22- تفسير آيات حفظ أموال اليتامى والوصية بهم وأحكام ذلك كله

22- تفسير آيات حفظ أموال اليتامى والوصية بهم وأحكام ذلك كله

تفسير ما أمر الله به الأوصياء أن يفعلوا في أموال اليتامى :

قوله في السورة التي يذكر فيها النساء(الآية:2): { وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ } وذلك أن رجلاً من غطفان بفتح الغين والطاء, كان معه مال كثير لابن أخ له يتيم , فلما بلغ اليتيم طلب ماله فمنعه العم, فخاصمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم, فنزلت فيه { وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ } فتخلطوها { إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً } .

فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يرد عليه ماله وقرأ عليه هذه الآية { وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ } يعني: ولا تتبدلوا الحرام من أموال اليتامى بالحلال من أموالكم .

يقول: لا تذروا أموالكم الحلال وتأكلوا أموالهم الحرام. ثم قال { وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ } يعني : مع أموالكم فتخلطوها { إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً } يعني: إثماً كبيراً .

فلما قرأ النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية عليه, قال الرجل: أطعنا الله والرسول, ونعوذ بالله من الحوب الكبير, فرد على اليتيم ماله .

قال: فعمد اليتيم فأنفق ماله في سبيل الله، فبلغ ذلك النبي عليه السلام فقال: ” ثبت الأجر, وبقى الوز ” فقالوا: يا رسول الله, قد عرفنا ثبات الأجر, فكيف بقى الوزر؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم:” ثبت الأجر للغلام وبقى الوزر على والده “. يقول الله { وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ } يعني للأوصياء.

{ وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ }(النساء:6) يعني: واختبروا عقول اليتامى حتى إذا بلغوا الحلم { فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ } يعني: فإذا رأيتم منهم صلاحاً في دينهم وحفظاً لأموالهم { فادفعوا إليهم أموالهم } يقول: ادفعوا إلى اليتامى أموالهم إذا كبروا { وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وَبِدَاراً }يعني: في غير حق { وَبِدَاراً أَنْ يَكْبَرُوا } يقول: لا تبادروا أموال اليتامى بالأكل خشية أن يبلغ الحلم فيأخذ ماله.

{ وَمَنْ كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ } يعني: للأوصياء, يقول: إذا دفعتم { إِلَيْهِمْ } إلى اليتامى { أَمْوَالَهُمْ } إذا بلغوا الحلم { فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ } بالدفع إليهم أموالهم { وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً } يعني: شهيداً، قال: ويسألكم وغيره يقول فلا شاهد أفضل من الله فيما بينكم وبينهم, ولا يدفع لليتيم ماله حتى يبلغ الحلم { فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ }.

وقوله في سورة الأنعام(الآية:152): { وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } يعني: إلا لينمو ماله بالأرباح { حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ } ثمان عشرة سنة أو ما شاء الله .

مثلها في سورة النساء(الآية:10) { إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً} يعني: استحلالاً بغير حق { إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً } قال: لما نزلت هذه الآية على المسلمين, اعتزل المسلمون بيوت اليتامى وما كان لهم , فشق عليهم وعلى اليتامى, فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: اعتزلنا اليتامى والذي لهم, وليس كلنا نجد سعة أن نعزل لليتيم بيتاً وما يصلحه, فهل يصلح لنا الخلطة في المسكن والطعام وخدمة الخادم, وركوب الدابة, وشرب الألبان ونحو ذلك, ولا نَرْزَؤهم شيئاً من الذي لهم, إلا أن يعود عليهم أفضل منه ؟

فرخص لهم في أموال اليتامى في الخلطة ما استثنى من أموالهم في سورة البقرة ( الآية:220) قال: { وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ } يعني: في المسكن والطعام وخدمة الخادم وركوب الدابة وشرب الألبان ونحو هذا { فَإِخْوَانُكُمْ } إلى آخر الآية, فرخص لهم في غير فساد ولم يرخص لهم في أكل أموالهم ظلماً.

وقال أيضاً لمن عنده مال ليتيم يقوم عليه, قال(النساء:6): { وَمَنْ كَانَ غَنِيّاً } يعني: غنى الوصي { فَلْيَسْتَعْفِفْ } يعني: عن أموال اليتامى فلا يأخذوا { وَمَنْ كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ } قدر ما يبلغ قوتاً.

23- تفسير آيات رخصة الأكل مع الأعمى والأعرج والمريض

تفسير ما رخص الله للمؤمنين الأكل مع الأعمى والأعرج والمريض في بيوت أقربائهم :

قوله في السورة التي يذكر فيها النور(الآية:61): { لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ } وذلك أنه لما نزلت هذه الآية { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ }(النساء:29) قالت الأنصار بالمدينة: ما أعز من الطعام؟ وكانوا يتحرجون أن يأكلوا مع الأعمى ويتحرجون أن يأكلوا مع المريض, يقولون الأعمى لا يبصر موضع الطعام, ويتحرجون الأكل مع الأعرج ويقولون: الصحيح يسبقه إلى المكان, ولا يستطيع أن يزاحم, ويتحرجون الأكل مع المريض ويقولون: إنه لا يستطيع أن يأكل مثل الصحيح , وكانوا يتحرجون من بيوت أقربائهم وأصدقائهم .

فنزلت { لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ } يعني: ليس على من أكل مع الأعمى حرج , { وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ } يعني: وليس على من أكل مع الأعرج { حَرَجٌ }, { وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ } يعني: وليس على من أكل مع المريض حرج { وَلا عَلَى أَنْفُسِكُمْ } يقول : ولا حرج عليكم { أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ } يعني: خزائنه , وهو عند الرجل .

{ أَوْ صَدِيقِكُمْ } يعني: في بيوت أصدقائكم, قال: { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ } يعني: { أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتَاتاً } وذلك أنهم كانوا إذا سافروا جعلوا طعامهم في مكان واحد, فإن غاب أحد منهم انتظروه فلا يأكلون وحدهم حتى يرجع مخافة الإثم .

وكان أناس منهم لا يأكلون وحدهم حتى يأتيهم من يأكل معهم, قال الله تعالى: { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتَاتاً } يعني: إذا كنتم جماعة أو أشتاتاً, يعني: إذا كنتم متفرقين فإن أحدكم أكل إذا جاء فلا بأس عليه.