34- تفسير آيات حد السرقة، وأحكام دية المقتول خطاً

34- تفسير آيات حد السرقة، وأحكام دية المقتول خطاً

تفسير الحدود في السرقة, وما على السارق من الإثم:

قوله في سورة المائدة(الآية:38-39): { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ } يعني: الرجل والمرأة إذا ما سرقا ربع دينار فصاعداً, فرفع ذلك إلى الحكام { فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا } يقول: للحاكم أقطعوا أيمانهما { جَزَاءً بِمَا كَسَبَا } يعني: القطع نكالاً, جزاءً بما عملا من المعصية { نَكَالاً مِنَ اللَّهِ } يعني: عقوبة من الله, قطع أيديهما { وَاللَّهُ عَزِيزٌ } في انتقامه { حَكِيمٌ } يعني: حكم على السارق والسارقة القطع.

ثم قال: { فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ } يعني: من بعد سرقته { وَأَصْلَحَ } يعني: في العمل { فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ } يعني: يتجاوز عنه { إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } لما كان من قبل التوبة { رَحِيمٌ } لمن تاب إليه وندم.

قال: في الذي يسرق مرة فقدر عليه تقطع يده اليمنى, فإن سرق الثانية تقطع رجله اليسرى, فإن سرق الثالثة, لم تقطع ولكن يحبس في السجن، فإن آنس منه رشداً أخرج, فإن عاد إلى السرقة حبس في السجن حتى الموت، ولا يقطع السارق إلا في شيء قد حازه أهله.

قال: جاء رجل بوليدة إلى أبي الدرداء – وهو على القضاء- قد سرقت دينارين, قطع يدها أبو الدرداء, ثم قال الذي جاء بها: لا أكثر الله مثل هذا السارق.

قال: من قطعت يده في السرقة فأقيم عليه الحد في الدنيا فذلك عذابه في الدنيا, وإن لم يتب، قال الله { دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ }(السجدة:21).

قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” لا يسرق السارق وهو مؤمن ..”، ومن تاب فإن الله يتوب عليه, فإن لم يرد السرقة التي سرقها, وجهل حقها كان منافقاً, وكان كافراً؛ لأن الله لا يحب كل خوان كفور, ولا يهدي كيد الخائنين، ولا يتوب الله إلا على من تاب إليه, ولا يرضى الله على من اتبع غير رضوانه, إنما يرضى عن من اتبع رضوانه.

فمن استغنَ عن الله ولم يتب إليه توبة نصوحاً صادقاً استغنَ عنه ولو قاله بلسانه: تبت إلى الله, وخان أمانته, وأكل مال اليتيم, والذي سرق ولم يرده إلى أهله كان من الخائنين, كان منافقاً يخدع نفسه.

ولم يسم الله السارق والسارق مؤمناً, ولم يسم الزاني والزانية مؤمناً، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “لا يزني الزاني وهو مؤمن ..” ، في قول الله { وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ }(الفرقان:68).

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ” لا يسرق السارق وهو مؤمن ..” ولكنه ظالم, وذلك قول الله { أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ } (هود:18) ولم يلعن مؤمناً، { فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } بعد التوبة، والشرك: الظلم، سماه الله ظلماً قال الله: { إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ }(لقمان:13).

قال أبو الحواري: قول المسلمين , يقطع السارق في أربعة دراهم أو في ثمنها تقطع يده اليمنى , فإذا سرق بعد ذلك قطعت رجله اليسرى, فإذا سرق بعد ذلك فالسجن والغرم ولا قطع عليه.

تفسير دية المقتول خطأً:

قوله في سورة النساء(الآية:92): { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ } ولا مؤمنة يعني: ما كان ينبغي لمؤمن { أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً } ولا يحل قتله في دية { إِلَّا خَطَأً }.

قال : وذلك أن العياش بن أبي ربيعة كان حلف على الحارث ابن أبي يزيد من بني عامر ليقتله، وكان الحارث يومئذ مشركاً فأسلم الحارث, ولم يعلم به العياش, فقتله بالمدينة.

فقتله وكان ذلك القتل خطأ ولم يعلم بإسلامه، ثم بين الله ما على من قتل خطأ قال: { وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ } يعني: مصدقة بتوحيد الله قد وصلت الخمس.

{ وَدِيَةٌ } أيضاً { مُسَلَّمَةٌ } يعني: تسلمه عاقلة القاتل { إِلَى أَهْلِهِ } أولياء المقتول, ثم استثنى { إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا } يعني إلا أن يصدق أولياء المقتول بالدية على القاتل, وهو أعظم لأجرهم وهو خير لهم, فأما عتق رقبة فهو واجب على القاتل في ماله, ثم قال: { فَإِنْ كَانَ } يعني: المقتول { مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ } يعني: من أهل الحرب { وَهُوَ } يعني: المقتول { مُؤْمِنٌ }.

قال: نزلت في مرداس بن عمرو وكان أسلم, وقومه كفار من أهل الحرب فقتله أسامة بن زيد خطأ.

قال: { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ } ولا دية لهم لأنهم من أهل الحرب، ثم قال: { وَإِنْ كَانَ } يعني : المقتول { مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ } وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم , كان يعاهد أحياء من أحياء العرب , فلما قتل المسلمون نفراً من أهل العهد في ذلك الأجل يؤدون ديته إلى أهل العهد . فذلك قوله { وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ } يعني: عهداً أو مواعدة { فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ } أي المقتول لأهل العهد من مشركي العرب { وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ } يعني: تجاوزاً من الله لهذه الأمة حين جعل في قتل الخطأ الدية والكفارة { وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً } يعني: حكم الكفارة لمن قتل خطأ.

ثم صارت دية العهد والموادعة من مشركي العرب منسوخة نسختها هذه الآية في براءة( الآية:5) { فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ }.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: “لا يتوارث أهل ملتين”.

عن عمر بن الخطاب رحمه الله: أنه جعل دية الرجل المسلم الحر على أهل الإبل مائة من الإبل, وعلى أهل البقر مائتي بقرة, وعلى أهل الغنم ألفي شاة, وعلى أهل الدنانير ألف دينار, وعلى أهل الدراهم اثني عشر ألف درهم، ودية نسائهم على النصف.

ودية المجوسي ثمان مائة درهذ, ودية نسائهم على النصف على عاقلة القاتل.

قال أبو الحواري: المعمول به اليوم من قول المسلمين دية الرجل من أهل القبيلة مائة من الإبل, والمرأة نصف ذلك, ودية الذمي ثلث دية المسلم, ودية الذمية نصف دية الذمي.

قوله: في مسلم قتل من أهل الكتاب, أو من المجوس, أو من أهل الذمة عمداً, قال: لا يقتل به ولكن عليه الدية في ماله وينهى عن ذلك.

عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لا يقتل مؤمن بكافر”.

وعن أبي بكر وعمر رحمهما الله, أنهما قالا: في العبد إذا قتله الحر عمداً بعتق القاتل رقبة, ويجلد مائة, وينفى سنة, ويحرم سهمه في المسلمين, ولا يقتل به, فإن كان العبد لغيره يغرم مع هذا كله ثمنه، وإن كان قتل العبد خطأ يعتق رقبة ويغرم ثمن العبد.

قال أبو الحواري: لا يعرف النفي من قول المسلمين .

عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن رجلاً قتل عبده على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم متعمداً لقتله فجلده رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة جلدة, ونفاه سنة ومحا سهمه من المسلمين, ولم يقد به.

قال أبو الحواري: ما فعل النبي فهو الحق, إلا أن المسلمين لا يبلغون بالتعزير أربعين جلدة ويجلدون إلى ما دون الأربعين.