66- تفسير آيات النهي عن الرياء، وذكر الله على المركوب وشكر نعم الله
تفسير ما نهى الله عنه المؤمنين من الرياء في العمل :
قوله في سورة الكهف :
(فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ) فمن كان يخشى البعث في الآخرة .
(فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً) يعني : فما كان لله طاعة .
(وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) يقول ك فلا يشرك في عبادة ربه في العمل الصالح الذي يعمل له أحداً من خلقه .
قال النبي صلى الله عليه وسلم :
(( إن ربكم يقول : أنا خير شريك ، فمن أشرك بي في عمل يعمله لي أحداً من خلقي تركت العمل كله له ، ولم أقبل منه شيئاً )) .
قال الله :
( إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) ولا يتقبل إلا من المخلصين .
ثم قرأ هذه الآية :
(فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) .
وقال : استكثر من الخيرات ما استطعت ، ثم إياك وما يفسد عليك عملك ، فإن مما يفسد العمل الرياء .
فإن لم يكن رياءً فإعجاب بنفسك وعملك حتى يفضل من أخ لك ، عسى أن يصيب من العمل الذي أصبت .
ولعله هو أن يكون أورع منك عن ما حرم الله عليك ، وأزكى عملاً منك ، وإن لم يكن إعجاب فحب مدح الناس ومحمدتهم ، وإياك أن يكرموك بعملك ويروا لك شرفاً ومنزلة في صدورهم ، أو في حاجة الدنيا التي طلبتها إليهم .
ولم نجد أحداً قد اعتقد الأمر كما ينبغي إلا وهو مشفق من عمله كله حسناته وسيئاته ، فإما سيئاته فيخشى العقوبة بها في الآخرة ، وأما حسناته فيخشى ألاّ تقبل منه ، وأن يكون في قلبه شيء قد أفسد عمله عليه .
وإذا كان العبد كذلك مخلصاً مخشعاً للقلب ، ولم يعجب بشيء من عمله عليه ، فاعلم أنك لو قلت لقوم إني أحب أن تكرموني بعملي وتروا لي به شرفاً عندكم ، وتحدثون به بينكم ، إذا ً لمقتك القوم على ذلك ، وشفهوا عليك ولكان ذلك سفهاً شديداً . إذا كان ذلك في صدرك ، أم كيف لو علم القوم الذي في نفسك من ذلك ، ويعلم الله منك ذلك ، وكيف تعجب بنفسك وقد سلف منك ما قد عملت من الذنوب ، ولعل الله يغفر لك منها ذنباً واحداً ، أفيكون ذلك منك؟ !
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
تفسير ما على المؤمنين أن يقولوا إذا ركبوا الدواب والسفن :
قوله في سورة الزخرف :
(وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا ) يعني : الأصناف كلها .
( وَجَعَلَ لَكُمْ) يعني : لبني آدم (مِنَ الْفُلْكِ) يعني : السفن .
(وَالْأَنْعَامِ) يعني : الإبل والبقر ([مَا تَرْكَبُونَ]) .
وقال في آية أخرى :
(وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً …) .
فيذكرهم نعمة ، ثم قال :
(لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ) . يعني : إذا ركبتم عليها ، فقولوا : الحمد لله ، فينبغي للمسلم إذا ركب أن يقول : بسم الله ن ويذكر نعمة ربه ن ويحمد ربه على الإسلام وعلى ما حمله في البر والبحر ، إذا سار في البر والبحر .
([وَتَقُولُوا] سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا) يعني : سبحان الذي ذلل لنا هذا . (وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ) يعني مطيقين .
(وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ) يعني : إلى ربنا في الآخرة لراجعون .
وإذا ركبت السفينة تذكر نعمة الله ، وإن شاء قال كما قال نوح عليه السلام (بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) .
فمن ركب دابة أو سفينة ، فلم يذكر اسم الله جاءه الشيطان فبقول له : تغن فإن لم يتغن ، قال له : تمن ، ويوسوس إليه الحاجات الكثيرة ، فينسى ما فرض الله عليه من الذكر، والنسيان مرض .
(وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ) .(
(إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ..) . فمن تاب ، تاب الله عليه .
ذكروا عن عيسى بن مريم عليه السلام في بعض مواعظه :
بحق أقول لكم : يا عبيد الدنيا تحملون السراج بالنهار في نور الشمس العظيم ، ونورها يكفيكم ، وتتركون السراج في الليل المظلم ، وفيه ينبغي حمل السراج لكم .
تعملون للدنيا وأنتم مُعطوها بغير عمل ، ولا تعملون للآخرة وإنما تعطونها بالعمل والأجر ، إنما أعطاكم الله الدنيا لتبتغوا بها الآخرة ولم يعطيكموها لتشغلكم عن الآخرة ، إنما بسطها لكم لتعملوا بها .
ولم يبسطها لكم لتغفلوا عنها .
إنما أعانكم على العبادة ، ولم يعنكم على الخطايا .
إنما أمركم بطاعته ، ولم يأمركم فيها بمعصيته .
إنما نهاكم عن الحرام ، ولم يحل لكم فيها الحرام .
وإنما وسّعها لكم لتواصلوا بها ، ولم يوسّعها لكم لتقاطعوا .
بحق أقول لكم : من لا يستعين على حمل شيء كيف يحمله ؟
ومن لا يتوب إلى الله ، كيف يغفر له ؟
ومن لا يغسل قلبه ، كيف ينقيه ؟
ومن لا يتوب من الخطايا ، كيف يقبل منه عمله ؟
ومن يركب البحر بغير سفينة ، كيف ينجو من الغرق ؟
ومن لا يترك المعاصي ، كيف يخلص من الذنوب ؟
ومن لا يتناول طعامه بيده ، كيف يأكله ؟
ومن لا يتواضع لربه ، كيف يعبده ؟
ومن لا يتقي السهم بالترس ، كيف يرده عنه ؟
ومن لا يتقي الذنوب ، كيف يخلص من العقوبة ؟
ومن لا يضرب بسيفه ، كيف يقطع ؟
ومن لا يعمل عملاً صالحاً ، كيف ينفع نفسه ؟
ومن لا ينظر في المرآة ، كيف ينظر عيب وجهه ؟
ومن لا يخشى العقوبات ، كيف يترك المحارم ؟
ومن لا يهم له عيب وجهه ، كيف ينظر في المرآة ؟
ومن لا تهمه الخطايا ؟ كيف يترك حب الدنيا ؟
ومن لا يبذل ماله للحلية ، كيف تحبه ؟
ومن لا يطيع ربه ، كيف يرضى عنه ؟
وقد قال إبليس :
( وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ . إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) .
قال تعالى :
(وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) .
فعلم إبليس أن أولياء الله ، عباد الله المخلصين .
قال :(….وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً)