سورة القمر

 

بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

{اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1)}  قيل معناه: سينشق يوم القيامة، {وَإِنْ يَرَوْا آَيَةً يُعْرِضُوا} عن تأملها والإيمان بها، {وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (2)} مطرد؛ (لعله) وقيل” سوف يذهب ويبطل؛ وقيل: مستمر، أي: قوي شديد. {وَكَذَّبُوا}  (لعله) النبي، وما عاينوا من قدرة الله، {وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ} وهو ما زين لهم الشيطان من رد الحق بعد ظهوره، {وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ (3)}  منته إلى غاية من خذلان أو نصر في الدنيا، وشقاوة أو سعادة في الآخرة؛ فإن الشيء إذا انتهى إلى غايته ثبت واستقر؛ وقرئ بالفتح، أي: ذو مستقر، بمعنى: استقرار، وبالكسر والجر، على أنه صفة أمر، و »كل« معطوف على الساعة.

{وَلَقَدْ جَاءَهُمْ} (لعله) في القرآن، {مِنَ الْأَنْبَاءِ} أنباء القرون الخالية، أو انباء الآخرة {مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ (4)}  ازدجار من حديث، أو وعيد. {حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ} غايتها، يعني: القرآن حكمته نامية فقد بلغت الغاية، {فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ (5)} نفي؛ أو استفهام إنكار، أي: وأي غناء تغني النذر؟. {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ} لعلمك أن الإنذار لا يغني عنهم.

{يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ} إسرافيل، ولا يجوز أن يكون الدعاء فيه كالأمر في قوله: {كن فيكون} ، {إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ (6)}  فظيع تنكره النفوس، لأنها لم تعهد مثله، وهو هول القيامة؛ وذلك لما أتتهم آيات الله أنكروها بعدما عرفوها قوبلوا – على سبيل الجزاء- بعذاب تنكره عقولهم، لانهم لم يؤمنوا به في الدنيا، كما لأهل الجنة ما لا عين رأت، {خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ} أي: يخرجون من قبورهم خاشعة أبصارهم من عظم الأهوال، {كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ (7)}  في الكثرة والتموج والانتشار في الأمكنة؛ {مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ} مسرعين مادي أعناقهم إليه، {يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ (8)} صعب.

{كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ} قبل قومـك، {فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (9)} وازذجر عن التبليغ بأنواع الأذية؛ وقيل: إنه من جملة قولهم، أي: هو مجنون وقد ازدجرته الجن وتخبطته. {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (10)} فانتقم لي منهم، وذلك بعد إيـاسه منـهم. {فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (11)}منصب؛ وهو مبالغة وتمثيل لكثرة الأمطار وشدة انصبابها. {وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا} أصله: فجرنا عيون الأرض، {فَالْتَقَى الْمَاءُ} ماء السماء وماء الأرض، {عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12)}على حال قدرها الله في الأزل من غير تفاوت. {وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ} ذات أخشاب عريضة، {وَدُسُرٍ (13)} ومسامير. {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} أي: بحفظنا، {جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ (14)} أي: فعلنا ذلك جزاء لنوح، لأنه نعمة كفروها، فإن كل نبي نعمة من الله ورحمة على أمته؛ وقرئ: »لمن كفر«، أي: الكافرين.

{وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا} أي: السفينة، أو الغفلة {آَيَةً} يعتبر بها إذ شاع خبرها واشتهر، {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (15)}  معتبر متذكر متعظ. {فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (16)}؟ استفهام وتعظيم ووعيد. {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ}  سهلناه أو هيناه؛ من ”يسر ناقته للسفر“ إذا رحلها. {لِلذِّكْرِ} للادكار والاتعاظ، بأن صرفنا فيه أنواع المواعظ والعبر، وللحفظ بالاختصار وعذوبة اللفظ؛ أو لفهم معانيه بالاستنباط منه؛ وقيل: يسرناه للحفظ والقراءة؛ وقيل: ليس شيء من الكتب يقرأ كله ظاهرا إلا القرآن، {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (17)} يقول: »هل من طالب علم فيعان عليه«؟.

{كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (18)}  وإنذارا بي لعلهم بالعذاب قبل نزوله، أو لمن بعدهم في تعذيبهم. {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا} باردا، أو شديد الصوت. {فِي يَوْمِ نَحْسٍ} شؤم {مُسْتَمِرٍّ (19)} استمر شؤمه، أو استمر عليهم حتى أهلكهم، أو على جميعهم. {تَنْزِعُ النَّاسَ} تقلعهم؛ روي: أنهم دخلوا في الشعاب والحفر، وتمسك بعضهم ببعض؛ فنزعتهم الريح منها، وصرعتهم موتى، {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ (20)} أصول نخل منقعر عن مغارسه، ساقط على الأرض؛ قيل: شبهوا بالإعجاز، لأن الريح طيرت رؤوسهم وطرحت أجسادهم {فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (21)} كرره للتهويل. {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (22)}كرره لسهولة فهمه وحفظه لمن اجتهد وجد في الطاب ولم يلعب.

{كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (23) فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا} من جنسنا أو جملتنا لا فضل له علينا، {وَاحِدًا} منفردا لا تبع له، {نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (24)} كأنه قال لهم: إن لم تتبعوني كنتم في ضلال عن الحق؛ وسعر: أي: نيران، جمع سعير، فعكسوا عليه، فقالوا: إن اتبعناك كنا إذا كما تقول؛ وقيل(لعله) الضلال: الخطأ والبعد عن الصواب، والسعر: الجنون، ومنه: ”ناقة مسعورة“؛ وقيل: عناء وعذاب فيما يلزمنا من طاعته. {أَؤُلْقِيَ الذِّكْرُ} الكتاب والوحي {عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا} وفينا من هو أحق منه بالاختبار للنبوة، {بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ (25)} حملة بطره على الترفع علينا بادعائه. {سَيَعْلَمُونَ غَدًا} عند نزول العذاب بهم، أو يوم القيامة، {مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ (26)} الذي حمله أشره على الاستكبار عن الحق، وطلب الباطل أصالح ]عليه السلام[ أم كذبه؛ والأشر: الأبلغ في الشرارة.

{إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ} مخرجوها وباعثوها؛ وذلك فيما قيل: إنهم تعنتوا على صالح، فسألوه أن يخرج لهم من صخرة ناقة عشراء حمراء، فقال الله: »إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ« ، {فِتْنَةً لَهُمْ} امتحانا لهم، {فَارْتَقِبْهُمْ} فانتظرهم ما يصنعون، {وَاصْطَبِرْ (27)} على أذاهم. {وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ} مقسوم بينهم؛ وقيل: ]لها[ يوم، ولهم يوم، {كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ (28)} محضور يحضره أهله لا يحضره الآخر؛ وقيل: يحضرون الماء في نوبتهم، والماء في نوبتها.

{فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ (29)} فاجترأ على تعاطي قتلها فقتلها؛ أو فتعاطى السيف فقتلها؛ والتعاطي: تناول الشيء بتكلف. {فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (30) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً} لا ثاني لها، وهي صيحة جبريل فيما قيل، {فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ (31)} كالشجر اليابس المنكسر الذي يتخذه من يعمل الحظيرة لأجلها؛ أو كالحشيش اليابس الذي يجمعه صاحب الحظيرة لماشيته في الشتاء؛ وقرئ بفتح الظاء، أي: كهشيم الحظيرة، أو الشجر المتخذ لها. {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (32)} كرره، لأنه ييسر لمن طلبه من القرون والأمم كلها.

{كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ (33) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا} ريحا تحصبهم بالحجارة، أي: ترميهم، {إِلَّا آَلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ (34)}  في سحر وهو آخر الليل. {نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا} إنعاما منا، وهو علة لـ»نجينا«، {كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ (35)} نعمتنا بالإيمان والطاعة. {وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ} لوط {بَطْشَتَنَا} أخذنا إياهم بالعقوبة والعذاب، {فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ (36)}  فكذبوه بالنذر، وشكوا في ذلك.

{وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِِ} قصدوا الفجور بهم، {فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ} فمسـخناها، {فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (37)}  فقلنا لهم على ألسن الملائكة، أو ظاهر الحـال. {وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ (38)} ثابت قد استقر عليهم، حتى يسلمهم ]إلى[ النار. {فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (39)}.

{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (40)} كرر ذلك في كل قصة إشعارا بأن تكذيب كل رسول مقتص لنزول العذاب، واستماع كل قصة مستدع للادكار والاتعاظ، واستئنافا للتنبيه والإيقاظ لئلا يغلبهم السهو والغفلة، وهكذا تكرير قوله: {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} ، و{ويل يومئذ للمكذِّبين} ونحوها فإنه ما كرر شيئا في كتابه العزيز عبثا إلا لحكمة أو حكم، جل ربنا عن ذلك. {وَلَقَدْ جَاءَ آَلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ (41)} اكتفى بذكرهم عن ذكره للعلم بأنه أولى بذلك. {كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ (42)}.

{أَكُفَّارُكُمْ} يا معشر العرب {خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ} ؟ الكفار المعدودين قوة وعدة، أو مكانة ودينا عند الله، ويوجد عن أبي المؤثر: » {أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ} أي: خير من ولاة أموركم«، {أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ (43)}؟ أم نزل لكم في الكتب السماوية أن من كفر منكم فهو في أمان من عذاب الله؟. {أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ} جماعة، أمرنا مجتمع {مُنْتَصِرٌ (44)} ممتنع لا يرام؛ أو منتصر من الأعداء لا يغلب، أو متناصر ينصر بعضنا بعضا.

{سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (45)}  أي: الأدبار. {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ} موعد عذابهم الأصلي، وما يحيق بهم في الدنيا فمن طلائعه، {وَالسَّاعَةُ أَدْهَى} أشد، والداهية: أمر فظيع لا يهتدى للدوائه، وفي القاموس: »الداهية: الأمر الضرير«، {وَأَمَرُّ (46)} مذاقا من عذاب النار؛ أو مما ينالونه من مرارة الدنيا.

{إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ} (لعله) عن الحق في الدنيا، {وَسُعُرٍ (47)} ونيران في الآخرة. {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ} يجرون عليها، {ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (48)}أي: يقال لهم: ذوقوا حر النار، وألمها فإن مسها سبب للتألم بها.

{إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49)} أي: إنا خلقنا كل شئ مقدرا مرتبا على مقتضى الحكمة، أي: مقدرا مكتوبا في اللوح قبل وقوعه؛ وقيل: قدر الله لكل شيء من خلقه قدره الذي ينبغي له. {وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ} إلا فعلة واحدة {كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (50)}في اليسر والسرعة؛ وقيل: معناه معنى قوله: {وَمَا أمر الساعة إِلاَّ كلمح البصر} .

{وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ} أشباهكم في الكفر ممن قبلكم، {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (51)} متعظ. {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (52)} مكتوب في كتب الحفظة. {وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ} من الأعمال (لعله) والخلق {مُسْتَطَرٌ (53)} مسطور في اللوح (لعله) وحصوله بقدر معلوم منتظر.

{إنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54)}  أنهار، {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ}في مكان مرضي،{عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55)}مقربين عند من تعالى أمره في الملك والاقتدار، لا شيء إلا وهو تحت ملكه وقدرته.