“وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ”

وإن شئت فانظر في قوله تعالى”وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ” ( التكوير/18) تجد من الروعة والجمال باجتماع كلمتي الصبح والتنفس ما لا تجده لو جيء بأي كلمة لتوضع مكان إحدى الكلمتين بهذا التأثر فإن كلمة الفجر إذا تنفس لم تخالط نفسك هذه الروعة ولم تحس بهذا التأثر فإن كلمة الفجر وإن كانت رديفة لكلمة الصبح فهي تختلف معها في الاشتقاق لأنها مشتقة من الانفجار وهذا يعني أن الفجر أول سطوع ينشق عنه ظلام الليل والصبح مأخوذ من الإصباح وهو سريان الضوء لتمزق رداء الظلام الذي يجلل الفضاء ولذلك كانت كلمة الصبح هنا أليق وأنسب من كلمة الفجر لاقترانها بذكر التنفس والتنفس دليل الحياة لأنه عبارة عن جذب الأنفاس إلى داخل الجسم وإخراجها منه وبدخول الأنفاس في الجسم تعطي الجسم مادة الحياة وخروجها استمرار للحياة وهذا لا يناسب ذكر الفجر كما يناسب ذكر الصبح لما تصوره جملة “والصبح إذا تنفس” من ذلك المشهد الذي ينساب فيه ضوء الصباح في الفضاء فيطوي رداء الظلام وتسري الحياة في عالم الأرض فتغني الطيور وتحيا الحركة إذ ترى الناس بين آت وذاهب يغدون إلى أعمالهم والحيوانات تنطلق من مرابضها ساعية وراء رزق الله، والأشجار تستقبل أزهارها وأوراقها هذا الضياء استقبال العاشق لمعشوقه. (جواهر التفسير ج1 ص 83)