71- تفسير آيات آخر ما نزل من القرآن والمحكم منه
تفسير الآيات المحـكمات ، ومــا أنــزل الله في آخــر القــرآن :
قوله في السورة التي يذكر فيها آل عمران :
(هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ) .
منها ثلاث آيات في آخر الأنعام ، أولهن :
(قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً ) إلى قوله (ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) .
فهذه الآيات المحكمات لم ينسخهن شيء من جميع الكتاب ، وإنما سمّاهن أم الكتاب ، لأنهن أم الكتاب في جميع الكتب .
وقال في السورة التي يذكر فيها المائدة :
( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) . وذلك أن الله فرض على المسلمين بمكة شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والإيمان بالبعث ، والجنة والنار ، والصلاة ركعتين غدوة ، وركعتين عند العشاء ما كان في الليل ، ثم فرض عليه الصلوات الخمس قبل هجرته ، والزكاة شيئاً غير مؤقت ، والكف عن القتال .
فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، فرض عليه جميع الفرائض ، وكان المسلمون يحجون من المدينة قبل فتح مكة فيحج معهم مشركوا ( ) العرب .
فلما فتحت مكة حج أبو بكر رحمه الله بالناس ، وحج معه كثير من مشركي العرب ، فبعث صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب إلى أبي بكر رحمه الله بصدر براءة ، فقرأها على الناس يوم عرفة فقرأ علٌّي من أول براءه سبع آيات على الناس ، وقرأ :
(إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا)
فلما كان عامهم المقبل حج النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع ، وليس معه أحد من المشركين ، فنزلت يوم عرفة ، يوم الجمعة :
(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) يعني : أمره ونهيه ، فلم ينزل بعدها حلال ولا حرام ، ولا حكم ولا حدود ، ولا فريضة إلاّ آية من آخر سورة النساء :
(يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ ) .
(وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي) يعني : الإسلام ، إذا حججتم فليس عندكم مشرك .
( وَرَضِيتُ لَكُمُ) يعني : واخترت لكم (الْأِسْلامَ دِيناً) فليس أرضى عندالله من الإسلام . فنزلت هذه الآية والناس بعرفات رافعين أيديهم بالدعاء فبركت ناقته صلى الله عليه وسلم من ثقل القرآن .
وعاش النبي صلى الله عليه وسلم من بعد ذلك إحدى وثمانين ليلة .
وآخر ما نزل من القرآن كله هذه الآية في السورة التي يذكر فيها القرآن
(وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ) يعني : كل بار وفاجر (مَا كَسَبَتْ) يعني : ما عملت من خير أو شر (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) في أعمال ، يعني : ولا ينقص من حسناتهم ولا يزاد على سيئاتهم .
وعاش النبي صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الآية ، ثم مات يوم الاثنين لليلتين خلت من شهر ربيع الأول صلى الله عليه وسلم كثيراً .