سور: الضحى ، والشرح ، والتين

سورة الضحى:

بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

{وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2)} سكن اهله؛ أو ركد ظلامه؛ من سجى البحر سجوا: إذا سكنت أمواجه، { مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ} وما قطعك قطع الودع، بمعنى: ما تركك، { وَمَا قَلَى (3)} وما أبغضك، { وَلَلْآَخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى (4)} فإنها باقية خالصة عن الشوائب، وهذه فانية مشوبة بالمضار، وكأنه لما بين أنه تعالى لا يزال يواصله بالوحي، أخبره أن حاله في الآخرة أعظم من ذلك وأجل، ولنهاية أمره خير من بدايته، فإنه لا يزال يتصاعد في الرفعة والكمال.

{وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (5)} وعد شامل لما أعطاه من كمال النفس، وظهور الأمر وإعلاء الدين، ولما أخر له ما لا يعرف كنهه سواه، والدلالة على أن العطاء _وإن تأخر _ كائن لا محالة لحكمة.

{أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآَوَى (6)} تعديد لما أنعم على نبيه، على أنه كما أحسن إليه فيما مضى يحسن إليه فيما يستقبل وإن تأخر، { وَوَجَدَكَ ضَالًّا} عن علم الحكمة والأحكام، أو عن النبوة، { فَهَدَى (7)} فعلمك بالوحي والإلهام والتوفيق للنظر، { وَوَجَدَكَ عَائِلًا} فقيرا ذا عيال { فَأَغْنَى (8)} لما حصل لك من رزقه، { فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (9)} فلا تغلبه على ماله وحقه لضعفه، وقرئ: »فلا تكهر« أي: لا تعبس في وجهه، { وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (10)} فلا تزجره، { وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11)} فإن التحدث بها شكرها؛ وقيل: المراد بالنعمة: النبوة، والتحدث بها: تبليغها.

*************************

سورة الشرح:

بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

{أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1)} ألم نفسحه لك حتى ينشرح لمناجاة الحق ودعوة الحق، فكان غائبا حاضرا؛ أو ]أ[لم نفسحه بما أودعنا فيه من الحكم، وأنزلنا عنه ضيق الجهل؛ أو بما يسرنا لك ]من[ تلقي الوحي بعدما كان يشق عليك؛ ومعنى الاستفهام: إنكار نفي الانشراح، مبالغة في إثباته، ولذلك عطف عليه:

{ وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2)} عبأك الثقيل، { الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3)} الذي حملك حمله على النقيض، وهو صوت الرجل عند الانقباض من ثقل الحمل، وهو ما ثقل عليه من فرطاته، { وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4)} وجعل طاعته طاعته، وصلى عليه ملائكته والمؤمنون.

{فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ} كضيق الصدر والوزر، والنقض للظهر، والضلال عن علم الحكمة، والعجز عن القيام بالعيال، { يُسْرًا (5)} كالشرح والوضع والإغناء، والتوفيق للاهتداء والطاعة، فلا تيأس من روح الله إذا اعترتك شدة، { إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6)} التكرير للتأكيد، { فَإِذَا فَرَغْتَ} من (لعله) حال من أحوال العبادة {فَانْصَبْ (7)} فاتعب شكرا لما عددنا عليك من النعم السالفة، ووعدنا بالنعمة الآتية؛ وقيل: إذا فرغت من الصلاة فانصب في الدعاء، {وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8)} (لعله) في جميع أحوالك للعبادة والانقطاع والسؤال.

*************************

سورة التين:

بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

{وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2)} يعني: الجبل الذي ناجى موسى عليه السلام ربه، وسينين وسيناء: اسمان للموضع الذي هو فيه، { وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3)} يأمن فيه من دخله.

{لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ} يريد الجنس، {فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4)} في أحسن تعديل لشكله وصورته، وتسوية الأعضاء، وإبانته له عن غيره، بنطقه وتمييزه وعقله وتدبيره، وقبوله للميثاق، واستجماع خواص الكائنات، ونظائر سائر الممكنات، (لعله) إذ جعله جوهرا انطوى عليه أصداف مكنوناته.

{ثُمَّ رَدَدْنَاهُ} ثم كان عاقبة أمره حين لم يشكر النعمة في الخلقة القويمة أن رددناه { أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5)} من أسفل خلقا، يعني: أقبح من قبح صورة (لعله) خلقها، وهم أصحاب النار، كقوله: {أُولَئِكَ هم شرُّ البريَّة} { إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} إلا الذين ثبتوا على الطاعة، أو تابوا بعد المعصية فهم في أحسن تقويم كما وصفهم، { فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (6)} لا ينقطع، أو لا يمن به عليهم.

{فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ (7)} الخطاب للإنسان على طريقة الالتفات، أي: فما جعلك كاذبا بسبب الدين؛ وإنكاره بعد هذا الدليل، يعني: إنك تكذب إذا كذبت بالجزاء، فإن كل مكذب بالحق كاذب لا محالة، { أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ (8)}؟ تحيق لما سبق ، أليس الذي فعل ذلك من الخلق والرد بأحكم الحاكمين، صنعا وتدبيرا؛ ومن كان كذلك كان قادرا على الإعادة والجزاء.