بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

 (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ) ناداه بالنبي، وأمره بالتقوى، تعظيما له، وتفخيما لشأن التقوى؛ والمراد به: الأمر بالثبات عليه: ليكون مانعا له عما نهى عنه بقوله: (وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا 1 وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) كالنهي عن طاعتهم. (إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا 2) فموح اليك ما يصلح، ومغنٍ لعله عن الاستماع الى الكفرة. (وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ) وكل أمرك الى تدبيره، (وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا 3)  موكولا إليه الأمور كلها.

 

(مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ) أي: ما جمع قلبين في جوف، لان القلب معدن الروح الحيواني المتعلق للنفس الإنساني أولا، ومنبع القوى بأسرها، وذلك بمنع التعدد.

 

(وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ) لا حقيقة له، كقول الهاذي، (وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ) ماله حقيقية عينية مطابقة، (وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ 4) سبيل الحق. (ادْعُوهُمْ لِآَبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آَبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ) وأولياؤكم فيه، لانهم خلقوا على الفطـرة والدين القيم ما لم تعلـموا منهم خلافا، (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا 5) .

 

(النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) في الامور كلها، فانه لا يأمرهم ولا يرضى منهم الا بما فيه خلاصهم ونجاتهم بخلاف النفس، (وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ) منزلات منزلتهن في التحريم واستحقاق التعظيم، باختيارهن الإيمان بعد التخيير، ولذلك صرن أمهات المؤمنين، (وَأُولُو الْأَرْحَامِ) وذوو القربات (بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ) في التوارث، وهو نسخ لما كان في صدر الإسلام من التوارث ]بالهجرة والمولاة في الدين[،(فِي كِتَابِ اللَّهِ) في اللوح، أو فيمـا انزل، ( مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِين)َ أي: أولو الأرحام بحق القرابة أولى بالميراث من المؤمنين بحق الدين، (إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ) لعله في الدين (مَعْرُوفًا) لكن ان وصلتموهم بشئ من الثلث والإحسان إليهم بالمال والنفس في الحياة(كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا 6) .

 

(وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ) عهودهم بتبليغ ما أرسلو به، (وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ) خصهم بالذكر لانهم مشاهير أرباب الشرائع، (وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا 7)  عظيم الشأن. (لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ) سؤال عذاب، (وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا 8).

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ)  يعني الأحزاب، (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا) قيل: بعث الله عليهم صباً باردة في ليلة شاتية فأخصرتهم، وسفت التراب في وجوههم وأطفئت نيرانهم، وقلعت خيامهم، وماجت الخيل في بعضها البعض، وكبرت الملائكة في جوانب العسكر، وقال قائلهم:  أما محمـد فقد بدأكم بالسـحر فالنجا النجا  فانهـزموا من غير قتال، (وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا 9)  .

 

(إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ) من أعـلاه الوادي، (وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ) من أسفلـه (وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ) مالت عن مستوى نظرها حيرة وشخوصا، (وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ) رعبا، لان الرئة تنفتخ من شدة الروع، فترتفع بارتفاعها الى رأس الحنجرة، وهي منتهى الحلقوم مدخل الطعام والشراب، (وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا 10) الانواع من الظن، فظن المخلصون ثبت القلوب أن الله منجز وعده في إعلاه دينه، أو ممتحنهم فخافوا الزلل وضعف الاحتمال؛ والضعاف القلوب والمنافقون ما حكى عنهم. هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ اختبروا فظهر المخلص من المنافق،  (وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا 11) وحركوا حركة شديدة بشدائد وأهوال.

 

(وَإِذْ يَقُولُ) بلسان مقالهم أو لسان حالهم (الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) ضعف اعتقاد، (مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا 12) لعله وذلك مما خيل لهم الشيطان، ولم يعلموا أنهم هم في الغرور، لقوله تعالى: (إن الكَافِرونَ إِلاَّ فيِ غرور) ، وقوله: (فدلاَّهما بغرور) ، فقد حكم الله وأخبر أن كل ما يدعو اليه الشيطان فهو غرور، وكل ما وعد به الله وملائكته ورسله، وما جاء في كتبه، وما ألهمه خلقه من الحق، يدعو الناس ابليس على أن ذلك غرور وباطل، قولا باطلا.

 

(وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ) هاهنا (فَارْجِعُوا) الى منازلكم هاربين، (وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ) للرجـوع، (يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ) غير حصينة، واصله: الخلل، (وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ) بل هي حصينة، (إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا 13)  وما يريدون بذلك الا الفرار من القتال. (وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا) من جوانبها، (ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ) الردة، ومقابله: (لَآَتَوْهَا) لأعطوها، وقرى بالقصر، أي: لفعلوها (وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا) بالفتنة أو بالمدينة بعد الرجوع (إِلَّا يَسِيرًا 14 وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا 15 )مسؤولا عن الوفاء به مجاز.

 

(قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ) فانه لا بد لكا شخص من حتف أنف، او قتل في وقت معين، سبق به القضاء وجرى عليه القلم، (وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا 16 قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا) ينفعهم، (وَلَا نَصِيرًا 17) يدفع الضر عنهم.

 

(قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ) المثبطين عن رسول الله، (وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ) من ساكني المدينة: (هَلُمَّ إِلَيْنَا) قربوا أنفسكم الينا، (وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا 18 ) فانهم يعتذرون ويثبطون ما أمكن لهم.

 

(أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ) بخلاء عليكم بالمعاونة، (فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ) في أحداقهم (كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ) من معالجة سكرات الموت، (فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ) وحيزت الغنائم (سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ) يطلبون الغنيمة؛ والسلق: البسط بقهر اليد أو باللسان، (أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا) إخلاصا، (فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ) فأظهر بطلانهم، أو أبطل ما فعلوه من المبار، (وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا 19) .

 

(يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا) أي: هؤلاء لجنبهم يظنون أن الأحزاب لم ينهزموا، (وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ) كرة ثانية (يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ) تمنوا أنهم خارجون في البدو، (يَسْأَلُونَ)  كل قادم من جانب المدينة (عَنْ أَنْبَائِكُمْ) عما جرى عليكم،(وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ) هذه الكرة، ولم يرجعوا إلى المدينة، وكان قتال، (مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا 20) رياء وخوفا من التعيير.

 

(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) خصلو حسنة من حقها أن يتأسى بها كا مؤمن، كالثبات في الحرب ومقاساة الشدائد، (لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ) أي: ثواب الله، (وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا 21) وقرن بالرجاء كثرة الذكر المؤدية الى ملازمة الطاعة، فان المتأسي بالرسول من كان كذلك.

 

(وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ) بقولـه تعالى: (أم حسبتم أن تدخلوا الجنَّة وَلَمَّا يأتكم مَثَلُ الذِينَ خلوا من قبلكم)، وقوله عليه السلام: يشتد الأمـر باجتماع الأحزاب عليـكم والعـاقبة لكم عليهم  ، (وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ) وظهر خبر الله ورسوله، أو صدقه في النصرة والثواب كما صدقا في الاظهار، (وَمَا زَادَهُمْ) لما رأو البلاء (إِلَّا إِيمَانًا) بالله ومواعيده،  (وَتَسْلِيمًا 22)لأوامره ومقاديره.

 

(مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ) من الثبات مع الرسول والمقاتلة لأعداء الدين، (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ) نذره، بأن قاتل حتى استشهد، والنحب: النذر، استعير للموت لانه كنذر لازم في رقبة كل حيوان، (وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ) الشهادة، (وَمَا بَدَّلُوا) شيئاً من الدين، وما غيروه، (تَبْدِيلًا 23) فيه تعريض لأهل النفاق ومراض القلوب بالتبديل، (لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) تعليل للمنطوق والمعرض به، فكأن المنافقين صدقوا بالتبديل عاقبة السوء، كما قصد الخلص بالثبات والوفاء، (إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا 24) للتائب.

 

(وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا) يعني: الاحزاب (بِغَيْظِهِمْ) متغيظين (لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا) غير ظافرين، (وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ) بهزيمتهم بالريح والملائكة، (وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا) على إيجاد ما يريده، (عَزِيزًا 25) غالبا على كل شئ. (وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ) ظاهروا الأحزاب، أي: عاونوا الأحزاب (مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ) من حصونهم (وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ) الخوف، (فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا 26 وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ) مزارعـهم، (وَدِيَارَهُمْ) حصـونهم، (وَأَمْوَالَهُمْ) نقودهم ومواشيهم وأثاثهم، (وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا) قيل: كل أرض تفتح، (وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا 27).

 

(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا) السعة والتنعم فيها، لا التزود منها، (وَزِينَتَهَا) زخارفها الظاهرة، كما الذين لا يعلمون الا ظاهر من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون، (فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ) أعطـكن المتـعة، (وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا 28) طلاقا من غير ضرار وبدعة، كأن هذه الآية تدل على أنه نهى عن معاشرة الأزواج المنافقات، وكأنه خص بهذا دون أمتـه. (وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآَخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا 29) تستحقر دونه الدنيا وزينتها.

 

(يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) ظاهر قبحها، (يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا 30 وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ) ومن تدم على الطاعة (لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ) قيل: مرة على الطاعة، ومرة على طلبهن رضى النبي بالقناعة وحسن المعاشرة، (وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا 31)  في الجنة على أجرها.

 

(يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ) مخالفة حكم الله ورضى رسوله، (فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ) مثل قول المربيات، (فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا 32) حسنا بعيدا عن الريبة، (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ) أمرهن الله بالوقار والقرار جميعا، وقرئ: وقرن، بقتح القاف، أي: الزمن في بيوتكن، ومن كسره: فهو أمر بالوقار، (وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى) تبرجا مثل تبرج النساء في أيام الجاهلية القديمة، والجاهيلة الأولى: هي التي فبل ظهور الاسلام، وهي جاهلية الكفر.

 

والتبرج: هو إظهار ما وجب لعله إخفاؤه، (وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآَتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) في سائر ما أمر كن به، ونهاكن عنه، (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ) الذنب المدنس لعرضكم، (أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ) عن المعاصي (تَطْهِيرًا 33)  استعار الرجس للمعصية، والترشيح بالتطهير للتنفير عنها.

 

(وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ) من الكتاب الجامع بين الامرين؛ وهو تذكير بما أنعم عليهن من حيث جعلهن أهل بيت النبوة ومهبط الوحي، وما شاهدن من بركات الوحي مما يوجب قوة الإيمان، والحرص على الطاعة، حثاً على الانتهاء والائتمار في ما كلفن به، (إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا 34) يعلم ويدبر ما يصلح للدارين.

 

(إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ) الداخلين في السلم لحكم الله، (وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) المصدقين بما يجب أن يصدق، (وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ) المداومين على الطاعة، (وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ) في القول والعمل والنية، (وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ) على الطاعات وعن المعاصي، (وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ) المتواضعين لله بقلوبهم وجوارحهم، (وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ) بالواجب وغيره من أموالهم، (وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ) المفروض وغيره، (وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ) عن الحرام، (وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ) بقلوبهم وألسنتهم ذكر إخلاص بما يردعهم عن المعاصي، وينهضهم الى الطاعات، ولا يكون من الذاكرين الله كثيرا حتى يذكره في جميع أحواله، (أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً) بما اقترفوا من الصغائر لأنهن مكفرات مع الانتهاء عن الكبائر، (وَأَجْرًا عَظِيمًا 35) على طاعتهم.

(وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ) ما صح (إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) يقول: ما كان لهم الخيرة فيما اختاره الله وقضاه لهم وعليهم؛ بل ليس أن يختاروا من أمرهم شيئاً، بل يجب عليهم أن يجعلوا اختيارهم تبعا لاختيار الله ورسوله، (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) فيما أمر به من قضائها، (فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا 36) بين الانحراف عن طريقة الصواب.

 

(وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ) بتوفيقه للإسلام، وتوفيقك لعـتقه، (وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ) بما وفقك الله فيه، قيل هو زيد بن حارثة، (أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ) زينب، (وَاتَّقِ اللَّهَ) في أمرها، (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ) هو نكاحها إن طلقها، أو إرادة طلاقها، (وَتَخْشَى النَّاسَ) تعييرهم إياك به، (وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ) أوجب أن يخشى، وليست المعتابة على الإخفاء وحده فإنه حسن، بل على الإخفاء مخافة قالة الناس، وإظهار ما ينافي إضماره، فان الأولى به في أمثال ذلك ] أن [ يصمت ويفوض الامر الى ربه وهذا من أعمال الباطن.

 

(فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا) حاجة لعله طلقها كرامة للنبي، فزوجها الله بنبيه، كما قال: (زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا) بالنكاح وطلقوهن، أو ماتوا عنهن (وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا 37)  أمره الذي يريده مكونا لا محالة.

 

(مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ) قسم له وقدر، (سُنَّةَ اللَّهِ) من ذلك سنته (فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا 38) قضاء مقضيا، وحكما مثبوتا. (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ) لا يخشون مقالة النـاس ولائمتهم قيمـا أحل الله لهم، وفرض عليـهم، (وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا 39)  كافيا للمخاوف، أو محاسبا، فينبغي أن لا يخشى الا منه.

 

(مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا 40 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا 41)  قيل: خالصا، لعله أو يغالب الاوقات، ويعم أنواع ما ] هو[ أهله من التقديس والتمجيد؛ وقيل: في أحوالكم التي يجب عليكم فيها ذكر الله تعالى، لانهم إذا ذكروا الله في شئ دون شئ صار ذكرا قليلا، ولم ينفع، كمن يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض، (وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا 42) أول النهار وآخره خصوصا، أو تخصيصهما بالذكر للدلالة على فضلهما على سائر الاوقات، وقيل: المراد بالسبيح: الصلاة أو الطاعة عموما، وهذا يستوعب كل النهار، وذلك ما دام المتعبد معتصما بالجملة غير خارج منها بشئ من معاصي الله تعالى، فهو في الحقيقة موحد لله، وذاكر له، ةمسبح له، وإن لم يسبح بلسانه.

 

(هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ) فقيل: صلاة الله عليهم: رحمته، وغفرانه لذنوبهم، وصلاة الملائكة لهم: استغارهم لهم ليس بالركوع والسجود ] وإنما[ بالاستغفار لكم والقيام بما يصلحكم، والمراد بالصلاة المشترك وهو العناية بصلاح أمركم وطهور شرفكم، لعله مستعار من الصلو، وقيل: الترحم والنعطاف المعنوي مأخذ من الصلاة المشتملة على الانعطاف الصوري الذي هو الركوع والسجود؛ واستغفار الملائكة ودعاؤهم للمؤمنين ترحم عليهم سيما وهو سبب للرحمة من حيث إنهم مجابو الدعوة، (لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ) ليحفظكم بتوفيقه من ظلمات الكفر والمعصية إلى نور الإيمان والطاعة، وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا 43)  حيث تفضل عليهم بصلاح أمرهم واستعمل في ذلك ملائكته المقربين.

 

(تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ) عند الموت أو القيامة؛ أو دخول الجنة (سَلَامٌ) إخبار بالسلامة عن كل مكروه وآفة، (وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا 44)  هي الجنة.

 

(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا) على مـا بعتث إليهم، بتصديقهم وتكـذيبهم، (وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا 45 وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ) الى الاقرار به وبتوحيده، وبما يجب الايمان به من صفاته. (بِإِذْنِهِ) بتيسيره، أطلق له من حيث إنه من أسبابه، وقيد به الدعوة إيذانا بأنه أمر صعب لا يتأتى إلا بمعونة منه، (وَسِرَاجًا مُنِيرًا 46) يستضاء به عن ظلمات الجهالة، وتقتبس من نوره انوار البصائر.

 

(وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا 47)  على أجر أعمالهم. (وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ) تهيج له على ما هو عليه من مخالفتـهم. (وَدَعْ أَذَاهُمْ) إيذاءهم إياك، ولا تحفل به، أو إيذاك إياهم مجاراةً، (وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا 48)  موكولا إليه الأمر في الأحوال كلها.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا) تحصونها عليهن بالإقراء والأشهر، (فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ) خلوا سبيلهن، (سَرَاحًا جَمِيلًا 49) كما أمر الله. سراجا جميلا.

 

(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آَتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) ليس لأحد من المؤمنين دونك؛ (قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا 50).

 

(تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ) تترك مضاجعتها، (وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ) وتضم إليك وتضاجعها، (وَمَنِ ابْتَغَيْتَ)  طلبت، (مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى)  أقرب (أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آَتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ)  ذلك التفويض إلى مشيئتك أقرب إلى قرة أعينهن، وقلة حزنهن، ورضائهن جميعا، لانه حكم لهن كلهن فيه سواء، ثم إن سويت بينهن وجدن ذلك تفضلا منك، وإن رجحت بعضهن علمن أنه بحكم الله فتطمئن نفوسهن، (وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ)  من أمر النساء والميل إلى بعض دون بعض. (وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا 51)  .

 

(لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ)  حسن الجمـال والدين،(إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا 52) فتحفظوا أمركم ولا تتخطوا ما حد لكم.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ) إلا مـأذونا لكـم (إِلَى طَعَامٍ) متعلق بـ يؤذن، لأنه متضمن معنى يدعى، للإشعار بأنه لا يحسن الدخول على الطعام من غيره وإن أذن، كما أشعر به قوله: (غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ) غير منتظرين وقته، أو إدراكه، (وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا)  تفرقوا ولا تمكثوا؛ والآية خطاب لقوم كانوا يتحينون طعام رسول الله، فيدخلون ويقعدون منتظرين لإدراكه، مخصوصة وبأمثالهم، وإلا لما جاز لأحد أن يدخل بيوته بالإذن لغير الطعام ولا اللبث بعد الطعام لمهم؛ والآية كأنها مخصوصة في الظاهر بالنهي عن الدخول لبيوت النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن يقتضي معناها المنع عن الدخول إلى الأكل لجميع البيوت، الإ بدعوة أو دلالة سبقت لها الإمارات على إباحتها. (وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ) لحديث بعضكم بعض، أو لحديث أهل البيت بالتسمع له، عطف على  ناظرين، أو مقدر بفعلِ، أي: ولا تدخلوا ولا تكثوا مستأنسين، (إِنَّ ذَلِكُمْ) اللبث (كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ)  لتضييق المنزلة عليه، وعلى أهله، وإشغاله بما لا يعنيه عما يعنيه. (فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ) من إخراخكم، لقوله: (وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ) يعني أن إخراجكم حق فينبغي أن لا يترك حياء كما لا يتركه الله ترك الحيي، فأمركم بالخروج.

 

(وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا) ما ينتفع به، (فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ) أي: ستر. روي أن عمر قال:  يا رسول الله يدخل عليك البر والفاجر، فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب فنزلت. (ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) من الخواطر الشيطانية.

 

(وَمَا كَانَ لَكُمْ) وما صح لكـم (أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ) أن تفعلوا ما يكـرهه، (وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا 53 إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا 54) .

 

(لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آَبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ) استثناء لمن لا يجب الاحتجاب عنهم، (وَلَا نِسَائِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ) من الإماء على نسق نسائهن؛ وقيل: من الذكران أيضا (وَاتَّقِينَ اللَّهَ) فيما أمرتن به، وأن يراكن غير هؤلاء، (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا 55)  فيجازيكم على حسب أعمالكم.

 

(إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا 56) أي انقادوا لأوامره، ولا تتعالوا عليه. (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) يرتكبون ما يكرهانه من الكفر والمعاصي (لَعَنَهُمُ اللَّهُ) أبعدهم من رحمته (فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا 57 وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا) بغير جناية استحقوا بها، (فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا 58)  ظاهرا.

 

(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ) يرخين أرديتهن وملاحفهن فيتقنعن بها، (ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ) يميزن عن الإماء والفتيات، (فَلَا يُؤْذَيْنَ) فلا يؤذيهن أهل الريبة بالعرض لهن، (وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا 59) .

 

(لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ) عن نفاقهم، (وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) ضعف إيمان وقلة ثبات، (وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ) يرجفون اخبار السوء، سرايا المسلمين ونحوها من إرجافهم؛ وأصله: التحريك، من الرجفة، وهي: الزلزلة سمى به الأخبار الكاذبة لكونه متزلزلا غير ثابت، (لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ) لنأمرنك بقتالهم وإجلائهم، أو ما يضطرهم إلى طلب الجلاء. (ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا 60 مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا 61 سُنَّةَ اللَّهِ) أي: كسنة الله (فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ) أي سن الله ذلك في الأمم الماضية، وهو أن يقتل الذين نافقوا الأنبياء، وسعوا في وهنهم أينما ثقفوا، (وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا 62)، لأنه لا يبدلها هو، لأنها حكمة وحق ولا يقدر غيره على تبديلها.

 

(يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ) لم يطلع عليها ملكا ولا نبياً، حكمةً من الله بالغة، (وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا 63) فيه تهديد للمستعجلين، وإسكات للمتعنتين. (إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا 64 خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا 65 يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ) تصرف من جهة إلى جهة كاللحم يشوي في النار، (يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا 66)  فلن نبتلى بهذا العذاب. (وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا 67 رَبَّنَا آَتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا 68).

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آَذَوْا مُوسَى) أي لا تؤذوا من لا يستحق الأذى، (فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا) فاظهر براءته من مقولهم، (وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا 69 ) ذا قرابة ووجاهة منه.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ) في ارتكاب ما يكرهه، (وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا 70) قال ابو سعيد:  القول السديد: هو العدل، وهو الجملة، وهي شهادة ان لا إله الإ الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن جميع ما جاء به محمج عن الله فهو الحق، فهذا هو القول السديد في أثل الدين، وهو الجملة والتمسك بها انتهى كلامه. قال الغزالي:  التسديد: فهو توحيد حركاته إلى صوب المطلوب، وتيسيرها عليه ليستد في الصواب في أسرع وقت.( يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ) يوفقكم للأعمال الصالحة، ويصلحها بالقبول والإثابـة عليها، (وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) ويجعلها مكفرة باستقامتكم في القول والعمل؛ (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) في الأوامر والنواهي (فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا 71) يعيش في الدنيا حميدا، وفي الآخرة شهيدا.

 

(إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ) تقرير للوعد السابق بتعظيم الطاعة؛ وسماها أمانة من حيث إنها واجبة الاداء ، والمعنى: انها - لعظمة شانها – بحيث لو عرضت على هذه الأجرام العظام، وكانت ذا شعور وإدراك لأبين أن يحملنها وأشفقن منها، وحملها الغنسان مع ضعف نيته ورخاوة قوته، لا جرم فالمؤدي لها والقائم بحقوقها يفوز بخير الدارين، (إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا) حيث لم يف بها ولم يراع حقها، )( بكنه عاقبتها؛ وهذا وصف للجنس باعتبار الأغلب. وقيل: المراد بالأمانة الطاعة التي تعم الطبيعة والاختيارية؛ ولعل المراد بالأمانة: العقل والتكليف، وبعرضها عليهن: اعتبارها بالإضافة إلى استعدادهن، وبإيبائهن الإيباء الطبيعي الذي هو عدم اللياقة والاستعداد، وتحمل الإنسان: قابليته واستعداده لها؛ وكونه ظلوما جهولا لما غلب من القوة الغضبية والشهوية، وعلى هذا يحسن ان يكون علة للحمل عليه، فإن من فوائد العقل ان يكون مهيمنا على القوتين، لعله الديني والدنياوي، حافظا لهما عن التعدي ومجاوزة الحد، ومعظم مقصود التكليف تعديلهما وكسر سورتهما.

 

(لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ) لعله وهو وصف للخائنين للأمانة، (وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) الذين قاموا بها على الوجه المأمور به، (وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا 73).