62- تفسير آيات الأمر بذكر الله ذكراً كثيراً ونصائح في تجليل الله جل جلاله
تفســير مـا أمـر الله بـه من الذكــر لله كثيـــراً .
يعني : التسبيـح والتكبيـر والتهلـيل والتحميــد :
قوله في سورة الأحزاب :
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ) يعني : باللسان على كل حال .
(ذِكْراً كَثِيراً . وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) يعني : وصلوا لله بالغداة والعشي ، ثم أخبرهم بفعله بهم ، قال :
(هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ ) قال : لما نزلت إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ….) إلى آخر الآية ، قال المسلمون : فما لنا يا رسول الله …؟
فنزلت : (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ ) .
يقول : الله يغفر لكم ، وتستغفر لكم ملائكته .
( لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ) يعني : من الكفر إلى الإيمان .
( وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً) .
وقوله في سورة الكهف :
(وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ) يعني : التسبيح والتهليل والتحميد والكتبير .
(خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً) يعني : جزاءً (وَخَيْرٌ أَمَلاً) يعني : خير ورجاءً .
يقول : إذا قلت سبحان والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ، فهذا من ذكر الله ، وقراءة القرآن من ذكر الله ، والأمر بالمعروف من ذكر الله ، والنهي عن المنكر من ذكر الله ، وتعليم الحلال والحرام من ذكر الله ، والصبر من ذكر الله . يقول :
(فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ) يعني : الصلاة .
وأفضل الذكر [إجتناب] ما نهى الله عنه والصبر عنه ، فتصّبر نفسك عن المعصية ، فتذكر مقامك بين يدي ربك ، فذلك أفضل الذكر ، فإذا فعلت ذلك فقد أثنيت على الله .
فأنت خير ثواباً في الآخرة ، من ثواب المشركين إذا أثنوا على آلتهم حين يذكرونها لأن ثوابهم النار ، وأن خير رجاء من رجائهم .
وقوله في سورة مريم :
( وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ مَرَدّاً) .
يعني : التسبيح والتهليل ، والتحميد والتكبير ( خير عند ربك ثواباً ) يعني : خير جزاءً من جزاء المشركين إذا أثنوا على آلتهم .
( وخير مردا ) يعني : وخير مرجعاً من مرجعهم ، لأن مرجعهم إلى الجحيم .
قال : قال معاذ بن جبل :
(( لأن أسبح ، وأكبر ، وأهلل ، وأحمد الله ، وأقرأ القرآن ، وأعلّم الحلال والحرام ، وآمر بالمعروف ، وأنهي عن المنكر من عدوة إلى الليل ، أحب إلى من أحمل بعددهن على فراس في سبيل الله ، بغير علم ، وبغير ذكر )) .
قال : فضل القرآن على سائلا الكلام ، كفضل الخالق على المخلوق .
قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم :
(( تعلموا سورة البقرة ، فإن أخذها بركة ، وتركها حسرة )) .
قال : أخذها بركة لمن عمل بها ، وتركها حسرة لمن لم يعمل بها .
وسورة آل عمران ، فإنهما يجيئان يوم القيامة ، كأنهما غمامتان ، أو كأنهما غيابتان من طير صواف يحاجان عن صحابهما يوم القيامة عند كل موقف .
قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم :
(( أعظم آية في القرآن ( قل هو الله أحد ) ، وآية الكرسي )) .
قال : ( اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً) . ( رَغَباً وَرَهَباً) مخشعة للقلب .
قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(( حسن الرجاء إلى الله ، مؤمن يبكي من خشية الله ، ويدعو الله كثيراً ويذكر الله كثيراً ، لم يطلع عليه أحد إلا الله ) .
قال : إن الخضر لما فارق موسى قال :
أوصيك بخمس : إياك واللجاجة ، والمشي في حاجة ، والضحك من غير عجب ، وإياك أن تعين الخطّائين بخطاياهم ، وأنت على خطيئتك ، واذكر الله كثيراً ما كنت يا ابن عمران .
قال النبي صلى الله عليه وسلم :
سبعة في ظل العرش يوم القيامة ضاحكة مستبشرة :
(( مؤمن ذو سلطان مقسط . مؤمن إذا تصدق بيمينه أخفاها عن شماله . ورجل دعته امرأة ذات حسن وجمال ، فذكر مقامه بين يدي ربه ونهى النفس عن الهوى ، وقال : إني أخاف الله رب العالمين . ورجل نشأ في عبادة الله [ولم يكفر ساعة] ولم يصر على ذنب في معصية الله . ورجل مؤمن كان قلبه في المسجد لحب الله ، وفي جماعة ذكر الله مع المؤمنين . ورجل مؤمن ذكر الله ففاضت عيناه من خشية الله بعد التوبة ، فكثرت منه الدموع في سواد الليل وغيره وهو في ذكر الله ، ويذكر الله كثيراً . ورجل مؤمن لقى رجلاً مؤمناً ، وهما يذكران الله ، ويحب الآخر صاحبه ويحبون بعضهم بعضاً في الله ، وكذلك في بنيه فتصادرا عن ذلك ، وهما صادقان في حب الله ، وهما في ذكر الله )) .
وقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلى هذه الآية :
(فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً . يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً) .
قال : (( لما نزلت هذه الآية بكى رسول الله صلى الله عليه سلم حتى ابتلت لحيته من دموع عينيه ، فذكر الله كثيراً )) .
قال : قالي عيسى عليه السلام :
طوبى لمن [حفظ] لسانه ، ووسعه بيته ، وبكى على خطيئته بعد التوبة ، وذكر الله كثيراً ويدعوه خوفاً وطمعاً .
قال : (إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّداً) . ويبكون ويذكرون الله كثيراً .
وقد وصف الله المؤمنين ، قال الله :
(أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ . وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ)
ثم قال : والله كان الكيس في القوم في هذا الأمر لما بكى ، وأبكوا هذه القلوب ، أبكوا هذه الأعمال ، وكثير من الناس لتبكي عيناه ، وإنه لقاسي القلب مصرٌ على الذنب ، ولا يقبل الله منه بكاءً حتى يتوب .
قال : قال أبو بكر الصديق : إن أفضل الذكر التوبة والندامة ، غمن استطاع منكم أن يبكي بعد التوبة ، فليبك على نفسه ، فإن أهل النار يبكون كثيراً ، ولا ينفع لهم ذلك ، جزاءً بما كانوا يكسبون .
قال : ما رفع رأسه إلى السماء حتى مات حياءً من ربه بعد التوبة والندامة .
قال : وذلك أن داود النبي صلى الله عليه وسلم ، عن ابن مسعود قال : (( ما حدث الرجل نفسه بساعة من الليل يقومها إلا أتته بمغفرة )) .
قال : فقم فاذكر ربك ، وصل ما قدّر لك ، فيقول الشيطان : نم فغن عليك ليلاً ، هل تسمع صوتاً ؟ هل ترى أحداً ؟
فيقول الملك : فاتح خيراً ، ويقول الشيطان : فاتح شراً ، ونم . فإن قام وصلى وذكر الله أصاب خيراً ، وإن نام فرح الشيطان ، فإذا أصبح الشيطان بالفرح والفخر )) .
سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أفضل صلاة التطوع ؟
فقال : (( أفضل الصلاة طول القيام )) ويخفف الله على العبد يوم القيامة ، فاستكثر من الصلاة ما استطعت ، فإن الصلاة لو لم يكن فيها شيء إلا أنك تسلم من الخطايا مادمت الصلاة ، كان ذلك حسن ، حقيق أن يرغب فيه ، بل إن فيها قراءة القرآن ، وتحميد الرب ، والرغبة إليه ، وذكر الله فيها ، فأنت تطلب فيها أعظم الحاجة وهي أعمال الملائكة ، فإنما المصلي كالقائم على باب الجنة ،يستفتح ، ويسأل الدخول ، وكل الأعمال لها تبع ، فأخشع فيها ولا تلتفت ، وأقبل عليها بقلبك حتى تقضيها ، فإذا فرغت من صلاتك فانصب في الدعاء وارغب لله ، واذكر الله كثيراً .