سورة الكافرون:
بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
ِ{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2)} أي: فيما يستقبل، لأنهم يشركون بالله، وهو موحد لله تعالى.
{وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4)} أي: في الحال؛ أو فيما سلف.
{ وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5)} أي: وما عبدتم في وقت ما أنا عابده؛ كأنه قال: لا أعبد الباطل، ولا تعتقدون الحق.
{ لَكُمْ دِينُكُمْ} لكم جزاء عملكم الذي عملتموه، { وَلِيَ دِينِ (6)} الذي أنا عليه لا أرفضه ولا أثني عنه، ولي جزاء عملي.
*************************
سورة النصر:
بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
{إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ} إظهار إياك على أعدائك، { وَالْفَتْحُ (1)} وفتح مكة؛ وقيل: المراد:؛ جنس نصر الله المؤمنين، وفتح مكة وسائر البلاد عليهم، وإنما عبر عن الحصول بالمجيء تجوزا، للإشعار بأن المقدورات متوجهة من الأزل إلى أوقاتها المعينة لها، فيقرب منها شيئا فشيئا، وقد قرب النصر من وقته لوروده مستعدا لشكره، { وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2)} جماعات كثيفة.
{فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} فتعجب لتيسير الله ما لم يخطر ببال أحد، حامدا له عليه؛ أو فصل له حامدا على نعمه؛ أو فنزهه عما كانت الظلمة يقولون بما لا يجوز عليه؛ حامدا له على أن صدق وعده؛ أو فأثن على الله بصفات الجلال، حامدا له على صفات الإكرام، { وَاسْتَغْفِرْهُ} هضما لنفسك، واستقصارا لعملك، واستدراكا لما فرط منك بالالتفات إلى غيره، { إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (3)} لمن استغفر، (لعله) لأنك قريب لاحق به.
*************************
سورة المسد:
بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
{تَبَّتْ}هلكت، أو خسرت؛ والتباب: الخسران، { يَدَا أَبِي لَهَبٍ} نفسه، كـقوله: {وَلاَ تُلقوا بأيديكم ..{؛ وقيل: إنمـا خصتا لأنه عليه السلام لما نزل عـليه: {وأنذر عشيرتَك الأقربين} جمع أقاربه فأنذرهم؛ فقال أبو لهب: تبا لك، ألهذه دعواتنا؟ وأخذ حجرا ليرميه به، فنزلت. وقيل: المراد به دنياه وأخره، { وَتَبَّ (1)} إخبار بعد إخبار.
{مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ} نفى إغناء المـال عنه حين نزل به التبـاب، { وَمَا كَسَبَ (2)} وكسبه؛ أو مكسوبه مما له من النتائج والأرباح، والوجاهة والأتباع؛ أو عمله الذي ظن أنه ينفعه، { سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (3)} اشتعال، يريد نار جهنم (لعله) تتلهب عليه وتسعر به.
{وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4)} قيل المعنى: حطب جهنم، فإنها كانت تحمل الأوزار بمعاداة الرسول؛ أو النميمة، فإنها توقد نار الخصومة؛ أو حزمة الشوك كانت تحملها، فتنثرها بالليل في طريق رسول الله، (لعله) قيل: إنها كانت كافرة.
{فِي جِيدِهَا} (لعله) عنقها { حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (5)} أي: مما مسد، أي: فتل؛ ومنه رجل ممسود الخلق، أي: مجدوله؛ وهو ترشيح للمجاز؛ أو تصوير لها بصورة الحطابة التي تحمل الحزمة وتربطها في جيدها، تحقيرا لشأنها؛ أو بيان لحالها في نار جهنم، حيث يكون على ظهرها حزمة من حطب جهنم كالزقوم والضريع، وفي جيدها سلسلة من النار.
*************************
سورة الإخلاص:
بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} الضمير للشأن، كقولك: هو زيد منطلق؛ إذ روي أن قريشا قالوا: »يا محمد صف لنا لابك الذي تدعونا إليه« فنزلت.
و “أحد” بل، أو خبر ثان، يدل على مجامع صفات الجلال، كما دل الله على جميع صفات الكمال، إذ الواحد الحقيقي ما يكون منزه الذات عن أنحاء التركيب والتعدد، وما يستلزم أحدهما كالجسيمة، والمشاركة في الحقيقة وخواصها، كوجوب الوجود، والقدرة الذاتية، والحكمة التامة المقتضية للألوهية.
{اللَّهُ الصَّمَدُ (2)} السيد المقصود إليه في الحوائج؛ من صمد: إذا قصد، وهو الموصوف به على الإطلاق، فإنه يستغني عن غيره مطلقا، وكل ما عداه محتاج إليه في جميع جهاته؛ وتعريفه لعلمهم بصمديته بخلاف أحديته؛ وتكرير لفظه للإشعار بأن من لم يتصف به لم يستحق الألوهية؛ وقيل: هو السيد الذي قد انتهى سؤدده؛ وقيل: هو الكامل في جميع صفاته وأفعاله.
{ لَمْ يَلِدْ} لأنه لم يجانس، ولم يفتقر إلى ما يعينه، أو يخلف عنه لامتناع الحاجة والفناء عليه. ولعل الاقتصار على لفظ الماضي لوروده ردا على ما قال: الملائكة بنات الله، أو المسيح ابن الله، { وَلَمْ يُولَدْ (3)} وذلك أنه لم يفتقر إلى شيء، ولا يسبقه عدم.
{وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)} أي: ولم يكن أحد يكافئه، أي: يماثله من صاحبة وغيرها، وقرئ: و »كفوا« بالتحريك وقلب الهمزة واوا.
لاشتمال هذه السورة مع قصرها جميع معارف الإلهية، والرد على من ألحد فيها قيل: جاء في الحديث أنها تعدل ثلث القرآن، فإن مقاصده محصورة في بيان العقائد والأحكام والقصص، ومن عدلها بكله يعتبر المقصود بالذات من ذلك.
*************************
سورة الفلق:
بسم الله الرحمن الرحيم
{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1)} المعنى: قل اعتصم وامتنع من رب الصبح، ومدبره ومطلعه؛ وقيل: هو كل ما يفلقه الله كالأرض عن النبات، والجبال عن العيون، والسحاب عن المطر، والأرحام عن الأولاد، وهو يعم جميع الممكنات، فإنه تعالى فلق ظلمة العدم بنور الإيجاد عنها. وتخصيص الصبح به، لأن فيه من تغير الحال، وتبدل وحشة الليل لسرور النور، ومحاكاة فاتحة يوم القيامة، والإشعار بأن من قدر أن يزيل به ظلمة الليل عن هذا العالم، قدر أن يزيل عن هذا العابد ما يخافه. ولفظ الرب أوقع من سائر أسمائه.
{مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2)} خص عالم الخلق بالاستعاذة عنه لانحصار الشر فيه، فإن عالم الأمر خير كله، وشره اختياري، لازم ومتعد، كالكفر والظلم، وطبيعي كإحراق النار وإحراق السموم.
{وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ} ليل عظم ظلامه، من قوله: {إلىَ غسق الَّليل}، وأصله الامتلاء؛ يقال: غسقت العين إذا امتلأت دمعا؛ وفي القاموس: {»وَمِن شر غاسق إِذَا وقب} أي: الليل إذا دخل«؛ أو جهل تراكمت آثامه، { إِذَا وَقَبَ (3)} دخل ظلامه في كل شيء، وتخصيصه، لأن المضار فيه تكثر، وتعسر الدفع، ولذلك قيل: »الليل أخفى للويل«، لكن إن تفكرت فمضمرة الظلام تحصن في الأمور الدنياوية، وأما مضرة الجهل إذا وقبت ودخلت عمت الحالين.
{وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4)} ومن شر النفوس، أو النساء السواحر اللواتي يعقدن عقدا في خيوط وينفثن عليها؛ والنفث: هو النفخ؛ وقيل: المراد بالنفث في العقد: إبطال عزائم الرجال بالحيل، مستعار من تلين العقد بنفث الريق ليسهل حلها.
{وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5)} إذا أظهر حسده وعمل بمقتضاه، فإنه لا يعود ضرره منه قبل ذلك إلى المحسود، بل يخص به لاغتمامه بسروره، وتخصيصه لأن العمدة في إضرار الإنسان بل الحيوان.
*************************
سورة الناس:
بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1)} لما كانت الاستعاذة في السورة المتقدمة من المضار البدنية، وهي تعم الإنسان وغيره، والاستعاذة في هذه السورة من الأضرار التي تضر النفوس البشرية وتخصيصها، عمم الإضافة وخصصه بالناس هاهنا، وكأنه قيل: أعوذ من شر الموسوس إلى الناس، بربهم الذي يملك أمورهم، ويستحق عبادتهم.
{مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3)} عطف بيانه له، فإن الرب قد لا يكون ملكا، والملك قد لا يكون إلها؛ وفي هذا النظم دلالة على أنه حقيق بالإعادة، قادر عليها غير ممنوع عنها، وإشعار على مراتب الناظر في المعارف، فإنه يعلم أولا بما يرى عليه من النعم الظاهرة والباطنة أن له ربا، ثم يتغلغل في النظر حتى يتحقق أنه غني عن الكل، وذات كل شيء له، فهو الملك الحق، ثم يستدل به على أنه المستحق للعبادة لا غير؛ وتدرج في وجوه الاستعاذة ]كما يتدرج في الاستعاذة[ المعتادة تنزيلا لاختلاف الصفات منزلة اختلاف الذات، إشعارا بعظم الآفة المستعاذ منها. وتكرير الناس لما في الإظهار من مزيد البيان، والإشعار بشرف الإنسان.
{مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ} والمراد به: الموسوس، يسمى به مبالغة، والوسواس: الشيطان، والوسوسة: حديث النفس والشيطان بما ل نفع فيه ولا خير، كالوسواس بالكسر، والاسم بالفتح، وقد وسوس له وإليه؛ {الْخَنَّاسِ (4)} الذي عادته أن يخنس، أي: يتأخر إذا ذكر الإنسان ربه.
{الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5)} إذا غفلوا عن ذكر ربهم، وذلك كالقوة والوهمية، فإنها تساعد العقل في المقدمات، فإذا آل الأمر إلى النتيجة خنست وأخذت توسوسه وتشككه.
{مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6)} بيان للوسواس.
*************************
خاتمة التفسير:
يقول الشيخ الكندي في خاتمة تفسيره:
“تم ما أردت نسخه من كتب التفسير، وقد زدت فيه وحذفت أشياء وجدتها في تفاسيرهم، وشيء منها نقلت معناه لا اللفظ، وشيء منها كتبته ولم يبن لي معناه، فمن قرأه أو قُرئ عليه فليتدبر ما قرأه أو قُرئ عليه منه، ولا يعمل بشيء منه إلا أن يتبين له صوابه، ويتضح له حقه من خطئه؛ لأن الحق واجبٌ اتباعه، والخطأ لازم اجتنابه.
وقد نسختُه من كتاب يسمى (مدارك التنزيل)، وكتاب (معالم التنزيل)، ومن كتاب (أنوار التنزيل وأسرار التأويل) المعروف بالبيضاوي، ومن كتاب (جوامع الجامع)، وكلها من تفاسير القوم، وزدتُ فيه أشياء من كتب أصحابنا-يعني علماء الإباضية-وشيئاً من عندي ما أرجوه أنه خارج على معاني الصواب، وحذفت منها ما حذفت طلباً للإيجاز”.