6- تفسير آيات تغيير القبلة واستقبالها في الصلاة وبناء المساجد والذكر فيها
تفسير القبلة وما نسخ من قبلة بيت المقدس :
قوله في السورة التي يذكر فيها البقرة :
{ وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ }(البقرة:115) وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم , لما هاجر إلى المدينة, أمره الله أن يصلي نحو بيت المقدس , لئلا يكذب به اليهود إذا صلى إلى قبلتهم , مع ما يجدون من نعته في التوراة , فصلى النبي واصحابه أول ما قدموا المدينة تسعة عشر شهراً نحو بيت المقدس , فخرج أناس من المسلمين قبل المشرق , ومنهم من صلى المغرب , ثم استبان لهم القبلة, فلما قدموا المدينة سألوا النبي عنذلك فنزلت فيهم { وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ } يعني: أينما تحولوا وجوهكم في الصلاة فثم وجه الله , { إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } .
فقال النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل: ” وددت إن ربي صرفني عن قبلة اليهود إلى غيرها ” يعني : قبلة آبائه إبراهيم وإسماعيل , فقال جبريل : إنما أنا عبد مثلك مأمور , فسل ربك ذلك , وصعد جبريل إلى السماء وجعل النبي يديم النظر إلى السماء , رجاء أن يأتيه جبريل بما سأل الله , فأتاه جبريل بما سأل , فصارت قبلة بيت المقدس منسوخة , نسختها هذه الآية { قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ)(البقرة:الآية144) } يديم نظرك إلى السماء , يعني :{ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا } يعني: فلنحولنك قبلة ترضاها , يعني: الكعبة , لأنها أحب إليك من البيت المقدس , قال{ فَوَلِّ وَجْهَكَ } يعني: فحول وجهك في الصلاة { شَطْرَ } يعني: تلقاء{ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ } يعني: تلقاءه.
فلما صرفت القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة اختصم اليهود والمسلمون في أمر القبلة , وفضلوا بيت المقدس على الكعبة , فأكذبهم الله , ونزَّل في السورة التي يذكر فيها آل عمران قال:{ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً }(آل عمران:96) يعني: إن أول مسجد وضع للناس المسلمين للذي ببكة مباركاً. وغنما سمي ببكة لأن الناس يبك بعضهم بعضاً في الطواف , ووضع بيت المقدس بعده بأربعين سنة أو ما شاء الله.
وبكة بين الجبلين , ومكة الحرم كله { مُبَارَكاً } يعني : فيه البركة ومغفرة للذنوب لمن تاب، ولمن حجه أو اعتمره , وصلى فيه { وَهُدىً لِلْعَالَمِينَ } يعني: هدى من الضلالة لمن صلى قبل الكعبة , للعالمين, يعني: المؤمنين .
قال: فمن صلى قبل بيت المقدس بعدما صرفت القبلة عنه فهو في ضلالة. ثم قال{ فِيهِ }(آل عمران:الآية97) يعني: المسجد الحرام { آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ } يعني: علامة واضحة{ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ } يعني: أثر مقام إبراهيم خليل الرحمن .
قوله في السورة التي يذكر فيها البقرة { وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً }(البقرة:الآية125) يقول : صلوا عنده , والإمام يقوم خلفه , خلف المقام مستقبلاً الكعبة والناس حوله .
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :”صلاة في مسجدي هذا -يعني بالمدينة-أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا ما فضل الله به المسجد الحرام”.
قوله في السورة التي يذكر فيها الأعراف :{ قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ }(الأعراف:الآية29) يعني: بالعدل:{ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ } يعني: في الصلاة نحو الكعبة { عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ } يعني: في بيعة أو كنيسة أو غيرها, فصلوا قبل في الكعبة{ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } فأمرهم بالصلاة والسبيل والسنة.
وقال: الكعبة قبلة لأهل المسجد الحرام , والمسجد الحرام قبلة لأهل الحرم , والحرم كله قبلة لأهل الأرض جميعاً.
وقال: إذا جعلت المغرب عن يمينك والمشرق عن يسارك , فما بينهما قبلة لأهل المشرق.
وقال: لا يقطع الصلاة شيء يمر بين يديك ، ولكن أردد ما استطعت.
وقال: إذا صليتم فاستروا ما بين أيديكم ما استطعتم , وإذا لم يجد أحدكم ستراً فليخط خطاًً بين يديه , ثم لا يضره ما مر أمامه إن شاء الله.
تفسير بناء المساجد والذكر فيها :
قوله في السورة التي يذكر فيها النور: { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ }(النور:36) يقول : أمر الله بالمساجد أن تبنى, ويذكر فيها اسمه , يعني: يذكر فيها السبيل والسنة.
{ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ } يعني : يصلى لله فيها بالغدو والآصال، فأمر برفعها, وعمارتها.
ثم نعت من يفعل ذلك فقال: { رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} (النور:37) يعني : شراءً ولا بيعاً عن ذكر الله , يعني: عن الصلاة المفروضة. { وَإِقَامِ الصَّلاةِ } يعني: الصلاة, يعني: لا تلهيهم عن إتيان الصلاة لوقتها. { وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ } يعني: وإعطاء الزكاة.{ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ } فخوفهم ذلك اليوم.
قال : المساجد في الأرض , والصلاة فيها , والذكر وقراءة القرآن فيها ضوءها في السماء بمنزلة الكواكب لأهل الأرض , فطوبى للمؤمنين ، قال: [الله تعالى]: { الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ* رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ* وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }(غافر:7-9)
وعن عائشة : سئلت عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقالت:” كان يصلي ليلاً طويلاً قائماً , وليلاً طويلاً قاعداً” .