67- تفسير آيات الجهاد والمجاهد في سبيل الله وفضله ومنزلته والمرابط

67- تفسير آيات الجهاد والمجاهد في سبيل الله وفضله ومنزلته والمرابط

تفسير الجهـاد في سبيل الله :

قوله في سورة البقرة :

(كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ ….) وذلك أن الله أمر النبي والمؤمنين بمكة بتوحيد الله وأن يبرؤوا من جميع الأصنام والأنداد ، وأمرهم بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ، وأن يكفوا عن القتال ، فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، نزل سائل الفرائض وأذن لهم بالقتال ، فقال في سورة الحج :

(أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ ) يعني : النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه .

(بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ) يعني : ظلمهم أهل مكة حين أخرجوهم من ديارهم .

(وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ . الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ ) فلما كتب عليهم القتال شق على أناس من المسلمين ، فنزلت ( كتب عليكم القتال ) فأذن لهم بعدما كان نهاهم عنه .

(وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ ) يعني : القتال مشقة عليكم .

( وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً) يعني : الجهاد وقتال المشركين .

(وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ) فجعل الله عاقبته فتحاً وغنيمة وشهادة .

(وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً) يعني : القعود عن الجهاد .

(وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ ) فتكون عاقبته شراً لكم ، فلا يصيبون فتحاً ولا غنيمة .

(وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) ورغّب المسلمين في الجهاد فقال في

سورة الصف .

(إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً) يعني : المشركين من أهل الحرب ، في طاعة الله ، صفاً .

(كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ) ملتزق بعضهم ببعض في الصف في القتال ،

هذا تعليم من الله للمؤمنين .

وقال : وكان النبي صلى الله عليه وسلم : لا يقاتل العدو إلا أن يصافهم .

وقال في آية أخرى :

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) .

قال ك لما نزلت هذه الآية ن قال المسلمون : لوعلمنا هذه التجارة لأعطينا فيها الأموال ، والأعلين ، والأنفس . فبين لهم التجارة قال :

(تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ) يعني : بتوحيد الله ن وجميع ما أمر الله ورسوله وتصدقون بمحمد صلى الله عليه وسلم أنه نبي رسول . (وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ) يعني : تجاهدون العدو من المشركين في طاعة الله .

(بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ) يعني : الإيمان والجهاد .

(ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ) من غيره (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) .

(يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ) يقول : إذا فعلتم ذلك يغفر لكم ذنوبكم .

(وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ) يعني : الأنهار تحت الشجر في البساتين .

(وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً ) يعني : منازل الجنة .

(فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ) قال : جنة عدن ن وهي اشرف المنازل .

([ذَلِكَ]) يعني : هذا الثواب الذي ذكر (الْفَوْزُ الْعَظِيمُ )

(وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ ) يعني : ونصراً عاجلاً في الدنيا (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) بالنصر في الدنيا ، والجنة في الآخرة .

عن عمر بن الخطاب رحمة الله أنه قال :

(( حجة قبل غزوة ــ يعني حجة الإسلام ــ أفضل من عشر غزوات ، وغزوة بعد حجة الإسلام أفضل من عشر حجات ، لأن الله قد أوجب الفرائض على المسلمين ، فمن ضيّع الفريضة فلا يقبل منه التطوع )) .

تفسير فضل المجاهدين على القاعدين :

قوله في سورة النساء :

(لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَر) يعني : أهل الزمانة .

(وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) يقول : لا يستوي في الفضل القاعد عن الغزو ( من المؤمنين ) والمجاهدون .

( [ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ ] فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً) يعني : فضيلة .

(وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى) يعني : المجاهد والقاعد والمعذور ، ( وعد الله الحسنى ) يعني الجنة .

(وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ) الذين لا عذر لهم .

(أَجْراً عَظِيماً . دَرَجَاتٍ مِنْهُ) يعني : فضائل منه .

(وَمَغْفِرَةً ) يعني : ومغفرة لذنوبهم (وَرَحْمَةً ) لهم .

(وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) يفضل بسبعين درجة أو ما شاء الله .

تفســير القــاتل والمقتـــول من المجاهدين في الآخرة :

قوله في سورة البقرة :

(وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ) يعني : الذين يُقتلون في طاعة الله في قتال المشركين والكافرين .

(أَمْوَاتٌ ) يقول : لا تحسبهم أمواتا .

(بَلْ أَحْيَاءٌ ) يعني : أرواح الشهداء أحياء (وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ) .

وقوله في سورة آل عمران :

(وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ) يعني : في طاعة الله في جهاد المشركين والكافرين .

(أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ) يعني : الشهداء أحياء .

(عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) قال : جعل الله أرواح الشهداء يوم بدر في حواصل طيور خضر يرعون في الجنة حيث شاءوا ويأكلون من ثمارها وتأوى إلى قناديل تحت العرش ، وهم في كرامة الله والخير .

فذلك قوله ( أحياء عند ربهم يرزقون ) .

(فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) . وأما قوله :

(وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ ) قال : لما دخلوا الجنة ورأوا فيها من الكرامة للشهداء قالوا :

يا ليت إخواننا الذين في الدنيا يعلمون ما نحن فيه من الكرامة . فإذا شهدوا القتال بشروهم بأنفسهم حتى يستشهدوا ويصيبوا ما أصبنا .

فأخبر الله النبي صلى الله عليه وسلم بأمرهم ، وما هم فيه من الكرامة وأخبرهم أني قد أنزلت على نبيكم ، وأخبرته بأمركم وما انتم فيه .

فاستبشروا بذلك ن وذلك قوله : (ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ) يعني : إخوانهم من أهل الدنيا ، أنهم سَيُحرّضُون على الجهاد

(أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) الموت .

( طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ) .

تفسير الرباط في سبيل الله :

قوله في سورة آل عمران :

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا ) يعني : على الفرائض .

(وَصَابِرُوا) مع النبي صلى الله عليه وسلم ، ومع إمام عدل في المواطن .

(وَرَابِطُوا) يعني : [ ضد ] العدو من المشركين وغيرهم ، حتى يتركوا دينهم الشرك وغيره من الباطل ، لدين الإسلام .

(وَاتَّقُوا اللَّهَ ) يعني : فيما أمركم ونهاكم .

(لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) يعني : لكي تفلحوا .

قال : من رابط المشركين في نفر من المسلمين ن حيث يخاف العدو ويخافونه أربعين يوماً ، فهو عظيم الأجر ، ومن مات مرابطاً في سبيل الله أجرى الله له أجر رباطه إلى يوم يلقى الله .

قال : لأن أقوم مقاماً حيث أخاف العدو ، ويخافوني ، لا أضرب فيه بالسيف ، ولا أطعن فيه بالرمح ، ولا أرمي فيه بالسهم ن وأرجع سالماً أحب إلي من عبادة ستين سنه غير الفرائض إذا كان موافقاً للسنة .