بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)} نزه اسمه عن الإلحاد فيه بالتأويلات الزائغة، وإطلاقة على غيره، زاعما أنهما فيه سواء، وذكره لا على وجه التعظيم. { الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2)} خلق كل شيء فسوى خلقه، بأن جعل له ما به يتأتى كماله، وتتم معانيه. { وَالَّذِي قَدَّرَ} أي: قدر أجناس الأشياء، وأنواعها وأشخاصها ومقاديرها وصفاتها وأفعالها وآجالها، {فَهَدَى (3)} فوجهه إلى أفعاله طبعا أو اختيارا بخلق الإلهامات، ونصب الدلائل والعلامات. { وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى (4)} أنبت ما ترعاه الدواب، {فَجَعَلَهُ} بعد خضرته {غُثَاءً أَحْوَى (5)} يابسا أسود؛ وقيل: أخرجه أحوى من شدة خضرته.
{سَنُقْرِئُكَ} على لسان جبريل؛ أو سنجعلك قارئا بإلـهام القراءة، {فَلَا تَنْسَى (6)} أصلا، مع أنك أمي، لتكون ذلك آية أخرى لك، مع أن الإخبار به عما يستقبل وقوعه كذلك أيضا من الآيات؛ وقيل: نهي عن ترك الدراسة لئلا ينسى؛ وقيل: مدح، أي: فلا تهمل تكراره فتنسى، { إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} نسيانه، { إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى (7) وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى (8)} ونعدك للطريقة المثلى.
{فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى (9)} لعل هذه الشرطية إنما جاءت بعد تكرير التذكرة، وحصول اليأس عن البعـض، لئلا يتعب نفسه، ويتلـهف عليهم، كقوله: {سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى (10)} سيتعظ وينتفع بها من يخشى الله، بأن يتفكر فيها، فيعلم حقيقتها؛ وهو يتناول العارف والمتردد، { وَيَتَجَنَّبُهَا} ويتجنب الذكرى، ويتباعد عنها {الْأَشْقَى (11)} الكافر، فإنه أشقى الخلق عاجلا وآجلا إن توسمت في أحواله… {الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى (12)} نار جهنم فإنه قيل/ إنه عليه السلام قال: »ناركم هذه جزء من سبعين جزء من نار جهنم« . وذلك لشدة عذابها، { ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا} فيستريح، { وَلَا يَحْيَا (13)} حياة تنفعه، بخلاف نار الدنيا؛ لأن نار الدنيا تقتل من يلقى فيها فيستريح منها، وتلك لا يموت فيها.
{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14)} تطهر من المعـاصي، ودخل في نزهة الطـاعة، {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ} بقلبه ولسانه، {فَصَلَّى (15)} لقوله: {أقم الصلاةَ لِذِكْرِي} وفيه إشعار بأن الصلاة يراد بها الذكر.
{بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16)} فلا تفعلون ما يسعدكم في الآخرة، (لعله) لأن الإنسان خلق عجولا، والدنيا أحضرت وعجل طعامها وشرابها ونساؤها ولذتها وبهجتها، {وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (17)} فإن نعيمها ملذ بالذات، خالص عن الغوائل لا انقطاع له.
{إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى (18)} الإشارة على ما سبق، من {قد أفلح..{ فإنه جـامع أمر الديانة، وخلاصة الكتب المـنزلة، {صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى (19)} قيل: إن هذه السورة، أو حكمها في صحف إبراهيم وموسى.