سلسلة إشراقات من التفسير الموضوعي: مفهوم الشريعة للدكتور كهلان الخروصي

سلسلة إشراقات من التفسير الموضوعي (5): الشريعة (ج1)

الدكتور الشيخ كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام للسلطنة

جريدة عمان: الجمعة, 03 يونيو 2011

الخشية من أن يفقد شبابنا اليوم ثقتهم في دينهم وفي شريعتهم بسبب سوء الأحوال من حولهم

الخروصي: الشريعة مورد يستقي منه الناس يرتوون منه توثيقًا لصلتهم بخالقهم وتبصرًا للمآل الذي ينقلبون إليه

أشار فضيلته إلى أن الاختلاف بين الأمم والتنوع بينها انما يكمن في الشرائع أي في الأحكام التفصيلية مما خوطب به كل رسول ليبلغه إلى قومه مما يتعبدون به ربهم تبارك وتعالى ويتقربون به اليه.

مؤكدا انه لا يمكن لنا ان نواجه صعوبات هذه الحياة ولا ان نتصدى لتحدياتها المتنوعة المتعددة الا بقناعتنا ان في شريعتنا ما يغنينا ويبصرنا..  وإلى ما جاء في الإشراقات:

يشير فضيلة الشيخ إلى ان سبب الاختيار لسلسلة (إشراقات من التفسير الموضوعي) يكمن في محاولة لتقريب بعض مفاهيم كتاب الله عز وجل ومحاولة التأمل في معانيه والتدبر في آياته لأن الله تعالى يقول: (وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)، وان الاتباع وتقوى الله عزَّ وجل لا تكون الا بالتدبر والفهم والتذكر ولهذا قال سبحانه وتعالى:(كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ).

ويقول: التفسير الموضوعي كما تقدم في الدرس الماضي يعني افراد موضوع من موضوعات القرآن الكريم بالدراسة والبحث، فنجمع ما تفرق من آيات الكتاب العزيز حول ذلكم الموضوع ونحاول ان نستجلي معانيها، وان نبين دلالاتها وأن نأخذ منها الدروس والعبر لواقعنا المعاصر.

وكنا قد تناولنا في الدرس الأول موضوع الشورى وبينت يومها سبب الموضوع، اما اليوم فموضوعنا هو “الشريعة” وقد كان من اللائق ان نبدأ بها إلا أنه نظرا لتعلق بعض معاني الآيات التي سوف نستعرضها اليوم بالشورى قدمنا الحديث عنها.

واليوم نتناول موضوع (الشريعة)، وسينبني على ما نتدارسه من خلال فهمنا للآيات التي سنتعرض لها جملة من القيم والقواعد الكلية للدروس القادمة بمشيئة الله تعالى، ولهذا فإننا سوف نسلك اليوم نفس المسلك السابق الذي اتخذناه في «إشراقات من التفسير الموضوعي» حيث نعرف بالشريعة لغة واصطلاحا ثم نستعرض مجمل الآيات التي ورد فيها ذكر الشريعة بلفظها او بشيء من مشتقاتها، ثم نخرج بعد ذلك الى ما نستفيده من هذه الآيات.

اما سبب اختيار موضوع (الشريعة) فيكمن في امرين اساسيين: اولهما محاولة الاجابة على سؤال بسيط في ظاهره لكنه عميق في جوابه، وينبني على الجواب عليه الكثير من المفاهيم التي ينبغي للمسلم ان يتقنها وان يضبطها، وهذه الاسئلة من نحو: كيف يمكن ان يكون حال كل واحد منا بدون شريعة الاسلام؟ وليتذكر كل جوانب حياته الاسرية والاقتصادية والسياسية والعملية الوظيفية او الفنية وسائر صلاته مع الآخرين سواء كانت معاملات مالية أو اجتماعية أو غيرها من الصلات والعلاقات التي تنشأ بين الناس في مجتمعاتهم، مع الخروج قليلا من هذه الدائرة الضيقة للنظر فيما يمكن أن تكون عليه أحوال مجتمعاتنا وأمتنا عموما أن لو خلت حضارتنا وحياتنا من شريعة الاسلام! ووسعوا الدائرة قليلا لتتفكروا في جواب للسؤال نفسه لكن في دائرة أوسع: كيف يمكن أن يكون حال العالم دون شريعة الإسلام؟ هل يمكن أن يسوده الأمن والأمان والسلم والسلام والوئام والتعارف بين شعوبه وقبائله؟ كيف ستكون الروابط الإنسانية التي تجمع بين البشر جميعًا وكيف ستغدو صلات هذه الإنسانية ببعضها؟ كيف هي هوية المسلمين مقارنة بهويات الحضارات الأخرى القريبة أو البعيدة عنها في واقعنا اليوم او عبر تاريخها الماضي.

انا على يقين -ونحن هنا لا نحاول ان نعطي اجابات لأن الجواب واضح- لكنني على يقين من أن كل واحد منا سيدرك سبب اختيارنا لموضوع الشريعة، فنحن بحاجة إلى أن نفهم شريعتنا ونعيها حق الوعي وتمام الإدراك، وهذا هو السبب الثاني في اختيار الموضوع، فهذه الأمة مرت بها أحداث جسام في تاريخها واليوم أيضا تمر بها أحداث كثيرة وكان المأرز الذي يفزع اليه المؤمن دائما هو دينه وشريعته، لكن الذي نخشاه ان يفقد شبابنا اليوم ثقتهم في دينهم وفي شريعتهم، أي أن يفقدوا ثقتهم في غناء شريعتهم ومكنتها من تحقيق السعادة لهم لا قدر الله، وان يكون سبب انعدام ثقتهم اليوم هو سوء الأحول من حولهم أو المفارقة بين النظرية والتطبيق، وبين الأصول والواقع، والمبادئ والممارسة، ولهذا فلا بد من دورة تصحيح نتبين فيها من معنى هذه الشريعة واسرارها ما يمكن ان يصل بين شبابنا وأجيالنا وبين هذه الشريعة التي أكرمنا بها ربنا تبارك وتعالى.

فما هي الشريعة إذن؟ الشريعة لغة: تطلق ويراد بها الطريق الظاهرة البينة التي يوصل منها إلى الماء، وتطلق ويراد بها الشاربة الذي ينحدر اليه الناس ويشربون منه ويستقون، ولهذا فان العرب لا تسمي الموضع شريعة حتى يكون عدا لا انقطاع له، وهذا هو نفس استخدامنا المحلي في لهجتنا العمانية فان الشريعة هي موضع الماء العذب الظاهر البين الذي لا يحتاج الاستقاء منه الى الغرف بالدلاء والرشاء، ولهذا قالوا: أسهل الشرب التشريع لأن النوق تشرب مباشرة من المصدر، كل هذه المعاني هي من معاني الشرع والشريعة في اللغة ومن معانيها أيضا الظهور والسبيل أو الطريق الواضحة.

وفي الاصطلاح: الشريعة قريبة من هذا المعنى اللغوي فحينما نتأمل في الأدلة الشرعية التي ورد فيها ذكر الشرع والشريعة سوف نجد انها تطلق ويراد بها في الغالب معنيان: إما عموم معنى الدين (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ) الآية وسنأتي اليها، أي عموم الدين بما فيه من عقائد وأحكام عملية واخلاق، لكن الذي ينصرف اليه استخدام كلمة (الشرع) و(الشريعة) هو هو الاحكام التكليفية العملية في الدين، فالشريعة يراد بها الاحكام العملية سواء كانت متصلة بالعبادات او المعاملات او العلاقات الدولية او النظم أوغيرها ولا يدخل فيها العقائد، هذا المعنى الثاني هو الاكثر استخداما، فالغالب في الاستخدام المعاصر أن الشريعة اخص من الدين؛ لانها تعني الأحكام العملية التكليفية، فحينما نتحدث عن الشريعة اذن نتحدث عن الاحكام التكليفية التي خوطبنا بها من الأوامر والنواهي والمكروهات والمباحات، والصلة بين المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي أو هذه المعاني الاصطلاحية ظاهرة، فكما ان المعنى اللغوي يتضمن معنى الظهور والبيان والوضوح فان هذه المعاني ملحوظة أيضا في الاستعمال الاصطلاحي، وكما ان كلمة الشريعة في اللغة أيضا تعني الورود والاستقاء من الماء بسهولة ويسر فان معنى الري والارتواء ايضا ملحوظ في المعنى الاصطلاحي للشريعة إذ فيها معنى المورد الذي يستقي منه الناس فيطفئون به ظمأ أرواحهم وعطش نفوسهم فيرتوون منه توثيقا لصلتهم بخالقهم جل وعلا وتبصرا للمآل الذي ينقلبون اليه في الآخرة وطمأنينة ورضا في الدنيا.

مشتقات متقاربة:

وقد ورد ذكر الشريعة في بضع آيات من كتاب الله عز وجل بمشتقات متقاربة: فقد ورد في سورة المائدة قوله تبارك وتعالى: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ).

هذا الموضع في سورة المائدة (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا) يؤكد المعنى الاصطلاحي الغالب (بان الشريعة تعني الاحكام التكليفية العملية) لأن اختصاص كل أمة بشرائع ومناهج لا يتصور في العقائد والأخلاق لأن هذه من ثوابت الدين، فما أُمرت به امة محمد -صلى الله عليه وسلم- من توحيد الله عز وجل واخلاص العبودية له ومن قيم وأخلاق امرت به سائر الامم قبلنا، لكن الاختلاف بين الأمم والتنوع بينها انما يكمن في الشرائع أي في الاحكام التفصيلية مما خوطب به كل رسول ليبلغه الى قومه مما يتعبدون به ربهم تبارك وتعالى ويتقربون به اليه.

الموضع الثاني هو في سورة الشورى في قوله تعالى: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ) هذا الاستخدام يؤكد المعنى الاول الذي قلناه، وهو ان الشرع يمكن ان يطلق ويراد به العقائد والأحكام التكليفية معا (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ) خاصة ان على القول بان ان مصدرية تفسيرية فان المقصود هو اقامة الدين وعدم التفرق فيه.

وورد ايضا في سورة الشورى قوله تعالى: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) وهذا المعنى سوف نأتيه قريبا فقط اريد منكم ان تتذكروا هذا العتاب الذي يعاتب الله عز وجل به هؤلاء المشركين (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ) شرعوا لهم من الدين يؤكد المعنى الذي تحدثنا عنه ثم نجد ايضا ان الله تعالى يقول في سورة الجاثية (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ).

دلالات:

وسنأتي الى دلالات هذه الآية أيضا لكن لا ينبغي لنا ان نحصر فهمنا وتدبرنا للشريعة من خلال ما ورد النص عليه أي ما ورد فيه ذكر الشريعة نصا؛ لأنه طالما قررنا أن معنى الشريعة يمكن ان يقصد به عموم الدين أو أن يقصد به الأحكام التكليفية العميلة فان هذا يعني أن كل ما ورد مما يتصل بهذين المعنيين هو مقصود ينبغي ان نتأمل فيه حينما نتلو كتاب الله عز وجل، ولهذا فعندما نأتي إلى ما نستخلصه من هذه الآيات سنتعرض لطائفة من السياقات القرآنية التي تؤكد كثيرًا من المعاني المتصلة بالشريعة مما له ارتباط وثيق بواقع هذه الأمة، ونحن في أِمس الحاجة إلى إدراك هذه المعاني لأنها هي التي يمكن لها ان تحقق لنا ما نصبو اليه من سعادة في الدنيا ونجاة في الآخرة، وتبلغنا ما نطمع اليه من رخاء وازدهار وعز وكرامة ونماء وانتاج وعلم وعمل صالح، فكل ذلك لا يتحقق الا بفهمنا وقناعتنا ثم بعملنا وتوكلنا على الله تعالى، كما لا يمكن لنا ان نواجه صعوبات هذه الحياة ولا ان نتصدى لتحدياتها المتنوعة المتعددة الا بقناعتنا ان في شريعتنا ما يغنينا ويبصرنا، وهذا لا يتحقق الا بفهمنا لخصائص هذه الشريعة.

الذي نستفيده من هذه الآيات:

أولا: انه لا يمكن ان نستغني عن الشريعة، ولا يمكن ان تستقيم احوالنا أبدا أفرادا وجماعات وأوطانا وأمة دون شريعة الاسلام، نحن في أمس الحاجة الى شريعتنا التي اكرمنا بها ربنا جل وعلا، ولهذا تلاحظون ان الله عزوجل يقول (شَرَعَ لَكُمْ) لم يقل فرض عليكم قال (شَرَعَ لَكُمْ) وقال ايضا (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا) واللام تدل على التملك (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا) (شَرَعَ لَكُمْ)، (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ) وعلى تفيد الاستعلاء المجازي يعني التمكن من الشيء كما في قوله تعالى(أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ) اي انهم متمكنون واثقون ثابتون على هذا الهدى من ربهم تبارك وتعالى، اذن المعنى الأول الذي نستفيده انما نلحظه في مطالع هذه الآيات التي استشهدت بها (شَرَعَ لَكُمْ) (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ) وفي قوله تعالى: (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا).

————————-***

سلسلة إشراقات من التفسير الموضوعي (6): الشريعة (ج2)

الدكتور الشيخ كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام للسلطنة

جريدة عمان: الجمعة, 10 يونيو 2011

وضع الشريعة وإنزالها لا يجوز إلا لله تعالى وحده

التفريع والبناء على الذي أنزله علينا ربنا تبارك وتعالى هو المأذون به للناس

اما المعنى الثاني – وهو معنى دقيق ينبغي ان نتنبه له – فهو التفرقة والتمييز بين وضع الشريعة وانزالها وبين البناء والتفريع عليها، لأن وضع الشريعة وانزالها لا يجوز الا لله تعالى وحده ولا يمكن ان يكون لأحد سواه فهو جل وعلا هو الذي انزل علينا هذه الشريعة وهو الذي سنها لنا ووضعها لنا فهو تعالى المصدر.

ولهذا قال (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ) وما لم يأذن به الله يعني تشريعاتهم المعارضة والمناقض لما وضعه وانزله ربهم تبارك وتعالى مما يصلح احوالهم، لهذا فإن مصطلحات: التشريع، وسلطة التشريع، ومشروعية عمل ما، هي ـ على ما يظهر من تعقيدها ـ سهلة يسيرة في ديننا، فوضع الشريعة وانزالها لا يكون الا لله تبارك وتعالى، (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ )، (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) ويقول أيضا (ألا له الخلق والأمر) (أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ) وهذا المعنى مطابق لما نجده هنا في قول الله عز وجل: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ) لكن التفريع والبناء على هذا الذي انزله علينا ربنا تبارك وتعالى هو المأذون به للناس، فيكون استنباطهم واجتهادهم في استخلاص ما يصلح احوالهم وما يقيم أود حياتهم على نظم وتشريعات وقوانين وسنن صالحة غير خارج عما انزله ربنا تبارك وتعالى ولا معارض له أو مناقض بل مبني عليه وداخل في أطره العامة وقواعده الكلية ومقاصده الشرعية، وهذا مما دعي إليه الناس في كتاب الله عز وجل (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) ولهذا ايضا قال (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) وقال (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) فإذن مشروعية امر ما لا تكون صحيحة الا اذا كانت مبنية على ما انزله الله عز وجل علينا من شرع، أما كيف يكون ذلك؟ فهناك قواعد كلية، و مفاهيم كبرى في هذا الدين، وقواعد أساسية أصلية راسخة في هذا الدين، على الناس أن يرجعوا إليها فيستقوا منها ويرتووا من معينها بإعمال عقولهم وتشاور آرائهم، لأن الله تعالى وكل أمر تطبيقها وترجمتها للواقع إلى الناس رحمة بهم وفضلا منه تعالى لهم، فنحن عندما نتحدث عن مبدأ الشورى على سبيل المثال وهي من المبادئ الاساسية الراسخة الثابتة للمؤمنين فإن تطبيقات الشورى وكيفية ممارستها في الواقع منوط باجتهاد الناس، حينما نتحدث عن العدالة وهذا مبدأ لا مساومة فيه لان الله تعالى يأمر نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم أن يقول (وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ) في نفس السياق الذي استشهدنا به، اذن العدالة مبدأ كلي لا بد من تطبيقه وبسطه في الواقع أما كيفية ذلك فهي غير ذات أهمية، المهم ان يسود الناس العدل وان يقام القسطاس المستقيم في واقع حياتهم، حتى وإن اتخذت العدالة بذلك اشكالا متعددة، ولا يمكن ان تحصر ممارسة هذه المبادئ الكلية الأساسية في أنماط جامدة يلزم الناس بها، عندئذ يمكن ان يستنبط من هذه القواعد الكلية وان يبنى عليها ما يحتاج اليه الناس في واقع حياتهم، فيكون عندئذ التشريع تشريعا مجازيا لانه غير خارج عن الاطار العام لشرع الله عز وجل الذي ارتضاه لعباده.

اما المعنى الثالث الذي نفهمه ونستفيده ونستلهمه من الآيات التي استعرضناها فهو خصائص هذه الشريعة، ولنا أن نتساءل: ما هي خصائصها حسبما نجدها في كتاب الله عز وجل؟ لا ريب أن الإجابة تكمن في الآيات التي استعرضناها وفي عموم السياقات المتصلة بالدين وبأحكام شرع الله عز وجل، وبالاخلاق التي امرنا بها الله تبارك وتعالى، وهذه القضية بالذات – أي خصائص الشريعة – قضية في غاية الاهمية، لان ثقة الناس بما يعرفونه ليست كثقتهم بما يجهلون، ولأن قناعتهم بما يدركون اسراره وابعاده وآفاقه ليست كقناعتهم وثقتهم بما لا يعرفون عنه شيئا ولا يدركون له حكمة أو معنى. ولهذا نحن عندما نتحدث عن الشريعة وعن خصائصها ومزاياها لا بد ان نتبين بأنفسنا وان نبين لشبابنا الذين يكادون يفقدون ثقتهم في شرع الله عز وجل ولكثير من الناس الذين استهوتهم ايضا نظريات وجدليات معاصرة فابعدتهم عن شرع الله عز وجل وظنوا ان المعاني الحقيقية وان ما ينشدونه هو في غير هذه الشريعة ان يبين لهم ما الذي تشتمل عليه شريعتهم من مزايا وخصائص وفقا لما قررته الأدلة الشرعية.

وهذه الخصائص والمزايا هي:

اولا: لا خلاف ان شرع الله عز و جل موافق للفطرة التي فطر الله عز وجل الناس عليها وموافقة الفطرة ليست نظرية، لان هذه المسألة حاسمة، وسبب كونها كذلك انها تنفي التناقض في هذه الشريعة لانه لو كان هناك تناقض لصارت حياة الناس الذين ينتسبون الى هذه الشريعة فوضى وعصبيات ولتحولت علاقاتهم الى حرب والى اعتداء وبغي وظلم وعدوان وهذا ما نشهده حينما تفقد الشريعة من واقع حياة الناس اما حينما يسود الناس شرع الله عز وجل بهذه الخصائص التي سنذكرها ينتفي التناقض ويحل محل ذلك ما يوافق الفطرة التي فطر الله الناس عليها ولهذا قال (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ).

واين نجد موافقة الشريعة للفطرة في غير هذا الموضع من الآيات التي استشهدنا بها اول الحديث؟ نجدها ايضا في قوله تبارك وتعالى (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) فلو ان هذه الشريعة غير صالحة لعموم الناس لما كانت مما اوحاه الله عز و جل الى نبيه محمد الخاتم صلى الله عليه وسلم لأنها مما وصى بها الانبياء قبله من لدن نوح عليه السلام وحتى عيسى عليه وعلى نبينا افضل الصلاة وازكى السلام، لو كان هناك تناقض لوقفت هذه الشريعة عند الامة التي عانت من ذلك التناقض ومن نفرتها عن الفطرة السوية التي فطر الله عز و جل الخلق عليها، وهذا ايضا ما نجده في دستور هذه الشريعة في كتاب الله عز وجل (ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ) قطع بأن هذا الكتاب هذا القرآن لا ريب فيه ولا شك يحوم حوله أو فيه، وانظروا ان كان يوجد مؤلَّف اليوم – غير كتاب الله عز وجل – يصدِّر مؤلفه – وفي حالة القرآن منزله – بأن هذا الكتاب لا خطأ فيه ولا ريب ولا شك، كل مؤلف يعتذر عن الاخطاء لكن هذا الكتاب يقول (لا رَيْبَ فِيهِ) يدعو للاعجاز ولذلك قال (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا) هو دعوة ان كنتم تجدون فيه اختلافا فأرونا إياه وقد تحدى هذا الكتاب العزيز صناديد قريش ان يظهروا فيه شيئا من الخلاف فما استطاعوا، اذن هذه الشريعة في ذاتها موافقة للفطرة في عقائدها وفي تشريعاتها واحكامها واخلاقها كما في دستورها وكتابها الذي منه تستقى، لا مناقضة ولا اختلاف ولا نفرة فيما بينها و لا مع فطرة النفس.

مهما حاولوا لن يفلحوا:

الخصيصة الثانية: ان هذه الشريعة تقوم على جوهر عقدي ايماني ولا تقوم على خواء خلقي ولا على فراغ روحي، ومهما حاول الناس ان يقيموا شريعة لا تستند الى عقيدة فلن يفلحوا في ذلك ابدا، ولذلك فإن من ابرز خصائص شريعتنا ان جوهرها الايمان بالله عز وجل، جوهرها عقيدة راسخة في هذه النفس لا تقبل المساومة ولا تقبل شيئا من الريب او الشك ولا الخرافات ولا الاساطير، عقيدة خالصة تؤمن بالله واليوم الآخر، ولهذا نجد في سورة المائدة التي فيها (وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) هذا هو الواعز الايماني الذي يقيم اود تلك الشرعة والمنهاج المتين على هذا الجوهر الخالص، (إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) فالمصدر من الله عز وجل لانه قال (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا) والمرجع الى الله تبارك وتعالى لانه قال (إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) ثم ايضا في سورة الشورى نفسها في نفس السياق الذي وردت فيه الشريعة نجد (فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) كم من المؤكدات في هذه الآية وحدها مما يصل بين اقامة هذه الشريعة والتزامها بالاستقامة على دين الله عز وجل وبالدعوة اليه وبنفي اتباع الهوى كم فيها من المؤكدات التي تصل بين كل ذلك وبين الايمان بالله تبارك وتعالى واليوم الآخر وهذه هي العقيدة الراسخة التي تملأ جوانح النفس (وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ) ثم (وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) ولهذا حينما نقول ما ثمرة ذلك؟ فإن ثمرتها ان امر الشريعة عندنا لا يخضع للاهواء والشهوات، لان اساس الشريعة انما اقيم على الايمان والعقيدة الصحيحة الخالصة، وهذا ايضا ما نجده نصا صريحا في هذه السياقات التي اقتبسناها.

والله تعالى يقول (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ)، والنهي عن اتباع الهوى واضح صريح (فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ) نجد ايضا في سورة المائدة صدر بيان جعل الله تعالى للناس الشرعة والمنهاج بقوله تبارك وتعالى (وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ) اذن كلا الامرين الاصل والثمرة، الاصل (عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ) هذا هو المعتقد الايماني، والثمرة (وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ) لن يخضع امر الشريعة لاهواء الناس، هي فوق اهواء الناس وفوق شهواتهم بل عليهم ان يطوعوا اهواءهم ومسالكهم وفق هذه الشريعة التي انزلها عليهم ربهم سبحانه وتعالى.

الخاصية الثالثة: من الخصائص المهمة انها شريعة تقوم على اعلاء كرامة الانسان، فلا تحط من قدر الانسان ولا تقدس ايضا من مكانته ايا كانت منزلته مجتمعه وفي بيئته، فهو مكرم لذاته الإنسانية فالله تعالى يقول (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) وكون الانسان مكرما واضح جلي في كتاب الله عز وجل، وعندما تتصف الشريعة بأن بناءها يقوم على تكريم هذا الانسان فهذا يؤدي بنا الى ان نوقن ان كل ما شرعه ربنا جل وعلا هو مما يحقق لهذا الانسان كرامته، مما يحقق له الكرامة والعزة والاحترام في هذه الحياة الدنيا (لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) هذا في سياق المفاضلة وان التعبير المستخدم هو تعبير المفاضلة في التكريم (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ).

الحرية .. يجب ان نعي معناها:

الخاصية الرابعة: بعد تكريم الإنسان ومعه تأتي خصيصة اخرى لا تقل عنها اهمية وهي حرية الارادة، كثير من الناس يتحدثون عن الحرية دون ان يعوا معناها ولا ان يردوها الى متونها الشرعية وكثير منهم يظنون ان كلمة الحرية بالمفهوم الذي نعرفه اليوم لم توجد في تراث هذه الأمة الاسلامية وفيما دونه علماء الاسلام لان مصطلح الحرية في تراثنا الفكري كان مقابلا للرق والعبودية ويظنون انها بالمعنى الذي يستخدمه الناس اليوم وهو فعل الانسان ما يريد دون اكراه او إلجاء او إملاء من طرف آخر مع حفظه ايضا لحقوق الآخرين يظنون ان هذا المعنى غير موجود في شريعتنا وليس الامر كذلك كما سيظهر في الدرس الثالث من هذه السلسلة المباركة بإذن الله.

ولهذا فإن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما قال (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا) لم يكن يقصد بها من كان رقيقا او عبدا وانما يقر مبدأ موجودا في كتاب الله عز وجل، في نفس هذا السياق الذي نتحدث فيه الآن عن الشريعة نجد (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فاستباق الخيرات والمسارعة فيها لا يكون الا بإرادة حرة ولهذا نجد (لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ) ونجد ايضا (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا ، وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا) لم تأت كلمات (يُرِيدُ) و (أَرَادَ) اعتباطا، وانما جاءت لتبين ان للانسان حرية الاختيار، لكن حرية الاختيار تعني تحمل المسؤولية، لذلك نجد ان الله تعالى يقول (فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا) من هذا الذي يتخذ الى ربه سبيلا؟ الذي يريد، (فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا)، ويقول ايضا (ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا) هذه هي حرية الاختيار وهي صفة ملازمة لشريعتنا لا بد ان نعيها ونتقن فهمها ولا يكفينا فقط ايضا أن نفهمها وان نعيها! بل نحن مخاطبون ان نمارسها وان نبينها للناس لانهم يحتاجون اليها، صحيح ان كثيرا من دلالاتها وتفسيراتها تحتاج الى ضبط والى تحليل لكن ذلك شأن ميسر حينما نرد هذا المفهوم الى اصوله الشرعية من كتاب الله عز وجل ومن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وفق فهمنا الكلي للشريعة التي (نعتز بالانتماء اليها).

عزة المسلم بإيمانه وشريعته:

الخاصية الخامسة: العزة: فالعزة من خصائص هذه الشريعة وهي ليست متعلقة بجانب دون آخر لانها تعني نفي الاستكبار في الارض لكنها لا تعني ايضا الذل والهوان في هذه الحياة الدنيا، ولا تعني الاستسلام للخطوب وللصعاب التي يواجهها هذا المسلم، هذه هي حقيقة العزة التي نجدها في شريعتنا (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ) وكيفية تطبيق ذلك نجدها تشريعا قرآنيا يقول (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) إذن في مواجهة الخطوب من حروب وصعاب وعقبات وتحديات (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ) هذه العزة التي نحتاج اليها لكن مصدرها (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)، فعلوكم انما بإيمانكم وعزتكم انما هي بإيمانكم وشريعتكم ،و كذلك الحال حينما نتأمل بعض صفات المؤمنين ونجد فيها (وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ).

————————-

سلسلة إشراقات من التفسير الموضوعي (7): الشريعة (ج3)

الدكتور الشيخ كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام للسلطنة

جريدة عمان: الجمعة, 17 يونيو 2011

 العلم فيها يدعو إلى الإيمان وإلى التزام الشرع الذي أنزله الله

منطلق الشريعة العلم:

الخاصية السادسة لهذه الشريعة فهي تلبسها بالعلم تأسيسا وقياما ودعوة وحياة، والادلة كثيرة جدا في كتاب الله عز وجل على أن هذه الدين وهذه الشريعة لا تقوم الا على العلم، وأن العلم فيها يدعو الى الايمان وإلى التزام هذا الشرع الذي انزله الله تبارك وتعالى، فهي صلة متداخلة متكاملة بين العلم والايمان والعلم والشرع، فالشرع يدعو إلى العلم ويحث عليه ويبين منزلته ومنزلة العلماء وهذا العلم يحقق الايمان ويبصر الناس بحقائق شريعتهم، وينور لهم بصائرهم، ويقيم لهم حياتهم على أسس واضحة من حقائق المعتقد والسلوك، والمبدأ والمصير, ولهذا نجد في نفس السياق بعد قوله تعالى (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ، إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ ، يقول سبحانه بعدها: (هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) هذا هو موضع العلم: بصائر للناس، هدى ورحمة، لقوم يوقنون، واما الآيات التي تتحدث عن العلم ومنزلة العلماء والفرق بين العلم والجهل، والآيات المشتملة على الدعوة الى التأمل والتفكر والنظر والتدبر وإعمال العقل فهي كثيرة في كتاب الله عز و جل، فلذلك لا بد لنا ان نعي ان شريعتنا تقوم على العلم وتدعو اليه وان حياتنا لا بد ايضا أن تتجاوب مع هذا الذي يدعونا اليه شرعنا، لاننا حينما نتحدث عن العلم لا نقصد به العلم الشرعي فقط، بل نقصد كل انواع العلوم والمعارف التي تنفع الناس وتحقق لهم مصالح وتخدم الانسانية جمعاء، وأعلى هذه العلوم منزلة واعظمها شرفا لا شك هو العلم الذي يبصر الانسان بكيفية عبادته لربه تبارك وتعالى وتوحيده وتنزيهه ونفي الاشباه والاضداد عنه سبحانه.

الشمول:

كذلك فإن من خصائص شريعتنا (الشمول)والشمول يظهر في تناولها لكل مفردات الحياة، فكما تُعلِّم هذه الشريعة الناس الطهارة فإنها تعلمهم الاخلاق وتعلمهم كيف يقيمون الحكم على اسس من الشورى والعدالة والمساواة وسلطة العدالة والنظام، (ما فرطنا في الكتاب من شيء) وبهذا نفهم قول الحق جل وعلا (قل انني هداني .. العالمين) وشمول الشريعة يعني أنها عامة شاملة لكل الناس ايضا، وحينما نقول ان من خصائصها شمول كل الناس وان المخاطبين بها هم كل البشر فإن هذه ايضا ينبغي ان يذكرنا بما تنفيه عنا هذه الشريعة مما تعاني منه حضارات ونظم بشرية عديدة من عنصرية وطبقية وعصبية عرقية وإثنية مما تؤدي إلى الاستبداد والجور والطغيان، مثلما نجد ممن يرون انفسهم شعب الله المختار أو يرون انهم اهل السيادة والسلطة والتحكم في مصائر الشعوب أو أن دماءهم دماء مستمدة من الآلهة .. .الخ، هذه الشريعة تنفي كل هذه الأنواع من العنصريات والعصبيات والطبقية، ولا تجعل لها وجودا ولا اعتبارا (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) وهذه من الخصائص التي ينبغي ان تدرس وتبحث لانها تقرب الناس الى هذا الدين وتبين لهم خصائصه التي تدعوهم بعد ذلك الى القناعة به والى اعتناقه والى الذود عنه مع نشره والدعوة اليه.

وهل يعني هذا الشمول ايضا طغيان جانب على آخر او غلبة جانب على ما سواه؟ هذا أيضا لا وجود له في شريعتنا، لأن من خصائصها انها متوازنة، ومعنى التوازن فيها انها توازن بين مطالب الروح ومطالب الجسد، وأنها تلبي حاجات العقل وحاجات الوجدان، كما تملأ العاطفة وتشبع فراغ الروح، انها تدعو الى السعي في هذه الارض وإلى العمل وعمارة الأرض وإصلاحها وتنهى عن الفساد فيها، كل ذلك في تشريعات متزنة يسيرة لا حرج فيها ولا مشقة، ولا عسر ولا غموض، ويمكننا ان نستشهد لهذه الحقيقة بقول الله تعالى (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ).

عالمية:

والخاصية التالية لما سبق ذكره هو كونها عالمية الطابع والمضمون والخطاب، وهذا من خصائصها الهامة التي تثبت من عدة وجوه، إذ عندما نتحدث عن الشريعة فإما ان ننظر الى خصائصها مما ورد فيها في ذاتها او باعتبار مصدرها الذي هو الحق تبارك وتعالى او باعتبار مبلغها الذي هو رسولنا الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم، ومن كل هذه الوجوه هي شريعة عالمية، فرسولنا بعث ليكون رسولا للناس كافة (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) فإذن دعوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم دعوة عالمية، مما يعني بالضرورة ان يكون ما يدعو اليه ايضا صالحا لخطاب الناس جميعا، وأنه يتناول كل بني البشر، ولذلك نجد الخطاب في القرآن الكريم (يَا أَيُّهَا النَّاسُ) و (يَا بَنِي آدَمَ) ونجد ايضا خطابا للمؤمنين – كل المؤمنين، لكن على المسلمين اليوم أن يتقنوا هذه الخاصية وأن يعرفوا كيف ينتفعون بها التزاما اولا ودعوة للغير اليها ثانيا. وهنا يجب أن ننبه إلى أنه لا ينبغي لنا ان نظن أن كل هذه الخصائص والمزايا هي شيء آخر غير الشريعة أو أنها صفات خارجة عن مضمونها أو نتكلف في إعمال عقولنا بعمق وبتدبر مبالغ فيه حتى نتملى بهذه المعاني، فليس الامر كذلك، بل هذه الصفات مصاحبة لذات الشريعة ملازمة لمضمونها، ظاهرة بينة في كل أصولها وقواعدها وفروعها، لذلك قلت في اول الامر تصوروا ان لو كانت حياة المسلمين اليوم دون شريعتهم! او كان وجود هذه الانسانية دون شريعة الاسلام! كيف يمكن ان يكون الحال؟

لا حرج فيها:

ومن خصائصها التي لا بد ايضا ان نعيها انها شريعة لا حرج فيها، تقوم على التيسير ورفع المشقة والحرج عن الناس بنص الكتاب العزيز (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) وحينما يقول (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ).

ومن الخصائص الهامة التي نفهمها من الآيات التي تعرضت لذكر الشريعة صراحة ومن عموم ما امرنا به ربنا جل وعلا أو نهانا عنه في كتابه العزيز او ما خاطبنا به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم انها شريعة واسعة متجددة، نامية الفروع باسقة الأغصان، ومكمن مرونتها وسعتها واستيعابها لكل جديد هو ما فيها من مبادئ كلية وقواعد عامة ومفاهيم كبرى، وهذه هي التي يفرع ويبنى عليها ما يحتاج اليه الناس في واقع حياتهم المتجدد ليستنبط العلماء ما فيه صلاح احوال الناس في الدنيا و الآخرة. فإذن السعة والتجديد من الصفات الملازمة لهذه الشريعة لا يمكن لها ان تجمد في قوالب معينة او ان تتوقف في وقت من الاوقات فلا تستوعب مشكلات الناس، وان حصل ذلك فانما هو بتقصير المسلمين انفسهم، بتقصير علماء المسلمين او بابتعاد الناس عن العودة الى شريعتهم.

 وهذه هي القضية التي دعتنا الى ان نتحدث عن هذا الموضوع القيم، فان فقدان المسلمين لثقتهم في شريعتهم كارثة كبرى قد تؤدي إلى العزوف عنها وإلى تلمس الحلول واستجدائها من غيرها، ومن أهم الأسباب المؤدية إلى ذلك طغيان الجهل في المجتمعات، أو تخاذل العلماء عن أداء دورهم، أو محاربة الشريعة من ذوي الأطماع والأمراض، لكن حينما يتمكن اهل العلم من تقريب الشريعة للناس بإعطائهم حلول مشكلاتهم وايجاد الوسائل النافعة الصالحة لاقامة حياتهم على اسس من الرحمة والعدل والشورى والمساواة امام القضاء وغير ذلك من القواعد الكلية التي يشتمل عليها ديننا ويجدون عقولا واعية لهذا الخطاب وقلوبا متشوقة لما فيه خلاصها ونجاتها فلا شك ان هذا هو الذي يؤدي بعد ذلك الى فاعلية الشريعة في واقع حياة الناس، لان الشريعة لم يرد لها ان تكون نظريات تملأ بها بطون الكتب أو أن نتلوها في كتاب الله عز و جل وفي سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، وإنما اريد لها ان تكون فاعلة في واقع حياة الناس، وكل ما تقدم من معانيها وخصائصها يؤكد ويستدعي بالضرورة ان تكون موجهة لحيا البشر متناولة بالعلاج النافع لقضاياهم ولمشكلاتهم.

تكامل مكوناتها:

أما الخاصية الاخيرة التي يمكن لنا ان نستنبطها مما استعرضناه من آيات فهو تكامل مكونات هذه الشريعة، وهذه مسألة ايضا لا بد ان نقف عندها ونتأملها تأملا واعيا، لان بعض الناس يجتزئ من هذه الشريعة قضايا بأعيانها ويبعد او يغفل النظر عن باقي مكونات هذه الشريعة، فإذا به يجد مدخلا لطرح الشبهات واثارة الشكوك والريب حولها، وللأسف فإننا لا ننتهي نحن في ردنا على هذه الاباطيل والشبهات لهذه الخاصية فننساق للدفاع وللتبرير وأحيانا لتطويع الادلة ولي اعناقها لنعلن براءتنا من الشبه والأباطيل المنسوبة إلى شريعتنا، فإذا ما تحدثنا على سبيل المثال عن قضية المرأة ومنزلة المرأة ومكانتها فتأتينا بعض الشبهات حول حقوق الميراث على سبيل المثال فتثار شبهات حول هذه القضية فننبري نحن للدفاع عنها مجتزئين ايضا موضوع الميراث او المسألة المالية من مجموع نظام هذه الشريعة والمنهاج الذي نسير عليه، حينما نتناول مثلا قضية اجتماعية فإن بعض الناس ينسى ان هذا التقسيم انما هو للتبسيط والتفهيم والتقريب لكنه لا يعني انبتات هذه الجوانب عن النظم الاقتصادية وعن تشريعات الحكم والسياسة ولا يعني انقطاعها عن عقيدة الايمان بالله واليوم الآخر، فلا بد ان تعالج في ضوء هذه المنظومة المتكاملة ولذلك فإن بعض الناس حينما يأتي الى مسألة قانون العقوبات او التشريعات الجنائية في الاسلام سيتصور ان في ذلك قسوة وعنفا، بينما الحقيقة أنه ينظر الى جانب مجتزء مبتور من هذه الشريعة، ولا تصح المعالجة والرد دون النظر الى تكامل سائر مكونات هذه الشريعة ضمن هذا النظام الذي وجد فيه هذا التشريع الخاص، وهذا ما نحتاج اليه اليوم ايضا في كثير – كما قلت– من كتاباتنا وما نطرحه في خطابنا الاسلامي عموما في وسائل الاعلام المتنوعة المختلفة لا يصح ان نظل ايضا منساقين وراء بتر مكونات هذه الشريعة بعضها عن بعض، نعم هناك حكم ومقاصد في خصوص التشريعات جميعا لكنها ايضا لا تنفك عن عموم الحكم والمقاصد المصاحبة لعموم هذه الشريعة.

هكذا استعرضنا باختصار شديد ما يتصل بالشريعة محاولة منا لفهمها ولتدبر معانيها وللتعرف على خصائصها وكل ذلك انما نريد منه بعد التدبر والفهم ان تعود لنا عزتنا وثقتنا في شريعتنا وان نسعى عاملين بما اكرمنا به الله سبحانه وتعالى مبتغين ما فيه رضاه ومصوبين انظارنا نحو الحياة الآخرة ومؤثرين ما عند الله عز و جل على متاع الدنيا وان نسير في هدى وفي نور من العلم والبصيرة التي ارادها لنا ربنا عز وجل حتى نكون فعلا منتسبين انتسابا صحيحا الى هذه الشريعة الغراء والى هذه الحنيفية السمحاء.