بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
{هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ (1)}؟ الداهية التي تغشي الناس بشدائدها، يعني: يوم القيامة، أو النار؛ { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ (2)} ذليلة، { عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ (3)} تعمل ما تتعب فيه، كجر السلاسل، وخوضها في االنار خوض الإبل في الوحل، والصعود والهبوط في تلاها؛ أو عملت ونصبت في أعـمال لا تنفعـها يومئذ، { تَصْلَى} (لعله) تقاسي { نَارًا حَامِيَةً (4) تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آَنِيَةٍ (5)} متناهية في الحر.
{لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ (6)} قيل: يبيس الشبرق، وهو شوك ترعاه الإبل ما دام رطبا؛ وقيل: شجرة نار تشبه الضريع؛ وقيل: طعامهم الضريع: شيء في النار شبه الشوك، وأمر من الصبر، وأنتن من الجيفة، وأشد حرا من النار؛ والمراد: طعامهم مما تتحاماه الإبل، وتتعافاه لضره وعدم نفعه، كما قال: { لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ (7)} والمقصود من الطعام أحد الأمرين، (لعله) وهذا مقصود به تعذيب كله.
{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ (8) لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ (9)} رضـيت بعملها لما رأت ثوابه، {فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (10)} علية المحل والقدر، { لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً (11)} لغوا، أو كلمة ذات لغو، أو نفسا تلغو، لأن ذلك يتأذى به المؤمن لكراهته على الله، وأن كلام أهل الجنة الذكر والحكم، فإن ذلك به يتنعمون.
{فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ (12)} يجري ماؤها ولا ينقطع، { فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (13)} رفيعة السمك، أو القدر، { وَأَكْوَابٌ} جمع كوب: وهو إناء لا عروة له فيما قيل، { مَوْضُوعَةٌ (14)} بين أيديهم { وَنَمَارِقُ} وسائد جمع: نمرقة، {مَصْفُوفَةٌ (15)} مبسوطة، { وَزَرَابِيُّ} بسط فاخرة، جمع: زريبة { مَبْثُوثَةٌ (16)} مبسوطة.
{أَفَلَا يَنْظُرُونَ} نظرا اعتبار { إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17)}؟ خلقا دالا على كمال قدرته وحسن تدبيره، حيث خلقها لجر الأثقال إلى البلاد النائية، باركة للحمل، منقادة لمن اقتادها، طول الأعناق لتنوء بالأوقار، وترعى كل نابت، وتحتمل العطش إلى عشر فصاعدا، ليتأتى لها قطع البراري والمفاوز، مع ما لها من منافع أخر؛ ولذلك خصت بالذكر، لبيان الآيات المثبتة في الحيوانات التي هي أشرف المركبات وأكبرها صنعا، ولأنه أعجب ما عند العرب من هذا النوع. يروي عن المفضل أنه قال:»عجبهم تعالى من الإبل تحمل وقرها باركة، فيعلمون أن لها صانعا أفردها بذلك، ليعلم من له لب أن الأشياء صانعا يخالف بين خلقها، ولو لم يكن لـذلك لكانت الـدواب وغيرها من الأجناس على خـلق واحــد«.
{وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19)} فهي راسخة لا تميل؛ {وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (20)} بسطت حتى صارت مهادا؛ قيل: هل يقدر أحد أن يخلق مثل الإبل؟ أو يرفع مثل السماء؟ أو ينصب مثل الجبال؟ أو يسطح مثل الأرض غيري؟ والمعنى: أفلا ينظرون إلى أنواع المخلوقات والمركبات ليتحققوا كمال قدرة الخالق، فلا ينكر اقتداره على العبث؟. ولذلك عقب به أمر المعاد، ورتب عليه الأمر بالتذكير، فقال: { فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21)} إن عليك إلا البلاغ، { لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ (22)} بمسلط، وقد قرئ بالصاد.
{إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (23)} لأن من تولى وكفر { فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ (24)} وهو عذاب الآخرة، ينبئ على أنه أعظم وأكبر من كل عذاب في الدنيا، وإن عظم أمره فعذابه في الآخرة لا يشبهه عذاب في الدنيا، وثوابه في الآخرة لا يشبهه ثواب في الدنيا؛ { إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (25)} رجوعهم؛ { ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ (26)}.