بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
{إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1)} بالغــمام لقــوله: {يوم تَشَقَّق السَّمَاء بالغمام}،{وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا} واستمعت له وانقادت، لتأثير قدرته حين أراد انشقاقها، انقياد المطواع الذي يأذن للأمر ويذعن له، { وَحُقَّتْ (2)} وجعلت حقيقة بالاستماع والانقياد، يقال: حق بكذا، فهو محقوق وحقيق. { وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ (3)} بسطت بأن تزال جبالها، {وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا} من الأموات {وَتَخَلَّتْ (4)} وتكلفت في الخلو أقصى جهدها، حتى لم يبق شيء في باطنها، {وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا} في الإلقاء والتخلية، {وَحُقَّتْ (5)} للإذن.
{يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ (6)} الكدح: السعي إلى لقاء جـزائه؛ { فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (8)} وذلك نعمة لهم لا عليهم، إذ لم يبق عليهم ذنب فيجزيهم، وإنما يجدون فيه الأعمال الصالـحة وتلك تسرهم، { وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ} (لعله) للتـمتع والـتنعم {مَسْرُورًا (9)}.
{ وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ (10)} قيل: يؤتى كتابه بشماله من وارء ظهره؛ قيل: تغل يمناه إلى عنقه، وتجعل يسراه وراء ظهره، { فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا (11)} يقول: يا ثبوراه تعال فهذا أوانك، وهو الهلاك؛ { وَيَصْلَى سَعِيرًا (12) إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ} في الدنيا {مَسْرُورًا (13)} بطرا بالمال والجاه، فارغا عن الآخرة، { إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ (14)} لن يرجع على الله، { بَلَى} إيجاب بما بعد »لن« {إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا (15)} عالما باعماله فلا يهمله، بل يرجعه ويجازيه.
{فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ (16)} الحمرة التي في أفق المغرب بعد الغرب، وعن ابي حنيفة: البياض الذي يليها، سمي به لرقتـه، من الشفـقة؛ {وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ (17)} وما جمعه وستره من الذوات وغيرها؛ يقال: وسقه فاتسق؛ {وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (18)} اجتمع وتم بدرا؛ { لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ (19)} هي طبقات بعضها أرفع من بعض؛ وقيل: لتركبن سنن من كان قبلكم من الأولين وأحوالهم، حالا بعد حال؛ (لعله) والطبق: ما طابق غيره، يقال: ما هذا بطبق لذا، أي: لا يطابقه، ثم قيل للحال المطابقة لغيرها: طبق، ومنه قوله: {طبقاً عَن طبق}، أي: مطابقة لأختها في الشدة، وهو لما طابق غيره؛ فقيل: للحال المطابقة، أو مراتب من الشدة بعد المراتب، وهي الموت ومواطن القيامة وأهوالها، أو هي وما قبلها من الدواهي، على أنه جمع طبقه، وهي المرتبة، على معنى: لتركبن أحوالا بعد أحوال. وقرئ بالفتح: لتركبن، على خطاب الإنسان باعتبار اللفظ، أو الرسول على معنى: لتركبن حالا شريفة، ومرتبة عالية بعد حال ومرتبة، وبالكسر على خطاب النفس، وبالياء على الغيبة، و»عن طبق« صفة لـ »طبقا« ، أو حال بمعنى: الضمير، بمعنى مجاوز الطبق، أو مجاوزين له.
{فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (20) وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآَنُ لَا يَسْجُدُونَ (21)} لا يخضعون، والسجود عبارة عن الإذعان، ودليله ما بعده: { بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ (22) وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ (23)} بما يضمرون في صدورهم من الكفر، { فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (24) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (25)} به عليهم.