة يمكن أن يعود بالخير العميم.[49]”

ورغم محاولة عدد من المنظرين التفريق بين الحق الطبيعي والحق المدني كنوع من الضبط للفردانية المطلقة ، كما يوضح ذلك محمد مشكور، وكما يؤكد عليه عز الدين الخطابي في تحليله للمقارنة التي قدمها سيينوزا[50] إلا أن الممارسات الغربية لا تزال تستخدم الحق الطبيعي بصور مختلفه .

         والخلاصة فإن حقوق الإنسان يصفتها التجريدية مكرمة إلهية عظيمة توج بها الإنسان وهو لا يزال خلق طري عندما زوده الله تعالى بالمادة العلمية التي تمكنه من تسيير الحياة وتجعل له الأفضلية على الملائكة الكرام – عليهم السلام – ” وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31)”[51].

إن أصل خلق الإنسان كما يصوره القرآن الكريم أن يكون كريما سعيدا يتمتع بكل الهبات الإلهية في السماوات والأرض على قدم سواء، ولذلك فإن مسكنه الأول كان الجنة وفيها تلقى هذا الخطاب ” إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (118) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى (119)”[52]، وعندما تقرر هبوطه إلى الأرض زوّده الله تعالى بما يستبقي له هذه الكرامة والسعادة “قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123)”[53]وهو منهج إلهي رافق الإنسان عبر الشرائع الإلهية منذ خلقه، أما من يتنكب الطريق ويتبع الهوى ” وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124)”[54]على أن هذا الضنك يشتغل على الجانب النفسي من حيث خواء الروح، عندما تتسلط الأهواء وينتشر الاستبداد ، وما عدا ذلك فإن الإنسان يمكن أن يعيش كريما يتمتع بحقوقه كلها حتى ولو كان كافرا وأفصح دليل على منح هذا الحق تنص عليه هذه الآيات ” مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (18) وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (19) كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (20)”[55] .

نماذج من الحقوق في القرآن الكريم :

يحسن بنا بدايه – كما تقدم – أن نقرر بأن الحديث عن الحقوق لا يأتي كردة فعل تبحث للإسلام عن أماكن بين سطور الميثاق العالمي لحقوق الإنسان إنما هي حقوق تقررت في دين الله يوم خلق السموات والأرض حيث كان الحق أساس هذا الخلق ، “وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآَتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (85)” الحجر ، وفور هبوط هذا الإنسان إلى الأرض كانت المناهج الإلهية التي تدعم عيشه في الأرض وتوفر له كل متطلبات الحياة الكريمة تتنزل بالحق أيضا ابتداء من آدم عليه السلام ” ”  وانتهاء بالنبي صلى الله عليه وسلم” يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآَمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (170)” النساء،.

وإذا كان المسلمون أخفقوا سياسياً في استيفاء هذه الحقوق الإنسانية فإن العلماء الأجلاء كانوا يطوروها منهجياً ويضعون لها مسميات تحقق لها روح الشريعة فسمّيت بالضرورات الخمس ( حفظ الدين، والنفس، والعقل، العرض،  والمال)، وتحت ظلها تم مناقشة الحقوق المقررة للإنسان الضروري منها والحاجي والتحسيني؛ انطلاقا من أن الشريعة جاءت بحفظ مصالح العباد ودفع المفاسد عنهم، وبمثل هذه الرؤية الشمولية لحقوق الإنسان كان يحكم المسلمون ” وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (181)”[56].

ولذلك فإن الحديث عن هذه الحقوق يجب أن يكون مؤطراً بإطار الشريعة مستمداً منها كل ما يتعلق بهذه الحقوق، وهذا يعني أننا لسنا مضطرين إلى محاولة إضفاء الشريعة على بعض المواد الصادرة في الميثاق العالمي لحقوق الإنسان؛ لأنها تخالف الشريعة أصلاً، كما أننا لسنا مضطرين إلى نقد ثوابت الشريعة أيضاً والتماس الأعذار لوجودها بادعاء نسخها تارة أو تأويلها تارة أخرى. وفي السطور القادمة ايجاز لبعض الحقوق التي تقررت للإنسان في القرآن الكريم:-

    1- الحرية وكرامة الإنسان .

تنطق آيات القرآن الكريم بفصاحة بيّنه بكرامة الإنسان واعتباره الخلق الذي كرمه الله وأسجد له ملائكته، وقد نظمت هذه الآيات مشاهد متتالية لمسلسل خلق الإنسان وحياته المستقبلية ( المنشأ والخروج ، والعودة ) وبدأت :

    إرادة إلهية في إبداع مخلوق الجديد ، وإعلام الملأ الأعلى بهذا الحديث العظيم ” وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (28) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (29)”[57].

    اكتساب المعرفة الأولى عن نمط الحياة الحضارية ذات القصور والأنهار وكافة أنواع الإبهار من خلال دخول الجنة، وفيها كل مظاهر الحضارة التي سيمنح الإنسان لاحقا القدرة على ابتكار أشباهها ” وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35)”[58]، وهذا بخلاف اعتقاد العقلية الغربية أو الشرقية التي لا تخرج بالإنسان من دائرتين إما لأن أصله “قرد” أو أنه ظهر في بداياته بشكل بدائي لا يعرف حتى ستر عورته[59]..

    اخياره ليكون خليفة الله في الأرض ” وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30)”[60].

وفي الكرامة الإنسانية ستذوب كل الفوارق المفتعلة بين البشر، ابتداء من الدين نفسه ثم الجنس واللون والعرق والطائفية والحزبية، فلا فرق بين هذا وذلك في الإعتبارات القانونية والتقاضي والمثول أمام المحاكم.

ومنذ القدم كانت المجتمعات البشرية تمارس ضد الطبقات الضعيفة أنواعا مختلفة من الإهانة والعنصرية، لكن آيات الله تعالى المتنزلة على الرسل الكرام ترفض هذا التمييز، وتأبى أن تجعل له اعتبارا في مسيرة الدعوة بالحق، وقد سجل القرآن الكريم هذه المشاهد بفصاحة تامة،  فمنذ عهد نوح عليه السلام كان قومه يعتبرون بعض أفرادهم شرذمة من الناس ليس لهم في المجتمع وزن معتبر، ولذلك طالبوا أولا بطردهم، فأصحاب المكانة الإجتماعية لا يمكن أيكونوا مع الوضيعين في قرن واحد: ” قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ (111) قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (112) إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ (113) وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ (114) ” الفرقان.

وظلت البشرية منذ تلك القرون تمارس نفس النظرة الدونية للضعفاء، ففي عهد نبينا صلى الله عليه وسلم يسجل القرآن الكريم مشاهد مع زعامات قريش حينما يعتبرون مثل بلال وصهيب وابن أم مكتوم وغيرهم طبقات دنيا فينزل القرآن الكريم لإنهاء هذا التميز “عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى (4)”[61]، ” وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28)”[62].

وأجوبة القرآن الكريم وتوجيهاته تؤصل لمبدأ المساواة، وتضع نهاية سحيقة لكل أشكال التمييز والعنصرية، تمهيدا لحق التقاضي والمساواة أمام القانون، فالبشر جميعا من أصل واحد، يعيشون في الأرض للتعاوف والتآلف، وبينهم حقوق متساوية، وتبقى الأفضلية الأخروية لأهل التقوى: ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)”[63].

وعلى هذا الأساس فلا يجوز التمايز على أساس العرق أو الجنس أو اللون، بل وحتى الدين، فالجميع بشر من الدرجة الأولى، لا يصح أن يسخر بعضهم من بعض أو يتنابزوا بالألقاب: ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11)”[64]، وتنكير ” قوم ” لتشمل الناس جميعا بمختلف أطيافهم ودياناتهم.

    وقف الرق:

والحرية تقتضي وقف أشكال الرق، ورفض الاسترقاق تحت أي شعار، فالحرب التي كانت مصدرا للرق في القديم من خلال الأسر، جاء الإسلام ليجعل للأسرى منافذ أخرى تعيدهم إلى أوطانهم بالعفو أو الفداء :” فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4)”[65]، وقد وفر الإسلام تعاليم كثيفه لإنهاء حالة الرق في المجتمعات المسلمة، عبر جملة من التعاليم، بعضها يتعلق بالعتق المباشر كالكفارات: ” وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3)”[66]، وآيات كفارة العتق تشمل اليمين والقتل، والعمل الصالح الذي يتقرب به الإنسان إلى الله: ” فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (16) ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17) أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (18)”[67].

وبعض هذه التعاليم يتعلق بالترغيب في المكاتبة حالما قرر الرقيق أن يعود إلى حياة الحرية، فكأن الأمر أصبح بيده، متى ما طلب الحرية بالمكاتبة فله ذلك مع حث الأسياد أن يبذلوا من أموالهم لمساعدة طلاب الحرية “.. . وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآَتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آَتَاكُمْ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ (33)[68].

     لقد جاء القرآن الكريم ليعالح واقعا كانت تعيشه البشرية امتهنت فيه قنص الناس وسوقهم إلى أسواق الرقيق، سواء كان ذلك في الغارات والحروب أو بالعثور عليهم في قوارع الطريق، فأخوة يوسف عليه السلام كانوا على علم بأن أخاهم سيباع وينتهي أثره عندما تمر عليه سيارة من الناس” قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (10)”[69] ويصور القرآن الكريم موقف الضمير الإنساني عند تلك الأمم عندما تجد هذه السيارة طفلا صغيرا وديعا في بئر عميق فيصيح واردهم “وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلَامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (19) بدلا من أن يقول ” يا أسفى هذا غلام” وما إن ضموه إلى الراحلة حتى شروه ” بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ (20)”[70] وكما يقول العمانيون “بيع اللص مخلص” وفي السجن يكون من هؤلاء الرقيق أثنان أيضاً ضمن مجموعات تزحم القصور “يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الْآَخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ (41)”[71]

لقد جاء الإسلام ليعالج هذا الواقع المرير ويجعل حدا لهذا النزف الإنساني المهين فيبدأ يرفع مستوى الرقيق إلى مستوى الأحرار وهو ما عجل بنهاية الرق حيث كان المقصد منه الطبقية العرقية، فلما انتهت لم تكن هناك حاجة إلى احتضان من يتساوون مع غيرهم في الحقوق والواجبات.

أما بقاء صور الرق والرقيق آمادا في بلدان المسلمين إنما يعود إلى رغبة الدول التي تعاقبت عليهم في استرقاق الناس بغير وجه حق، وسوق الإماء إلى قصور الأمراء حتى وإن كن مسلمات، وذلك هو الذي استبقى ظاهرة الرق في عالم المسلمين حتى توقيع اتفاقية حقوق الإنسان عام 1948م، ثم اتفاقية جنيف في معاملة أسرى الحرب عام 1949 م[72] .

    2- حرية اختيار الدين .

يؤصل القرآن لهذا الحق، ويعتبر الإنسان بعد أن حصل على كافة وسائل الإدراك حرا في اختيار دينه، فبعد أن عدد الله تعالى أنعامه على الإنسان ليكون قادرا على الإدراك ” أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ (9) “[73]،  منحه حرية اختيار الدين بعد قيام الحجة عليه ” وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (10)”[74] ، ” إنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (2) إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)”[75]. ولسوف يتمتع بحياة كريمة حسب ما يشتهي من هذه الدنيا، ولن يكون اختياره الخاطئ سببا في حرمانه من الأرزاق المقررة له ” مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآَخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ (20)”[76]، ” كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (20)”[77] ، كما سيحظى بحصانة شرعية تمنع اجباره على الإيمان ” لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256) “[78]، وترفض في الوقت نفسه أن تمنح أي سلطة دينية لأي شخص كان- نبيا، أو حاكما، أو فردا من المسلمين-  في إكراه أحد على الإيمان ” وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (99) “[79]، وإنما تقتصر أدوار هؤلاء على الدعوة والتذكير من غير استخدام أي أسلوب سياسي أو فكري يرهب المدعوين ” وَإِنَّا عَلَى أَنْ نُرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ (95) ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ (96)”[80]، ” فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ (22)”[81].

كما ستتمنع معتقداتهم وآلهتهم بحصانة أخرى تمنع المسلمين من الاعتداء عليها بالقول ” وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (108)”[82]، بل حتى في المجالس الخاصة التي يتناول فيها هؤلاء الناس الرموز المقدسة فإن الذي يطالب به المسلم حينئذ هو الانصراف ورفض المشاركة في الحديث، حتى لا تكون العاطفة الدينية مادة للصراع؛ فيهلك الحرث والنسل، وإذا عاد الناس إلى حديث آخر فلا يمنع شيء من العودة إليهم ومواصلة الحوار في القضايا الأخرى، يقول سبحانه ” وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (140)”[83]. إلا أن الذي يمنع منه هؤلاء هو الإرجاف الفكري والعقدي والسياسي، واستقطاب المؤمنين إلى حوزاتهم “لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا (60)”[84]، فليس هناك مانع أن يعيش المنافقون وأصحاب الديانات الأخرى في الدولة المسلمة، ويتمتعون بجميع الحقوق، لكن محاولة إفساد هذا النظام وإرباك المشهد الآمن يعد انتهاكا لحق الجماعه وطلبا للوقيعة بينهم ” وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ (46) لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (47) لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ (48)”[85]

وما عدا ذلك فإن الاحترام يجب أن يظل متبادلا، وعلى المسلمين أن يستخدموا أقصى درجات الحكمة في دعوة غيرهم دون السماح لأي انفعال عاطفي أن يخرج عن اللياقة الأدبية أو الحكمة، وسواء فعلوا ذلك مع الذين يعيشون في أوساطهم أم الذين يمتلكون دولا مستقلة ” لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8)”[86].

إن حرية الدين واختيار المعتقد في الإسلام تعدت موضوع الاختيار المحض إلى احترام المقدسات لدى الشعوب ليس لأنها تمثل الحق أو لأن احتمالية صدق اعتقادها وراد؛  كلا وإنما لأن وظيفة الإسلام بيان الحق وإقامة الحجة، والداخل فيه محتاج إلى تمثل كل القيم الإنسانية والأخلاقية الواردة فيه، ولا يمكن أن يفعل ذلك إلا من دخل فيه طواعية وعن قناعة تامة، أما الذين يتم إرهابهم بالسيف أو إرغامهم بأي نوع من الضغوط الساسيسة أو الاقتصادية فإن هؤلاء لن يكونوا عناصر مفيدة في المجتمع الإسلامي.

أما ظاهرة المنافقين في الصدر الأول من الإسلام فقد كانت خيارا اجتماعيا لدى شريحة من الناس أرادت أن تحافظ على مكاسب من الأطراف المحيطة، فمن ناحية تتمسك بالعلاقة مع اليهود وهم أرباب الاقتصاد آنذاك، ومن ناحية أخرى محاولة الاندماج في المجتمع الجديد دون فوارق دينية ظاهرة، ولربما وجد البعض أن حرمانه من اللذائذ الشخصية التي كان يتمتع بها يشكل له مشكلة كبيرة، فقرر أن يبقى باطنيا في حالة الكفر وظاهريا في حالة الإيمان ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52)”[87]،  ” إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (2)”[88]. على أن أحدا من المسلمين لم يمارس أي نوع من الضغوط على هؤلاء ليسلموا، ولو عاشوا كفارا يعرف المسلمون أحوالهم لكان ذلك خيرا لهم، لأن النفاق سيسبب الكثير من القلاقل في الوسط الإسلامي من جهة وسيكون أشد عذابا على صاحبه من الكفار يوم القيامه ” إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145)”[89]

معالجة البنود المتعلقة بهذا الحق:

تشغل مادتان مهمتان اهتمام كثير من الباحثين المستنيرين ويتساءل كثير منهم عن مستقبل العالم الإسلامي في ظل الاصرار على انتهاكما، ويزخم غير قليل من الآيات والأحاديث التي تبرر للدول انتهاكها ورميها بعيدا عن خصوصيات كل فرقة مسلمة ترى أنها على الحق وأنها الفرقة الناجية .

 – المادة 18:

لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين، ويشمل هذا الحق حرية تغيير ديانته أو عقيدته، وحرية الإعراب عنهما بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر ومراعاتها سواء أكان ذلك سراً أم مع الجماعة.

المادة 19:

لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية.

اعترض المسلمون على جزئية من المادة 18، فتغيير المسلم لدينه ليس مقبولا، وقد يترتب عليه حكم يعده المسلمون حدا من حدود الله، ثبت بالسنة النبوية المطهرة، وهو القتل بعد الاستتابه، وقد خاض الكتاب المسلون جدلا عميقا في حد الردة هذا، إلا أن القرآن الكريم لم يتعرض لتشريع مباشر إلا ما ورد في السنة وهو مثار جدل وبحث. والسنة مستقلة بالتشريع بجانب مهمتها في التخصيص والتبيين والتقيد، لكن الخلاف بين العقلاء ليس في ورود حد المرتد في السنة إنما في ثبوت دلالاته أو ثبوت نصه، ويمكن أن ييسر الله لي بحث هذا الموضوع لاحقا بحول الله.

      أما التمييز على أساس الانتماء المذهبي فإنه قديم في الأمة وكان المؤمل أن يكونوا في هذا العصر قد وصلوا إلى قدر جيد من الوعي، وتمثلوا قيم الإسلام التي أصبحت في متناول الصغار والكبار، لكن المؤسف أنها عادت إلى السطح بقوة، وعبرت عن وجود مشكلة لا تزال قائمة ومعقدة، ففي 17 ديسمبر 2010م، تفجرت ثورة عربية على أنظمة الاستبدادات والقهر، ونادت الشعوب بحريتها ، وتكاتفت من أجل استعادة حقوقها. إن زمن الاستبداد قد ولى وحان للمسلمين أن يقولوا للعالم أننا هنا ولن نرضى أن نذل أو نهان . وما إن توسعت دائرة الثورات وتمكن عدد من دعاة الإسلام من الحصول على أنصبة سياسية مرموقة حتى تعالت الأصوات المذهبية لتحرك السياسية من أوسع أبوابها طالما توقفت الأهلية القيادية بمعانيها الكاملة أو الناقصة .

وبدأت الطائفية من جديد ، وبدأ تصنيف الناس حسب مذاهبهم من حيث المناصب والمراتب بل من حيث التعاون السياسي والاقتصادي والثقافي، ولا أريد هنا أن أضرب أمثلة – بعيدا عن الحساسيات – إلا أن هذه العنصريات الطائفية تحولت فيما بعد مادة للصراع أو قتلا على للهوية ، واختفت تدريجيا دوافع الثورات العربية .

وحتى تلك الجماعات التي تدور أفلاكها حول الأصل المذهبي فإن عددا من العلماء سوف يستخدمون ذخيرة احتياطية في قصفها مثل “الضالة” “المبتدعة” “المنحرفة” ويصبح أفراد هذه الطائفة السياسية مواطنين من الدرجة الثانية ولن يسمح لهم بممارسة أي حريات فكرية أو سياسية .

إن كل هذا يثير جدلا ليس بالقليل حول استيعاب العالم الإسلامي للبند الثاني من مواثيق حقوق الإنسان وسوف يدفع عددا من الكتاب إلى المناداة بمراحعات علمية حول الفهم الصحيح للآيات التي تؤصل حرية الدين والمعتقد[90]، وتضع الأطر المناسبة لانتشار هذه الحريات في داخل المجتمع الواحد،  بينما ينادي البعض بضرورة تحكيم العقل واعطائه القدرة على نسخ عدد من الآيات التي تصادر حسب ظنه هذه الحقوق مثل محسن كديور[91] ، أو إلغاء تشريعات المدنية وإقامة تشريع إسلامي متطور ينسجم مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان كما ينادي بذلك السوداني محمود محمد[92].

 إن مصطلح الحقومن أحق بهيتردد في سياقات إسلامية كثيرة إلا أن غالب استخدامها يتجه إلى إثبات أمر ما بالدليل القطعي أو الراجح كما ينظر إليه صاحبه، وعلى هذا فإن المخالف لهذا الراي على باطل لايقبل الجدال، ولا يفوت كثير من الكتاب أن يضع لمسة من الإرهاب الفكري تلاحق من يخالف الحق الذي استقر عنده. وهو أول تحول في دلالات الحق والحقوق في الفكر الإسلامي.

وقد كان هذا الدفع القوي في اتجاه إفحام الخصم واحدا من مشكلات الحقوق وتطبيقاتها في العالم الإسلامي، حيث سيصنف المبطل مواطنا من الدرجة الثانية، ولن تشفع له استحقاقاته الشرعية لأنه سيغلب دائما في حقه الباطل الذي يتبناه، والبدعة التي يلبسها، وليس أدل على ذلك من تصنيفات كتب الجرح والتعديل، وتقسيمها للناس على أساس المواقف السياسية أو السنة والبدعة.

لقد حاول الكتّاب المعاصرون البحث والتنقيب في صفحات التاريخ إلا أنهم لم يجدوا ما يساعدهم على نفي التهمة عند المسلمين في انتهاك حقوق الإنسان بمجرد الإنتصارات المذهبية ، لكن غالب هؤلاء المؤرخين لم يتطلعوا على الدول الإباضية التي قامت وقد انتشر فيها العدل والمساواة والحرية واختفى التفريق المذهبي منها تماما، حتى قال المؤرخ المغربي عبدالله العروي وهو يتحدث عن هذه الحقوق ” لو قدر للدولة الرستمية أن تستمر لكنا اليوم أفضل من أوربا “[93].

وليس هذا التطبيق سوى ثمرة التنظير الفقهي الدقيق عند علماء الإباضية في التعامل مع المخالف مذهبيا سواء عاشوا في دولته أو عاش في دولتهم، ففي كتاب “الدليل والبرهان” وهو يحكي أبو يعقوب الوارجلاني منهج التعايش عن الإمام الربيع بن حبيب، الإمام الثالث في المذهب الإباضي: ” وكذلك ما بيننا وبين المخالفين من الأحكام، أن كنا تحت أيديهم وجرت علينا أحكامهم، ولو خالفوا في الأحكام مذه بالمسلمين- أي الإباضية-كما أن ليس علينا أن نمنع من أحكامهم إذا أجروها علينا في جميع ما لم نقطع عذرهم فيه ” .

ويضيف قائلاً :

“وهل يسعنا أن نمنع لهم أني أخذوا من أموالنا ما وجب علينا من الزكاة والعشر والفطرة؟

ويجيبب قوله :

” فليس لنا ذلك ويجزئنا عندالله، وليس علينا إعادة”[94].

وقد بلغ من تسامح الإباضية أن مكنوا المدارس الأخرى من تأسيس مساجد لهم ورُبَطا وزوايا يتمكنون خلالها من ممارسة حريتهم الفكرية والعقدية، يقول ابن الصغير المالكي: ” ليس أحد ينزل بهم من الغرباء إلا استوطن معهم وابتنى بين أظهرهم ، لما يرى من رخاء البلد وحسن سيرة إمامه وعدله في رعيته ، وأمانه على نفسه وماله ، حتى لا ترى دارا إلا قيل هذه لفلان الكوفي، وهذه لفلان البصري ، وهذه لفلان القروي، وهذا مسجد القرويين ورحبتهم، وهذا مسجد البصريين، وهذا مسجد الكوفيين .. . “[95]، وشرح هذا يطول.

    3- حق التقاضي والمساواة أمام القانون:

ففي جانب التقاضي أمام المحاكم سيكون الجميع سواسية لا فرق بينهم في شيء، ولا اعتبار لأي طبقية أو انتماء بما فيهم القاضي نفسه إن قامت عليه الحجة أو قامت على أقاربه وعشيرته ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (135) “[96]، إن المواقف النفسية أو الدينية من الخصم لا يجوز أن تدخل في أي حكم؛ لأن دخولها يعني خروج العدل، وتحول الأمر من الشهادة لله إلى الشهادة للنفس والعصبيات، وذلك ما يرفضه الإسلام جملة وتفصيلا ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (8)”[97].

وقد كان في توجيه القرآن الكريم لداود عليه السلام دلاله واضحة إلى ضرورة الإنتباه للخصوم والأعداء والبعد عن الأهواء والشطط أثناء الحكم عليهم أو بينهم “يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (26)”[98].

    4- حق المشاركة في الولاية العامة، أو في أي منصب في الدولة.

تحدث القرآن الكريم عن تساوي الناس في هذه المناصب، وعن حق كل واحد منهم في تولي المنصب الذي يتأهّل لاستلامه، بغض النظر عن نسبه أو ماله، فمؤهلات القيادة كما يجملها القرآن تتمثل في العلم وصحة الجسم، وليس في الحسب أو المال كما كان يتصور بنو إسرائيل: “وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (247)”[99]،وكثيرا ما يتردد اشتراط الحكمة في مثل هذه المناصب التي تسوس الناس: ” فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آَتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ (79)”[100]، وعلى هذا فإن كل إنسان له الحق في أن يدخل منافسسا في أي منصب طالما توفرت فيه الأهلية، ولا يصح أن تكون الخلافة أو الملك أو الرئاسة وراثة يتقلدها الأبناء عن الآباء، إلا إذا كان الابن صالحا وتقتضي المصلحة أن يكون منافسا لغيره في منصب عام، أما إن نقصت أهليته الخلقية أو العلمية فإن عهود الله لا ينالها هؤلاء باسم الدين : ” وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124)”[101].

 ومن منطلق هذا يكون الحاكم مسلما في بلدان المسلمين لأن ذلك شرط في تعزيز القيم والأخلاق الإيمانية التي جاء بها الإسلام، فالحكم هنا سيكون باسم الله: “يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (26)”[102]، وعلى الحاكم أن يراعي شرع الله، ويعمل على تطبيق حكمه في الأرض. واشتراط الإسلام في الحكم لا يقدح في استحقاق كل الناس أنصبة عامة، لأن هدفه أخلاقي بحت يحافظ على قيم العدالة والحرية والمساواة التي جاء بها الإسلام، والتي لا تبلغ أقصى درجات تطبيقها إلا في ظل حكم إسلامي عادل. ويمكن أن يقال بأه هذا التكريم نوعان كوني عام وخاص” والتكريم العام كوني مرتبط بالإنسان، أما التكريم الخاص فهو شرعي مرتبط بالإسلام، ولا يأتي إلا إذا كرم الإنسان نفسه، بأن يعبد الله وحده ولا يتم إلا بأن يكون مرتبطا بالإسلام، لا يخضع لمخلوق مثله، ولذلك ارتبط التوحيد بإنسانية الإنسان، وتناسب معها تناسبا طرديا، وكلما كان تصور التوحيد لدى الإنسان أشمل وتفاعله معه أكمل كانت الإنسانية أسمى وأرقى، وإذا كانت ثمة علاقة قوية واضحة قوية بين الكرامة الإنسانية والتوحيد فثمة علاقة أخرىى بين التوحيد، فكلما كان الإلتزام بحقوق لتوحيد أعظم كان تحقق العدل أوكد من الملتزم به نحو الآخرين ومن له بهم صلة، والعكس صحيح؛ فكلما كان الشرك بالله كان ظلم الإنسان لنفسه وظلمه للآخرين، ذلك أنه إذا كان الإنسان لنفسه ظلوما فإنه للآخرين أظلم “[103].

    5- حق توفير محاكمة نزيهة ولو على أعلى المستويات.

وقد استتبع هذا أن يمتلك الإنسان حرية متكاملة لعرض قضيته أمام محكمة نزيهه للنطر في قضيته نظراً عادلاً ، وفي قصة خولة بنت ثعلبه التي جاءت تشكي إلى رسول الله أبلغ دليل على ذلك “قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1)”[104].

وفي مواقف كثيرة يمارس الرجل ضغوطا على المرأة، ويستدعي بحكم سلطته قوانين العرب قبل الإسلام، ولم يكن في بال المسلمين بعد التحول إلى المدينة أنه أصبح من حق الرجل والمرأة أن يلجأوا إلى القضاء، وأن يحصلوا على حقوقهم دون هضم أو تمييز، فعن عائشة رضي الله عنها ، قالت: كان الناس والرجل يطلق امرأته ما شاء أن يطلقها وهي امرأته إذا أرجعها وهي في العدة، وإن طلقها مائة مرة أو أكثر، حتى قال رجل لامرأته والله ! لا أطلقك فتبيني مني ولا آويك أبدا!!. قالت وكيف ذاك ؟ قال أطلقك فكلما همت عدتك أن تنقضي راجعتك. وذهبت المرأة حتى دخلت على عائشة فأخبرتها فسكتت عائشة حتى جاء النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فسكت النبي صلى الله عليه وسلم حتى نزل القرآن :”الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آَتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229) ” البقرة،  قالت عائشة فاستأنف الناس الطلاق مستقبلا منكان طلق ومن لم يكن طلق”[105]. وأمثال هذا في القرآن الكريم كثير، عاشه المسلمون واقعا تتحدد فيه معالم الحقوق القانونية، ويرتفع فيه رصيد العدالة بتولى المولى جل وعلا الفصل في قضايا الناس صغيرهم وكبيرهم غنيهم وفقيرهم مسلمهم وكافرهم دون تمييز عبر الآيات التي تتنزل على  النبي صلى الله عليه وسلم حيث كان يمثل آنذاك الحاكم والقاضي في نفس الوقت ” وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (105) “[106].

وقد أوضح القرآن الكريم أن حق الإنسان في الحصول على محاكمة نزيهة منهج إلهي عظيم جاء به كل الأنبياء والرسل، فلا يمكن عندما تسود العدالة الإلهية أن يتتطاول أصحاب الأموال على الفقراء، ولا يمكن أن يتسلط الأقوياء على الضعفاء. وضرب الله لنا مثلا بقصة داود عليه السلام مع الخصوم ”  وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21) إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ (22) إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (23) قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ (24) فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآَبٍ (25) يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (26)[107]

    6- براءة الذمة حق يتمتع به كل أحد حتى تثبت إدانته.

التهم التي توجه إلى الناس كثيرة وعديدة وقد كانت المجموعات البشرية تحاسب الناس على ما يقال عنهم دون تثبيت أو يقين، ومن المؤسف جدا أن يسجل التاريخ الإسلامي قصصا مؤلمة من هذا النوع[108]، رغم أن القرآن الكريم قد بين أن الإنسان أيا كان يعتبر بريئا حتى تثبت إدانته بالطرق القانونية الصارمة، فعندما اعترض إبليس اللعين على آدم عليه السلام في السجود ، لم يتلقى اللعنة الإلهية إلا بعد سؤال وحوار :”وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (11) قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (12)”[109].

وقد جرت آيات القرآن الكريم كلها في هذا الإتجاه؛ فنقل الخبر عن المجموعات أو الأفراد لا يكون مقبولاً إلا بعد التثبيت الدقيق، ولا يجوز أن توجه تهمة قبل هذا التبين ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6)”[110].

وأي تهمة توجة إلى إنسان في عرضه أو شرفه تعتبر لاغية ما لم يقيم عليها المتهم دليلا، حتى ولو كانت زوجته،ففي حادثة الإفك يقول الله نعالى:”لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ (12) لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ (13)”[111]

وما يحدث من اتهامات بين الزوجين ولم تكن هناك وسائل للإثبات عند الزوج؛ تكون الزوجة برئية مهما علا صراخ الزوج، وإن زعم أنه رآى ذلك بعينه، لا بد من  يتم التحقيق منه قانونيا وفق الحكم الإلهي العادل ” وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (7) وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (8) وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (9) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ (10)”[112].

ولا يكتفي القرآن بمعالجة هذه التهم قانونيا، وإنما يبث في كل حكم أقدارا واسعة من الجوانب الأخلاقية التي تمنع الهوبط إلى درجات التهم أو التلذذ بنقلها حتى ولو كانت صحيحة:” إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (19) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (20) “[113]، وسيدخل هذا الضمير الإنساني في مسألة التقاضي بين الزوجين؛ لأن الذي يحلف بالله لا شك أنه يضع قداسة للذات الإلهية والمصير الأخروي. وهو ما عجزت الأجهزة القانونية الغربية والشرقية عن توفيره للناس، ولذلك ظلت الكثير من الحقوق مهضومة لا يجد القانون لها مادة تحكمها.

6_ حق التنقل واللجوء:

يتحدث القرآن الكريم عن حق الإنسان الكامل في الإنتقال داخل وطنه دون ملاحقة قانونية أو تدخل حكومي، وإذا شعر أنه يواجه حصاراً فكرياً أو عذابا جسديا أو ملاحقة تعسفية فله الحق أن يطلب بلداً آمنا يأوي إليه ويلجأ عند أهله، بل يصور القرآن الكريم ذلك حقاً لله على الناس وحقاً للناس على الناس، ففي مكة المكرمة تقول الملائكة للمستضعفين الذين لم يستخدموا حقهم في اللجوء والهجرة “إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (97)”[114].

ذلك لأن الأرض لله، ومن حق الإنسان أن يتنقل في أرض ربه، وأن يلقى عصا الترحال في أي مكان شاء ” يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (56)”[115].

وفي قصة موسى عليه السلام دلاله واضحة على ضرورة هروب الإنسان من التعسف واللجوء إلى المناطق الآمنة ” وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20) فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (21) وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ (22)”[116].وعندما وصل ماء مدين استطاع الرجل الصالح أن يفرض له الأمن والاستقرار، بناء على أن الإنسان محمي بالحق، ويجب على كل فرد أو جماعة أن يوفر له الأمن والحماية بقدر طاقته ما لم يكن هذا الذي جاء إليه مجرما محكوما بقضايا عادلة ” فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25)”[117].

 والقرآن الكريم في هذه الجزئية يذكر بأن الخونة أصحاب القضايا المسيئة لا يصح أن ينتصب الإنسان مجادلا عنهم أو حاميا لذواتهم، لأن ذلك يعني انتهاكا لحقوق أناس آخرين مسلمين أو غير مسلمين: ” إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا (105) وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (106) وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا (107) يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا (108) هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا (109) وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا (110) وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (111)”[118]، وذلك ردا على طلب بعض المسلمين الحماية من رسول الله بعد أن ثبتت عليهم التهمة لصالح اليهودي.

إن توفير الأمن للاجئين حق للإنسان أيا كان جنسه أو وطنه أو دينه،فمن طرق أبواب المسلمين يجب عليهم قبوله وحمايته، يقول الله تعالى :”وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ (6)”[119].

    7- حق الجنسية :

ويدخل في هذا الحق حق الجنسية والمواطن حيث لا يجوز نزع جنسية فرد أو جماعه من بلادها ، لأن ذلك حقه الذي لا يجوز الإعتداء عليه إلا في حال ارتكاب جرم عظيم كقطع الطرق وإرعاب الآمنين؛ فإنه في هذه الحالة قد مارس ارهاباً يدل على استهتاره بوطنة والقاطنين فيه، ولن يكون هو أولى بالعيش فيه على حساب الآخرين، ففي عقوبة قاطع الطريق يقول الله تعالى :”إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) “[120]، على أن ذلك يتحقق فقط في من قبض عليه متلبسا، أما من غادر هذه الجرائم تائبا ومستغفرا فإن ذلك يحميه من الملاحقة القانونية؛ لأنه أصبح فردا إيجابيا في المجتمع، وتبقى التبعات الأخرى تعود إلى تقدير الدولة ” إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34) “.

أما ما عدا ذلك فإن آيات القرآن الكريم تؤكد حق الإنسان في وطنه واحقيته بالعيش فيه دون مضايقه أو إكراه، وليس أدل على ذلك اعتبار الناس في الوطن جسدا واحدا ، يعد الإعتداء على واحد منهم اعتداءً على الجميع :”وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (84) ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85)”[121].

وفي داخل هذا الوطن وبموجب هذه الجنسية يحق له دون منع أو إكراه أن يشترك في أي جمعية تعمل في الإطار الأخلاقي والتنموي وتتكامل أهدافها مع الحقوق الأخرى التي تجب للمجتمع والناس.

    8- حق الأسرة :

الأسرة هي المحضن الرئيس للزوجين والأبناء ، وتتسع دائرتها لتشمل الأبوين والأرحام.

يحدد القرآن الكريم النظرة التي يجب أن تكون إلى هذا المحضن الدافئ، فيبين أن الاختيار عند الرجل والمرأة يجب أن يكون حراً، مبنياً على القناعة والأخلاق: ” الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (26) “[122]، فإذا انعقد الرباط انسجم الزوجان انسجاما يجعل كلا منهما لباسا للآخر: ” هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌلهن”[123]وتلك هي الضمانة التي توفر أجواء المودة والرحمة فيقول سبحانه :”وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21)”[124].

إن الحياة الزوجية في الإسلام تتسامى فوق الرغائب الجنسية، وتجعل من هذه العلاقة رباطا مقدسا لا يجوز لأحد الزوجين أن ينتهز فيه فرصة القوة على الآخر: ” وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (21)”[125]، وحالما تم الاقتران فإن الجميع في بيت الزوجية سيكون متساوياً،  فما لهذا يكون لذلك أيضاً، ويختص الرجل بمزيد من التكليف في رعاية الأسرة والأبناء والأنفاق على الزوجة، وهي في حقيقتها مزيد كرامة للزوجة خاصة :”.. وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228)”[126]

وتلك هي القوامة المالية والأشرافية: “الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ.. .”[127]،ويجب أن تكون هذه القوامة خاصة بالحياة الزوجية لتنظيمها وليس لأنها أفضلية جنس على آخر، لأنها ستنسحب تماما عندما يكون التعامل بين الرجل وأمه وأخته؛ إذ تجب عليه الطاعة مع الأولى، والإحترام وعدم التدخل في الشؤون مع الثانية.

وعندما تتأزم العلاقة في مرحلة من مراحلها فإن الزواج ليس سجنا أو قدرا أخيرا لا يستطيع الطرفان الفكاك منه؛ بل هناك مخرج وهو الطلاق، لكنه يجب أن يكون بإحسان، مراعاة للعاطفة التي نشأت، والعلاقة التي تمت، ففيها من اللاسرار والحرمات ما يقتضي أن يتم الفصل معه بهدوء ” الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ .. .”[128].

    9- الأبناء:

ويحظى الابناء في داخل هذا المحضن برعاية تامة،فهم زينة تنشر على الحياة بهجة جميلة :”الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا (46)”[129] ولذلك فإن طلب هذه الذرية سيكون مقرونا بالحرص على التربية الايمانية والاخلاقية :”وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (6)”[130].

وعندما ينتشرون في أجواء الاسرة الجديدة؛ فإن الاعتقاد الذي يجب أن يسود هو أنهم خلق الله، أرزاقهم بيده فلا يجوز التضييق عليهم في العيش أو قتلهم مخافة الفقر”وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا (31)”[131]: ومن هنا فإن الاجهاض جريمة تعادل وأد البنت أيام الجاهلية “وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (9)”[132].

وتبقى مسؤولية الأبوين عن الابناء قائمة ، ترعاهم إن أخطأوا بالتوجيه الحسن وليس بالعنف، كتوجيه يعقوب عليه السلام لبنيه:”وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (18)”[133].ويظل القلب منشغلا بهم إن غابوا أو تغربوا :”يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ (87)”[134]وتستمر التربية الأيمانية بالنصيحة والتوجيه في الصغر: “وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13)”[135] ، وحتى قبيل مغادرة الحياة :” أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آَبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133)”[136]، وسيشمل حق الأبناء اختيار الاسم الحسن، والتعليم الراقي، والنفقة بما يطبع مظهر الراحة عليهم حسب قدرة الأبوين.

10 -حق التملك والتكافل الاجتماعي:

يمنح القرآن الكريم حق التملك لكل أحد رجل كان أو أمرأة ، فمن آل إليه مال أو سعى في كسبه يصبح ملكا خاصا به لا يجوز الاعتداء عليه : ” وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (188)”[137]

والنساء كالرجال في حق التملك:”لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (7)”[138].

لكن القرآن الكريم يذكر بأن في هذا الحق حقا آخر يعطف على الفقراء ويرفع عنهم كواهل الألم والعوز : ” وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25)”[139]، وفي هذا الحق ما هو واجب كالزكاة، وفيه ما هو مستحب مرغب فيه، وفي الحالين يذكر القرآن الكريم بضرورة أن تمتد الأيدي الميسورة على الفقراء بالحق وبالعطاء الجزيل: ” فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (16)”[140]، ويحدد القرآن الكريم الحكمة من هذا الإنفاق عندما يبين بأنه مال الله، وليس الإنسان سوى خليفة لله، مستخلف في ماله وفي عباده إن احتاجوا إلى مال ربهم: ” آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ (7)”[141].

وانطلاقا من معرفة هذا الحق والخلفية الإيمانية التي تدفع المسلم إلى دفعه للفقراء فإن ذلك يجب أن يتم بعيدا عن أي امتنان أو إهانة: “قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (263)يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (264)”[142].

10 – حق المنزل:

ومن ضمن ما يتملكه الرجل والمرأة هو المنزل، فهو حق للرجل والمرأة معا: ” وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ (80)”[143]، ولربما يظن الرجل أنه الوحيد الذي يجب أن يشعر بالسكينة في بيته، أما الزوجة فاستمتاعها بمقدار ما تقدم من طاعة وإذعان، وذلك خطأ ينبه عليه القرآن، ويذكر الرجال بأن البيت كما ينسب إلى الرجل ينسب إلى زوجه أيضا : ” لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آَبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (61)”[144]، فالبيوت هنا كما تنسب إلى الأب، والعم، والخال تنسب إلى الأم، العمة، والخالةأيضا وهكذا، يقول الله تعالى: ” لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (1)”[145].

      ويجب أن تكون لهذا المنزل حرمة تمنع التجسس عليه، أو الدخول فيه بلا استئذان:” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (27)”[146]، وهذه الحرمة ستكون للبيت بمن فيه، فلا يحق للزوج من منطلق الشك والتجسس على الزوجة أن يقتحم أسوار البيت بحثا عن المفاجآت: ” وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (189)”[147].

      إن اقتحام هذه البيوت، وإخراج أهلها منها هو اعتداء يحق معه للمرء أن يدافع عن بيته وحرمه: ” لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9)”[148].

    10- حق التعليم:

العلم هو الميزة التي كرم بها الإنسان الأول “وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31)”[149].وعلى ضوءها تحصل على التكليف الرباني العظيم؛ فأصبح طلب العلم واجبا على هذه البشرية إلى يوم القيامة، ويكفي أن أول آية تضع الهداية لهذه الأمة هي: “اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)”[150]،والتعليم هبة ربانية لا يجوز منعها، فهي حق الإنسان أيا كان بغض النظر عن ديانته أو جنسه أو لونه أو وطنه :”قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (37)”[151]كما أنه سيصبح واجبا على الدول والأفراد في رفد الأبناء بهذه الحصص التعليميه الكريمه.

—————————————————————-

[1]- مقال للدكتور / زكي الميلاد  في «ﺻﺣﯾﻔﺔﻋﻛﺎظ – ﻧﻘداﻟﻣوﻗفاﻟﻐرﺑﻲﻓﻲﻣﺟﺎلﺣﻘوقاﻹﻧﺳﺎن” اﻟﻌددم 2010 19/02/1431 هـ – 4/2/2010 م

http://www.okaz.com.sa/new/Issues/20100204/PrinCon20100204330990.htm 2/2

ويعتبر روجيه جارودي في حواره مع إسلام أون لاين (الخميس, 01 أكتوير 2009  ) أن ميثاق حقوق الإنسان الذي صدر في  عام 1789م، يؤكد أن جميع البشر يولدون ويعيشون أحرارا ومتساوين في الحقوق، وفي البندين 14 و 15 يوجد تحديد مفاده أنه لا يحق التصويت إلا لأصحاب الأملاك وحدهم، وفي عام 1846م تم إقرار حق الانتخاب للجميع، ولكن فقط للرجال، أما نصف الأمة “وهن النساء” فقد كن على الهامش، ويعتبر جارودي أن هذه الحقوق التي تعتبر الديمقراطية أحدى نتائجها تقوم فقط على مطابقة حرية السوق مع حرية الإنسان.

[2]- المادة 1: يولد الناس ويعيشون أحراراً متساوين قي الحقوق. ولا يمتاز بعضهم عن بعض إلا فيما يختص بالمصلحة العمومية (أي أن نفع الجمهور هو قاعدة الامتياز).

المادة 2: غرض كل اجتماع سياسي حفظ الحقوق الطبيعة التي للإنسان والتي لا يجوز مسها. وهذه الحقوق هي: حق الملك وحق الأمن وحق مقاومة الظلم والاستبداد.

[3]- لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان، دون أي تمييز، كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الثروة أو الميلاد أو أي وضع آخر، دون أية تفرقة بين الرجال والنساء. وفضلا عما تقدم فلن يكون هناك أي تمييز أساسه الوضع السياسي أو القانوني أو الدولي لبلد أو البقعة التي ينتمي إليها الفرد سواء كان هذا البلد أو تلك البقعة مستقلا أو تحت الوصاية أو غير متمتع بالحكم الذاتي أو كانت سيادته خاضعة لأي قيد من القيود.

[4]- يجب أن أعترف بأنني لست من أنصار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أصدرته هيئة الأمم المتحدة يوم 10 ديسمبر 1948 فقد علمنا تاريخنا الحضاري الحذر من الكلمات الكبيرة النبيلة، حتى عرفنا من واقع تاريخنا كيف تتحول الكلمات الكبيرة إلى كبائر فنحن لا نستطيع أن ننسى أن أصحاب إعلان حقوق الإنسان والمواطن الفرنسي هم الذين لم يلبثوا – قبل أن يجف حبر إعلانهم – أن أعدوا العدة وأرسلوا قواتهم بقيادة فتاهم نابليون لاحتلال مصر. ولا ننسى أن هيئة الأمم المتحدة قد أصدرت الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في ذات العام الذي اعترفت فيه بدولة الصهيونية، التي اغتصبت فلسطين وسلبت شعبها كل حق مما ورد في الإعلان حتى حق الحياة.. .” جزء من محاضرة للمفكر والقانوني المصري عصمت سيف الدولة ، نشرها الدكتور رضوان السيد في مقالته ” حقوق الإنسان والفكر الإسلامي المعاصر”مجلة العربي العدد 447 – 1996/2 – فكر

[5]- زكي الميلاد «ﺻﺣﯾﻔﺔﻋﻛﺎظ – ﻧﻘداﻟﻣوﻗفاﻟﻐرﺑﻲﻓﻲﻣﺟﺎلﺣﻘوقاﻹﻧﺳﺎن” اﻟﻌددم 2010 19/02/1431 هـ – 4/2/2010م

[6] – روح القوانين مونتيسكيو د.حسن سعفان ص 97.

[7] – ومضات من ثقافة حقوق الإنسان ص 23

[8] – الاستبداد، مظاهره ومواجهته ، سماحة الشيخ الخليلي ص    ، وينظر أيضا : الإسلام وحقوق الإنسان، د. محمد عماره، ط: عالم المعرفة ص 11

[9] – الإسلام وحقوق الإنسان، د. محمد عماره، ط: عالم المعرفة ص 11

[10] – ( 1 ) لكل فرد الحق في الاشتراك في إدارة الشؤون العامة لبلاده إما مباشرة وإما بواسطة ممثلين يختارون اختياراً حراً.

     ( 2 ) لكل شخص نفس الحق الذي لغيره في تقلد الوظائف العامة في البلاد.

     ( 3 ) إن إرادة الشعب هي مصدر سلطة الحكومة، ويعبر عن هذه الإرادة بانتخابات نزيهة دورية تجري على أساس   الاقتراع السري وعلى قدم المساواة بين الجميع أو حسب أي إجراء مماثل يضمن حرية التصويت.

[11] – وهو الذي عابه الدكتور رضوان السيد على دعوة الإسلاميين لحقوق الإنسان في حين أن ” المثير للاستغراب الزعم أمام كل مشكلة تواجه المسلمين اليوم أنها حلت منذ آماد سحيقة في القرآن أو السنة، برغم أنهم يعرفون أنه لا أثر لأكثر تلك المسائل في التاريخ التشريعي للإسلام الوسيط. فتكاد قضايا حقوق “الإنسان” أن تصبح مواد جامدة في منظومة تحمل عنوان “مقاصد الشريعة”، “أو الحقوق الشرعية”. أما قضايا الديمقراطية فتكاد تصبح جوامد متناثرة تحت قبعة الشورى التي تتسع كل يوم بما يضاف إليها بشكل ميكانيكي من مواد وعناصر يقال لنا إنها قديمة ومنصوص عليها” مجلة العربي العدد 447 – 1996/2 – فكر

– [16] “المفردات” : ص246-247 ، ينظر بعض تفاصيل ذلك في ” المنهج الأخلاقي وحقوق الإنسان في القرآن الكريم”  د/ يحيى بن محمد حسن زمزمي،  أستاذ مساعد بجامعة أم القرى، ص 14، 15.

[17] – الصحاح : 4/ 1461 .

 -[18]اللسان: 3/ 258 .

 – [19]المصباح المنير: ص55 .

– [21] البقرة : 180 ، وانظر تفسير الطبري : 2/ 121 .

 – [22] البقرة : 236 ، وانظر تفسير الطبري : 2/ 553 .

[25] – المنهج الأخلاقي وحقوق الإنسان في القرآن الكريم، د: يحي بن محمد زمزمي، أستاذ مساعد بجامع أم القري، طبعة ألكترونية على الوورد ص 40.

[28]- ينظر : التفسير والمفسرون للذهبي (156/1)، تفاسير آيات الأحكام ومناهجها للعبيد ) 1 / 26 ( .

[29] – إرشاد الفحول ص 20

[38] – أخرجه ابن سعد في ( الطبقات )(1/129)، وقريبا من لفظه أخرجه الحافظ البيهقي في  الكبرى  ) 6/367(

[39]- أخرجه البزار في  المسند ،)1/ 185(

[40] – ( صحيح ) بتحقيق الألباني،انظر حديث رقم : 7490 في صحيح وضعيفالجامع الصغير

[41]- النساء. نزلت هذه الآية في رجل من الأنصار يقال له طعمة بن أبيرق من بني ظفر بن الحارث سرق درعا من جار له يقال له قتادة بن النعمان، وكانت الدرع في جراب فيه دقيق، فجعل الدقيق ينتثر من خرق في الجراب حتى انتهى إلى الدار ، ثم خبأها عند رجل من اليهود ، يقال له زيد بن السمين ، فالتمست الدرع عند طعمة فحلف : بالله ما أخذها وما له بها من علم ، فقال أصحاب الدرع : لقد رأينا أثر الدقيق حتى دخل داره ، فلما حلف تركوه واتبعوا أثر الدقيق إلى منزل اليهودي فأخذوه منه ، فقال اليهودي دفعها إلي طعمة بن أبيرق ، فجاء بنو ظفر وهم قوم طعمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسألوه أن يجادل عن صاحبهم ، وقالوا له : إنك إن لم تفعل افتضح صاحبنا ، فهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعاقب اليهودي . ويروى عن ابن عباس رضي الله عنهما في رواية أخرى أن طعمة سرق الدرع في جراب فيه نخالة فخرق الجراب حتى كان يتناثر منه النخالة طول الطريق فجاء به إلى دار زيد السمين وتركه على بابه ، وحمل الدرع إلى بيته ، فلما أصبح صاحب الدرع جاء على أثر النخالة إلى دار زيد السمين فأخذه وحمله إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يقطع يد زيد اليهودي ، وقال مقاتل : إن زيدا السمين أودع درعا عند طعمة فجحدها طعمة فأنزل الله تعالى هذه الآية. تفسير البغوي للآية

[42]- الإعلان العالمي لحقوق الإنسان(خطبة حجة الوداع)، د. أحمد بن عبدالرحمن القاضي ص 4

[44] – حقوق الإنسان بين تعاليم الإسلام وإعلان الأمم المتحدة ، محمد الغزالي، ص 8.

[46]- يمكن مراجعة تحليل معالي الدكتور عبدالله بن محسن التركي، في كتابه ” حقوق الإنسان في الإسلام ” ص 13، 14 ، .. . .

[47] – كفاحي، أدولف هتلر، ترجمة لويس الحاج، مط: بيسان، ط الثانية 1995 ، ص 79 .

[48]- محاضرة ألقاها برنارد لويس بجامع السلطان قابوس الأكبر يوم 11 ديسمبر 2003 بعنوان “العالم العربي في القرن 21”.

[49]- الخطاب السنوي بعنوان “رسالة عن حالة الاتحاد”، 29/ 1/ 1992م. دائرة الإعلام للولايات المتحدة، الصفحة 3.

ومن خلال هذا يرى جارودي أنه حتى الدول الأوربية أصبحت تحت سيطرة الإرادة القطبية ” ولا أذيع سرا إذا قلت إن هناك أكثر من 70% من القوانين الفرنسية الناظمة للاقتصاد أو المال أو النقل إنما هي صادرة من نيويورك، أو أنها تملى إملاء من بروكسل، وعلى الحكومة الفرنسية قبولها، إن طوعا أو كرها. والقطاع الزراعي في فرنسا مثال صارخ على حجم التدخل الأمريكي؛ فلقد ازداد إنتاج المواد الغذائية في فرنسا، وخاصة الأساسية منها، بمعدل 16%، وهذا الازدياد لم يكن في صالح الولايات المتحدة الأمريكية، التي قامت بضغوطات هائلة على إدارات السوق الأوروبية المشتركة، وكانت النتيجة أن صدر من بروكسل، باعتبارها عاصمة الاتحاد الأوروبي، قرار يقضي بأن تتوقف فرنسا عن إنتاج هذا الفائض الذي ازداد عن حده. هذا ما أكده مؤتمر الدول الصناعية الثماني، وبإصرار وتهديد أمريكي شرس، فما كان على فرنسا سوى الانصياع إلى بنود هذا القرار وإيقاف الإنتاج الفائض، في الوقت الذي تعاني فيه غالبية دول العالم من نقص حاد في موارد الغذاء يؤدي إلى وفاة أطفالها.” حوار صحفي  مع المفكر الفرنسي جارودي أجرته حركة التوحيد والإصلاح على موقعها الاكتروني في 1/ أكتوبر 2009م

[50]- نعم للطائفية، محمد مشكور ص

[59]- قصة الحضارة، ول ديورانت، ص 11- 21 ، إعداد وترتيب، محمد عبدالحليم، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم – دار الجيل للطبع والنشر والتوزيع، ط، 1412، 1992 م، بيروت

[62]- الكهف، والعجيب أن هذا التمييز العنصري ظل موجودا في عالم الديمقراطيات الغربي إلى اليوم، ومن عجائب الأمور أنني أثناء كتابتي لهذا البحث تثور في إمريكا ضجة إعلامية على تصريحات رامسفيلد وزير الدفاع الإمريكي السابق حول ” القرد المدرب ” ويرمز به إلى الرئيس أوباما، هذا فضلا عن تصاعد العنصرية في إمريكا بعد انتخاب أوباما للمرة الثانية، كما سبق وأن تلقى إهانة أخرى من قبل برلمانية روسية، ومن قبل شريحة كبيرة من المجتمع الإمريكي، ويقول توماس پيتيگرو أن العنصرية في إمريكا لا تزال جاثمة، وأن آلاف الدراسات العلمية أثبتت أن التمييز العنصري الواعي وغير الواعي لا يزال موجوداً في أذهان الأمريكيين، وأن هذا التمييز يؤثر في السكن والتوظيف والعلاج الطبي وأحكام السلطة القضائية . ينظر مقاله على هذا الرابط :

http://journals.cambridge.org/action/displayAbstract?fromPage=online&aid=6889244

[72]- هذا هو التفسير الذي توصلت إليه من خلال دراستي لدولة بين أمية والعباس، ثم وجدت الشيخ محمد الغزالي يؤكد ذلك في كتابه ” الإسلام والاستبداد السياسي ” ص 130، 131 ، نهضة مصر للطباعة، ط9.

[90] – من هؤلاء الدكتور رضوان السيد في مقال له نشر في

[91]- حجة الإسلام محسن كديور مفكر إبراني بارز ، ينظر ” أضواء على وجهات نظر محسن كديور حول حقوق الإنسان والإسلام ” بقلم سهراب سهرابي، ترجمة : عادل حبة ، موقع الحوار المتمدن : http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=307186

[92]- ومضات من ثقافة حقوق الإنسان، هيثم مناع، ص 55.

[93]- سبق لي وأن دونت معلومات الكتاب والصفحة أثناء زيارتي لجامعة اليرموك بالأردن، لكنني فقدت تلك الجدادات، وسوف أبحث عنها لاحقا بحول الله.

[94]- الدليل والبرهان، أبويعقوب يوسف بن ابراهيم الوارجلاني، (2/98 ).

[95]- أخبار الأئمة الرستميين ص 17 .

[103]- موسوعة حقوق الإنسان في الإسلام، أ.د مروان إبراهيم القيس، ص 19.

[105]- أخرجه الترمذي في سننه:(رقم1192)0و البيهقي في الكبرى:(7/333)0 والحاكم في المستدرك:(2/279-280).

[108]- ينظر كتب التاريخ التي تتحدث عن ظلم الولاة والحكام.

[120]- المائدة، على أن النفي اليوم سيخضع للنظام العالمي الجديد في تمتع كل دولة بحقها في قبول الشخص أو رفضه.