سورة الصف

بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

{سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) } لأن القول إذا لم  يصدق بالعمل فهو كذب؛ ولذلك توعد الله عليه، فقال: {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3)}المقت: أشد البغض.

قيل: كان المؤمنون يقولون: لو علمنا (لعله) أحب الأعمال إلى الله لبذلنا فيه أموالنا وأنفسنا؛ فدلهم الله تعالى على أحب الأعمال إليه، فقال: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا} مصطفين {كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ (4)}في تراصهم من غير فرجة؛ والرص: اتصال بعض البناء بالبعض واستحكامه.

{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ} بما جئتكم من المعجزات؛ فإن العلم بنبوته يوجب تعظيمه، ويمنع إيذاءه، {فَلَمَّا زَاغُوا} عن الحق؛ {أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} صرفها عن قبول الحق والميل إلى الصواب، {وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (5)} هداية موصلة إلى معرفة الحق والعمل بمقتضاه.

{وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} والمعنى: ديني التصديق بكتب الله وأنبيائه، {فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (6)}أي: كذب بين.

{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ} أي: أي أحد أظلم ممن يدعى إلى الإسلام الظاهر حقيقته، المقتضي له خير الدارين، فيضع إجابته الافتراء على الله بتكذيب رسوله، وتسميته آياته سحرا، {وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (7)}لا يرشدهم إلى ما فيه صلاحهم.

{يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ} يعني: دينه أو كتابه أو حجته {بِأَفْوَاهِهِمْ} بطعنهم فيه، {وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ} مبلغ غايته بنشره وإعلائه على كل دين إلى يوم القيامة، {وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8)} إرغاما لهم. {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى} بالقرآن، {وَدِينِ الْحَقِّ} والملة الحنيفية، {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} ليعيله على جميع الأديان، {وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9)}بما فيه من محض التوحيد، وإبطال الشرك.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11)}  إن كنتم من أهل العلم؛ إذ الجاهل لا يتعد بفعله السيء، ولا قوله الباطل. {يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12)}.

{وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا} ولكم إلى هذه النعمة المذكورة، نعمة أخرى عاجلة محبوبة. وفي »تحبونها« تعريض بأنه في طباعهم حب الحلال، ليقويهم على الانتقال به إلى الآجل، إذ قال: {تحبُّونها} وهو قوله: {نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ} عاجل {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (13)}.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ} لإظهار دينه، اقتدوا بأهل دينه، لقوله: {كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ} أي: من جندي متوجها إلى نصرة الله، ليطابقوا قوله: {قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ} والحواريون: هم أصفياء قومه؛ {فَآَمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ} الذين تشمروا لنصرة نبيه، {وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ} التي خذلته، {فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ} بالحجة أو بالنصر، {فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ (14)} فصاروا غالبين بالحجة لا بالدولة فيما قيل.