مناقشات موسعة حول الإدغام الناقص والكامل والتفريق بين الإدغام والإخفاء

مناقشات موسعة حول الإدغام الناقص والكامل والتفريق بين الإدغام والإخفاء

السؤال:

هل حروف (يرملون) على مستوى واحد في الإدغام؟

الجواب:

حروف الإدغام ( يرملون ) ليست على مستوى واحد في الإدغام، ولا تشدد في كل حال في قراءتنا التي نقرأ بها، والتفصيل كالآتي:

النون الساكنة تدغم في النون المتحركة ( إنْ نحن ) إدغام مثلين صغير، فيكتمل إدغامهما مع الغنة ولذلك تشدد النون الثانية.

النون الساكنة تدغم في الميم المتحركة ( منْ ماء ) وتشدد الميم لأجل تقارب الحرفين مخرجاً واتحدهما في صفة الغنة، فتصير هكذا ( مِمَّاء ) ميماً مشددة بغنة.

تدغم النون الساكنة في اللام والراء إدغاماً كاملاً ( من ربهم – من لهم ) لعدم وجود الغنة فاندغمت النون في اللام والراء مباشرة فذهبت النون وذهبت صفتها، فشددت اللام والراء.

بقي معنا ( الياء والواو ) فعند الإدغام تبقى الغنة حائلة عن تشديد الواو والياء، ولو ذهبت الغنة كاللام والراء لشددت الياء والواو ولصار الإدغام كاملاً، وليس بصحيح في قراءة عاصم تشديد الياء والواو بل ببقاء الغنة، وهذا يعرف بالتلقي، وكل من شدد الياء والواو في قراءتنا فقد أخطأ ويجب تصحيح النطق له.

هذا وللفائدة: كل القراء يقرأون بالإدغام الناقص مع الواو والياء إلا حمزة فإن له طريقتين: الإدغام الناقص كقراءتنا، والإدغام الكامل بدون غنة مع تشديد الواو والياء، فهذا التشديد مع إعدام الغنة جائز لحمزة من القراء لا لغيره.

ومن هنا نفهم لماذا لم توضع شدة على الواو والياء لأن المصحف رسم على قراءة عاصم وهو لا يقول بالإدغام الكامل. وبيت الشاطبية يشير إلى الخلاف عند حمزة فقط.

وأما تسميته بالإخفاء عند البعض فهذا مصطلح قديم يطول شرحه، ولتفهموه لا بد من معرفة هذه المصطلحات جيدا، أعني ( الإظهار والإدغام والإخفاء ) عند القراء وتدخل فيه القراءات في نقلها وأدائها، فهذه القواعد تختلف على حسب القراءات وليست ثابتة في كل قراءة، راجعوا كتب القراءات القديمة وستعرفون ماذا يعنون بهذه المصطلحات، لا بد من القراءة الكثيرة والإلمام بقواعد القراء في قراءتهم.

————————-

السؤال2 : أين يكون وضع اللسان في حالة إدغام النون الساكنة في الواو أو الياء يعني في مرحلة النطق بالغنة و قبل الانتقال إلى الحرف الذي بعد النون الساكنة، ألا يكون اللسان في هذه المرحلة عند مخرج النون؟؟

نسأل الله لنا و لكم الأجر و الثواب .. .

الجواب:

لا عمل للسان هنا، فالنون قد ادغمت وبقيت الغنة التي محلها الخيشوم، وقد نصوا أن لا عمل للسان والفم في نطق الغنة.

———————–

س3: أنتم تقولون: بأن هنالك فرقا بين الإدغام الناقص ـ عند النون الساكنة ـ و بين الإخفاء الحقيقي .. ..

و أنا من خلال هذا السؤال كنت أريد التوصل إلى الفرق بين الإدغام الناقص ـ عند النون الساكنة ـ و بين الإخفاء الحقيقي ، فقد فكرت لربما كان الفرق في وضعية اللسان حال النطق بالغنة و قبل الانتقال إلى النطق بالحرف الذي بعد النون الساكنة في كلا الحكمين ..

و لكن من خلال جوابكم لم أستطع أن أفرق بينهما لا من الناحية النظرية و لا من الناحية التطبيقية .. .. .؟؟

أدرك بأن أمثال هذه الأسئلة لا يمكن الإجابة عليها نظريا في الكثير من الأحيان و إنما لا بد من السماع من شخص متقتن .. .

نسأل الله أن ييسر لنا ذلك .. .

و السلام عليكم و رحمة الله .. .

الجواب:

في مثل هذه الفروق المعقدة التي ليس من ورائها كبير علم يرجع الى أصل المصطلحات اللغوية لبيان الفرق.

فالإدغام بمعنى الدمج والإدخال

والإخفاء بمعنى الستر والخفاء، ومنه قول الله تعالى ( إذ نادى ربه نداء خفياً ) أي يكاد يستره في خفوت.

وهذا ما دعا بعض القدماء إلى عد الإخفاء ضربا من الإدغام إلا انه في الإدغام أعمق وأدخل للدمج وفي الإخفاء أخف وأقل ، وفي كلا المصطلحين هو إذهاب ذات الحرف الأول إلا أن الغنة في الإخفاء تكون أكثر حدة وتصويتا وارتفاعا، وفي المدغم أخفت وأخف والسبب أن الإدغام مع الواو والياء يشغل حيزا واسعا من الغنة بحيث تضعف بخلاف الإخفاء الذي تتمكن فيه الغنة لكون الدمج في الإخفاء اقل.

يقول ابن الجزري في النشر:

“المخرج السابع عشر- الخيشوم- وهو للغنة وهي تكون في النون والميم الساكنتين حالة الإخفاء أو ما في حكمه من الادغام بالغنة فإن مخرج هذين الحرفين يتحول من مخرجه في هذه الحالة عن مخرجهما الأصلي على القول الصحيح كما يتحول مخرج حروف المد من مخرجهما إلى الجوف على الصواب وقول سيبويه : إن مخرج النون الساكنة من مخرج النون المتحركة إنما يريد به النون الساكنة المظهرة”

ويقول في موضع اخر:

“.واعلم أن الإخفاء عند أئمتنا هو حال بين الإظهار والإدغام. قال الداني وذلك أن النون والتنوين لم يقربا من هذه الحروف كقربهما من حروف الإدغام فيجب إدغامهما فيهن من أجل القرب ولم يبعدا منهن كبعدهما من حروف الإظهار فيجب إظهارهما عندهن من أجل البعد فلما عدم القرب الموجب للإدغام والبعد الموجب لإظهار أخفيا عندهن فصارا لا مدغمين ولا مظهرين إلا أن إخفاءهما على قدر قربهما منهن وبعدهما عنهن فما قربا منه كانا عنده أخفى مما بعدا عنده قال والفرق عند القراء والنحويين بين المخفى والمدغم أن المخفى مخفف والمدغم مشدد انتهى والله أعلم.

ويقول:

“الإدغام بالغنة في الواو والياء وكذلك في اللام والراء عند من روى ذلك هو إدغام غير كامل من أجل الغنة الباقية معه. وهو عند من اذهب الغنة إدغام كامل.

وقال بعض أئمتنا إنما هو الإخفاء وإطلاق الإدغام عليه مجاز، وممن ذهب إلى ذلك أبو الحسن السخاوي فقال: واعلم أن حقيقة ذلك إخفاء لا إدغام وإنما يقولون له إدغام مجازاً. قال وهو في الحقيقة إخفاء على مذهب من يبقى الغنة ويمنع تمحيض الإدغام إلا أنه لابد من تشديد يسير فيهما. قال وهو قول الأكابر قالوا الإخفاء ما بقيت معه الغنة.

(قلت) والصحيح من أقوال الأئمة أنه إدغام ناقص من أجل صوت الغنة الموجودة معه فهو بمنزلة صوت الإطباق الموجود مع الإدغام في (أحطت؛ وبسطت) والدليل على أن ذلك إدغام وجود التشديد فيه إذا التشديد ممتنع مع الإخفاء.

قال الحافظ أبو عمرو : فمن بقى غنة النون والتنوين مع الإدغام لم يكن ذلك إدغاماً صحيحاً في مذهبه لأن حقيقة باب الإدغام الصحيح أن لا يبقى فيه من الحرف المدغم أثر إذ كان لفظه ينقلب إلى لفظ المدغم فيه فيصير مخرجه من مخرجه بل هو في الحقيقة كالإخفاء الذي يمتنع فيه الحرف من القلب لظهور صوت المدغم وهو الغنة.

ألا ترى أن من أدغم النون والتنوين ولم يبق غنهما قلبهما حرفاً خالصاً من جنس ما يدغمان فيه؟ فعدمت الغنة بذلك رأساً في مذهبه؛ إذ غير ممكن أن تكون منفردة في غي حرف أو مخالطة لحرف لاغنة فيه لأنها مما تختص به النون والميم لا غير”. انتهى النقل عن ابن الجزري من النشر.

وهذا مما يؤكد ان بعض القدماء ما كانوا يفرقون في المصطلح بين الإخفاء والإدغام.

ونخرج من هذا الجدل العقيم أن لا عمل للسان هنا بل الغنة تقوى عند الإخفاء وتضعف عند إدغام النون مع الواو والياء.

وأنصح نفسي وأنصحكم بعدم الاهتمام بمثل هذه المباحث التي لا طائل تحتها وخذوا القواعد بالتلقي يسهل عليكم الأمر وترتاحوا من هذه المتاهات.