28- تفسير آيات تحريم الربا وأكل السحت وتحريم الخمر وترك الشبهات

28- تفسير آيات تحريم الربا وأكل السحت وتحريم الخمر وترك الشبهات

تفسير ما حرم الله من الربا :

قوله في سورة آل عمران(الآية:130-132): { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً } وذلك أن الرجل يكون له على رجل مال, فإذا حل الأجل طلبه من صاحبه, فيقول المطلوب: أخر عني وأزيدك على مالك, فيفعلان ذلك، فذلك الربا أضعافاً مضاعفة, فوعظهم الله فقال: { وَاتَّقُوا اللَّهَ } في أمر الربا فلا تأكلوه { لَعَلَّكُمْ }يعني: لكي { تُفْلِحُونَ }.

ثم خوفهم فقال: { وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ } فخوف أكل الربا من المؤمنين بالنار التي أعدت للكافرين { وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ } في عزائم الربا { لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } فلا تعمدوا, وإنما وعد النار للكافرين فحذرهم عن أكل الربا.

وقال في سورة البقرة(الآية:275): { الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا } استحلالاً لأكله { لا يَقُومُونَ }يوم القيامة { إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ } يعني: الخبل في الدنيا.

قال أبو الحواري :

قالوا: المجنون هو الذي يصرع من الجنون في الدنيا, فتلك علامة أكل الربا يوم القيامة { ذَلِكَ } يعني الذين نزل فيهم { بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا } فهذا الرجل الذي أحل ماله على صاحبه, فيقول المطلوب للطالب: زدني في الأجل أزيدك على مالك, فإذا فعلوا ذلك قيل لهم: إن هذا ربا، قالوا: سواء علينا أن زدنا في أول البيع, أو عند محل المال فهما سواء. وذلك قوله { بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا } لقولهم: إنا إن زدنا في أول البيع أو عند محل المال فهما سواء.

فأكذبهم الله فقال: { وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ } يعني : البيان الذي في القرآن في تحريم الربا { فَانْتَهَى } عنه { فَلَهُ مَا سَلَفَ } يعني : فله ما أكل من الربا قبل التحريم { وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ } يعني: بعد التحريم, وبعد تركه إن شاء عصمه وإن شاء لم يفعل, ومن مات على التوبة فإن الله غفور رحيم.

قال { وَمَنْ عَادَ } يعني: ومن عاد إلى الربا بعد التحريم لقولهم { إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا } { فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } يعني: لا يموتون.

قال: فإن زعموا أن هذا شرك فقد كذبوا؛ إن الله يقول(البقرة:278-279): { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ } فصارت حرباً لله ولرسوله حين أقام على الربا في غير شرك بالله, ولا في شك مما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم, وهذا من أهل الإقرار، وإنما جعل الله في النار من أكل الربا, وقد أعد الله النار للكافرين ولم يعدها للمؤمنين.

قوله(البقرة:276) { يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا } يعني: يضمحل { وَيُرْبِي } يضاعف { الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ }.

عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ” لعن الله آكل الربا, وموكله, وشاهديه, وكاتبه إذا علموا بذلك”، وكذلك المعصية كلها, يقول الله: { وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } (المائدة:2)، وقال(النساء:85): { مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً } أي مقتدراً.

تفسير السحت :

قوله في سورة المائدة( الآية42) حيث يقول: { أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ } يعني: الرشوة في الحكم, ولا يحل ذلك للمسلمين.

وقوله في سورة الحج(الآية25): { وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ } يعني: مكة { الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ } يعني: شرعاً واحداً للمتقين من أهل مكة في مكة أيام الحج, ومن كان من غير أهلها, فهم في مكة شرع واحد سواء.

قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الخمر وما يشبه الخمر, وعن الميتة وما يشبهها, وعن ثمن جلود الميتة, ونهى عن ثمن الكلب, وأجر الأذان والإمامة وأجر القفيز, وأجر الميزان إذا لم تعمل فيه بنفسك, وقال: لا بأس بثمن الكلب الكلب”.

تفسير ما حرم الله من الخمر, وما نسخ من تحليلها:

قوله في سورة النحل( الآية67): { وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ } يعني: من الثمرات { سَكَراً } يعني: ما أسكر من الخمر والنبيذ, مما يخرج من النخل والعنب { وَرِزْقاً حَسَناً } يعني: من ثمراتها, وما لا يسكر مما تتخذون من عصيرها. قال: نزلت هذه الآية والخمر يومئذ حلال.

قال أبو الحواري: يقال, الرزق الحسن هو الخل.

ثم نزلت في سورة البقرة(الآية 219): { يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ } يعني: الميسر القمار كله, وذلك أن الرجل في الجاهلية كان يقول: أين أصحاب الجزور؟ فيقوم نفر فينشرون جزوراً بينهم, فيجعلون لكل رجل منهم سهماً ثم يقترعون, فمن أصابته القرعة برئ من الثمن, حتى يبقى آخرهم رجلاً, فيكون ثمن الجزور عليه كله وحده, وليس له في اللحم نصيب, يقسمون بقية الجزور بينهم بالسوية, وإنما سمي الميسر لأنهم كانوا يقولون: تيسروا بثمن الجزور وبثمن اللحم, قال الله تعالى: { قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ } لأن في شرب الخمر, والقمار ترك الصلاة وترك ذكر الله, قال الله { وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ } يعني بالمنافع: اللذة والتجارة في الخمر, والفضل الذي يصيبه من القمار في الميسر { وَإِثْمُهُمَا } بعد التحريم { أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا } قبل التحريم, فذمهما ولم يحرمهما, فكان المسلمون يشربونها على المنافع وهي يومئذ لهم حلال .

فصنع رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم صنيعاً, ودعا إليه أناساً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم, فسقاهم من الشراب حتى أخذ فيهم, فلما حضرت الصلاة, تقدم رجل من أخيارهم وذلك في صلاة المغرب فقرأ { قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ } فأخطأ في أولها وآخرها.

فصار شرابها في أوقات الصلاة منسوخة نسختها هذه الآية(النساء:3): { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى } تشاءون في الشراب { حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ } يعني: ما تقرءون في صلواتكم, وهذه الآية [ أشد من الأولى ].

وقال عمر بن الخطاب: إن الله ليقرب في تحريم الخمر, وما أراه إلا سيحرمها, فكانوا يشربونها بعد صلاة الغداة, ثم ينامون فإذا حضرت صلاة الأولى وقد [ذهب] عنهم السكر.

قال: فصنع رجل من الأنصار صنيعاً ودعا سعد بن أبي وقاص إلى صنيعه, وكان شوى رأس بعير, فأكلوا وشربوا, وكان ذلك قبل تحريم الخمر فأخذ فيهم فافتخروا, وانتسبوا [ وقالوا] الشعر فقام الأنصاري فأخذ إحدى لحى البعير, فضرب بها رأس سعد, فإذا الدماء على وجهه فانطلق سعد إلى النبي صلى الله عليه وسلم مستعدياً يشكو الأنصاري, فنزل تحريم الخمر, وذلك بعد غزوة الأحزاب.

كل آية في تحليل الخمر في القرآن منسوخة نسختها هذه الآية في سورة المائدة(الآية:90-93) قوله: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ } يعني: القمار كله { وَالْأَنْصَابُ } يعني: حجارة كان ينصبها مشركوا العرب فيعبدونها ويذبحون لها, { وَالْأَزْلامُ } يعني: القدحين اللذين كان يستقسم بهما أهل الجاهلية في أمورهم, أحدهما عليه مكتوب “أمرني ربي” وعلى الثاني “نهاني ربي” ثم يأخذون القداح ويضربون بها على رأس صنمهم , فإن خرج القدح الذي مكتوب عليه “أمرني ربي” ركبوا الأمر الذي هموا به، وإذا خرج الذي عليه مكتوب ” نهاني ربي ” تركوا الأمر الذي أرادوا أن يركبوه فهذه { الأزلام } قال الله: { رِجْسٌ } يعني: إنما ذكر الخمر والميسر والأنصاب والأزلام { مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ } يعني: من تزيين الشيطان { فَاجْتَنِبُوهُ }فهذا تحريمهن، كما قال الله: { فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ }(الحج:30) يعني: عبادة الأصنام, فحرم الخمر وما يشبهه من كل مسكر, كما حرم عبادة الأنصاب, { لَعَلَّكُمْ } يعني لكي { تُفْلِحُونَ }.

قال: { إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ } يعني: يلقي { بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ } يعني: حين شج الأنصاري رأس سعد بن أبي وقاص { وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ } فهذا وعيد من بعد التحريم, قالوا: قد انتهينا يا ربنا.

فقال النبي صلى الله عليه وسلم ” من كان عنده شيء منها, فلا يبيعها ولا يشربها ” .

{ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا } يعني في تحريم الخمر والميسر والأنصاب والأزلام وغيره { فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا } يعني: فإن أعرضتم عن طاعتهما { أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا } يعني: محمد صلى الله عليه وسلم { الْبَلاغُ الْمُبِينُ } أن يبين تحريم ذلك.

عن أبي عبيدة قال: لقد نزل تحريم الخمر بالمدينة, وما بالمدينة يومئذ خمراً إنما كانوا يشربون الفضيح.

وذكر عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: أخرجنا الخمر إلى الرفاق فأهرقناها, ومنهم من كسرها.

عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ” إن الله حرم الخمر بعينها, والمسكر من كل شراب”.

قال: قام عمر بن الخطاب على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ” أيها الناس إن الخمر نزل تحريمها يوم نزل, وهي من خمسة أشياء: من العنب, والتمر, والعسل, والحنطة, والشعير.

والخمر: ما خامر العقل, يعني: إذا خالط العقل وهو خمر.

قال أبو الحواري: ليس من التمر خمر, ومنه المسكر وهو حرام, والخمر من البسر.

قوله في سورة المائدة : { لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا } وذلك لما نزل تحريم الخمر قال: حيي بن أحطب اليهودي لأناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: فما حال من مات منكم وهو يشرب الخمر؟ فذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم, فقالوا: يا رسول الله إخوتنا ماتوا وقتلوا وهم يشربون الخمر, فنزلت { ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا } يعني: حرجاً على الحي منهم والميت { فيما طعموا } يعني: فيما شربوا من الخمر قبل تحريمها { إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا } المعاصي ولم يشربوا الخمر بعد تحريمها { وَآمَنُوا } يعني: وصدقوا { ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا } العمل بعد تحريمها فلم يشربوا الخمر، فمن فعل ذلك فهو من المحسنين { وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ }.

قال جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم: ” ما يسكر كثيره وقليله حرام “.

عن الربيع قال: كان عمر بن عبد العزيز ينهى عن نبيذ الجر ويخبر في كتابه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه.

عن الربيع قال: أتيت الكوفة وبها يومئذ شريح وعبيدة فسألت عن حرة بن مسلم فلم أجد نبيذ الجر حلالاً.

قالوا: لا يزال الرجل, فيقول: شربت منها نبيذاً طيباً فأخذ في رأسه, فقال أبو سفيان: حججت مائة حجة, واعتمرت أربعين عمرة, فكان السقاية يتولاها ولد العباس لأنفسهم قبل أن يتولوا الخلافة, فكانوا يسقون الناس نبيذاً حلواً، فلما صارت الخلافة لهم شغلوا عن ذلك، ووكلوا السقاية إلى مواليهم وعبيدهم, فيهم الحبش وغير ذلك, فيؤخرون النبيذ حتى يتصلب فيصير مسكراً, وليس نبيذ أحب إلى الحبش والزنج من الصلب, فجاء الفساد من ذلك.

عن الربيع – يروى عن الثقات من العلماء – أنه قال: أنهاكم عن المسكر قليله وكثيره, وعن نبيذ الجر.

وعن الربيع يرفع الحديث إلى عائشة: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” ما أسكر الفرق منه إذا شربته فملء الكف منه الحرام، والقطرة حرام والجرعة حرام.

قال: بعث عمر بن الخطاب عمران بن الحصين الخزاعي إلى الكوفة أن يصلح لهم عصير العنب، يعلمهم حتى يذهب الثلثان ويبقى الثلث, وقال: إنه كان نبيذ له غدوة في السقاء من الزبيب, فيشربها من الليل, ومن التمر نبيذ له عشية فيشربه غدوة ولا يجعل فيه داذياً .

وكان الصحابة المهاجرين منهم والأنصار من يفعل ذلك وكان ينهون عن نبيذ الجر الذي يغلي فيه فلا يشربونها, وليس كما قال أهل العمى, وأهل الجهل بالله وكتابه.

قال الله :{ فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ } (الأنعام:125).

فالإسلام في صدور المسلمين له ضوء أكثر من ضوء الشمس وأضوى من ضوء القمر لما يربي في قلوبهم .

ويقال: صدر المنافق حرج بالنفاق, والمنزلة الأخرى: { صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ }.

وفي موضع آخر لا يعرف لله حراماً ولا حلالاً, ولا ولياً ولا عدواً، وإذا قيل لهم: هذه طاعة الله؟ قالوا: لا ندري. وإذا قيل لهم: هذه معصية الله؟ قالوا : لا ندري. وهذا حلال الله, وهذا حرام الله؟ قالوا: لا ندري.

فقد أعمى الله قلبه, وضيق صدره, وليس عليه نور الإسلام, فلا نعرفه ولا نقول به { كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ }.

قال الله: { فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ }(آل عمران:7).

فأعاذنا الله من العمى والشك والضلالة والبدعة والحيرة . ورزقنا وإياكم التعليم لحقه ولدينه ولأوليائه, والقيام بأمره والدعاء إلى الله والتزين به، وجعلنا وإياكم فيها نصحاء لبعضنا بعضاً لدينه.

فتدبروا عباد الله القرآن, وافهموا, واتبعوا ما فيه, فإن فيه نور وشفاء وضياء. يقول الله: { أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا }(محمد:24)، وقال: { وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ } (الإسراء:82).

فجعلنا الله وإياكم ممن ينتفع بمواعظ القرآن، يقول الله:{ لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً }(الحشر:21) بما فيه من الوعيد { مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ }.

فاتبعوا القرآن, وكونوا من أهله وتعلموا ما فيه من الحلال والحرام, فإن الله تبارك وتعالى قد بين لكم في القرآن أن تضلوا { يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا }(النساء:176) يقول: لكي لا تضلوا.

وقال الله: { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ } (التوبة:115)، وكيف يكون من المتقين من أقام على الربا, ويشرب شراباً ما نهى الله ورسوله عنه, وحرمه عليه؟!!

وإن الله تبارك وتعالى أمر الناس بالتقوى, فمن اتقى الله في جميع ما نهى الله عنه, ولزم طاعة الله وجميع ما أمر الله به فمات على ذلك, فهو مسلم متقي، يقول الله :{ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ }(المائدة:27) وكيف يكون من المتقين من ركب الشبهات وركن إليها؟!! كيف يكون من المتقين؟!!

وبلغنا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: الصبر صبران أحدهما أفضل من الآخر، ” فالصبر في المصيبات حسن [ والشدائد والمآذي] حسن، وأفضل منه الصبر [ عن ] ما حرم الله عليك “.

وقال ابن مسعود رحمه الله, يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ” ألا إن الحلال بين والحرام بين, وبين ذلك شبهات, كالراعي إلى جانب الحمى يوشك أن يقع فيه, ولكل ملك حمى, وحمى الله في الأرض محارمه, فمن رعى في محارم الله غضب الله عليه, ومن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه, ومن المعاصي حَماه, فمن رتع حول حماه وقع فيه”.

قال: إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطب فقال: يا أيها الناس لا تنظروا في صلاة امرئ, ولا في صيامه, ولا في صدقته, ولكن انظروا في صدق حديثه إذا حدث, وفي أمانته إذا اؤتمن.

وقال: دع ما يريبك إلى [ ما لا يربيك ]، فإنك لن تجد شيئاً تركته ابتغاء وجه الله, وكل مسكر حرام.