سورة المنافقون

بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

{إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} الشهادة إخبار عم علم؛ من الشهود، وهو: الحضور والاطلاع؛ ولذلك صدق المشهود به، وكذبهم في الشهادة بقوله: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1) }لأنهم لم يعتقدوا ذلك، لإضمارهم خلاف ما أظهروا. قال الغزالي: »وهذا صدق، ولكن كذبهم لا من حيث النطق باللسان، بل من حيث ضمير القلب«. {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ} حلفهم الكاذب، أو شهادتهم هذه، فإنها مجرى الحلف في التوكيد، {جُنَّةً} وقاية عن القتل والسبي، {فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (2)} من نفاقهم وصدهم.

{ذَلِكَ} إشارة إلى الكلام المتقدم؛ أي: ذلك القول الشاهد على سوء أعمالهم، أو إلى الحال المذكور من النفاق والكذب، {بِأَنَّهُمْ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا} ارتدوا، أو آمنوا إذا رأوا آية، ثم كفروا حيث سمعوا من شياطينهم شبهة، {فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ} حتى تمرنوا على الكفر، واستحكم فيهم، {فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (3)} حقيقة الإيمان ولا يعرفون صحته. {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ} بصباحتهم ومعروفهم الظاهر.

{وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ} لذلاقتهم وحلاوة كلامهم، {كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ} مشبهين بأخشاب منصوبة، مسندة إلى الحائط، في كونهم أشباح خالية (لعله) عن الأرواح، ]و[ عن العلم والنظر، {يَحْسَبُونَ} (لعله) من خبثهم وسوء ظنهم، {كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ} أي: واقعة عليهم لجنبهم واتهامهم فعليهم …{هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ} (لعله) ولا تأمنهم، {قَاتَلَهُمُ اللَّهُ} دعاء عليهم، وشهادة منه عليهم بالهلاك؛ وهو طلب من ذاته أن يلعنهم، أو تعليم للمؤمنين أن يدعوا عليهم بذلك، {أَنَّى يُؤْفَكُونَ (4) } كيف يصرفون عن الحق.

{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ} بأن تدخلوا في طا]عته[ محققين فتستحقوا الاستغفار منه، ثقل ذلك عليهم، لقوله: {لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ} عطفوها إعراضا واستكبارا عن ذلك، {وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ} عن طاعته {وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (5)} عتوا وعنادا. {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ}  ما داموا على حالهم، {أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} لرسوخهم في الكفر، {إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (6)} عن مظنة الإصلاح، لانهماكهم في الكفر والنفاق.

{هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ} أي: للأنصار: {لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ} يعنون فقراء المهاجرين {حَتَّى يَنْفَضُّوا} (لعله) يتفرقوا عنه، {وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} بيده الأرزاق والقسم، {وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ (7)} ذلك، لجهلهم بالله، إذ يرون الأسباب دون مسببها.

{يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ} (لعله) لفقرهم، ولم يعلموا أن العزة كلها في الطاعة، {مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} لله الغلبة والقوة، ولمن أعزة من رسوله والمؤمنين، {وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ (8)}من فرط جهلهم وغرورهم.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} لا يشغلكم تدبيرها والاهتمام بها عن أداء فرائضه تلهيا وتفرحا، ولا تكتسبوها بغير طاعته، فتشغلكم عن أداء فرائضه، ولا تعصوا الله بسببها فتخسروا الدارين، {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (9)}لأنهم باعوا العظيم الباقي بالحقير الفاني.

{وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ} بعض أموالكم ادخارا للآخرة، {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} أي: يرى دلائله، {فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي} هلا أمهلتني {إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ} يسأل الرجعة إلى الدنيا، وما قصر أحد في الواجب إلا يسأل الرجعة إلى الدنيا، {فَأَصَّدَّقَ} (لعله) لأنه ضيع فرائض الصدقة، {وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10)}  بالتدارك، {وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا} ولن يمهلها {إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (11)} فيجازيكم عليه.