18- تفسير آيات الأهلة ومناسك الحج والعمرة ومشاعرها العظام
تفسير الأهلة :
قوله في السورة التي يذكر فيها البقرة( الآية:189):
{ يَسْأَلونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ } قال: نزلت في معاذ بن جبل, وثعلبة بن عنمة, وهما من الأنصار , سألا النبي صلى الله عليه وسلم عن الأهلة , فقال معاذ : يا نبي الله ما بال الهلال يبدو مثل الخيط ثم يزيد ويمتلئ حتى يستوي ثم لا يزال ينقص حتى يعود كما بدأ؟ فنزلت { يسألونك عن الأهلة} { قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ } يعني : في حل دينهم , وعدة نسائهم , وصومهم , والشروط التي بينهم إلى أجل مسمى , ثم قال { وَالْحَجِّ } يعني : وقت حجهم , فالأهلة مواقيت في ذلك .
مناسك الحج والعمرة : تفسير البيت الحرام
قوله في سورة البقرة(الآية:127): { وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ } وذلك أن الله عز وجل لما أغرق قوم نوح رفع البيت الحرام الذي كان على عهد آدم إلى السماء , فهو البيت المعمور اسمه الصراح , وعمّاره الملائكة , يدخله في كل ليلة سبعون ألف ملك يصلون فيه , أو ما شاء الله , وهو حيال البيت , لو رمى منه لوقع على البيت المعمور .
قال: بنيت الكعبة من خمسة أجيال , على حجر من جبل طور سيناء , وحجر من جبل طور زيتون , وحجر من الجودي , وحجر من جبل لبنان , وقواعده من جبل حراء .
وكان بين خلق البيت , وخلق آدم ألف سنة أو ما شاء الله , وكان يحج البيت قبل آدم , والبيت نزل من السماء , وكان موضع البيت زبدة على ظهر الماء قبل أن يخلق الخلق , فلما كان زمان الطوفان رفع الله البيت إلى السماء , وأوحى إلى إبراهيم أن يبنى على أساس ذلك البيت بناءً فجاءت سحابة فقامت حياله فبنى إبراهيم وإسماعيل البيت الحرام على ذلك الأصل .
بناؤه من خمسة جبال , فلما فرغا من بناء البيت قالا : { رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } فجاءه جبريل حتى دله على الحجر الأسود فاستخرجه من جبل أبي قبيس , وهو الجبل الذي الصفا في أصله , فوضعه .
قال : ثم صعد إبراهيم على [ جبل] أبي قبيس , فنادى في الناس فقال : يا أيها الناس أجبيوا ربكم , إن الله يأمركم أن تحجوا بيته فحجوه , فسمع نداء إبراهيم كل مؤمن بالتلبية , فالتلبية جواب [ الله ] عن نداء إبراهيم خليل الرحمن .
والحجر الأسود كان أبيض , ويعود كما كان أبيض , ولولا ما مسه من أنجاس أيدي المشركين ، ما مسّه ذو عاهة إلا شفاه الله , يجيء وله يوم القيامة عينان , وشفتان يشهد بالوفاء لأهله لمن استلمه مخلصاً .
فأوحى الله تبارك وتعالى إليه { لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ }(الحج:28) يعني: مغفرة لذنوبهم يوم عرفة .
عن ابن عباس أنه قال: الجنة لكل تائب وآمن، لكل من تاب وآمن وعمل صالحاً والمغفرة لكل واقف بعرفة من المسلمين .
عن ابن عباس , عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :” مكة حرام حرمها الله إلى يوم القيامة , لا تحل لأحد من قبلي ولا تحل لأحد من بعدي , وإنما أحلت لي ساعة من نهار، لا يختلي خلاؤها ولا يعضد عصاؤها، ولا يحصد شوكها , ولا ينفر صيدها , ولا تحل لقطتها إلا لمن ينشدها “.
قال : وأرض الحرم حرام جبالها إلى السماء العليا إلى منتهى العرش وجبالها إلى الأرض السفلى إلى الهوى .
قوله: { وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا }(البقرة:128) يعني: علمنا مناسكنا, وذلك أن جبريل انطلق بإبراهيم إلى عرفات يوم عرفة , فعرفه بها ثم رده إلى منى , فقصد له إبليس عند موضع الجمار , فأمره جبريل أن يرميه بسبع حصيات , يكبر مع كل حصاة تكبيرة , فجاء به ورمى الجمار في ذلك , والله أعلم .
والتلبية جواب الله في نداء إبراهيم قال: { َأْتُوكَ رِجَالاً } يعني : مشاة على أرجلهم إلى البيت { وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ } يعني الإبل { يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ } (الحج:27) يعني: يجيئون من كل مكان بعيد .
تفسير ما يوجب الحج :
قوله في السورة التي يذكر فيها آل عمران(الآية:97):
{ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ } يعني: المؤمنين” حج البيت” { مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً } يعني: من وجده استطاع إليه بلاغاً .
قالوا: يا نبي الله وما الاستطاعة ؟ قال: زاد وراحلة .
{ وَمَنْ كَفَرَ } يعني : ومن لم يحج { فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ } قال : ومن وجد سعة في المال ويستطيع أن يحج من غير عذر حتى ذهب ماله , فقد وجب عليه الحج , وهو دين عليه في حياته وموته .
ومن لم يجد مالاً ويستطيع أن يحج به فليوصِ به من يحج عنه , وليس على العبيد , والصبيان حج , ولكن إن كان للعبد مال يستطيع فليجتهد جهده , ويرغب إلى مولاه حتى يأذن له في الحج .
قال أبو الحواري : لا مال للعبد , ولا حج على العبد ومال العبد لسيده , ولا يجوز إلا بإذن سيده .
وقال : ومن حج عن ميت بعدما حج لنفسه فقد أجزى عن الميت حجة , وهو مأجور إن شاء الله .
وقال : إن النبي صلى الله عليه وسلم , سمع رجلاً يلبي عن آخر , فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ” إن كنت حججت لنفسك وإلا فحج [ لنفسك] ثم حج لغيرك”.
وقال ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم :” إن الله يدخل بالحجة الواحدة ثلاثة نفر الجنة , الحاج عن الميت , والميت الذي أوصى بالحج , والمنفذ ذلك عن الميت إذا كانوا مسلمين “.
تفسير ما أمر الله من تمام الحج والعمرة في المواقيت والتلبية :
قوله في السورة التي يذكر فيها البقرة (الآية:196): { وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ } وذلك أن مشركي العرب كانوا يشركون في إحرامهم فقال: { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً }(آل عمران:97) فقال الله للمسلمين: { وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ } يعني: خالصاً لا تخلوطها بشيء , فتستحلوا فيها ما لا ينبغي, وهما فريضتان واجبتان .
ثم قال في التقديم: { وَاتَّقُوا اللَّهَ } يخوفهم الله ألا يستحلوا فيهما ما لا ينبغي { وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }(البقرة:196) إذا خالفتم .
قوله في السورة التي يذكر فيها الحج (الآية30-31):{ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ } يعني : فاجتنبوا من الأوثان الإثم , يعني: عبادة الأصنام { وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ } يعني الكذب , وذلك أن الحمس : قريشاً , وكنانة وخزاعة , وعامر بن صعصعة كانوا يشركون في إحرامهم في الجاهلية , كانوا يقولون :” لبيك اللهم لبيك , لا شريك لك , إلا شريكاً تملكه وما ملك “.
قال الله تعالى :{ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ } { حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ } يعني: مخلصين لله بالتوحيد والعبادة في الحج والعمرة , وغير ذلك { غير مشركين به}. ثم عظم الشرك فقال : { وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ } يعني : فكأنما وقع من السماء { فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ } يعني: بعيداً , فهذا مثل الشرك في البعد من الله ، ومن أصر على ذنب ومات عليه فهو بعيد من الله.
عن ابن عباس أنه قال: ” كانت تلبية النبي عليه السلام في الحج ” لبيك اللهم لبيك , لبيك لا شريك لك لبيك , إن الحمد والنعمة لك والملك , لا شريك لك “.
وهكذا التلبية في العمرة , فهذه تلبية النبي صلى الله عليه وسلم .
قال: وتمام الحج والعمرة الإحرام من المواقيت .
قال : وقت النبي صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة , ولأهل الشام الجحفة , ولأهل الطائف ونجد ذات قرن , ولأهل اليمن يلمم، ووقت عمر بن الخطاب لأهل العراق ذات عرق .
وقال عطاء: فليس لأحد من الناس يريد مكة فريضة أو تطوعاً يجاوز هذه المواقيت إلا محرماً بحج أو عمرة .
وقال: إن تبدءوا بالعمرة إذا كان في أشهر الحج لمن أراد الحج في عامة , ذلك لحديث بلغه عن النبي صلى الله عليه وسلم , عن جابر أنه قال: “قد قرن النبي صلى الله عليه وسلم للحج والعمرة جميعاً , فطاف بالبيت سبعاً، واحداً للحج والعمرة جميعاً, وسعى بين الصفا والعمرة سبعاً للحج والعمرة جميعاً , ولم يحلق رأسه , ولم يقصر وقام على إحرامه حتى أحل يوم النحر , ونحر الهدي ” وهكذا يفعل القارن .
وقال : ليست المتعة إلا في شوال , وذي القعدة , وعشر من ذي الحجة .
قال : ومن كان معه هدي بدنة يسوقها فليركبها إن شاء ويحمل عليها, فإذا قلدها أو شعرها فليمسك عن ذلك .
قوله في السورة التي يذكر فيها الحج(الآية:33): { لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً } يعني: لكم في البدن منافع في ظهورها وألبانها إلى أجل مسمى, يعني: إلى أن يقلد أو يشعر, وتسمى هدياً فهذا الأجل المسمى, فإذا فعل ذلك فلا يحمل عليها إلا مضطراً ويركبها بالمعروف, ويشرب فضل ولدها من اللبن , ولا يجتهد الحلب فإن ذلك ينهك أجسامهن { ثُمَّ مَحِلُّهَا } يعني: من حيث يقلد { إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ } يعني : منحرها أرض الحرم .
تفسير الإحرام بالحج قبل العمرة :
قوله في السورة التي يذكر فيها البقرة(الآية:197): { الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ } فهن شوال , وذو القعدة , وعشر من ذي الحجة .
عن ابن عباس أنه قال: من أحرم بالحج فليحرم في الأشهر المعلومات , فمن أحرم في سواهن بالحج فقد أخطأ السنة , فليجعلها عمرة, ثم يحرم بالحج في أيام الحج .
قوله{ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ } يعني : فمن أحرم في الأشهر المعلومات بالحج والعمرة , فإذا بلغ الوقت , فليغسل ثيابه التي يحرم فيها ثم يلبي في دبر كل صلاة مكتوبة أو تطوع , أو حين تستوي به راحلته قائمة نحو القبلة , فإذا لبى فقد أحرم { فَلا رَفَثَ } يعني: فلا جماع , فمن جامع امرأته في إحرام فقد أبطل حجه , فعليه الهدي , والحج من قابل , وكذلك العمرة , ثم قال { وَلا فُسُوقَ } يعني : لا سباب { وَلا جِدَالَ } يعني: ولا مراء { فِي الْحَجِّ } حتى يغضب وهو محرم أو يغضب صاحبه وهو محرم , ومن فعل ذلك فليطعم مسكيناً .
ثم قال { وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ } يعني : من ترك من نهى الله عنه من الرفث والفسوق والجدال , ومن الصيد وغيره ويعلمه الله , فأجزاكم به { وَتَزَوَّدُوا } يعني : من الطعام ما تكفون به وجوهكم عن الناس . ثم قال : { فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى } يعني : التقوى خير الزاد { وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ } يعني : فاتقون ولا تعصون يا أهل اللب والعقل .
وقوله في السورة التي يذكر فيها المائدة( الآية:1):
{ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ } يعني: الإبل والبقر والغنم حلال للمحل وللمحرم { إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ } يعني: ما حرم عليكم { الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ } إلى آخر الآية(المائدة:3) , فإنه حرام على المحل والمحرم .
ثم قال : { غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ } يعني : من غير أن يستحلوا قتل الصيد في البر في الإحرام { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً } فعليه { فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ }(المائدة:95).
قال: ولا يحل للمحرم أن يقطع شجرة رطبة من شجر الحرم, أو يتطيب بورس أو زعفران , أو يلبس ثوباً له ريح طيب , ولا ينتف , ولا يمس طيباً .
فمن نتف ثلاث شعرات فصاعداً , أو حلق رأسه , أو فعل شيئاً مما ذكر فعليه فدية من صيام أو صدقة أو نسك , شاة يذبحها للفقراء أو المساكين , وليتصدق بلحمها , وجلدها .
تفسير البيت العتيق والطواف به :
قوله في السورة التي يذكر فيها البقرة (الآية:125):
{ وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ } يعني: البيت الحرام { مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً } يعني: البيت الحرام يثوبون إليه كل عام لا يقضون منه وطراً, ثم قال { وَأَمْناً } يعني: لمن دخله في الجاهلية في وهادته , ومن دخله وقد أصاب اليوم ذنباً يجب فيه الحد , ثم لجأ إلى أرض الحرم أمن فيه, ولكن على أمير مكة أن يخطب الناس فيقول :
إن فلان ابن فلان قد أحدث حدثاً فلا تأووه , ولا تطعموه , ولا تقوه , ولا تبايعوه , ولا تخالطوه , ويجعل عليه رقباءً.
فإذا خرج من أرض الحرم , يقام عليه ما أحل بنفسه .
قال: وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ” مكة حرام بحرام الله , لم تحل لأحد قبلي , ولا تحل لأحد من بعدي , إنما أحلت لي ساعة من نهار “. يعني: يوم فتح مكة ثم حرمت .
قوله { وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً } يعني : يقول , صلوا عند مقام إبراهيم , ولم يأمر بمسحه , ولا تقبيله ولا بغسله, وقال: { وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ } يعني : من الأوثان , يقول: لا تذر صنماً ولا وثناً حول البيت { لِلطَّائِفِينَ } يعني: الطائفين بالبيت من حجاج أو عُمَّار المسلمين من غير أهل مكة{ وَالْعَاكِفِينَ } يعني: المقيمين فيها أهل مكة { وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ } يعني : في الصلوات، نظيرها في سورة الحج .
ووجدت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا دخل المسجد الحرام ونظر إلى البيت يقول :” اللهم زد بيتك هذا تشريفاً وتعظيماً , وعظم من عظمه , وكرم من حجه واعتمره تشريفاً وتعظيماً وتكريماً وبراً وإيماناً من عبادك الصالحين , ثم يمشي رويداً حتى يستلم الحجر الأسود “.
قال : فإذا قدم الحاج البيت بدأ بالحجر الأسود فاستلمه بيده اليمنى وكبر الله , ثم يطوف عن يمينه سبعاً، وإن استطاع أن يمس الحجر الأسود في كل تطويفه فعل , وإلا فيكبر حياله ويختم به طوافه السابع .
قال: ويستحب أن يكثر من هذا الدعاء ما بين الركن اليماني إلى الحجر الأسود: اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا برحمتك عذاب النار.
وفي المواقيت كلها تكثر من ذكر الله في الطواف والتسبيح , والتهليل والثناء على الله , والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم .
قال : إنما جعل الطواف بالبيت لإقامة ذكر الله , فمن طاف بالبيت فقد اقتدى بالملائكة الذين هم حافين من حول العرش .
قال : فإذا فرغ من الطواف بالبيت سبعاً فليصل ركعتين عند مقام إبراهيم مستقبلاً البيت , وليسأل الله حاجته , فإذا سلم فليستقبل الحجر الأسود فيكبر الله , ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم , ثم يخرج من باب الصفا إلى الصفا.
تفسير الصفا والمروة :
قوله في سورة البقرة(الآية:158):
{ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ } وذلك أن الحمس: قريش , وكنانة, وخزاعة, وعامر بن صعصعة, قالوا: ليس الصفا والمروة من شعائر الله .
قال : وكان على الصفا صنم في الجاهلية, فقالوا: علينا حرج في الطواف بينهما, ولا يطوفون بهما, فنزلت فيهم { إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ } يعني: هما من أمر المناسك التي أمر الله بالطواف بهما .
وقوله في سورة المائدة :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ }(المائدة:الآية2) يعني: لا تستحلوا ترك شيء من المناسك، { فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ } يعني فلا حرج عليه أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا } .
ثم قال :{ وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً } يعني : ومن زاد في الطواف بعد الفريضة { فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ }يعني: لأعمالكم { عَلِيمٌ } يعني: عالماً بها، قال : وقد طاف بهما إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام، [ عَلِيمٌ ] يعني: وعالم بما قد طاف بهما إبراهيم خليل الرحمن , صلوات الله عليه .
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “من طاف سبعاً, وصلى ركعتين فله من الأجر كثير”.
وقال: فالحاج إذا خرج إلى الصفا فليصعد عليه حيث يرى البيت ثم يكبر سبع تكبيرات فيذكر الله ويثني عليه ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم, ويستغفر لنفسه وللمؤمنين والمؤمنات ويسأل الله حاجته من أمر دنياه وآخرته .
ثم ينحدر نحو المروة فإذا بلغ بطن المسيل سعى فيه, يقول: رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم , إنك أنت الأعز الأكرم, واهدني للتي هي أقوم, فإذا بلغ العلم الآخر مشى رويداً , فإذا بلغ المروة وصعد عليها حتى يرى البيت فيستقبله فيكبر سبع تكبيرات , ثم يذكر الله ويثني عليه , ويصلي على النبي , ويستغفر لنفسه وللمؤمنين والمؤمنات , ويسأل الله حاجته .
ثم ينحدر فيطوف بهما سبعاً يبدأ بالصفا ويختم بالمروة , ثم يحل من إحرامه فيحلق أو يقصر .
فإذا كان يوم التروية راح إلى منى عند صلاة الأولى فيبيت بها, فإذا أصبح سار إلى عرفات .
فإذا أتى عرفات يوم عرفة يغتسل بالماء, ويصلي صلاة الأولى وصلاة العصر في وقت واحد , وفي ووقت الأولى , أو بين الأولى والعصر إن شاء مع الإمام , وإن شاء وحده , وفي جماعة مع أصحابه , ثم يقف مع الناس, فيكثر من ذكر الله والثناء عليه, والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم, والاستغفار لنفسه وللمؤمنين والمؤمنات, ويجتهد في الدعاء في طلب حاجته, وإن كان معه هدي فليهده .
قوله في سورة البقرة(الآية:199) :
{ ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ } من عرفات , يعني بالناس في هذه الآية اليمن, وربيعة, وذلك أن الحُمْس قريش, وكنانة وخزاعة وعامر بن صعصعة, كانوا من أهل الحرم, وكانوا يقفون بالمشعر الحرام ولا يخرجون من الحرم, ولا يقفون بعرفات في الجاهلية, فأمرهم الله بالوقوف بعرفات والإفاضة منها فذلك قوله { ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ } يعني عرفات { وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ }يعني لذنوبكم { إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ } يعني لذنوب المؤمنين { رَحِيمٌ } بهم .
قال أبو الحواري :
إن الناس هاهنا هو النبي صلى الله عليه وسلم .
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:” إن أكثر قولي وقول الأنبياء من قبلي عشية عرفة لا إله إلا الله وحده لا شريك له , له الملك وله الحمد بيده الخير وهو على كل شيء قدير” .
عن ابن عباس قال: الجنة لكل تائب , والمغفرة لكل لازم لطاعة الله وواقف بعرفات .
قال: وكان أهل الجاهلية يفيضون من عرفات قبل غروب الشمس, فخالف عليهم النبي صلى الله عليه وسلم في الإفاضة, فأفاض منها بعد غروب الشمس .
فينبغي للإمام إذا غابت الشمس أن يفيض من عرفات, والناس معه يسيرون سيراً حميداً , لا يؤذون أحداً , وهم يلبون حتى ينزلوا بجمع وهو المشعر الحرام .
تفسير المشعر الحرام والذكر لله في تلك الليلة :
قوله في السورة التي يذكر فيها البقرة(الآية:198): { َإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ } يعني بالمشعر الحرام جمعا اجتمع بها آدم وحواء حين هبطا من الجنة , وهي المزدلفة يزدلف إليها إذا أفاضوا من عرفات .
قال: فإذا نزل الناس بجمع , يصلون فيها صلاة المغرب والعشاء جمعاً في موقف واحد بأذان وإقامتين .
قال :{ فَاذْكُرُوا اللَّهَ } يعني: ذكر الله { عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ }{ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ } لأمر دينه { وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ } يعني: من قبل أن يهديكم لمن الضالين .
قال : ومن لم يجتمع مع الناس بعدما وقف بعرفات فعليه ذبح شاة لفقراء المسلمين , ولا يأكل منها شيئاً , وقد تم حجه , ومن أدرك بجمع فوق ساعة معهم فلا كفارة عليه .
فإذا أصبح الإمام بجمع والناس معه فصلى صلاة الفجر , ثم وقفوا ساعة يذكرون الله ,ويسألون حاجتهم , ثم يفيض الإمام والناس معه من جَمْع قبل طلوع الشمس فيسيرون رويداً , ويلبون ويذكرون الله حتى يأتوا منى بجمرة العقبة .
تفسير منى وأيام النحر والطواف الواجب ورمي الجمار :
قوله في السورة التي يذكر فيها الحج(الآيات:27-29) :
{ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ }إلى قوله { لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ } يعني: الأجر في الآخرة في مناسكهم { وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ } يعني: ثلاث أيام , يوم النحر ويومين بعده الذي يصلح فيهن الذبح { عَلَى مَا رَزَقَهُمْ } يعني: على الذبائح { مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ }يعني: الإبل والبقر والغنم، { فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ } يعني: الضرير الزَّمِن { الْفَقِيرَ } يعني: من ليس له شيء.
ثم قال { ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ } يعني: حلق الرأس والذبح ورمي الجمار { وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ } يعني: في الحج والعمرة مما أوجبوا على أنفسهم من هدي وغيره , فإذا نحروا يوم النحر وفوا نذورهم { وَلْيَطَّوَّفُوا } يعني: الطواف بعد النحر { بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ } يعني: عتق في الجاهلية من أن يحرب أو يقتل أهله , أو يسبى .
قال : إذا قدم الحاج يوم النحر فإذا أتى جمرة العقبة فليمسك عن التلبية , ويرمي سبع حصيات يكبر مع كل حصاة تكبيرة من بطن الوادي , فإذا فرغ من رميها فلا يقف عندها ,ولينصرف وليقل : اللهم اجعله حجاً مبروراً , وذنباً مغفوراً , وسعياً مشكوراً وأرزقنا نضرة وسروراً , ثم يرجع إلى منزله فيذبح ويحلق , فإذا ذبح وحلق يوم النحر حل له كل شيء غير النساء والصيد حتى يطوف بالبيت الطواف الواجب بعد النحر .
ثم يحل له النساء والطيب والصيد وما يحل للمسلم من حلاله كله, قال: فلا يبيت بمكة حتى يرجع إلى منى فيرمي الجمر ثلاثة أيام بعد يوم النحر مع كل حصاة تكبيرة , ويبيع ويشتري إن شاء ثلاثة أيام بعد يوم النحر مع كل حصاة تكبيرة , ويبيع ويشتري إن شاء فذلك قوله { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ } (البقرة:198) يعني: الرزق في التجارة في مواسم الحج كلها.
عن جابر: عن النبي صلى الله عليه وسلم:” أنه أمر أن يشترك سبعة نفر حجاجاً أو معتمرين في بعير مسن أو بقرة مسنة , والرجال والنساء في ذلك سواء ” وإن كانوا من قبل شتى فلا بأس , وإن دخل فيهم رجل بغير ثمن فلا بأس , وكذلك في أضحية في غير مكة برضا أصحابهم , وكذلك إن لم يسم بأسمائهم عند الذبح فلا بأس .
تفسير تعظيم شعائر الله والذبائح :
قوله في سورة الحج (الآية:32):
{ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ } يعني: البدن أعظمها وأسمنها { فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ } يعني: من إخلاص القلوب, ومن نحر بعيراً, فهو أفضل من بقرة , ومن ذبح بقرة فهي أفضل من شاة, والشاة تجزي.
قوله { وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ }(الحج:36) يعني: من أمر المناسك, قال: والبقر أيضاً من البدن { لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ } يعني: لكم في نحرها أجر في الآخرة ,ومنفعة في الدنيا , فإنها سميت البدن لأنها تقلد وتشعر , وتحمل وتساق إلى مكة .
والهدي : الذي ينحر ولم يقلد ولم يشعر .
قال { فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا } يعني: إذا نحرتم { صَوَافَّ } يعني: معقولة يدها اليسرى , قائمات على ثلاث قوائم مستقبلات القبلة هذا تعليم من الله فمن شاء نحرها على جنبها .
قوله { فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا } يقول : فإذا خرت لجنبها على الأرض بعد النحر { فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ } يعني: الراضي الذي يقنع بما يعطى , وهو السائل { وَالْمُعْتَرَّ } الذي يعترض للمسألة , فمن شاء أكل , ومن شاء لم يأكل, ومن شاء أمسك إلى أن يرجع إلى أهله , ومن شاء أطعم، { كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ } يعني: هكذا ذللناها لكم , يعني البدن لتنحروها { لَعَلَّكُمْ } يعني لكي { تَشْكُرُونَ } ربكم في نعمته .
وقوله { لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا }(الحج:37)، وذلك أن كفار العرب في الجاهلية كانوا إذا نحروا البدن عند زمزم أخذوا دماءها فنضحوها نحو الكعبة , وقالوا: اللهم تقبل منا, فأراد المسلمون أن يفعلوا ذلك, فأنزل الله هذه الآية{ لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا }.
{ وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ } يقول : إذا نحرتم لي فهو التقوى منكم لي, فالتقوى هو الذي يناله الله ويرفعه إليه, فأما اللحوم والدماء فلا يناله ولا يرفعه {كذلك كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ } يعني: البدن { لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ } يعني: لكي تعظموا الله { عَلَى مَا هَدَاكُمْ } لأمر دينه { وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ } يعني: من فعل ما ذكر في هذه الآيات فبشره بالجنة .
وقوله { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ }(الحج:34) يعني: ولكل قوم من المؤمنين فيما خلا { جَعَلْنَا مَنْسَكاً } يعني: ذبحاً وإهراق الدماء { لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ } يعني على الذبائح { فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ } يعني: ربكم رب واحد ليس له شريك { فَلَهُ أَسْلِمُوا } يعني: فله أخلصوا بالتوحيد { وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ } يعني: المخلصين بالجنة .
ثم نعتهم فقال: { الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ }(الحج:35) يعني: خافت قلوبهم { وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ } يعني: ما أمر الله { وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ } يعني: من الأموال ينفقون في طاعة الله .
قوله { ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ }(الحج:30) يعني: من أمر المناسك مما نهى عنه { فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ } يعني: في الآخرة .
تفسير من تعجل في يومين فنفر من منى بعد النحر :
قوله في السورة التي يذكر فيها البقرة(الآية:203):
{ وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ } يعني ثلاثة أيام بعد يوم النحر بمنى ، أيام التشريق ، إذا رميتم الجمار ، وفي دبر الصلوات الخمس وغيرها .
قال : وكان عمر بن الخطاب رحمه الله يكبر في قبته بمنى فيرفع صوته فيسمع أهل منى ، فيكبر أهل مسجد منى فيسمع أهل منى فيكبرون كلهم حتى ترتج منى تكبيراً .
قال : { فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ } يقول : من نفر من منى بعد يوم النحر بيومين بعدما رمى الجمار الثلاث قبل غروب الشمس { فَلا إِثْمَ }يعني : لا ذنب عليه ، يقول : ذنوبه مغفورة إذا كان مؤمناُ { وَمَنْ تَأَخَّرَ } يعني : إلى اليوم الثالث من أيام التشريق ، حتى يرمي الجمار ثم ينفر مع الناس { فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ } يعني: فلا ذنب عليه، يعني: ذنوبه مغفورة { لِمَنِ اتَّقَى } يعني : قتل الصيد وغيره مما نهى عنه في اٌٌلإحرام ، ثم قال وَاتَّقُوا اللَّهَ }يخوفهم ألا يستحلوا قتل الصيد ومعصية الله في الإحرام { عَلَيْهِ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } في الآخرة فيجزيكم بأعمالكم .
قال: فمن أراد أن يتعجل النفر في اليومين فليرم الجمار الثلاث بعد يوم النحر ، ثم ينفر قبل غروب الشمس، فإذا أقام بمنى حتى تغرب الشمس فليس له أن ينفر حتى يرمي الجمار الثلاث ثم ينفر مع الناس .