سورة العنكبوت

بسم الله الرحمن الرحيم     

{الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا : آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ } فإن معناه: أحسبوا أن نتركهم غير مفتونين لقولهم :” آمنا” ، بل يمتحنهم الله بمشاق التكاليف ، كالمهاجرة والمجاهدة ، ورفض الشهوات ، ووظائف الطاعات ، وأنواع المصايب في الأنفس والأموال ، ليتميز المخلص من المنافق ، والثابت في الدين من الذي يعبد الله على حرف ، ولينالوا بالصبر عليها عوالي الدرجات ، ولأن القول مصداقه العمل ، والإيمان: قول وعمل ونية.

{وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ} المعنى: أن ذلك سنة قديمة ، جارية في الأمم كلها ، فلا ينبغي أن يتوقع خلافه ، فإن ذلك مما تقتضيه الحكمة ، {فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا} في قولهم: آمنا ، {وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}.

{أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ} الكفر والمعاصي ، فإن العمل يعم أفعال القلوب والجوارح ، {أَن يَسْبِقُونَا} أن يفوتونا ، {سَاء مَا يَحْكُمُونَ} بئس ما يحكمون لأنفسهم بهذا الظن.

{مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء اللَّهِ} أي: تلقي جزائه {فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ} كائن لا محالة ، فليبادر ما يحقق أمله ، ويصدق رجاءه أو ما يستوجب القربة والرضا . (لعله) ومعنى الآية : أن من يخشى الله وتأمله فليستعد له وليعمل ، {وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * وَمَن جَاهَدَ} نفسه الجسمانية ، بالصبر على مضض الطاعة ، والكف عن الشهوات ، {فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ} الروحانية ، لأن منفعته لها ، ولأنها خلقت خادمة لها ، {إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} فلا حاجة به إلى طاعتهم ، وإنما كلف عباده رحمة عليهم ، ليعود النفع لهم. {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ} صغائر ذنوبهم لنبطلنها ، والتكفير: إذهاب السيئة بالحسنة، {وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ} أي: أحسن جزاء أعمالهم.

{وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا} بإتيانه فعلا ذا حسن ، {وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} إشعارا بأن ما لم يعلم صحته لا يجوز اتباعه ، وإن لم يعلم بطلانه فضلا عما علم بطلانه ، والشرك به يقتضي جميع المعاصي ، {فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ} مرجع من آمن ، ومن أشرك ، ومن بر بوالديه ، ومن عق ، {فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} بالجزاء عليه.

{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ} بالتوفيق في جملتهم ، والكمال في الصلاح منتهى درجات المؤمنين ، ومنتهى أنبياء الله المرسلين ، أو في مدخلهم وهي الجنة.

{وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ : آمَنَّا بِاللَّهِ، فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ} عدل بها عذاب الله ، {وَلَئِن جَاء نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ}  فتح وغنيمة ، {لَيَقُولُنَّ : إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ} في الدين ، فأشركونا فيه ، والمراد به المنافقون ، {أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ}؟ من الإخلاص والنفاق . {وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ}.

{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا : اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا} الذي نسلكه في ديننا ، {وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ} إن كان ذلك خطيئة ، {وَمَا هُم بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُم مِّن شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ} أثقال ما اقترفته أنفسهم ، {وَأَثْقَالًا مَّعَ أَثْقَالِهِمْ} وأثقالا آخر معها لما تسببوا له بالإضلال ، والحمل على المعاصي من غير أن ينقص من أثقالهم من تبعهم شيء ، {وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ} كان الإفتراء قولا أو عملا او اعتقادا ، خلاف الصدق.

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ، فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا} والمقصود من القصة تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتثبيته على ما يكابد من الكفرة ، {فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ} طوفان الماء ، وهو ما طاف بكثرة ، من سيل أو ظلام أو نحوهما ، {وَهُمْ ظَالِمُونَ} بالكفر . {فَأَنجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ} يتعظون ويستدلون بها.

{وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ: اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ} مما أنتم عليه ، {إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} تميزون ما هو خير مما هو شر ، أو كنتم تنظرون في الأمور بنظر العلم دون عمى الجهل . {إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا} وتكذبون كذبا في تسميتها آلهة ، وهو استدلال على شرارة ما هم عليه من حيث أنه زور وباطل ، {إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا} دليل بان على شرارة ذلك ، من حيث أنه لا يجدي بطائل ، {فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ} كله ، فإنه المالك له ، {وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ} متوسلين إلى مطالبكم بعبادته ، مقيدين لما خصكم من النعم بشكره ، أو مستعدين للقائه بهما ، فإنه {إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَإِن تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِّن قَبْلِكُمْ } من قبلي من الرسل ، فلم يضرهم تكذيبهم ، وإنما ضروا أنفسهم من حيث تسبب لما حل بهم من العذاب ، فكذا تكذيبكم ، {وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} الذي يزول معه الشك ، وما عليه {إلا} أن يصدق ولا يكذب.

{أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} إخبار بالإعادة بعد الموت ، {إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} إذ لا يفتقر في فعله إلى شيء . {قُلْ : سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ} على اختلاف الأجناس والأحوال ، {ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ} لأن من عرف بالقدرة على  الإبداء ينبغي أن يحكم له بالقدرة على الإعادة ، {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} لأن قدرته لذاته ، ونسبة ذاته إلى كل الممكنات عى سواء . {يُعَذِّبُُ مَن يَشَاء} في الدنيا ، {وَيَرْحَمُ مَن يَشَاء} في الدنيا ، {وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ} تردون . {وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ} ربكم عن إدراككم {فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاء} إن فررتم من فضائله بالتواري في الأرض ، والهبوط في مهاويها ، والتحصن في السماء ، أو القلاع الذاهبة فيها ، {وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} يحرسكم عن بلاء يظهر من الأرض ، أو ينزل من السماء ، ويدفعه عنكم.

{وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ} بدلائل وحدانيته ، أو بكتبه {وَلِقَائِهِ} بالبعث والجزاء ، {أُوْلَئِكَ يَئِسُوا مِن رَّحْمَتِي} يوم القيامة ، أو في الدنيا لإنكار البعث والجزاء ، {وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} في الدارين .

{فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ} قوم إبراهيم ، {إِلَّا أَن قَالُوا : اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ، فَأَنجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} لأنهم المنتفعون بالتأمل فيها. {وَقَالَ : إِنَّمَا اتَّخَذْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} (لعله) معناه: إن الذين اتخذتم من دون {الله } من أوثان ، وهي مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم تنقطع في الآخرة ، ولا تنفعكم بل تضركم كما قال:{ ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُم بِبَعْضٍ ، وَيَلْعَنُ بَعْضُكُم بَعْضًا، وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن نَّاصِرِينَ}.

{فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ} أي: صدقه ، {وَقَالَ ، إِنِّي مُهَاجِرٌ} من حضوضي {إِلَى رَبِّي} إلى عبادته ، {إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} الذي لا يأمر إلا بما فيه صلاحي. {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا} التوفيق على الطاعة ، والتنعم به ، والبشارة بالنعمة الأبدية ، أو صحب معه سعادته في الآخرة ، {وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} لفي عدد الكاملين في الصلاح.

{وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ : إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ} استئناف مقرر لفاحشتها ، من حيث إنها مما اشمأزت منه الطباع ، وتحاشت عنه النفوس ، حتى أقدموا عليها لخبث طينتهم. {أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ، وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ} وتعترضون للسابلة بالقتل ، وأخذ المال ، أو بالفاحشة حتى انقطعت الطرق ، أو تقطعون سبل النسل بالاعتراض عن الحرث ، وإتيان ما ليس بحرث ، {وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ} في مجالسكم الغاصة ، ولا يقال: النادي ، إلا لما فيه أهله ، {الْمُنكَرَ} الجماع والضراط ، وحال الإزار ، وغير ذلك من القبائح عدم مبالاة بها ، وقيل: الحذف بالحصا ، والرمي بالبنادق ، والمنكر: اسم جامع لجنيع المعاصي ، {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} في استقباح ذلك ، أو في دعوى النبوة المفهومة من التوبيخ . {قَالَ: رَبِّ انصُرْنِي} بإنزال العذاب ، {عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ} بابتداع الفاحشة ، وسنها فيمن بعدهم.

{وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى، قَالُوا:إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ} تعليل لإهلاكهم ، بإصرارهم وتماديهم في ظلمهم ، الذي هو الكفر ، وأنواع المعاصي. {قَالَ: إِنَّ فِيهَا لُوطًا} وذلك في اقتضاء الحكمة أن لا يؤخذ المطيع بالعاصين ، {قَالُوا: نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَن فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ} تسليم لقوله ، مع ادعاء مزيد العلم به ، وأنهم ما كانوا غافلين عنه ، {إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ} الباقين في العذاب.

{وَلَمَّا أَن جَاءتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا} وضاق بشأنهم وتدمير أمرهم ذرعه ، أي: طاقته ، كقولهم:” ضاقت يده” وبإزائه ” رحب ذرعه بكذا” ، إذا كان مطيقا له ، وذلك لأن طويل الذراع ، ينال ما لا ينال قصير الذراع ، {وَقَالُوا: لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ * إِنَّا مُنزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِّنَ السَّمَاء بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * وَلَقَد تَّرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً} هي حكايتها الشائعة ، أو آثار الديار الخربة ، وقيل: الحجارة الممطورة ، فإنها كانت باقية بعد {لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} يستعملون عقولهم في الاستبصار ، ويتدبرون الآيات ، تدبر ذوي العقول ، قيل: الآية البينة : آثار منازلهم الخربة.

{وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا، فَقَالَ : يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ، وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ} وافعلوا ما ترجون به ثوابه ، {وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ * فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ} الزلزلة الشديدة ، وقيل : صيحة جبريل ، لأن القلوب ترجف لها ، {فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ} ميتين.

{وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَاكِنِهِمْ} أي: تبين لكم بعض مساكنهم ، أو إهلاكهم من جهة مساكنهم إذا نظرتم إليها ، عند مروركم بها ، {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ} فزين قبحها بالحسن ، {فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ} السبيل الموصول إلى الجنة ، {وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ} أي: ممكنين من الاستبصار والبصيرة وكشف القناع ، ولكنهم غطت بصائرهم أهويتهم التي عبدوها.

{وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ} (لعله) أي: أهلكنا هؤلاء ، {وَلَقَدْ جَاءهُم مُّوسَى بِالْبَيِّنَاتِ، فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ، وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ} فائتين ، بل أدركهم أمر الله ، من “سبق طالبه” إذا فاته.

{فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ، فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا} كقوم لوط ، {وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ، وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا} كقوم نوح وفرعون وقومه ، {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ} ليعاملهم معاملة الظالم ، فيعاقبهم بغير جرم ، {وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} بتركهم لها عن التزكية.

{مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء} مما اتخذوه معتمدا ، ومتكلا ، {كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا} فيما نسجته في الوهن والخور ، بل ذلك أوهن ، فإن لهذا حقيقة وانتفاعا ، (لعله) وليس لآلهتهم حقيقة ، ولا جلب نفع ولا دفع ضر ، بل يتضررون بذلك ، {وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ} لا بيت أوهى وأقل وقاية للحر والبرد منه ، وكذلك آلهتهم لا تجلب نفعا ولا تدفع ضرا ، {لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} لو يرجعوا إلى علم ، لعلموا أن هذا مثلهم ، وأن دينهم أوهى من ذلك ، ويجوز أن يكون المراد بيت العنكبوت دينهم ، سماهم به تحقيقا للتمثيل ، فيكون المعنى: وإن أوهن ما يعتمد به في الدين دينهم.

{إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ} أي: ليس بشيء ، لأنها أهوية سيارة طيارة ، ما كان منها كأنه لم يكن ، كما قال:{ كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ } ، {وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} تعليل على المعنيين ، فإن من فرط الغباوة إشراك ما لا يعد شيئا بمن هذا شأنه ، وإن الجماد بالإضافة إلى القادر القاهر على كل شيء ، البالغ في العلم وإتقان الفعل الغاية كالمعدوم ، وأن من هذا صفته قدر على مجازاتهم.

{وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ} يعني: هذا المثل أو نظائره ، {نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ} تقريبا لما بعد من أفهامهم ، {وَمَا يَعْقِلُهَا} ولا يعقل حسنها وفائدتها ، {إِلَّا الْعَالِمُونَ} الذين يتدبرون الأشياء على ما ينبغي ، وعنه عليه الصلاة والسلام : أنه تلا هذه الآية فقال:” العالم: من عقل عن الله ، فعمل بطاعته ، واجتنب سخطه”.

{خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ} محقا غير رائد به عبثا ولا لعبا ، فإن المقصود بالذات من خلقهما إضافة الخير ، والدلالة على ذاته وصفاته ، كما أشار إليه بقوله:{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ} لأنهم المنتفعون بها.

{اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ} تقربا إلى الله بقراءته ، وتحفظا لألفاظه ، واستكشافا لمعانيه ، وتبليغا لأحكامه ، فإن القارىء المتأمل قد ينكشف له بالتكرار ما لم ينكشف له أول ما قرع سمعه ، {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ} إن أقيمت على الوجه ، فإنها {تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ} بأن تكون سببا للانتهاء عن المعاصي ، من حيث أنها تذكر الله ، وتورث للنفس خشية ، وما لم تنهه صلاته عن الفحشاء فليست بمقبولة ، {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} من أمر دنياكم ، أو الصلاة أكبر من سائر الطاعات ، لأنها عماد الدين ، أو مشاهدة المذكور في الصلاة ، فهو أكبر من الصلاة ، أو ولذكر الله إياكم برحمته أكبر من ذكركم إياه بطاعته ، أو مشاهدة المذكور في الصلاة أكبر من الصلاة ، {وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} منها ، ومن سائر الطاعة فيجازيكم بها أحسن المجازاة.

{وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} إلا بالخصلة التي هي أحسن ،كمعارضة الخشونة باللين ، والغضب بالكظم ، وقيل: هو منسوخ بآية السيف ، إذ لا مجادلة أشد منه ، وقيل: المراد به ذووا العهد منهم ، {إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} بإفراط في الاعتداء والعناد ، أو بنبذ العهد ، ومنع الحرية ، {وَقُولُوا: آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ} هو من المجادلة بالتي هي أحسن ، وعن النبي صلى الله عليه وسلم :” لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم ، وقولوا آمنا بالله وبكتبه ورسله ، فإن قالوا: باطلا لم تصدقوهم ، وإن قالوا {حقا} لم تكذبوهم ” ، {وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} مطيعون له خاصة.

{وَكَذَلِكَ} ومثل ذلك الإنزال ، {أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ} وحيا وصدقا كسائر الكتب الإلهية ، وهو تحقيق لقوله:{ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ} قيل: هم عبدالله بن سلام وأضرابه ، أو من تقدم عهد الرسول من أهل الكتابين ، {وَمِنْ هَؤُلَاء} من أهل العرب ، {مَن يُؤْمِنُ بِهِ} بالقرآن ، {وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا} مع ظهورها ، وقيام الحجة بها ، {إِلَّا الْكَافِرُونَ} إلا المتوغلون في الكفر ، فإن أهويتهم وتقليدهم يمنعهم عن التأمل بتصديقها ، لكونها معجزة.

{وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ} فإن ظهور هذا الكتاب الجامع لأنواع العلوم الشريفة ، على أمي لم يعرف بالقراءة والتعلم خارق للعادة ، لأن تلاوته لا تتأتى إلا بالتعلم والتكرار لأحد من الخليقة ، والرسول صلى الله عليه وسلم كغيره من الناس في هذا المعنى ، {إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} أي: لو كنت ممن يخط ويقرأ لقالوا: لعله يعلمه أو التقطه من كتب الأقدمين . وإنما سماهم مبطلين لكفرهم ، أو لارتيابهم بانتفاء وجه واحد من وجوه الإعجاز المتكاثرة ، وقيل: لارتاب أهل الكتاب لوجدانهم نعتك على خلاف ما في كتبهم.

{بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} يحفظونه ، ويحفظون تأويله لا يقدر أحد على جحدانه وتحريفه ، {وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ} إلا المتوغلون في الظلم بالمكابرة بعد وضوح دلائل إعجازها.

{وَقَالُوا : لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ} مقترحة ، {قُلْ : إِنَّمَا الْآيَاتُ عِندَ اللَّهِ} ينزلها كما يشاء ، لست أملكها فآتيكم بما تقترحونه ، { وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ * أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ } آية معينة عما اقترحوه ، {أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ} تدوم تلاوته عليهم متحدين به ، فلا تزال معهم آية ثابتة لا تضمحل ، بخلاف سائر الآيات ، أو تتلى عليهم ، يعني: اليهود ، بتحقيق ما في أيديهم من نعتك ونعت دينك ، {إِنَّ فِي ذَلِكَ} الكتاب الذي هو آية مستمرة ، وحجة بينة ، {لَرَحْمَةً} لنعمة عظيمة ، {وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} وتذكرة لمن همه الإيمان دون التعنت.

{قُلْ :كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا} يصدقني ، وقد صدقني بالمعجزات ، {يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ، وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ} وهو ما يعبد من دون الله ، {وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} (لعله) للدارين.

{وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ، وَلَوْلَا أَجَلٌ مُّسَمًّى لَجَاءهُمُ الْعَذَابُ} أي: أنهم في حالهم ذلك مستحقوا العذاب لولا الأجل المسمى ، كمثل من وجب عليه دين… وأنه حال بهم ، لقوله:{ وَلَيَأْتِيَنَّهُم بَغْتَةً} عند نزول الموت ، {وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} بإتيانه ، ولو شعروا به لتابوا قبل مجيئه .

{يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ} ستحيط بهم يوم يأتيهم العذاب ، أو هي كالمحيطة بهم الآن ، لإحاطة الكفر والمعاصي التي توجبها بهم ، كمن أحاط به عدوه ، فلا يجد مخلصا منه ، ولا يجدون مخلصا جميع العصاة من جهنم إلا من تاب . {يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ} إذا غشيهم العذاب أحاطت بهم جهنم من جميع جوانبها ، {وَيَقُولُ} الله ، أو بعض الملائكة بأمره : {ذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} أي: جزاءه.

{يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ}أي: إذا لم تتسهل لكم العبادة في بلدة ، ولم يتيسر لكم إظهار دينكم ، فهاجروا إلى حيث يتمشى لكم ذلك . وعنه عليه الصلاة والسلام :” من فر بدينه من أرض إلى أرض ولو كان شبرا استوجب له الجنة” . {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ، ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} للجزاء ، ومن هذا عاقبته {فليس له بد من التزود والاستعداد لها. وقرىء:” يرجعون”. {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُم} لننزلنهم ، {مِّنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا} أي:} علالي {تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ * الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } يعتمدون.

{وَكَأَيِّن مِن دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا} لا تطيق من ضعفها ، أو لا تدخره ، وإنما تصبح ولا غذاء معها ، وتمسي ولا معيشة معها ، وذلك من دلائل وحدانيته وتكفله بإرزاق خلقه ، وأن الأدخار لا يزيد شيئا من الرزق ولا ينقصه ، لأنها تغدوا خماصا وتروح بطانا ، {اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ} ثم إنها مع ضعفها ، وإياكم مع قوتكم واجتهادكم ، وادخاركم وتهافتكم على جمع المال سواء في أنه لا يرزقها وإياكم إلا الله ، لأن رزق الكل بأسباب هو المسبب لها وحده ، فلا تخافوا على معاشكم إذا انقطعتم في الطاعة ، {وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}.

{وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ، فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ}؟! يصرفون عن توحيده بعد إقرارهم بذلك. {اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ} يحتمل أن يكون الموسع له والمضيق عليه واحدا ، على أن البسط والقبض على التعاقب ، {إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} يعلم ما تصلحون به وما تفسدون.

{وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّن نَّزَّلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ: اللَّهُ} معترفين بأنه الموحد للممكنات بأسرها : أصولها وفروعها ، ثم إنهم يشركون به بعض مخلوقاته ، الذي لا يقدر على شيء من ذلك ، {قُلِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ} على ما عصمك من مثل هذه الضلالة ، أو على تصديقك وإظهار حجتك ، {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} فيناقضون ، حيث يقرون بأنه المبدأ لكل ما عداه ، ثم إنهم يشركون به الصنم.

{وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} إشارة تحقير ، وكيف لا وهي لا تزن عند الله جناح بعوضة ، {إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ} إلا كما يلهى ويلعب الصبيان ، يجتمعون عليه ويبتهجون به ساعة ، ثم يتفرقون متعبين بلا نفع ، إلا الذين آمنوا ، واللهو : هو استمتاع بلذات الدنيا ، واللعب: هو العبث ، سميت بها لأنها فانية ، {وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ} دار الحياة الحقيقية لامتناع زوالها ، {لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} فناء الدنيا ودوام الأخرى ، لم يؤثروا عليها الدنيا التي أصلها عدم الحياة فيها ، عارضة سريعة الزوال.

{فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ} وخافوا الغرق ، {دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} كائنين في صورة من أخلص دينه من المؤمنين ، حيث لا يذكرون إلا الله ، ولا يدعون سواه ، لعلمهم بأنه لا يكشف الشدائد إلا هو ، {فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ * لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا } بالإشراك ، {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} عاقبة ذلك.

{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا} أي: جعلنا بلدهم مصونا عن النهب والتعدي ، آمنا أهله عن القتل والسبي ، (لعله) وذلك مما ينبههم ويذكرهم على جزيل نعمه ، {وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ} يختلسون قتلا ونهبا وسبيا. {أَفَبِالْبَاطِلِ} أبعد هذه النعمة المكشوفة وغيرها مما لا يقدر عليه إلا الله ، بالأوثان أو الشيطان {يُؤْمِنُونَ ، وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ}! حيث أشركوا به غيره.

{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} بأن زعم له شريكا ، بلسان مقاله ، أو لسان حاله ، {أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءهُ} رد حجة الله حين بلغته ، من أي حال كانت ، {أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ} تقرير لثوائهم ، أي: ألم يعلموا أن في جهنم مثوى للكافرين حتى اجترأوا هذه الجرأة!.

{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا} في حقنا ، بأنفسهم وأموالهم ومهجهم في إطلاق المجاهدة ، ليعم جهاد الأعادي الظاهرة والباطنة بأنواعه ، {لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} سبل السير إلينا ، أو لنزيدنهم هداية إلى سبيل الخير ، وتوفيقا لسلوكها ، كقوله: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى } ، وفي الحديث:” من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم”  ، وقيل:” إن الذي يرى من جهلنا بما لا نعلم إنما هو من تقصيرنا فيما نعلم “. {وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ.} بالنصرة والإعانة.