سورة القدر:
بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1)} الضمير للقرآن؛ قيل: أنزل الله القرآن جملة واحدة في ليلة القدر من اللوح المحفوظ إلى السماء، ثم كان ينزله جبرائيل على رسول الله صلى الله عليه وسلم نجوما في ثلاث وعشرين سنة على ما قيل، والله أعلم.
{وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2)}؟ يعني: ولم تبلغ درايتك على قدرها؛ ثم بين ذلك فقال:
{لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3)} أي: قيامها والعمل فيها خير من قيام ألف شهر ليس فيه ليلة القدر؛ كذا يوجد في جوامع الجامع. وتسميتها بذلك لشرفها، أو لتقدير الأمور فيها، لقوله: {فِيهَا يُفرَق كُلُّ أمر حكيم}. والفائدة في إخفاء هذه الليلة أن يجتهد الناس في العبادة، ويحيوا الليالي الكثيرة طمعا في إدراك فضلها، كما أخفى الصلاة الوسطى في الصلوات الخمس.
{تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ} بيـان لما له فضـلت على ألف شهر، {مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4)} من أجل كل أمر قدر في تلك السنة.
{سَلَامٌ هِيَ} أي: هي إلا سلامة لاولياء الله؛ والمعنى: لا يقدر الله فيها إلا السلامة والخير، ويقضي في غيرها البلاء والسلامة على ما قيل؛ أو ما هي إلا سلام لكثرة سلامهم على أولياء الله وأهل طاعته، { حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)} أي: وقت طلوعه.
*************************
سورة البيِّنة:
بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
{لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ} عما كانوا من دينهم.
{حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (1)} الرسول، أو القرآن فإنه مبين للحق، أو معجزة الرسول بأحلامه، والقرآن بإفحامه، { رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ} بدل من »البينة« بنفسه، { يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً (2)} والرسول إن كان أميا لكنه لما تلى مثل ما في الصحف كان كالتالي لها؛ وكون الصحف مطهرة: أن الباطل لا يأتي فيها، وأنها لا يمسها غلا المطهرون، { فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (3)} مكتوبات مستقيمة ناطقة بالحق.
{وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} عما كانوا عليه، { إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (4)} إلا من بعدما قامت عليهم الحجة، { وَمَا أُمِرُوا} أي: في كتبهم بما فيها، { إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} لا يشركون به شيئا، { حُنَفَاءَ } مائلين عن العقائد الزائغة، {وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ} ولكنهم حرفوا وعصوا، { وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5)} دين الملة القيمة.
{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا} أي: يوم القيامة؛ أو في الحال لملابستهم ما يوجب ذلك؛ واشتراك الفريقين في جنس العذاب لا يوجب اشتراكهما في نوعه، فلعله يختلف لتفاوت كفرها، { أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (6)} أي: الخليفة، وقرئ بالهمز على الأصل.
{إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7)} (لعله) حتى قيل: إنهم أفضل من الملائكة لعموم اللفظ؛ وقيل: إن الملائكة أفضل (لعله) من المؤمنين، {جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} (لعله) وثواب رضاك عنه رضـاه عنك؛ {ذَلِكَ} المذكور من الجزاء والرضوان. (لعله) قال السري: »إذا كنت لا ترضى عن الله، فكيف تسأله الرضى عنك؟«. {لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (8)} (لعله) عن أن يعصيه، فإن الخشية ملاك الأمر والباعث على كل خير.