49- تفسير آيات من حرم جاريته أو امرأته في الظهار أو خيَّرها في المفارقة
تفسير ما يحرم الرجل من امرأته وجاريته على نفسه :
قوله في سورة التحريم :
( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ ) وذلك أن حفصة بنت عمر زوجة النبي صلى الله عليه وسلم ، زارت أباها عمر بن الخطاب ذات يوم تبتغي للنبي أن يكون عندها .
فلما رجعت من عند أبيها أبصرت النبي صلى الله عليه وسلم في بيتها مع جارية قبطية ، تسمى مارية وهي أم إبراهيم أبن النبي صلى الله عليه وسلم فلم تدخل البيت إذ رأت ذلك حياءً منها ، حتى خرجت مارية ، قال : ثم دخلت حفصة فقالت للنبي إني رأيت من كان معك ، فغارت غيرة شديدة ، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم في وجه حفصة الغيرة والكآبة .
قال لها : أكتمي عليّ ولا تخبري عائشة ولك عليّ ألا أقربها فأخبرت حفصة عائشة ، وكانتا متصافيتين ، فلم تزل بالنبي صلى الله عليه وسلم حتى حلف ألا يقرب مارية فحرمها على نفسه .
فأنزل الله ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ) .
يعني : مارية.
( تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ ) يعني عائشة .
( وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) يعني : لليمين التي حلف عليها النبي فجعل فيها الكفارة . قال ( قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ ) يعني : قد بينّ الله لكم ( تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ ) يعني : كفارة أيمانكم . في سورة المائدة : ( إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ )
قال : فأعتق النبي صلى الله عليه وسلم رقبة في تحريم مارية وجامعها بعد ذلك فولدة له إبراهيم .
قال : فمن قال لامرأته أو لجاريته أنت علي حرام فليكفر بيمينه ، وإن كان نوى طلاقاً فله ما نوى .
تفسيــر الظهـــار:
قوله تبارك وتعالى في سورة المجادلة :
( وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ) وذلك أن الطهارة والإيلاء من طلاق الجاهلية ، فوقت الله في الإيلاء أربعة أشهر ، وجعل في الظهار الكفارة .
قال : ( وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ) وهو يقول لامرأته : أنت عليّ حرام كظهر أمي ، أو مثل امي .
( ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا ) يعني : يريدون أن يعودوا إلى الجماع الذي حرموه على أنفسهم قال ( فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ) يعني : يعتق نسمة إن كانت مسلمة أو أهل الكتاب ، إن كان صغيراً أو كبيراً فهي تجزي في الظــهار .
( مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ) يعني : من قبل أن يتماسا ، يعني : يعتق من قبل أن يجامع امرأته .
( فَمَنْ لَمْ يَجِدْ ) عتق رقبة ( فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ ) لا يفطرفيهما إلا بالليل ( مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ) يعني : من قبل أن يجامع امرأته ( فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ ) يعني : فمن لم يستطع الصوم ( فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ) لكل مسكين نصف صاع من حنطة أو صاعاً من شعير أو تمر أو زبيب .
( ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ) يعني : سنة الله وأمره ، وما ذكر في كفارة الظهار من العتق والصيـام .
( وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ )
قال : فمن قال لامرأته : أنت عليّ حرام مثل أبتي أو أختي أو عمتي أو خالتي ، كل شيء يحرم عليه نكاحه أبداً من النسب أو الصهر فإنه ظهار .
وإن قال لامرأته : أنت مثل أمي ، ولم يقل : أنت عليّ مثل أمي أو أختي أو عمتي أو خالتي فإنه ليس بظهار .
قال أبو الحواري :
قد قال بعض الفقهاء : الشعير مثل الحنطة نصف صاع لكل مسكين . قال : ومن بدأ في صوم كفارة الظهار ، ثم نزلت به بلية أو عذر فافطر ، فإذا برئ من مرضه فليصم بقية ما عليه من الصوم .
وإن أفطر من غير عذر فعليه أن يستأنف الصوم ، وليس له أن يجامع امرأته حتى يتم شهرين .
فإن صام شهراً أو أكثر من ذلك فوجد سعة أن يشتري رقبة من قبل أن يتم الشهرين فليعتق رقبة وليدع الصوم ، وإن وجد بعدما تم الصوم فليس عليه عتق رقبة لأن الكفارة قد مضت .
عن عمر بن الخطاب رحمه الله :
في رجل ظاهر من أربع نسوة بمرة واحدة فعليه كفارة واحدة وإن فرقّ بينهن فلكل واحدة منهن كفارة ، وإن حلف مراراً على شيء واحد قبل أن يكفر ، فإنما هي كفارة واحدة . وليس الظهار بالطلاق .
تفسيــــر الخيار ، الرجــل يخيّر امرأتـــه أو يجعل أمرها بيدها :
قوله تبارك وتعالى في سورة الأحزاب :
( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً ، وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً )
قال : أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم ، أن يخير نساءه في هذه الآية ، فلم تختر واحدة منهن نفسها غير الحميراء .
قال : لما خيرهن النبي صلى الله عليه وسلم ، قالت عائشة : بل نختار الله ورسوله والدار الآخرة ، ثم تابعها سائر نساء النبي صلى الله عليه وسلم .
قالت عائشة : خيرنا النبي فاخترناه ، فلم نر ذلك طلاقاً .
عن ابن مسعود ، وعن عمر بن الخطاب رحمهما الله وعائشة أنهم قالوا : من خيّر امرأته ، فاختارت نفسها فهي تطليقة ، وله عليها رجعة في العدة بالمهر الأول ، فإن اختارت زوجها فليس بطلاق وكذلك إذا جعل أمر امرأته بيدها فإن قامت المرأة من مقعدها الذي خيرها فيه زوجها وجعل الأمر إليها ، وافترقا من قبل أن تختار نفسها رجع الأمر إلى الزوج ، وليس لها بعد ذلك أمر.
قال : في الأمة إذا أعتقت ولها زوج حر أو مملوك فلها الخيار إن شاءت أقامت معه ، وإن شاءت خرجت منه .
فإن رضيته بعد ذلك مرة واحدة فليس لها بعد ذلك خيار .