59- تفسير آيات ما حرم الله من المطعومات وذكر الله على الذبائح
تفسير ما حرم الله من الميتة والدم ولحم الخنزير :
قوله في سورة المائدة :
(حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ َ) يعني : على المسلمين الْمَيْتَةُ) يعني : لحم كل شيء ميت (وَالدَّم) يعني : الدم المسفوح
(وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلّ) يعني : ذبح (لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ) يعني : ما ذبح للأهلة ، وإن ذبحه المسلم فلا يحل أكله .
قال ( وَالْمُنْخَنِقَةُ ُ ُ) يعني : من الأنعام كلها وغير ذلك إذا أوثقت فقتلها خانقها ، أو خنقت بغير ذلك فهو حرام .
(وَالْمَوْقُوذَة) التي تضرب بالخشب أو الحجارة أو بغير ذلك حتى تموت .
(وَالْمُتَرَدِّيَة) يعني : التي تُرد في بئر ، أو تقع من جبل فتموت .
(وَالنَّطِيحَةُ) يعني : الشاه من المعز أو غير ذلك تنطح إحداها الأخرى .فتموت .
(وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ) يعني : من الأنعام وغيرها .
ثم استثنى [من] المنخقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما اكل السبع فقال :
(إلا ما ذكيتم) يعني : ما ذبحتم وذكر اسم الله عليه فهو حلال .
ثم قال : ( وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ) وهي حجارة كانوا ينصبونها فيعبدونها من دون الله ويذبحونها لها .
(وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ) يعني : وحرم عليكم أن تستقسموا بالأزلام ، وهي القداح التي كانوا يستقسمون بها في أمرهم إذا أرادوا غزواً ووجهاً ، أخذ قدحين في أمرهما : أمرني ربي ، وفي الآخر نهاني ربي .
ثم يضربون بهما ، فأيهم خرج عملوا به على ما خرج .
قال ك (ذَلِكُمْ فِسْقٌ) يعني : ركوب ذلك مما نهى الله عنه في هذه الآية ، معصية ، ثم قال في التقديم :
(فَمَنِ اضْطُرَّ) يعني : فمن اضطر إلى أكل لحم شيء مما حرم الله في هذه الآية فأكله (فِي مَخْمَصَةٍ) يعني : في مجاعة (غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ) يعني : غير متعمد لمعصية .
وقال في سورة البقرة :
(غَيْرَ بَاغٍ) يقول : من غير أن يستحله (وَلا عَادٍ) لمن اضطر إليه (فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) في أكله حين أضطر إليه (إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ ) لما أكل من الحرام (رَحِيمٌ) به ، إذ أحل له الحرام للاضطرار ، نظيرها في الأنعام والنحل .
قال : من اضطر إلى حرام فليأكل منه قدر ما ينجيه من الهلاك ، ولا يشبع منه .
تفسير ما أحـل الله للمسلمين من الذبائح :
قوله غي سورة الأنعام :
(فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ) وذلك أن مشركي العرب قالوا للمسلمين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : تزعمون أنكم تعبدون الله ، وأنكم على دينه ، فما قتل لكم فلا تأكلوه ، يعنون : الميتة ، وتزعمون أنه حرام ، وما قتلتم بأيديكم تأكلونه ، يعنون الذبائح ، وتزعمون أنه حلال ، فالله أفضل صنعاً أم أنتم ؟ فجادلوهم في أكل الميتة فنزلت في سورة الحج :
(لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكاً) يعني : ذبائحهم (هُمْ نَاسِكُوهُ) يعني : هم ذابحوه (فَلا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ) يعني : في أمر الذبائح .
ونزلت في سورة الأنعام :
(فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ) يعني : الذبائح .
يقول : إذا ذبحتم ذبيحة ، فأذكروا اسم الله عليها ، فكلوه فإنه حلال .
(إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ) يعني : بآيات القرآن (مُؤْمِنِينَ) يعني : مصدقين .
ثم قال : (وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ ) يعني : الذبائح (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ) يعني : قد بين لكم (مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ ) يعني : ما بيّن في سورة المائدة من (الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ) إلى آخر الآية .
ثم قال : ( إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيراً ) يعني : من مشركي العرب .
( لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ) يعني : في أمر الذبائح وغيره .
(إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ) .
قال : (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ) يعني : الميتة .
( وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ) يعني : المعصية وأكل الميتة .
قال : (وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ) يعني : إلى المشركين .
(لِيُجَادِلُوكُمْ) يعني : في أمر الميتة حين قالوا للمسلمين : ما قتلتم بأيديكم أنه حلال ، وما قتل الله لكم تزعمون أنه حرام .
فهذا جدالهم ، لقول الله (وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ) في الشرك يعني : في استحلال أكل الميتة (إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) مثل كفرهم بالتنزيل فيكون كفرهم بالتنزيل مثلهم .
عن ابن عباس أنه قال :
من نسى أن يذكر اسم الله على ذبيحته فهي حرام ، إن علمتم نسيان اسم الله .
وقال أيضاً : من تعمد فلم يذكر اسم الله فهو حرام ، وهو آثم .
وقال : لا بأس بذبيحة الغلام الذي لم يحتلم ، إذا علم كيف يصلي ، وكيف يذبح ، ولا بأس بذبيحة المرأة والوليدة والأخرس . لعلة الأخرس الذي يعلم ذبيحته ، وكيف يصلون ، وإذا أحسنوا الذبيحة .
قال : ولا يحل أن يذبح بالعظم ، والسن ، والقرن ، والظفر .